طرود الإغاثة

مثل السامري الصالح

للأب أنتوني كونيارس

(لو10: 25-39)

«وإذا ناموسي قام يُجربه قائلاً… فأجاب يسوع وقال: “إنـسـان كان نازلاً من أورشليم إلى أريحا، فوقع بين لصوص، فعـروه وجرحـوه ومضوا وتركوه بين حي وميت، فعرض أن كاهنا نزل في الطريق، فـرآه وجاز مقابله، وكذلك لاوي أيضا، إذ صار عند المكان جاء ونظر وجـاز مقابله، ولكن سامريا مسافرا جاء إليه، ولما رآه تحــن، فتقـدم وضمد جراحاته، وصب عليها زيتا وخمرا… “» (لو10: 25-39).

بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت طرود الإغاثة أمـراً شــائعاً ومعروفا جيدا. تحوي هذه الطرود مواد غذائية وملابس للناس الذين في المناطق ذات الاحتياجات الماسة، والتي تساعد الناس على مواصلة الحياة، أكانت هذه المناطق معتازة بسبب كوارث طبيعيـة كـالزلازل أو الفيضانات أو ما إلى ذلك.

المصطلح: “طرد إغاثة” أصبح له معان أخرى مع مرور الزمن، فاليوم يمكن للطالب أن يشير إلى الشيء الذي يأخذه من المنـزل وهـو ذاهب إلى مدرسته أو كليته أنه: “طرد إغاثة”. كما يمكن أن يطلق أيضا على هدية تعطى لشخص لإظهار الاهتمام أو الامتنان.

أما أعظم: “طرد إغاثة” في تاريخ البشرية يحوي هدية، فهو ما يصفه بولس الرسول أنه لا يعبر عنه، لا يوصف، يفوق التصور، فيقول القديس: «شكرا لله على عطيته التي لا يعبر عنها» (2کو9: 15).

هذه العطية التي لا يعبر عنها هي ابن الله ذاته، فالله حوى حبه في شخص، شخص ابنه، الذي مع انه الرب الأزلي إلا أنه عاش تحت وطأة الزمن وأعطى حياته من أجلي ومن أجلك. الرب يسوع هو حقاً : “طرد الإغاثة” الأصلي الذي أهداه الله لنا. 

وكما أن عطية الله أتتنا محسمة في شخص ابنه، هكذا نحن أيضا يدعونا الله لنكون: “طرود إغاثة” لعالم اليوم.

 نحن كمسيحيين، كتلاميذ للرب يسوع، مدعوون لنكون “طرود إغاثة” خاصة به لعالم محتاج.

يصف القديس بولس الرسول ثمار الروح فيقول: «محبـة فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعـة، تعفـف» (غل5: 22-23). مثل هذه الثمار لا تأتينا طائرة في الهـواء، ولكنّها كلها تأتي محسمة في أعمال خيرية لأجل الناس.

لا أحد يهتم:

الاهتمام أمر ضروري لا يمكن الاستغناء عنه. يقـول الطبيب النفساني جلاس Dr. Wm. Glaser:

“في جميع مراحل حياتنا، لابد أن يوجد لنا على الأقل شخص واحد، يهتم بنا، ومن نهتم به. وإن لم يوجد هذا الشخص، فلن يمكننا أن تنجز احتياجاتنا الأساسية”.

لأجل أن نعيش، كل واحد منا يحتاج على الأقل إلى واحد يعينه، وآخر يعتني به. ترك شخص مريض قبل أن ينتحر رسالة كتب فيهـا “مكثت خمسة أيام مريضاً، لم يسأل أحد عنّي، وبلا بمكالمة هاتفيـة. لم يعد أحد يعنيه ما إن كنت حيا أو ميتا”. لا أحد يهتم!

 لأجل هذا أصبحت خطية الإهمال وعدم الاكتراث والتجاهل خطية خطيرة جدا. في عالم في أشد الاحتياج في هـذه الأيـام إلى الاهتمام بالآخرين، علينا أن نمسك بـ: “طرود الإغاثة” الحاويـة: كلمة طيبة، مكالمة هاتفية، كلمة تشجيع، تقديم صلاة، يد معونـة، أذن مصغية، قطعة خبز.

من أين نبدأ:

أن نكون مثل السامري الصالح، فهذا يبدأ في المنـزل. يجيـب الرب يسوع في قصة السامري الصالح عـن الـسـؤال الـذي طرحـه الناموسي: «من هو قريبي؟» حيث يشرح أن القريب هـو كـل مـن يتصادف أن يكون بقربي في ساعة احتياج. كان الكاهن واللاوي أقرب الناس إلى الرجل المحروح. يجب أن نهتم بالقوم القريبين منّا، لأنهم يعتبرون أعضاء جسدنا، ألسنا نحن أعضاء في عائلة واحـدة؟ ويبقى السؤال: “هل نحن سامريون صالحون لأعضاء جسدنا؟”

يحضرني هنا أن أسأل الوالدين هذا السؤال: “متى قلتم لأولادكم آخر مرة: نحن فخورون بكم، نحن نحبكم، نريد أن تكونوا على بيئة أننا حتى لو انشغلنا عنكم ونسينا أن نبلغكم بذلك، فأنتم أفخر الجواهر التي نمتلكها، وأغلى أحباء عندنا”. آه لو عرفنا كم يتوق الأولاد أن يسمعوا منا تلك الكلمات! أسمع البعض يتهامسون ويقولون: “ونحن متى سمعنـا من أولادنا أنهم يحبوننا أو يحترموننا؟” أرى أننا نحتاج أن نسأل أنفـسـنا سؤالاً آخر: “وماذا فعلنا نحن لنكسب ودهم واحترامهم؟” كم من وقت قضيناه معهم، تشجعهم، وننصت لهم، ونتسامر معهم؟

تذكرتنا إلى السماء:

العناية والاهتمام الحقيقيان يبدأن في المنـزل. هنا يبدأ عمل السامري الصالح. هنا يوجد أفضل مكان يكون فيه الاحتياج إلى مثل هذا السامري الصالح. هذا هو الطريق الحقيقي إلى أريحا حيث يوجد أغلب المجروحين. هنا المكان الذي نترك فيه الواحد الآخـر على جانب الطريق ونعبر على المحبوبين ونحن نتجاهلـهم تماما، حيث يمضي كل واحد في طريقه، وكل واحد مشغول بما لنفسه، وكأننا نعيد قول الملحد سارتر: “الآخر هو الجحيم”، ونقـول: “الآخرون يضايقوننا، الآخرون يقفون في طريقنـا، الآخـرون يعترضون سبيلنا”. لم يقل الرب يسوع هذا، بل قال: “الآخر ليس هو الجحيم بل الملكوت”. خذ المجروح الواقع ينـــزف بجـوار الطريق، إنه هو تذكرة دخول اللاوي والكاهن إلى السماء. بالاهتمام بالمجروحين والمرضى، نحن نهتم بالرب يسوع نفسه، ويوما سيقول الرب لنا: “تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملكـوت المعد لكم منذ تأسيس العالم، لأنني أنا المجروح الذي وجدتموه على الطريق وساعدتموه”.

أطفال مهملون:

يوجد لدينا في أمريكا حوالي 6 مليون أم تركن أولادهـن لينضممن إلى جماعة العاملات، وهذا يعني أننـا قـد اسـتبدلنا الأمهات بمراكز رعاية الأطفال والمربيات، حيث يتواجـد 10 مليون طفل لا يعملون شيئا سوى التفرج على التلفاز. يعود الآباء والأمهات آخر اليوم من أعمالهم وهم مستهلكون صحياً ونفسياً. آخر ما يفكر فيه الآباء والأمهات هو التعامل بإخلاص ومسؤولية مع احتياجات الأبناء المعقدة والمتنوعة. نتيجة ذلك هو أننا نترك أعز ما لنا، عطية الرب الإلهية لنا، نتركهم مجروحين على جانـب الطريق، بلا مرشد ولا شاف.

هل يكفي أحد الوالدين لرعاية الأولاد؟

هناك مناظرات ومجادلات حادة اليوم بخصوص ما إذا كان يكفي أن يقوم أحد الوالدين فقط بتربية الأولاد. أظن أنه هناك حاجة ماسة لا إلى الوالدين معا فقط، بل إلى واحد من الأجداد أيضا. بالكـاد يمكـن للثلاثة أن يراعوا احتياجات الأولاد الروحية والمادية والنفسية. هذا هـو نوع التدعيم الذي نحتاج إليه في تربية الأولاد.

أما بخصوص الشعار الذي ينادى به الآن، والذي يقول إن علماء علم الاجتماع قد رأوا أن نوعية قضاء الوقت مع الأبناء يمكن أن يغـنى عن الفترة الطويلة للوجود معهم، فهذا أمر قد ثبت فشله، وهو مملـوء بالشروخ والنقائص. لا يمكن أن تحصل على وقت جيد إن لم يوجـد وقت كاف. لا يمكنك أن تقول فجأة لابنك: “يوجد لدي ست دقائق ونصف قبل أن يأتي ميعاد مقابلتي مع شخص بخصوص العمل، هيا بنـا نقضيها في أحسن “لقاء ممتع”. لقد وصل الأمر بالوالدين أن استبدلوا مدة الوقت، وكيفية التعامل معه في رعاية الأولاد بما أصبح يطلق عليـه الآن: “السؤال عن الأولاد ومتابعتهم عن طريق الهاتف!”

نعم يوجد كل هذا: أمهات يشتغلن، آباء مشغولون، مربيـات، مراكز رعاية الأطفال، فرد واحد من الوالدين يقوم بالخدمة؛ هـذا إن وجد، ثم نوعية الوقت؛ كل هذه الشروخ تسبب جروحـا غـائرة في الأولاد، لتطرحهم على قارعة الطريق، لتتركهم دون أن نسأل عنهم، إذ قد صار جل اهتمامنا ليس هو الاهتمام بالأولاد، بل النجاح في أعمالنا وتوفير النقود ورفاهية المعيشة وشراء عربات جديدة أو دفع عربون شـراء عقارات فاخرة وما إلى ذلك. المكان الذي هو في أشد احتياج الآن للسامري الصالح هو بيوتنا والاهتمام بأولادنا، حيث نجد الجرحى والمحطمين.

أيهما أكثر أهمية؟

 دعني أذكر لك مثالاً آخر. يوجد اليوم أناس كثيرون يكونـون في أفضل حالاتهم سلوكياً ونفسياً خارج بيوتهم، أما في داخل البيـت، فأجارك الله! ترفع الرايات الحمراء عند دخولهم المنـزل، ولنأخذ نبرة الصوت وحدته كمثال، فنجد البائع يتكلم بصوت رقيق ونبرة منخفضة في العمل؛ وما إن يصل إلى البيت إلا كأسد زائـر أو وحـش ويصير کاسر، هذا الأسلوب الذي لو اتخذه مع العملاء، لهرب منـه كـل الزبائن! نحن نقيم علاقات طيبة جدا، مع الذين هم خارج المنـــزل، حتى مع الذين يزعجوننا؛ أما مع من هم داخل البيت، فلا يوجـد إلا المضايقات والمنازعات والنق والإدانة على الصغيرة والكبيرة. خـارج المنـزل نحتمل، وداخله نتحامل. ويبقى لدينا السؤال: في أي مكان يلزم اليوم بالأكثر أن يتواجد العامري الصالح؟ أيـن إن لم يكن في أعـز وأفضل وأقرب مكان لدينا: المنزل؟ إن لزم أن يوجد مكان يتوافر فيه الصبر، ليكن المنـزل. إن لزم أن يوجد مكان يتوافر فيه اللطف، ليكن المنزل. إن لزم أن يوجد مكان يهام فيه بالحب، ليكن المنـزل.

كن: “طرود إغاثة” خصوصا لمن تحبهم. لا تتركهم من فضلك بجانب الطريق محروحين. كن لهم السامري الصالح. 

فاصل

أعط حساب وكالتك كتب الأب أنتوني كونيارس من يكون الرب 
كتاب لقاء مع الرب يسوع في الأناجيل – ج1
المكتبة المسيحية

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى