لأنه في ما هو قد تألم مُجرباً يقدر أن يُعين المجربين

 

“لأنه في ما هو قد تألم مُجرباً يقدر أن يُعين المجربين” (عب ۲ : ۱۸)

هنا استعلان بشرية المسيح في أعمق معناها وطبيعتها . لقد صار بشراً ليذوق كل ما يذوقه البشر من آلام ، حتى يكون كطبيب مارس الألم ، فأصبح يعرف كيف يعالج المتألم . ومحام ذاق الظلم ، فيعرف كيف يحامي عن المظلوم . وكقائد ذاق مذلة الأسر فيعرف كيف يصر على فك المأسورين . وكملك ذاق مذلة العبيد ، لكي حينما يجلس على عرشه يرفع العبيد رفقاءه للجلوس معه.

هنا المعونة بمفهوم الشفاعة العملية تدخل في أعمق مفهوم لها ، فهي ليست معونة من على بعد ؛ بل معونة من داخل التجربة ، لا كمنقذ يمد ايده من فوق ليرفع غريقة ؛ بل كغواص نزل إلى العمق ليرفع الغريق على كتفه . لا كطبيب يداوي مرضاً درسه ؛ بل كطبيب أخذ العدوى بإرادته ليُمرض كل مريض بذات المرض ، وكأنه يقول للمريض عن حق : لا تخف! جسمي كجسمك ، ونفسي كنفسك ، وألمك ألمي ، وحزنك حزني ، وشفاؤك عندي.

وهذا تماماً ما يقوله المسيح للخاطئ : خطيتك أنا أعرفها ، لقد قست طولها وعرضها ، لقد حملتها معك دون أن تدري ، فثقلها عليك هو ثقل عليَّ ، ومرارتها في حلقك هي مرارة في حلقي ، ودموعك عليها محفوظة في حرز عندي . أنت رازح تحتها مغلوباً ، هذا أنا أعلمه ، وأنا نزلت تحتك وحملتك على صليبي ورفعتها من على كتفك ووضعتها على كتفي . فثق وتشجع ، فأنا معك ، بل أنت فيَّ وخطيتك صارت خطيتي ، وقد أمتها بموتي وأحييتك معي ، وها أنا أقدمك إلى أبي مطهراً وبلا لوم مغسولاً ومقدساً بدمي.

فاصل

من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى