من مقالات الأنبا غريغوريوس أسقف عام البحث العلمي

فضيلة الإماتة

من كلمات الرسول القديس بولس المأخوذة من الأصحاح الثالث من رسالته إلى كولوسي «إن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما هو فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله، اهتموا بما هو فوق … لأنكم قد متم وخياتكم مستترة مع المسيح في الله. متي أظهر المسيح حياتنا فحينئذ تظهرون أنتم أيضا معه في المجد.

فأميتوا أعضاءكم التي على الأرض الزنا، النجاسة، الهوى، الشهوة الردية، الطمع الذي هو عبادة الأوثان. الأمور التي من أجلها يأتى غضب الله على أبناء المعصية الذين بينهم أنتم أيضا سلكتم قبلاً حين كنتم تعيشون فيها».

ومما جاء في رسالة القديس يوحنا الأولى: «لا تتعجبـوا ياأخوتي إن كان العالـم يبغضكم».

ربط الكتاب المقدس ربطاً بين قيامة المسيح التي نحن نعيش في جوها في الخمسين المقدسة، وبين فضيلة الإماتة «إن كنتم قد قمتم مع المسيح فأطلبوا ما فوق، لا بما على الأرض، اطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله، اهتموا بما فوق لا بما على الأرض». وبعد ذلك يقول «أميتوا أعضاءكم التي على الأرض»، وهذه العلاقة بين القيامة وبين الإماتة قائمة في أول سر من أسرار الكنيسة وهو سر المعمودية، ففي المعمودية يدفن الإنسان بتغطيسه في الماء، ولما كان هذا الماء قد انحدر عليه الروح القدس فلم يعد ماء على بسيط الحال، وإنما صار ماء تفاعل معه الروح القدس فأصبح ماء نارياً خلاقاً، أصبح ماء نارياً قادراً على الإحراق، إحراق الخطيئة وإزالة الإنسان العتيق وإماتت الإنسان القديم، الطبيعة القديمة التي ورثها الإنسان بالميلاد الأول من أبينا آدم، وحينما يقوم الإنسان بخروجه من ماء المعمودية بفاعلية الروح القدس، يكون قد قام إنساناً جديداً في صورة المسيح الذي قام من بين الأموات. إذن هناك عملية دفن وموت وعملية إقامة من جديد، إنسان قديم قد ذهب وإنسان جديد قد ولد، ومن هنا فإن المعمودية ميلاد من الماء والروح، میلاد ثانی میلاد من فوق. فبعد أن نكون قد ولدنا من فوق، وبعد أن يكون المسيح قد أقامنا وصرنا فيه مقامين مرتفعين منتصبين ظافرين، لا ننحني للخطيئة مرة أخرى، ولا ننحني لنلتقط شهوة رديئة لا تناسب قامتنا الروحية في المسيح، فإذا حاربتنا بعد المعمودية رغبة أو شهوة من خارج. إذا أراد الشيطان أن يجمل الخطيئة أمامنا، فلنذكر · أننا أبناء المعمودية احترق فينا الإنسان القديم، وولدنا من جديد، وصار لنا كيان جديد، ميلاد جديد، قامة جديدة في المسيح، قامة الرب الذي قام من بين الأموات، وما ينبغي أن تكون عليه هذه القامة من رفعة وإنتصاب وانتصار وظفر، فلا ننحني من جديد للخطيئة، ولا نتكالب على الشهوة ولا نرجع إليها كما يرجع الكلب إلى قيئه، لأننا ارتفعنا في المسيـح وأصبحنا مقامين في المسيح. إذن ارفعوا عيونكـم إلى فوق «إن كنتـم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما هو فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله، اطلبوا ما هو فوق لا بما على الأرض اميتوا أعضاءكم التي على الأرض». أميتوها بالإرادة، لا تسمحوا بشهوة رديئة، لا بالزنا ولا بالغضب، ولا للهو ولا للطمع ولا لعبادة الأوثان المحرمة، لا لرغبة ما من هذه الرغبات، وشهوة ما من هذه الشهوات، التي لا تتناسب مع القامة الروحية التي صارت لكم في المسيح، أميتوا أعضاءكم، أميتوها بالإرادة بأن تنصرفوا عن هذه الرغبات والشهوات، وتصدفوا عنها وتتحولوا عنها وتتحولوا إلى ما هو فوق، لأن هذه هي قامتكم وهذه هي الرفعة التي رفعكم المسيح إليها. من هنا أصبح لنا بموت المسيح وقيامته تعارض، أصبح لنا طبيعة تتعارض مع العالم وشهواته، وأفعال الطياشة التي لا تليق بالمسيحيين، أصبح هنا تعارض، وهنا معنى قول الرسول يوحنا «لا تتعجبوا يا إخوتي إن كان العالم يبغضكم» (1يو3: 13). لأنه صارت عداوة بينكم وبين العالم، لأنكم وقد قمتم مع المسيح وتغيرتم عن شكلكم، وبتجديد أذهانكم صارت لكم طبيعة مغايرة عن طبيعة العالم، فلا تتعجبوا إن كان العالم يبغضكم لأنه لا يحب فيكم هذه القامة المرتفعة، وهذا السمو، وهذا الترقي، وهذا الارتفاع مع المسيح، هذا لايرضاه لكم العالم، العالم هنا لا بمعنى الدنيا أو الطبيعة أو الكون، ولكن بمعنى شهوات العالم، حينما يقول الكتاب «لا تحبوا العالم» كلمة العالم هنا بمعنى شهوات الدنيا ورغباتها في مقابل الحياة المقامة في المسيح.

زر الذهاب إلى الأعلى