الصلاة دعوة إلى الرب للحضور
العظة الثالثة والثلاثون من العظات الخمسون للقديس أنبا مقار
[ ينبغي أن نصلي إلى الله بلا انقطاع وبانتباه ]
[ أ ] الصلاة بانتظار قدوم الرب
[ ب ] حضور الرب وسكناه في القلب
++++++
[ أ ] الصلاة بانتظار قدوم الرب
1- ينبغي لنا أن نصلي ، لا كعادة جسدية ولا باعتياد الصراخ ولا بتعود الصمت ولا بإحناء الرگب ، بل أن ننتظر الله بتيقظ منتبهين إلى عقولنا ، متى يحضر ويفتقد النفس عبر جميع مخارجها وطرقها وحواسها . وهكذا حين تدعو الحاجة لأن نصمت وحين تدعو الحاجة لأن نصرخ بل حتى أن نصلي بصياح ، فقط ليكن العقل مثبتا نحو الله[1]. لأنه على غرار الجسد حين يقوم بعمل ما ، فإنه يكون بالكلية منهمكاً فيه ومنصرفا إليه وأعضاؤه جميعا يشدّ بعضها أزر بعض ؛ هكذا أيضا فلتسلم النفس ذاتها بالكلية إلى طلب الرب ومحبته ، لا تشتتها الأفكار ولا تطيش بها ، بل تجتهد هي بكل ما لها من قوة وتجمع ذاتها مع أفكارها وتتكرس لانتظار المسيح .
۲- وهكذا يشرق هو عليها ، معلما إياها الطلب الحقيقي ، ومعطيا لها الصلاة النقية الروحانية اللائقة بالله ، و « السجود بالروح والحق »[2] لكن كما أن الذي يتخذ التجارة مهنة لا يقنع بوسيلة للربح من جهة واحدة ، بل يسعى حثيثا لكي يستزيد الربح ويضاعفه من كل جهة ، فينصرف من هذه الوسيلة إلى تلك ، ويسرع من هذا المسلك إلى ذاك ، ويسعى متخطيا على الدوام ما لا نفع فيه إلى ما هو أكثر ربحا ؛ هكذا نحن أيضا فلنهيء نفوسنا بشتى السبل وبحذق لكي نربح الربح الحقيقي العظيم ، أي الله ، الذي يعلمنا أن نصلي بالحق . فإئه بهذا يستريح الرب العزم النفس الصالح ، جاعلاً منها كرسي مجد يجلس عليه ويستريح . فهكذا قد سمعنا من حزقيال النبي عن الأحياء الروحانية الحاملة لمركبة السيد ، إذ يقدمها لنا كلها عيونا كالنفس الحاملة لله ، بل بالأحرى المحمولة من الله ، لأنها تغدو كلها عينًا[3]
[ ب ] حضور الرب وسكناه في القلب
٣- وعلى مثال البيت الذي يكون سيده حاضرا فيه ، فإنه يمتلئ من كل اتساق وجمال وبهاء ؛ هكذا أيضا النفس التي تقتني سيدها معها وحالا فيها ، تمتلئ من كل جمال ، لأنها تحوز الرب مع كنوزه الروحية ساكنا فيها وقائدا لمركبتها . لكن ويل لدار يفارقها سيدها ولا يكون ربها حاضرا فيها ، فلقد استحالت خرابًا يبابًا وغصّت بكل نجاسة وفوضى ، وهناك تسكن « أشباح[4] وشياطين » كما يقول النبي ( إش ۱۳ : ۲۱ س ) ؛ فالدار الخربة مأوى للقطط والكلاب وكل نجاسة . وويل لنفس لا تنهض من وطأة سقطتها ولا تقبل المسيح ، رب البيت الصالح ، ساكنا فيها ، بل تقبع في نجاستها وتحتفظ في داخلها بأولئك الذين يستميلونها ويحملونها على معاداة عريسها ويبتغون إفساد أفكارها عن المسيح[5].
4 – لكن حين يرى الرب أن النفس تجمع ذاتها بكل ما أوتيت من قوة ، طالبة الرب في كل حين ومنتظرة إياه ليلا ونهارا وصارخة إليه كما أوصى : « صلوا بلا انقطاع في كل حال [6] » ( 1 تس 5: ۱۷ ) ، فإنه يُنصفها كما وعد[7] ، مطهراً إياها مما فيها من شر ، « ويحضرها إليه عروساً بلا عيب ولا دنس »[8] . فإن كنت تؤمن أن هذه الامور هي حق ، كما هي بالفعل ، فانتبه لذاتك ، إن كانت نفسك قد وجدت النور قائدا لها ، والمأكل والمشرب الحقيقيين اللذين هما الرب ، وإلا فاطلب ليل نهار لكي تناله . فحينما تنظر الشمس ، اطلب الشمس الحقيقية ، لأئك أعمى ؛ وحينما تشاهد نورا ، انظر إلى نفسك إن كنت قد وجدت النور الحق الصالح . فجميع الأمور الظاهرة إنما هي ظل للأمور الحقيقية التي للنفس ، فإلى جوار الإنسان الظاهر هناك آخر باطن ، وهناك أعين قد أعماها الشيطان ، وأذن قد أصمّها ، ولقد جاء يسوع ليصنع شفاء لهذا الإنسان الداخلي . له المجد والسلطان مع الآب والروح القدس إلى الدهور ، آمین .
- نجد في كتاب ” فضائل أنبا مقار – القول رقم 61 ، نظيرا مطابقا تقريبا لوصايا أنبا مقار هذه ، بل ونصادف العبارات عينها بألفاظها ، إذ يقول : ( يجب على الراهب الا يرفع صوته في الصلوات كعادة جسدية … بل ينبغي له أثناء صلاته أن يهتم بأن يكون منتبه العقل ، منتظرا متى يأتي الله ويفتقد مخارج النفس وحواسها وجميع طرقها ، هكذا متي حان الوقت لنصمت أو لنصرخ في الصلاة ، ليكن العقل ساهراً منتظراً الله كل حين ( Amélineau , Histoire des Monastères de la Basse – Égypte – p.174 )
-
يو 24:4 .
-
انظر : العظة 1 – الفقرات : ۱ ، ۲ ، ۳ ، ۹ .
- الكلمة اليونانية هي في أصلها اسم ورد في الأساطير اليونانية لعذاری کن يسحرن بغنائهن البحارة الذين يعبرون بجزيرتهن ، فيستملنهم إليه ثم يذبحهنم ، وقد استعملت السبعينية هذه الكلمة لترجمة الكلمات العبرية : ” النعام ، أو ” البوم ” ، أو ” بنات آوی ، واحتفظت النسخة القبطية للعهد القديم بذات اللفظة اليونانية دون ترجمتها. وسكنى هذه الكائنات في مكان ما كناية عن خرابه وإقفاره ( على سبيل المثال ، انظر : إش 21:13؛ 13:34 إر 39:27).
- انظر 2کو 3:11 .
-
فهم أنبا مقار عبارة في كل شيء الواردة في هذه الآية ، مرتبطة ، لا بما بعدها كما هو واردة في الترجمة البيروتية الدّارجة ( « صلوا بلا انقطاع ، أشگروا في كل شيء ، … إلخ » ) ، بل بما قبلها : « صلوا بلا انقطاع في كل شيء ، أشكروا ، … إخ » . وغني عن القول أنه لم تكن هناك علامات ترقيم قديماً، فلكل واحد أن يقسم كلمات الآية حسبما يفهمها .
-
انظر : لو 8:18
-
أف 5 :27- حسب النص