وينام ويقوم ليلا ونهارا
“وينام ويقوم ليلا ونهارا و البذار يطلع وينمو و هو لا يعلم كيف” ( مر 4: 27)
أول وأعظم عمل يعمله المسيح للإنسان الذي يسلم حياته له ، هو أن يقرَّبه لنفسه كعزيز عنده ، ويشعر الإنسان بهذا الشعور جارفاً ، وقد يعلن الله له ذلك ، بل وحتى يمكن أن يظهر له ذاته . وقُرب المسيح من الإنسان يكون بمثابة شرارة تلهب قلب الإنسان فتشعل نار الروح في حياته ليظل يهتف أنه ليس أهلاً لهذا الحب وهذه الثقة . ويبدأ الإنسان يقتنع اقتناعاً صارخاً بالدموع أن المسيح هو أهل حقاً أن يتسلم الحياة التي له.
أما ثاني عمل هام يعمله المسيح مع الذي تقدم ليسلمه حياته ، فهو أن المسيح يضع إصبعه بشدة على الأركان القذرة في حياة الإنسان ، والمخالفات المميتة لوصاياه من جهة البغضة والعداوة والكذب التي هي بمثابة الرواسب العفنة من صُنع الذات . فهو بمجرد أن يضع إصبعه بشدة على بؤرة الخطية ، يصرخ الإنسان ويتلوى لأنه يكون كنار تحرق في الضمير . وهذا هو الشفاء بكي النار.
وتبدأ حساسية الإنسان تزداد من نحو وجود المسيح وفهم إشاراته من جهة الرضى والرفض لأعمال الإنسان وأفكاره ، وقبول الإيحاءات بالقيام بأعمال جديدة يطلبها منه المسيح لبناء حياته ونموه أولاً ، ثم توجيهات لخدمات يقوم بها لمجد المسيح والشهادة له.
حينئذ ينفتح وعي الإنسان ليدرك قدرة المسيح الهائلة في معرفة تفاصيل أفكاره ونياته وأعماله . فتزداد قناعته أن يقدم للمسيح كل خفيات قلبه بفرح لكي يشرك المسيح في كل حياته وفي كل أعماله.
وبقدر أمانة الإنسان في تقديم حياته وعرض مشاكله وثقته في قدرة المسيح ثقة مطلقة ، بقدر ما يزداد المسيح تدخلاً في حياته وسرعة استجابته.
وشيئاً فشيئاً ، يتعلم الإنسان كيف يسير مع الله خطوة خطوة ، ويفهم معاملات المسيح . لأنه ليس في كل وقت وكل حالة يتدخل المسيح ، بل أحياناً يتركه ليتصرف بمفرده ، ثم بعد ذلك يحكم على العمل إن كان قد نجح فيه أو لم ينجح ، ليدرب الإرادة والمشيئة على التصرف الإيجابي بحسب وصاياه في الإنجيل.
وأحياناً كثيرة لا يعطي المسيح مشورة ، ولكن يكتفي بأن يلقي سلامه في القلب ليعلم الإنسان مباشرة برضى الله عن الموضوع لينطلق فيه بثقة الإيمان معتمداً على الله.
أما إذا توقفت المشورة وتوقف السلام في القلب فليحذر الإنسان الذي سلم حياته لله ، فهنا عليه أن يطرح نفسه في الصلاة حتى يكشف له المسيح خطأه ليُصححه في الحال ويتعهد بمزيد من الخضوع والأمانة. ۳۱
إذا قدم الإنسان اهتمامه بأمور العالم أو أمور الجسد قبل اهتمامه بطاعة المسيح والاهتمام بعمله ؛ فعليه ألا ينتظر أي استجابة من المسيح .
فقال لها إيليا :”اعملي لي منها كعكة صغيرة أولاً واخرجي بها إلي ، ثم اعملي لك ولابنك أخيراً” ( امل ۱۲:۱۷ و ۱۳ ) . هذا هو صوت الله : الله أولاً، ثم الآخرين ، وآخر الكل أنا ۔
نصيب الرب أولاً، حتى ولو لم يكن موجوداً غيره! فهو الذي يستطيع أن يخلق من الخمس الخبزات ما يشبع الخمسة الآلاف . فمال الرب وخدمته ونصيبه وعمله ووصاياه أولاً، وإلا فلا نستحق الحياة التي نحياها.
في البداية ربما يبدو صوت الرب خافتاً ، ولكن بمجرد البدء في العمل ، بسرعة يزداد وضوحاً.
أحيانا يتدخل العدو خلسة بصوته المزيف ، ولكن بشيء من التمييز نتبينه ، فعلامته سلبية ولا تخرج عن : لا تعمل لأنك مريض ، لا تذهب لأن الميعاد تأخر ، لا تتكلم لأنك غير موهوب ، لا داعي اليوم لأنك مرهق ، لا تتكلم بالإنجيل ، اخف اسم المسيح … وهنا يتحتم الصلاة وطلب المعونة فيختفي الصوت المزيف ويُسمعك المسيح مشورته بوضوح.
بقدر ما يزداد الإنسان أمانة في التنفيذ مهما كلفه من جهد وتعب ؛ بقدر ما يعمل المسيح أكثر ويظهر صوته أوضح ، وتعظم تدخلاته حتى إلى مستوى المعجزات.
من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين