ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني

 

“ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني” ( مت ۳۸:۱۰)

من يتذمر على صليبه يزداد ثقلاً عليه ، ومن رضي بصليبه هان عليه و وخف حمله ، لماذا ؟

يا إخوة ، هوذا سر أقوله لكم ، إن اسم الصليب وحقيقته صار تابعاً للمسيح ، وصار حمل الصليب في رضا وصمت بمثابة قبول المسيح ، فكل من يقبل الصليب ويحمله يكون قد قبل المسيح . فأصبح الصليب هو الانحياز للمسيح ، بمعنى أن من يحمل صليبه في قبول ورضا يكون قد قبل المسيح رباً وإلهاً.

 إن من يحمل صليب المسيح لا يمكن أن يتركه المسيح  يعاني ما عانی هو ، لأن الذي عاناه المسيح هو من أجلنا ، والصليب كان لحسابنا . فالمسيح لا يقبل أن نحمل صليبه وحدنا ، فهو وعد أن يكون شريكنا في الامنا ، لأنه سبق واحتملها عنا . فكل من يضطهده العالم ويُحملة الصليب عنوة ، يحمله عنه المسيح سراً، بل ويهبه القيامة أيضاً.

فأصبح قول : ” من يحمل صليبه ويتبعني” هو بمثابة اختبار ، فإن رضينا به ، تولى المسيح حمله مع تعزية وقوة خفية ترفعنا فوق كل اضطهاد ووكل تعذيب وطرد .

لذلك أصبح البعض يفتخر في الضيقات أنه صار بها محبوب المسيح والله ، وأصبحت له دالة على المسيح بصفته شريك آلامه وصليبه .

فمرحباً بالصليب والضيقات ، لأننا بها ننال شركة حقيقية في الام  المسيح وصليبه ، وتلمذة للمسيح أو تلمذة حقيقية للصليب .

الصليب هنا علامة التضحية والبذل ، التضحية بالذات وكل ما يشدها إلى الأرض والعالم ومسرات هذا الدهر ، وبكل العواطف والغرائز التي تطالب بمزيد من استقلال الذات وتنعيمها أو راحتها وكرامتها ومجدها .

في الحقيقة إن الإنسان المنطلق بالروح نحو الله يعاني من شدة جذب هذه الأمور ، في قوة تبلغ في عنفها إلى حد التمزق . المسيح يُدرك هذا انا مقدماً ويقول : نعم خذ صليبك هذا وتعال اتبعني ، وإلا فلن تستحق الحياة الأبدية وملكوت الله.

فالخلود له ثمن : التضحية بالزائل الفاني! والسماء والحياة الأبدية لها ثمن : احتقار الأرض وأباطيل العالم . وعشرة القديسين في أسرة المسيح لها ثمن : التضحية بغرائز الأسرة والصداقات الوهمية المتغيرة الفانية. ومواجهة هذا التوتر والجذب بين قطبي العالم والله ، الجسد والروح ، هو صليب الإنسان في هذا العالم . فإذا لم يحمله الإنسان بوعي ومسرة فلن يستحق الخلاص والتبني والمصالحة مع الله ، وتصيرله مجرد آمال وأماني ورجاء غير محقق.

أما الفارق بين صليب الإنسان وصليب المسيح ، فالأول إماتة والثاني موت!
وعجيب أن يحسب صليب الإماتة عن العالم مساوياً ومستحقاً لصليب الموت الذي للمسيح ؟ إلى الدرجة التي يقال فيها عن إنسان يمارس إماتة الذات أنه مات عن العالم !

فاصل

من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين

زر الذهاب إلى الأعلى