كيف تعرَّف شاول الطرسوسي على قوة الصليب؟
للقمص تادرس يعقوب ملطي
أعظم خدمة لله والناس
انطلق شاول الطرسوسي يحمل رسائل من رئيس الكهنة إلى دمشق لكي يسوق المسيحيين موثقين إلى أورشليم؛ فيتعرّضون للموت لأنهم ينادون بالمصلوب بين المجرمين مخلصًا للعالم. وغالبًا ما كان معه مجموعة من الجنود الرومانيين الذين يسوقون المسيحيين للمحاكمة الدينية أمام رئيس الكهنة ومجمع السنهدريم (أع 9: 1-2).
ماهي مشاعر هذا البطل في أعين القيادات اليهودية إذ يخلصهم من اسم يسوع المصلوب الذي آمن به كثيرون. كما كان بطلاً في أعين الأمم الذين رأوا بعضًا من الأمم في جهالة يقبلون مصلوبًا مات ودُفن ويحسبونه مخلصًا للعالم.
في نظر اليهود كان صليب يسوع عثرة عندهم لأنهم ينتظرون المسيًا الذي يملك على العالم كله ويُخضع كل البشرية لليهود. ويحسب الأمم ما يدور حياة السالكين في طريق المصلوب جهالة.
من هذا المنطلق كان شاول يتحرك بقوةٍ ويحسب نفسه بطل الأبطال؛ إذ لم يجرؤ أحد غيره يطلب رسائل من رئيس الكهنة ويستدعي جند رومان لتحقيق أخطر رسالة عينيه؛ وهي الخلاص من اسم يسوع ومن تمجيد صليبه.
ترى هل كان شاول يفكر وهو يتخيّل المئات وريما الألوف موثوقين يسحبهم الجند إلى أورشليم ويستقبله رئيس الكهنة وأعضاء مجمع السنهدريم وغيرهم يهنئونه على كونه الفريد الذي يقوم بهذه الخدمة العظيمة لله والتي لم يجسراحد أن يقوم بها غيره.
رؤية عجيبة
إذ اقترب شاول من دمشق شعر بأنه قد جاءت ساعة الصفر التي يحلم بها كل اليهود من قادة وشعب وأيضًا بعض الأمم المرتبكين من أحداث أتباع يسوع. وإذا “بغتة أبرق حوله نور من السماء” (أع 9: 3).
حدث ما لم يكن في حسبانه وحسبان من هم حوله وأيضًا كل أورشليم. لم يظهر له الرب كما ظهر من قبل لإبراهيم وموسى وإيليا وغيرهم لمساندتهم.
وإنما ظهر المسيح المصلوب الجالس على العرش الإلهي وقد أبرق نور من كل جراحات جسده القائم من الأموات والصاعد إلى السماوات. لم يستطع أن ينظر إلى النور الصادر من أثر المسامير في يديه ورجليه والحربة في جنبه وأثار الشوك في جبهته والجلدات بغ كل جسمه
إنها جراحات حب مجيدة. لعلّه رأى الطغمات السمائية لا تزال في دهشة مما قام به كلمة الله المتجسد المصلوب. يرون في صليبه قمة المجد والحب وليسٌ الخزي والعار.
كلمات عتاب
فوجئ بالمصلوب يعاتبه وفي نفس الوقت يحمل له نظرات حب تملأه بالرجاء. سمع هو وحده دون المحيطين به قوله: «شاول شاول لماذا تضطهدني؟ صعب عليك أن ترفس مناخس» (أع 9: 5،4). بعثت نظرات المصلوب فيه روح الرجاء والقوة. لم يبكِ شاول كما فعل بطرس حين نظر إليه يسوع وهو خارج من دار المحاكمة (مت 26: 75)؛ إنما شعر أنه في أسعد لحظات عمره فقد أدرك الحق الإلهي؛ فتساءل: «يا رب ماذا تريد أن أفعل» (أع 6:9).
نهض شاول وهو مفتوح العينين لا يبصر أحدًا فاقتادوه بيده وأدخلوه إلى دمشق. وكان ثلاثة أيام لا يبصر فلم يأكل ولم يشرب (أع 9 :8، 9)
انفتحت بصيرته الروحية؛ وأدرك أن كل الأمور تعمل للخير للذين يحبون الله.
إنني أتجاسر وأقتبس من كلمات شاول الطرسوسي نفسه؛ وأقدم باسمه صلاة شكر على ما حل به.
«ربي المصلوب القائم من الأموات والجالس على عرشك الإلهي.
في غباوة كنت أظن أنني البطل الوحيد القادر على أنقاد شعب الله من أتباعك, فإذا بي أراك أيها السماوي محب البشر ومخلص الجميع.
كنت أشارك إخوتي اليهود مفاهيمهم؛ فأسخر بصليبك؛ أحسبه عارًا لا يليق بالمسيا المنتظر. أما الأن فأعماقي تشهد: حاشا لي أن افتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صُلب العالم لي وأنا للعالم (غل 14:6). لم يعد شيء ما في العالم كله يتسلل إلى فكري, ولا أبالي أن قام العالم كله ضدي؛ فإني اختفي في جراحات الصليب وأتمتع بقوة دمك المسفوك عني.
أشرقت بنور صليبك عليّ؛ فسقطت على الأرض؛ وانفتحت أمامي أبواب السماء المتهللة بعملك العجيب!
كنت أظن في نفسي أنني أحمل بر الناموس وإن كنت أشعر بثقل جسد.
والآن رأيتك متجسدًا لكي تقيمني؛ فيتقدس جسدي بكل أعضائه وحواسه وعواطفي كما تتقدس نفسي وإرادتي.
بالصليب صالحت الاثنين (جسدي ونفسي) في جسد؛ قاتلا العداوة التي كانت بينهما (أف 6:2). وصالحت الشعب مع الشعوب؛ أي اليهود مع كل الأمم.
كنت من حين إلى حين أحزن لأنني من نسل آدم كاسر الوصية. والآن أنتمي لك أنت آدم الثاني الذي محا الصك الذي علينا مسمرًا إياه بالصليب (كو 14:2).
كنت لي مرارة حين أسمع عن إخوتي من اليهود والأمم يلتصقون بك وأنت الضعيف الساقط تحت خشبة الصليب؛ وكنت أردد مع القائلين عنك: «خلص كثيرين وأما نفسه فلم يقدر أن يخلصها (مت 42:27).
وأنت القدير صُلبت من ضعف لكي نحيا معك بقوة صليبك (2 كو 4:13).
شكرًا لك يا من بصليبك صلبت إنساني العتيق لتبطل جسد الخطية (رو 6:6) وتهبني الإنسان الجديد الذي على صورتك يا خالقي.
ماذا أرد لك يا من بصليبك جردت الرياسات ظافرًا بهم (كو 15:2).
سألك الرسول حين سحب بهاء صليبك كل قلبه وهو مرتعد ومتحير: «يا رب ماذا تريد أن افعل؟»
شعر بعجزه إذ اشتاق أن يتمتع العالم كله بما تمتع به وهو طريقه إلى دمشق!
عيد الصليب المجيد 2020م