تلاميذ معاصرون

للأب أنتوني كونيارس

(مت4: 18-23)

دعا الرب يسوع بطرس وأندراوس أخاه وقال لهما: «هلم ورائي فأجعلكما صيادي الناس» (مت4: 19).

الرب يسوع يدعو كل مسيحي في هذه الأيام ويقول له نفـس الكلام: «اتبعني». ولكن كيف يمكننا حقا أن نتبع يسوع الآن في هـذا العالم المتردي والمشوش والمضطرب؟

دعنا الآن نفحص باختصار كيف استجاب تلاميذ معاصـرون لدعوة الرب يسوع وتبعوه، لعلنا نقتدي بهم عندما تلقي ضـوءاً علـى سيرتهم.

تلميذ للرب يسوع في وادي كواي Kwai:

حدث أثناء الحرب العالمية الثانية أن وقعت جماعة إنجليزية في أسر جيش اليابان، وأرسلوا إلى وادي كـواي ليبنــوا كـــوبري” لعبـور القطارات. عاش المسجونون لفترة طويلـة في حالـة مـن الكراهيـة والاستياء، حتى أنهم وصلوا إلى درجة من التدني حتى أخذوا يبغـضـون بعضهم بعضا. عاش هؤلاء المساجين كالحيوانات، فكانوا يسرقون طعام بعضهم البعض إلى درجة موت الضعفاء الذين يُسرق طعامهم.

ذات يوم، أوقف قائد ياباني المسجونين صفاً واحداً وقال لهم إنّ جاروفاً فُقد، وعلى المذنب أن يتقدم ويقر بخطئه، فلم يتقدم أحد. هدد القائد الأسرى أنه إن لم يعترف أحد بالسرقة، سيقوم بإطلاق الرصاص على الجميع، ومع ذلك لم تكن هناك أي استجابة ولم يتكلم أحد. عاد القائد وتوعد بعنف الجنود بالقتل الجماعي، عندئذ تقدم أحد الجنود إلى الأمام فأطلق سراح الباقين، وضرب هذا الجندي إلى الموت.

ما إن مرت أيام إلا وعُرف أنه لا يوجد جاروف ضائع، فقـد حدث خطأ في العد. علم باقي المسجونين أن الجنـدي الـذي تقـدم الصفوف إلى الأمام لم يكن مذنباً، ولكنه تصرف هكذا لينقذ حيــــاتهـم. هذا جعل كل الجو المحيط في السجن يتغير، وبدأ المسجونون يحبـون بعضهم بعضا ويهتمون كل واحد بالآخر، وأصبح للمسيحية معنى آخر لهم، وتحول كثيرون إلى المسيحية وبدأوا في قراءة الكتاب المقدس، وقرر أحدهم أن يلتحق بإحدى البعثات التبشيرية متى أطلق سراحه.

حدث هذا كله عندما قرر أحد المسجونين أن يقـدم حياتـه للموت فداءً لينقذ زملاءه الآخرين، منفذا قول الرب يسوع: «ليس حب أعظم من هذا: أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه» (يو15: 13).

تلميذة للرب يسوع في كولورادو Colorado:

عاشت السيدة مارجريت روسي Mrs. Margaret Rossi، المرأة المكرسة للرب في مدينة صغيرة في كولورادو حيث تتجاوز أعمار 26٪ من سكانها الـ 65 عاما، وكان أقرب طبيب أو مستشفى يبعـد 21 ميلاً عن المنطقة المأهولة بالسكان، فكان عدد كبير من المرضى يتعـذر الذهاب إلى هناك، فيظلون في منازلهم رغم احتياجهم الشديد إلى العلاج، وكم من مرات حدث فيها أن مات مرضى بسبب احتياجهم إلى رعاية طبية، وكم حدث أن مرت أيام طوال قبل أن تكتشف جثثهم عليهم المتعفنة في ديارهم.

لعلاج هذه المأساة، قامت السيدة روسي بتأسيس خدمة نقـل المرضى، والتي تأسست من جماعة من المتطوعين تحت إدارتها، فكانوا يمرون مرة على الأقل كل أسبوع على كبار السن والقاطنين بمفردهم في المنازل. كثير من هؤلاء كانوا موضوعين على كراس متحركـة وهـم يعانون من داء المفاصل، وآخرون مرضى بالسكر، وغيرهـم لـديـهـم مشاكل مرضية مختلفة. كان الانتظام في زيارة المرضى على أعلى درجة من الأهمية، فقد كان المرضى ينتظرون الزيارة ليعرضوا احتياجاتهم على من السيدة روسي. بالإضافة إلى الزيارات المتواترة، كـان هنـاك اتـصـال تليفوني يومي بالمرضى المسنين. كم تغيرت حياة هؤلاء المرضى المسنين، الذين كانون منسيين، بسبب شخص واحد، السيدة روسي، هذه الـتي قررت أن تتبع الرب يسوع، وأن تقدم حبه الحقيقي لأولئك المرضـى والعجزة متممة وصية: «كنت مريضا فزرتموني» (مت25: 36).

تلميذة للرب يسوع في أفريقيا:

جيء بامرأة أفريقية إلى عيادة ريفية تابعة لإرسالية مسيحية في جنوب روديسيا. كانت المرأة تتألم من مرض الزهري في حالة متأخرة، بالإضافة إلى أمراض أخرى لم تكن تتحملها بسبب ضعفها الشديد. ما كان يحميها من الجنون الذي كان يمكن أن يسببه مرض الزهري كـان نوبات الملاريا المتكررة التي كانت تصيبها، وكانت الحرارة العالية الناجمة من جراء ذلك هي التي تحرق ميكروبات الزهري التي كان يمكنـها أن تدمر العقل. إذ كانت هذه المرأة منبوذة من أهل قريتها، والتي أصبحت كألعوبة مرفوضة من الرجال المنحلين، كانت تشعر بالعداء والخـوف عندما كانت تذهب إلى المستشفى، وكانت تتسحب ولا تتكلم مـع أحد. لكن بدأت المرأة تستجيب للمحبة والعناية اللتين كانت تتقابـل معهما. حدث ذات يوم، فيما كانت الممرضة تعالجها، أن انفجـرت المرأة فجأة في البكاء، وانسلت على الأرض وأخـذت تقبـل قـدمي الممرضة، وطرحت أمامها السؤال، لماذا تعاملها الممرضة بهذا الحنو وتلك الشفقة.

جلست الممرضة بجوارها، وأمسكت بكتفيهـا إلى أن توقـف جميع تشنجها، ثم أخذت تحدثها عن الرب يسوع الذي كـان يتمشى في الجليل، وكيف كان يصنع خيرا ويشفي المرضى ويخرج الشياطين مـن المتسلط عليهم إبليس، وكيف كان يحب الجميع، وكيف كـان يطهر الناس من خطاياهم ويغفرها لهم. وأخذت الممرضة تحكـى لهـا كيف أن الرب يسوع كلمها وهي فتاة صغيرة تعيش في أوربا، وحثهـا أن تذهب إلى أفريقيا، لتعلن محبة الرب وشفاءه للناس هناك. واستمرت تقول إن أعظم ما في الموضوع أنها لم تأت بمفردها فقد كـان الـرب وهو، وفي هذه اللحظة يريد أن يدخل قلب هذه المـرأة هناك، يسوع ليطهرها من خطاياها، ويغفر لها ماضيها وليريها محبته الفائقـة. عنـدما تركت المرأة المستشفى في هذه المرة، كانت امرأة مختلفة تمامًا، فقد كان وجهها يشع لمعانا، فقد أعطاها الرب شفاء الروح والجسد. تزوجـت تلك المرأة بعد ذلك، وأسست بيتا مسيحيا، أصبح فيما بعد مكان بهجة وفرح لأهل القرية.

بسبب ممرضة مسيحية واحدة اختارت أن تتبع الرب يسوع وأن تخدمه، حدث تغير كبير في أهل تلك القرية.

تلميذ للرب يسوع في فيلادلفيا:

سافر جيمس ر. جورج James R. George البالغ من العمـر 23 عامًا، والذي يعمل كطيار احتياطي في الطيران الجوي في جورجيا إلى فيلادلفيا، وهناك قصد أن يرى المناظر التاريخية في تلـك المدينـة. حدث في إحدى الأمسيات أن كان في إحدى محطات مترو الأنفـاق، عندما جابه منظر لم يره من قبل؛ جماعة من الشبان الملثمين وقد أحاطوا بفتاة للاعتداء عليها. كان يقف من الجهة الأخرى من الرصيف سـئة رجال واقفين في انتظار المترو، وكانوا مجرد متفرجين لمـا يحـدث، و لم يحاول أحدهم التدخل، فصاح جورج بأعلى صـوته يدعوهم أن يساعدوه لينقذوا الفتاة التي كانت تصيح، فلم يستجب أحد لندائه، بل هروا أكتافهم بلا مبالاة وهم يقولون: هذا من واجب رجال الشرطة.

ما كان من هذا الشاب الفتى والفتيَّ إلا أن خلع سترته الخارجية، واندفع نحو تلك العصابة الشريرة الوحشية الفاسدة، وأخذ جاهدا في أن يسحب الفتاة بالقوة من وسطهم لينقذها. تجمع هؤلاء الأشرار عليـه وأخذوا يضربونه بكل قوتهم إلى أن سقط مغشيا عليه. أثار ما حـدث من اضطراب انتباه الرجل الذي يقطع التذاكر، الذي من تـوه أبلـغ البوليس، فما كان تلك الجماعة الشريرة إلا أن لاذت بالفرار، وأُنقذت الفتاة.

أشاد محافظ فيلادلفيا ببطولة الطيار جيمس جورج وهنّأه شجاعته، هذا الطيار الذي كان قد تربى في عائلة مسيحية، والـذي أطاع صوت الرب يسوع في ذلك الوقت الحرج، لينقذ واحـدة مـن بنات الرب، والتي كانت بلا حول ولا قوة أمام الأوغاد الأشرار.

تلميذ للرب يسوع في أتلانتا:

ومثال أخير أكتبه لكم. كانت الساعة السابعة والنصف صباحًا في أتلانتا Atlanta في ولاية جورجيا Georgia، عنـدما رنّ جـرس الهاتف في منـزل جاك ستيفين، وكان هذا صوت صديق له يقول: “يا جاك، لقد وعدت امرأة فقيرة وابنها البالغ من العمر أربع سنوات أن أذهب معهما إلى المستشفى في الساعة الثامنة، وعليهما أن يذهبا سريعا، فالفتى مريض بسرطان في الدم في مراحله الأخيرة، ولكن يؤسفني أن أقول لك أنّ عربتي لا تعمل الآن، ويجب الذهاب بـالفتى في أسـرع وقت، هل تقوم مكاني بهذه المهمة؟

وافق جاك للتو، وذهب فورا إلى منـزل المرأة، وأجلـس المرأة على الكرسي الخلفي، أما الطفل الهزيل والضعيف، فلم يكن يقوى على الوقوف، فأخذته أمه بين ذراعيها وضمته إلى حضنها.

عندئذ نظر الطفل إلى السيد جاك وقال له وعيناه ممتلئتان سلامًا: هل أنت الله؟

روع السيد مارك من السؤال وقال له: “لا يا بني، لماذا تسأل هكذا؟“

أجابه الطفل: “لأن والدتي قالت لي إن الله سيأتي ليأخـذك إلى مكان جميل.

‏ قال السيد جاك للطفل وهو يقشعر: “يا بني، سآخذت إلى مكان جميل، إلى مكان يوجد فيه قوم محبون، سيحبونك ويعتنـون بـك ويكونون مترفقين بك، عطوفين عليك”.

لم يمض سوى أربعة أيام وذهب الطفل الصغير إلى مكان جميـل على جناحي الله، إلا أن سؤال الطفل ظل يلاحق السيد ستيفين في نومه ويقظته: “هل أنت الله.

عندئذ قرر السيد ستيفين أن يكرس حياته للعمل في خدمـة الله، فكرس وقته للعطاء داعيا الآخرين لمشاركته في الأعمال الخيرية. ومثـل تلاميذ الرب يسوع، ترك ستيفين كل شيء وتبع الرب يسوع.

نحن لسنا الله، ليس أحد منا هكذا، ولكننا أيـادي الله، فنحن أعضاء جسده؛ الكنيسة. عندما نتبع الرب يسوع وتكرس حياتنا له كما عمل من قبل الاثنا عشر تلميذا الأولون، ومثل عدد لا يحصى من تلاميذ آخرين مخلصين في كل جيل مثل السجين في كواي، والسيدة مارجريت روسي التي من كولورادو، والممرضة الـتـي خـدمت في الإرسالية في روديسيا، والطيار جيمس ر. جورج في فيلادلفيا، وجـاك ستيفين في أتلانتا؛ وعندما نتبع الرب يسوع كما فعل هؤلاء، عندئذ سيحدث أمر عجيب. سنبدأ أن نشعر بحضور الرب يسوع في وسطنا، ولا عجب إن سمعنا الطفل الصغير يسأل مستر ستيفين: “هل أنت الله؟

فاصل

رؤى عظيمة كتب الأب أنتوني كونيارس مجابهة عواصف الحياة 
كتاب لقاء مع الرب يسوع في الأناجيل – ج1
المكتبة المسيحية

 

زر الذهاب إلى الأعلى