من يكون الرب يسوع؟

للأب أنتوني كونيارس

كان شخصان يقفان بعربتيهما أمام إشارة المرور الحمراء أثنـاء اندفاع العربات الشديد في أحد شوارع نيويورك، وكـان أحدهما ساخطا هائجا مغتاظا تأخر الإشارة وهو يقول: “هـذه المدينـة فاقدة النظام والانضباط تماما”، وأضاف قائلاً: “انظر إلى حركة المـرور! إنها مرعبة! لابد من عمل إصلاحات وتنظيمات جديدة”.

فأجابه الرجل الآخر بهدوء: “اليوم عيد ميلاد الرب يسوع!”

ألا تفرح؟!

من هو الرب يسوع:

ذاك الذي قال: «أنا والآب واحد» (يو10: 30).

هو هو ذاك الذي قال: «الذي رآني فقد رأى الآب» (يو14: 9).

هو ذاك الذي قال إنه قبل أن يولد إبراهيم كـان موجـودا: «قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن» (يو8: 58).

من يكون هذا الذي يصرح أن كل نبوات العهد القديم الخاصة بالمسيا الآتي تكمل فيه؟

من يكون هذا الذي قال عنه أعداؤه: «لم يتكلم قط إنـسـان هكذا مثل هذا الإنسان» (يو7: 46)؟

من يكون هذا الذي يعلن أن له السلطان الكامل على الدينونـة المخوفة لكل البشر في اليوم الأخير حسب قوله: «ليس كل من يقـول لي: يارب، يارب! يدخل ملكوت السموات، بل الـذي يفعـل إرادة أبي الذي في السموات. كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يارب، يـارب! أليس باسمك تنبأنا، وباسمك أخرجنا شياطين، وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟ فحينئذ أصرح لهم: إني لم أعرفكم قط! اذهبوا عنّـي يـا فاعلي الإثم» (مت7: 21-23)؟

من يكون هذا الذي يساوي صوته بصوت الله الذي تكلم في العهد القديم فيقول: «قد سمعتم أنه قيل للقدماء: “لا تقتل”… وأما أنا فأقول لكم: إن كل من يغضب على أخيه باطلاً يكـون مـستوجب الحكم» (مت5:: 21-27)؟

من يكون هذا الذي لم يقـل: سـوف أبـيـن لـكـم، أو سأعلمكم، أو أقودكم إلى الطريق والحق والحياة، ولكنّه قال: «أنا هو الطريق والحق والحياة» (يو14: 6)؟

من يكون هذا الذي قال: «أنا الألف والياء، البداية والنهاية، الأول والآخر» (رؤ22: 13)؟

من يكون هذا الذي هدا العاصفة على بحر الجميل «مت8: 23-27»؟

من يكون هذا الذي شفى المرضى، فكان «يشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب… فأحضروا إليه جميـع القماء المصابين بأمراض وأوجاع مختلفة، والمجانين والمصروعين والمفلوجين فـشفاهم» (مت4: 23-24)؟

من يكون هذا الذي أمر الموتى فقاموا من الموت وعـادوا إلى الحياة (لو7: 11-17 ؛ لو8: 40-48 ؛ يو11)؟

من يكون هذا الذي قال عنه بولس الرسول: «أستطيع كـل شيء في المسيح الذي يقويني» (في4: 13)؟

من يكون هذا الذي قال: «إن سألتم شيئا باسمي فإني أفعلـه» (يو14: 14)؟

من يكون هذا الذي قال: «السماء والأرض تزولان، ولكـن كلامي لا يزول» (لو21: 33)؟

ذات مرة عندما كنا نحج في الأراضي المقدسة، أخـذونا إلى مكان المراعي التي كان يرعى فيها الرعاة الذين ظهر لهـم الملائكـة يسبحون: «المجد الله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة» (لو2: 14)، وكانت المراعي التي كان الرعاة يحرسون فيها حراسات الليل على رعيتهم بقرب المغارة التي ولد فيها الرب يسوع، وإذ بواحد من مجموعتنا يجهش بالبكاء وقد تعذر عليه الكلام فيما كـان وجهه يحتدم بالانفعال بابتسامة جميلة، ثم نطق وهو يشير بيـده إلى بيت لحم الواقعة على هضبة تبعد عنا حوالي مسافة ميل: “ما الـذي كان سيحدث لو لم يولد المسيح؟ إنه جعل الحياة لي جميلـة وذات معنى، تحيط بها النصرة، هذا كله كان منذ أن تقابلت معه”.

من يكون يسوع هذا الذي غير حياة البشرية، وملأها بالمعنى والفرح والسلام؟

من يكون هذا الذي قال: «أنا هو خبز الحياة» (يو6: 35)، «أنا هو نور العالم» (يو8: 12)، «أنا هو الباب» (يو10: 9)، «أنـا هـو الراعي الصالح» (يو10: 11)، «أنا هو القيامة والحياة» (يو11: 25)؟

من يكون هذا الذي قال: «تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم» (مت11: 28)؟

من يكون هذا الذي قال عنه بولس الرسول: «لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجـد الله الآب» (في2: 10-11)؟

من يكون يسوع هذا الذي يقول عنه بولس الرسول: «فيه خُلق الكل… الكل به وله قد خلق» (كو1: 16)؟

من يكون هذا الذي يقول عنه بولس الرسول: «فيه يحل كـل ملء اللاهوت جسدياً» (كو2: 9)، وأيضا: «فيه يقـوم الكـل» (کو1: 17)؟

من يكون هذا الذي بسبب ميلاده الذي كان في لحـم اليهودية تغير التأريخ إلى ب. م A.D أي بعد الميلاد، الأمـر الـذي لم تعمل البشرية مثله لقيصر أو لنابليون أو لأفلاطون أو لسقراط؟

ذات مرة قال الوجودي جان بول سارتر Jean Paul Sartre

“إن الحياة تُشبه ملهى ضخما مليئا بالناس، وهـذا الملـهى تُداهمه النيران من كل جانب، بينما لا توجد فيه آية مخارج أو أبواب تؤدي إلى الخارج، والناس قد تم احتجازهم داخـل الملهى، وهم يدركون ذلك“.

وفي المقابـل يقول يسوع: «أنا هو الباب، إن دخل بي أحد فيخلص، ويدخل ويخرج ويجد مرعى» (يو10: 9)، وبذلك فـإن الرب يسوع يقول إن الحياة ليست هي ملهى بدون أبواب ثداهمه النيران، ولكن يوجد فيه طريق للخروج، كما يوجد فيه باب، وهذا الباب هو المسيح.

يخبرنا ليزلي ويذيرهيـد Leslie Weatherhead عـن حضوره حفلة رائعة قامت بعرض سيمفونية: “مسيا للموسيقار هاندل Handel، وذلك بمصاحبة أوركسترا قوامها مئة عـازف، وعندما وصلوا إلى فقرة هلليلويا وقف الجميع، وعنـدما بلغـت الترنيمة الملهمة ذروتها:

“ملك الملوك، رب الأرباب
سوف يملك إلى الأبد وإلى الدهر، إلى الأبد وإلى الدهر،
هلليلويا! هلليلويا! هلليلويا !“

لم يستطع أحد الأصدقاء الواقفين بجواره من التحكم في نفسه إلا بصعوبة بالغة. وفيما كانوا يستعدون للجلوس، سالت الـدموع علـى وجنتيه، وهمس في أذن د. ليزلي قائلاً: “كان الذي يرتمون لـه هـو مخلصـي!”. قال د. ليزلي فيما بعد: ” لم أنس على الإطلاق، ولـن أنسى أبدا، ذلك المعنى الـذي وضـعـه صــديقي في هـذه الكلمـة: “مُخلَّصـي”

من يكون الرب يسوع هذا؟

إنّ شهود يهوه Jehovahs Witnesses لا ينكرون فقط أن الرب يسوع إلها، بل ينكرون أيضا قيامته بالجسد، وينكرون أنه مخلص العـالم الذين قدم ذاته ذبيحة عن خطايا العالم. هم ينكرون أيضا الثالوث القدوس. وبحسب اعتقاد شهود يهوه، المسيح هو مخلوق مثلنا وليس إنا، ولا مخلصا، ولا نور من نور، وليس إله حق من إله حق.

من يكون الرب يسوع هذا؟

هو يقول آخرون إن يسوع معلم أخلاقي عظيم، أعظـم مـعـلـم عرفته البشرية قاطبة، ولكن ليس هو إله، ولكننا نطرح على هـؤلاء السؤال التالي: كيف يكون معلما وليس إلها بينما قال في تعليمه إنه إله؟ والآن، إن كنت تقول إنك تؤمن أن شخصا معلم عظيم، فيجب أن تقبل ما يعلم به. المسيح يعلم بوضوح أنه إله، وأنـت لا يمكنك أن تقبله كمعلم ثم لا تقبل ما يعلم به. وبكلمات أخـرى، الاختيار أمامنا وهو: إما أن يكون الرب يسوع هو ما يقولـه أو أن يكون مدعيا. آباء الكنيسة الأوائل أعطونا الإجابـة في القـانون النيقاوي عندما قالوا: “إله حق من إله حق”.

سأل الرب يسوع تلاميذه يوما نفس السؤال: «مـن يقـول الناس إني أنا ابن الإنسان؟» فقالوا: «قوم: يوحنا المعمدان، وآخرون: إيليا، وآخرون: إرميا أو واحد من الأنبياء»، ولكن لم يقنع يسوع بما قاله آخرون عنه، فقد كان يريد أن يعرف ماذا يقول تلاميذه عنـه فقال لهم: «وأنتم، من تقولون إني أنا؟» فأجاب سمعان بطرس وقال: «أنت هو المسيح ابن الله الحي»، فبارك الرب يسوع هـذه الإجابـة وقال له: «طوبى لك يا سمعان بن يونا، إن لحمًا ودما لم يعلن لك، لكن أبي الذي في السموات» (مت16: 13-17). 

من يكون يسوع هذا؟ وماذا يكون بالنسبة لك أنت شخصياً، نحن نعرف ما تقوله الكنيسة عنه:

الرب يسوع هو الله ظهر في الجسد. هو كلمة الله الأزلي الذي يدعونا للشركة معه. هو الراعي الصالح الذي يجد باحثا عن الخروف الضال، أنا وأنت، وعندما يجده يأخذه على ذراعيه فرحا. هو الملـك الذي يدعونا إلى الوليمة العظيمة في ملكوته، العرس الذي يدعونا إليه في زيجة روحية خالصة. هو يتوق أن يدخل معنا في أقوى علاقة شخـصية حميمة. رغبته في أن يأتي ويجعل منـزله في قلوبنا. هو اختار أن تشاركه مجده في السماء. لم يخلقنا لنكون مجرد: “أشخاص فضلاء” يعملـون أعمالاً صالحة لنصل بها إلى السماء، ولكنّه خلقنا لنشاركه حياته لنختبر السعادة الفائقة وندخل في حالة هيام ودهش وسعادة حلوة فائقة لنكون معه في السماء إلى الأبد.

نحن مخلوقون على صورته، ولا يقدر أن يتكلم الرب مع أحد من خليقته سوانا نحن البشر. هو يخاطبنا بطريقة سامية من خلال ابنه يسوع المسيح، الذي أتى ليمنحنا الله الشخصي والخاص. هـو حرفيا يحثنا من خلال صفحات الكتاب المقدس ومن خلال حياتنـا حب على الأرض ليعطينا حبه.

هو أوجدنا من العدم إلى الوجود. أقامنا بعد أن سقطنا في الخطية والموت. لم يترك شيئا إلا وعمله ليرفعنا إلى السماء ويمنحنا ملكوته الآتي. الله يحبنا حتى: «بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية» (يو3: 16)، لم يرسل ابنه ليبلغنـا رسـالة، لكن لكي يظهر لنا على الصليب مدى ارتفاع وعمق وطول وعرض محبته لنا. شيء واحد ناقص، ألا وهو مدى قبولنا لهذا الحـب هـو في شغف ينتظرنا لنبادله حبنا. من وراء الكتاب المقدس بعهديـه القـديم والجديد يأخذ في الاقتراب منّا أكثر وأكثر حتى يقف في النهاية علـى باب قلبنا ويقرع: «إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل إليه وأتعـشى معه وهو معي» (رؤ3: 20).

من هو الرب يسوع هذا؟

ليس هو يسوع المزيف لدى الطوائف والديانات المختلفـة ولكنّه يسوع الحقيقي الذي في الإنجيل، الذي تعلـم بـه وعنـه في الكنائس، الرب يسوع الذي تعيد له اليوم.

من يكون يسوع بالنسبة لك؟ وماذا تقول عنه، هل هو بالنسبة لك الإله الأزلي الذي أخذ جسدا لأجلك؟ الابن الأزلي وكلمـة الله؟ المخلص؟ ملك السلام؟ الماسيا؟ الطريق؟ الحق؟ الحياة؟ الإله الذي أتـى ليمنحك حب الله الغافر؟ الذي أتى ليعطيك الملكوت؟ الشخص الـذي في اسمه فقط تحد الخلاص؟ الذي هو: «قوة الله وحكمة الله» (1كو1: 24). هل قبلته لك رباً وإلهاً ومسيحاً؟ لأن فيه حوى الله كل حبه لك. أن تجهل هذا الحب ولا تتفاعل . معه يعني أن تفقد كل الهدف، لماذا أنت هنا على الأرض؟

تسبحة للقديس غريغوريوس النـزيـنـي على عيد الميلاد:

المسيح ولد، مجدوه.

المسيح جاء من السماء، اذهبوا لتقابلوه.

المسيح نـزل إلى الأرض، ليتنا نرتفع إلى العلا.

دع العالم كله يغني للرب.

دع السماء تفرح والأرض تتهلل.

المسيح هنا بالجسد، دعنا نبتهج بفرح ومسرة.

بخوف، بسبب خطايانا،

وبفرح، بسبب الرجاء الذي أعطانا.

ومرة أخرى انقشع الظلام،

ومرة أخرى أشرق النور وأضاء.

دع الجالسين في ظلام الجهل، يتطلعون نحو نور المعرفة.

الأشياء العتيقة مضت، ها الكل قد صار جديدا.

غير المرئي رأيناه، والذي ليس له يد تلمس لمسناه.

غير الزمني صار زمنياً، وصار لجسده بداية من العذراء.

ابن الله صار ابن الإنسان.

يسوع المسيح هو هو، أمسا واليوم وإلى الأبد.

لأجل خلاص جسدنا اتخذ لنفسه جسدا،

وشارك جسدنا في فقره، كي نتشارك في غنى بره.

< صـلاة >

يا ربي يسوع، نقدم لك كل التكريم والحمد والسجود.

نشكرك، لأنك أتيت إلينا على الأرض، مجسدا لنا محبة الله وحنوه وأبوته.

جئت كطبيب سماوي تشفي أسقام الناس، وتفتح أعـين العميان، وتقيم الموتى بكلمة منك…

لتبرهن للجميع أنك رب قدير لا يستحيل عليك شيء.

يا رب، أعلن شخصك الإلهي لكل الذين لا يعرفونك.

هب راحة لكل متعب، وقوة لكل خائر، ورجاء لكل يائس،

ونورا للعائشين في الظلمة، وحياة جديدة للموتى بالروح.

لكي يفرح الجميع بميلادك في حياتهم،

لأن فيك تجد البشرية كل كفايتها، وتسديد كل احتياجاتها .

لك كل المجد مع أبيك الصالح والروح القدس،

الإله الواحد. آمين.

فاصل

طرود الإغاثة كتب الأب أنتوني كونيارس تعال وانظر 
كتاب لقاء مع الرب يسوع في الأناجيل – ج1
المكتبة المسيحية

 

زر الذهاب إلى الأعلى