كتاب مفاهيم إنجيلية للأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير أنبا مقار
محاكمة يسوع أمام السنهدريم
تمثل محاكمة الرب يسوع أمام مجمع اليهود أكبر امتهان للعدالة. فالإنجيل يذكر أن المحاكمة تمت أمام شهود زور، وقد تمت ليلاً، مخالفة بذلك التقليد اليهودي في المحاكمات، وفي غياب شهود الدفاع عن المتهم، بخلاف تلفيق التهم وأسلوب الهزء والإهانات التي استعملت في المحاكمة، مما يثبت أن السنهدريم كان قد بيت النية للقضاء عل الرب
واستناداً إلى الكلمات التي فاه بها الرب يسوع أثناء المحاكمة، فقد اتهمه رئيس الكهنة بالتجديف. ومن ثم أقر المجلس التهمة وحكموا عليه بالقتل: “فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ حِينَئِذٍ ثِيَابَهُ قَائِلاً:«قَدْ جَدَّفَ! مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ هَا قَدْ سَمِعْتُمْ تَجْدِيفَهُ! مَاذَا تَرَوْنَ؟» فَأَجَابُوا وَقَالوُا :«إِنَّهُ مُسْتَوْجِبُ الْمَوْتِ»” (مت26: 65و66). ولكي نفهم تماماً هذه المرحلة من مراحل محاكمات الرب يسوع، يجب أن نفهم معنى التهمة التي وجهت إليه. فما هو التجديف؟
الكلمة اليونانية التي تترجم “تجديف” هي (بلاسفيميَّا)، وقد اشتُق منها الكلمة الإنجليزية Blasphemy. وهذه الكلمة تعطي معنى: الشتيمة أو السب العلني، تشويه السمعة والافتراء، السخرية والاستهزاء، سواء كأنت موجهة ضد أحد الأشخاص أو ضد
الله”.
ولا يوجد في العهد القديم في لغته العبرية كلمة مباشرة تعطي معنى الفعل اليوناني “يجدف” ، لكن هناك عدة أفعال تم ترجمتها إلى هذا الفعل في الترجمة اليونانية للعهد القديم (السبعينية)، وهذه الأفعال تحمل معنى: يشتم، يزدري ب يسخر من، أو يتهكم على،
وخاصة إذا كان فعل الاستهزاء موجهاً ضد الله.
وإذا ألقينا نظرة سريعة على المواقف التي وردت فيها هذه الكلمة في العهد القديم، أمكننا فهم مضمون “التجديف”.
التجديف في العهد القديم:
يذكر لنا سفر اللاويين حادثة اتخذها الرابيون أساساً لتعريف ما هو التجديف وما هي عقوبته. فقد حدث أن: «خرج ابن امراة إسرائيلية، وهو ابن رجل مصري، في وسط بني إسرائيل. وتخاصم في المحلة ابن الإسرائيلية ورجل إسرائيلي». وعندما اشتد العراك بينهما: “جدف ابن الإسرائيلية على الاسم وسب» (لا 24: 11). و”الاسم” هنا يشير إلى اسم الله (يهوه). فساقت الجماعة ابن الإسرائيلية إلى موسى النبي وأعلمته بالأمر. وكان الحكم الذي أمر به الله على فم موسى النبي: “كل من سب إلهه يحمل خطيته (أي يصير مسئولاً عن خطيئته). ومن جدف على اسم الرب فإنه يُقتل» (لا 24: 15و16).
وقد ميز الرابيون من هذه الواقعة بين نوعين متشابهين من الخطأ، وعقوبة كل منهما. الأول والأكثر خطورة هو التجديف أو الاستهانة باسم الرب، والثاني والأقل خطورة وهو التجديف غير الموجه إلى اسم الله. وصارت عقوبة التهمة الأولى القتل فوراً: “الغريب كالوطني عندما يجدف على الإسم يقتل» (لا 24: 16).
مفهوم آخر للتجديف يقابلنا في سفر الملوك الثاني (18و19). فعندما كانت مملكة يهوذا تحت حكم الملك حزقيا، كأنت في احتكاك مستمر مع مملكة أشور. ولما أراد قادة الشعب اليهودي العصيان عل سنحاريب ملك أشور، أرسل لهم سنحاريب تحذيرا قائلاً: لا تتكلوا عل الملك حزقيا ولا تثقوا بإلهكم، فلا الملك حزقيا ولا إلهكم قادر على أن ينقذكم من
يدي (2 مل 18: 28-35).
لقد أنكر الأشوريون قوة يهوه إله إسرائيل، وحطوا من قدر ملك إسرائيل. لذلك مزق المسئولون عن الشعب ثيابهم بسبب تجديف الأشوريين على الله. لقد وصفت كلمات الأشوريين يهوه بالضعف والعجز. وكانت خطيتهم أنهم تعالوا وتشامخوا وجعلوا أنفسهم في مكانة أعلى من يهوه. وقد وصف إشعياء النبي خطية ملك أشور هكذا: “من عيرت وجدفت؟ وعل من عليت صوتاً؟ وقد رفعت إلى العلاء عينيك على قدوس إسرائيل» (2 مل 19: 22).
لقد اتخذت الأمم الوثنية من تسلطها العسكري عل إسرائيل مبرراً للتجديف. لذلك رثى إشعياء شعبه وناح لأن اسم الله: “دائماً كل يوم يُهان” بواسطة أولئك المتسلطين عل شعب الله (إش 52: 5).
ويلمح المزمور 137 لنوعية الإهانات التي تعرض لها اسم الله. فبينما ان الشعب في الأسر البابلي طلب منهم العدو أن يرنموا لهم ترنيمة من ترنيمات صهيون (137: 3). ومن المعروف أن ترنيمات صهيون كانت بحمد الله عل حمايته لشعبه ولأورشليم، مثل المزمور 46: «الله لنا ملجأوقوة»، والمزمور 48: «عظيم هو الرب وحميد جداً عظيم هو الرب
وعميد جدا في مدينة إلهنا، جبل قدسه»، والمزمور 84: «ما أحلى مساكنك يا رب الجنود». فهذه التسبيحات تظهر ثبات أورشليم أمام أعدائها وذلك بسبب حماية الله لها. لذلك عندما طلب البابليون من شعب إسرائيل ترنيمة فإنما كأنوا يستهزئون بإله إسرائيل ويجدفون عليه ناعتين إياه بالعجز والضعف.
يتضح من ذلك أن مفهوم التجديف في العهد القديم ينحصر في معنى الازدراء والتشامخ. فالازدراء بيهوه يؤدي إلى الاستهزاء به والتفوه بالسباب ضد “الاسم”. أما التشامخ أو العجرفة فتؤدي إلى تحدي قوة يهوه ثم إنكار وجوده، وهذا هو نفس المعنى الذي يقابلنا في الأسفار القانونية الثانية أو فيما يعرف بفترة ما بين العهدين.
التجديف في الأسفار القانونية الثانية:
تنتقد هذه الأسفار بشدة التجاديف التي كان يتفوه بها الاحتلال اليوناني لإسرائيل، فيصف الأصحاح الأول من سفر المكابيين الأول محاولة الملك أنطيوخس إبيفانس استبدال عبادة يهوه بعبادة آلهته الوثنية.
ويسجل الأصحاح الثاني بكاء ونحيب متثيا الكاهن بسبب هذه “التجاديف” (6:2). فالإهانات الكثيرة التي وجهت ضد يهوه والشعب والهيكل والتاموس أصابت متثيا وبنيه باليأس من الحياة، وجعلتهم يمزقون ثيابهم وينوحون. وكان اخر وأشد هذه الإهانات تقديم خنزير كذبيحة في الهيكل، الأمر الذي بدأ بعده مباشرة ثورة المكابيين ضد المحتل اليوناني.
وطوال قصة ثورة المكبيين، يُتهم اليونان بأنهم “مجدفون”. فعندما تحصنت فلول العدو خلف أسوار مدينة جازر الحصينة، أخذوا يسبون الشعب اليهودي “ويبالغون في التجديف والإهانات”. لذلك تقدم عشرون شاباً في بسالة وتسلقوا السور، “وأحرقوا المجدفين أحياء”
( 2مك 10: 32-38). كما عوملت أيضا مدينة كسفيس بنفس القسوة وذلك لأن «الذين فيها بالغوا في ثقتهم بمناعة الأسوار وكثرة المؤن… وأخذوا يجدفون وينطقون بكلام بذيء» (2 مك 12: 14).
تثبت تلك الأحداث أن كلمات الإهانة الموجهة ضد يهوه وإنكار قوته وتنجيس الهيكل وانتهاك شريعته واضطهاد شعبه، كان يحسب تجديفا. وكانت العقوبة التي توقع على المجدف هي الموت.
التجديف في الكتابات اليهودية المتأخرة:
في غضون القرن الأول الميلادي حاول المؤرخ اليهودي يوسيفوس شرح الديانة اليهودية للمحتل الروماني، وفي كتاباته أشار عدة مرات إلى “التجديف”. فهو يذكر أن اليهودي يتعلم أنه يجب ألا يجدف (بمعنى يسخر أو يستهزئ) على الأعمى أو الأخرس. كما يوضح أن اليهودي يوقر جداً موسى النبي بعد الله مباشرة، وأي تجديف أو إهانة لأي منهما
يعتبر خطية كبرى. كما أن إهانة الملك الذي يعينه يهوه يستحق عقوبة الموت.
وبصفة عامة فإن يوسيفوس كان يفهم التجديف بنفس الطريقة التي وردت في العهد القديم، فمن يجدف عل اسم يهوه يستحق الموت، كذلك كل من يتعرض بالسخرية لشريعته وهيكله وخدامه أو حتى أمته. ونفس هذا المفهوم نجده في كتابات فيلو الفيلسوف اليهودي الإسكندري من القرن الأول .
أما عندما تسجلت تفسيرات اليهود على التوراة مثل كتاب المشنا (حوالي عام ٣٠٠ م) وبعد ذلك التلمود (حوالي عام ٥٠٠م)، ظهرت فيها القوانين التي تعرَّف التجديف. ويحتوي التلمود عل عدة مناقشات للرابيين تشرح قوانين الشريعة، وكانت هذه الكتابات متداولة قبل
تسجيلها كتقليد شفاهي ربما يرجع إلى عصر حياة المسيح على الأرض.
وينص التلمود على أن المجدف الذي يتم تحذيره ثم يتمادى في إهانة اسم الله يجب أن يُقتل رجماً بالحجارة. أما إن لم يكن للقاضي حق توقيع عقوبة الإعدام فكان يكتفى بإقصاء المتهم خارج الجماعة وقطع شركته مع أمته اليهودية. أما من يجدف عن جهل ودون التعرض لاسم الله فكانيكتفى بجلده. كذلك يوقع العقاب الجسدي عل كل من يهين الملك أو
الأمة أو الشريعة اليهودية.
وكان على من يسمع ألفاظ التجديف أن يمزق ثيابه كتعبير عن الحزن. وعند استدعائه للشهادة لا يسمح له بترديد كلمات التجديف التي سمعها إلا مرة واحدة وفي جلسة مغلقة وذلك في نهاية المحاكمة. أثناء ذلك يمزق القاضي ثيابه ثم ينطق بالحكم .
لماذا اتهم يسوع بالتجديف:
نأتي الآن إلى محاكمة يسوع وإلى اتهامه بالتجديف عل ضوء مفهوم التجديف في العهد القديم، وبالتالي مفهوم التجديف عند هيئة السنهدريم التي حاكمته. ولنلاحظ أن هذه التهمة ارتكنت فقط إلى العبارة التي فاه بها الرب يسوع أمام المحكمة. لقد سأل رئيس الكهنة
يسوع إن كان هو “المسيح، ابن المبارك”. وكانت إجابة يسوع أنه قبل على نفسه هذين اللقبين، أو بحسب ما ذكره القديس مرقس أنه قال: “أنا هو”.
وفي الأناجيل الثلاثة التي ذكرت هذه المحاكمة لم يقبل الرب يسوع فقط اللقبين، بل شرح أيضا مفهومهما عنده: “من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة، وآتياً على سحاب السماء» (مت 64:6، مر 14: 62، لو 69:22و70).
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي اتهموا فيها الرب يسوع بالتجديف. فقد حاولوا مرة أن يرجموه لما قال لهم: “أنا والآب واحد”، فأجابهم: «أَعْمَالاً كَثِيرَةً حَسَنَةً أَرَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَبِي. بِسَبَبِ أَيِّ عَمَل مِنْهَا تَرْجُمُونَنِي؟»أَجَابَهُ الْيَهُودُ قَائِلِينَ:«لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَل حَسَنٍ، بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلهًا» أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَلَيْسَ مَكْتُوبًا فِي نَامُوسِكُمْ: أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ؟ إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لأُولئِكَ الَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللهِ، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ، فَالَّذِي قَدَّسَهُ الآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْعَالَمِ، أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُجَدِّفُ، لأَنِّي قُلْتُ: إِنِّي ابْنُ اللهِ؟ إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فَلاَ تُؤْمِنُوا بِي. وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ، فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي فَآمِنُوا بِالأَعْمَالِ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ الآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ». » (يو 10: 31- 38).
والواقع أنهم لم يكن لهم عذر في عدم إيمانهم به، وفي اتهامهم له بالتجديف حينما دعا نفسه أنه ابن الله، لأنه كما قال الرب يسوع عنهم: «لو لم أكن قد عملت بيتهم أعمالاً لم يعملها أحد غيري، لم تكن لهم خطية، وأما الآن فقد راوا وابغضوني أنا وأبي» (يو 24:15).
لقد رأوه فعلاً يعمل أعمالاً لم يعملها أحد غيره، وشهدوا بذلك قائلين: “إن يوحنا لم يفعل آية واحدة، ولكن كل ما قاله يوحنا عن هذا كان حقاً” (يو 10: 41) كما ظهر سبب تخوفهم من الإيمان به بكل وضوح حينما أقام لعازر من الموت، فقد “فَجَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ مَجْمَعًا وَقَالُوا:«مَاذَا نَصْنَعُ؟ فَإِنَّ هذَا الإِنْسَانَ يَعْمَلُ آيَاتٍ كَثِيرَةً. إِنْ تَرَكْنَاهُ هكَذَا يُؤْمِنُ الْجَمِيعُ بِهِ، فَيَأْتِي الرُّومَانِيُّونَ وَيَأْخُذُونَ مَوْضِعَنَا وَأُمَّتَنَا».” (يو11: 47و48) وبيلاطس نفسه اكتشف هذه الحقيقة: «أنهم أسلموه حسداً» (مت 18:27، مر15 :10).
لقد دُعي كثيرون بلقب المسيا أو المسيح في العهد القديم، فالكلمة تعني “الممسوح من الله”، والله مسح كثيرين وأرسلهم لتنفيذ مشيئته. فإن كان الرب يسوع دُعي “المسيح” بهذا المفهوم، أي مجرد رسول أو نبي مسحه الله وأرسله لتنفيذ مشيئته وإبلاغ رسالته، فإنه يحق لرئيس الكهنة أن يصرخ ويتهمه بالتجديف. ولو كان الرب يسوع مجرد مخلص جديد أرسله الله لإنقاذ شعبه وتحريره من عبودية المحتل الخارجي، لكان هذا الموضوع محل اهتمام الرومان بالأكثر. ولكن الرب نفى عن نفسه أن يكون مجرد مخلص بالمعنى السياسي لهذه الكلمة وذلك بقوله: «مملكي ليست من هذا العالم… أنت تقول إني ملك. لهذا قد وُلدت أنا، ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق. كل من هو من الحق يسمع صوتي»
(يو 18: 37).
لقد كان يسوع هو المسيح أو المسيَّا بالمعنى الكامل لهذه الكلمة، وهكذا فهم رئيس الكهنة ما كان يقصده يسوع. والعجيب أنه كان نفس المفهوم الذي توصلت إليه المرأة السامرية مع بقية شعب السامرة: وأنا أعلم أن مسيَّا، الذي يقال له المسيح، يأتي…. نحن قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم» (يو 4: 25و42).
وعندما قال الرب لرئيس الكهنة إنه: «من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة، واتياً على سحاب السماء»، أيقن رئيس الكهنة سراً معنى هذا الكلام. فقد لفت الرب يسوع أنظار رئيس الكهنة ومجمع السنهدريم إلى نبوة دانيال الني التي تنبا بها عنه، ومن المؤكد أن رئيس الكهنة فهم مباشرة ما كان يعنيه الرب:
+ ««كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ(الأزلي)، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ.» (دا :١٣و١٤).
وبإشارة الرب يسوع إلى هذه النبوة، يكون قد أكد أنه ابن الإنسان الآتي من السماء، الجالس عن يمين يهوه، والذي سيدين الأحياء والأموات، وسيدين أيضا أولئك الذين تجرأوا وأوقفوه أمامهم باعتباره متهماً. إن هذا الكلام في نظر غير المؤمنين يعتبر تشامخاً وكبرياء وتعالياً على الذات الإلهية، وكأن المسيح يرفع نفسه ليساوي ذاته بالله، وبالتالي يعتبر مجدفاً. هكذا كان حكم مجلس السنهدريم عليه. وبالرغم من أنه لم يتفوه بكلام تجديف ضد “الاسم” إلا أن المجلس حكم عليه بالموت مخالفاً بذلك قوانين الشريعة، وبقي عليهم أن يقنعوا الحاكم الروماني بأن يسوع مستوجب الموت. لذلك نفذ المجلس مهمته بأن غيَّر التهمة أمام بيلاطس واتهموه بالخيانة حتى يضمنوا موافقة الحاكم على الحكم: “إننا وجدنا هذا يفسد الأمة، ويمنع أن تُعطى جزية لقيصر، قائلاً: إنه هو مسيح ملك» (لو 23: 2).
فلماذا إذا تمسك الذين حاكموا يسوع بتهمة التجديف ضده؟ لقد اعتبر أولئك الذين دبروا قتله أن كلماته مبرر لجريمتهم، لأن هذه التهمة هي أسهل تهمة يمكن الحكم على فاعلها بالقتل؛ يكفي أن تحضر أي شاهدين يقران أننا سمعناه يقول…
أما في نظر المؤمنين باسمه، فإن كلماته هي استعلان للحق. وأما بالنسبة ليسوع فقد قادته شهادته عن نفسه إلى الصليب الذي سبق وأنبا تلاميذه به، وإلى القبر الذي استعاره من يوسف الرامي، ثم إلى القيامة المجيدة التي أكدت وأثبتت صدق شهادته وكلماته: “وتعين (أي تأكد وتثبت أنه) ابن الله بقوة من جهة روح القداسة، بالقيامة من الأموات: يسوع المسيج ربنا” (رو4:1)
الحية النحاسية | كتب أنبا إبيفانيوس | الرب يسوع صُلب من أجلي |
كتاب مفاهيم إنجيلية | ||
المكتبة المسيحية |