كتاب مفاهيم إنجيلية للأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير أنبا مقار

مواهب الروح القدس

للأنبا إبيفانوس أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار


صاحب حلول الروح القدس على التلاميذ يوم الخمسين ظهور كثير من المواهب الروحية التي لم تكن موجودة أصلا، وكان أكثر هذه المواهب الروحية ظهوراً، وأكثرها أيضا موضعاً للتساؤل؛ موهبة التكلم بألسنة، أي القدرة على التكلم بلغات أخرى جديدة لا يعرفها الشخص الذي يتكلم بها أصلاً بل ينطق بها الروح القدس على فمه.

ويحوي كتاب العهد الجديد عدة كلمات ترجمت في اللغة العربية إلى “موهبة”، وأكثر كلمة شيوعاً واستعمالاً هي كلمة (خاريزما)، والتي تعني “عطية مجانية”، أو “موهبة بلا مقابل”. وهي الكلمة التي استعملت لتصف الحركة الخاريزماتية التي ظهرت منذ عدة سنوات في الغرب. وعادة ما تستعمل هذه الكلمة لتصف قوة الله الخاصة وغير
المادية التي تعمل من خلال الإنسان المؤمن لكي يتكلم أو يخدم داخل الكنيسة، وقد وردت هذه الكلمة ١٧ مرة في العهد الجديد.

هناك كلمة اخرى هامة ترجمت إلى “موهبة روحية” وهي كلمة (بنفماتيكوس)، وهي من كلمة “روح” (بنفما)
الكلمة: “روحي، أو يخص الروح”؛ كما وردت في (1كو12: 1 ، 14 :1)، وهي هنا تحمل نفس معنى كملة خاريزما تماما: “وأما من جهة المواهب الروحية، أيها الإخوة، فلست اريد أن تجهلوا…”.

وبالتأمل في هاتين الكلمتين نرى أن الموهبة هي أولاً: عطية مجانية، ثم
هي عطية روحية أي تخص الروح القدس.

ومن أهم المواضع التي تتكلم عن المواهب الروحية الرسالة الأولى لأهل كورنثوس الأصحاحات: (13-14). ففي هذه الأصحاحات يعالج بولس الرسول موضوع الجهل بالمواهب، وأيضاً موضوع استخدام المواهب
استخداماً خاطئاً، وذلك لدى أهل كورنثوس. أما فائدة هذه المواهب فيوضحها القديس بولس أنها أولاً لمنفعة المؤمنين: “لكل واحد يعطى إظهار الروح للمنفعة» (1كو12: 11). ثم أنها لبنيان الكنيسة: «هكذا أنتم أيضا، إذ إنكم غيورون للمواهب الروحية، اطلبوا لأجل بنيان الكنيسة أن تزدادوا» (1كو14: 12). فالقيمة الأساسية للمواهب الروحية هي منفعة المؤمنين بعضهم لبعض، وذلك بخدمتهم بعضهم لبعض: “لِيَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ مَا أَخَذَ مَوْهِبَةً، يَخْدِمُ بِهَا بَعْضُكُمْ بَعْضًا، كَوُكَلاَءَ صَالِحِينَ عَلَى نِعْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ.” (1بط4: 10)، مما يؤدي إلى «بنيان جسد المسيح» (أف4: 10)، حتى «يتمجد الله في كل شيء» (1بط4: 11).

إذا، فالمواهب الروحية هي لفائدة جماعة المؤمنين، وعندما تبنى الجماعة، يتمجد الله، وبالتالي يتحد المؤمنون أكثر فأكثر كأعضاء في جسد المسيح الواحد: “لأنه كما أن الجسد هو واحد وله أعضاء كثيرة، وكل أعضاء الجسد الواحد إذا كانت كثيرة هي جسد واحد، كذلك المسيح أيضاً” (1كو12: 12). وبسبب التركيز الشديد عل وحدة جسد المسيح في هذه الأصحاحات، يصير المرء في شك عندما يسمع عن “مواهب روحية” تؤدي إلى انقسام الكنيسة أو إلى بلبلة وتزعزع أعضاء الكنيسة.

المواهب الروحية وثمار الروح القدس:

يتكلم القديس بولس أيضاً عن طبيعة المواهب الروحية، فمواهب الروح تختلف عن ثمار الروح. فقد ذكر في رسالته إلى أهل غلاطية تسع ثمار للروح القدس وهي: “محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح،
إيمان، وداعة، تعفف” (غل 5: 22و23)، ومن الواضح أن على جميع المسيحيين الذين نالوا عطية الروح القدس أن ينموا في جميع هذه الثمار. وهذه الثمار دائمة وأبدية، أما المواهب الروحية فهي مؤقتة وستنتهي: «اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا. وَأَمَّا النُّبُوَّاتُ فَسَتُبْطَلُ، وَالأَلْسِنَةُ فَسَتَنْتَهِي، وَالْعِلْمُ فَسَيُبْطَلُ…. أَمَّا الآنَ فَيَثْبُتُ: الإِيمَانُ وَالرَّجَاءُ وَالْمَحَبَّةُ» (1كو13: 8و13).

ثمار الروح لازمة لكل مسيحي وعليه أن يطلبها لكي ينمو فيها. أما المواهب فهي تختلف عن ذلك. فليس هناك من ينال جميع المواهب الروحية: «أَلَعَلَّ لِلْجَمِيعِ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ يُتَرْجِمُونَ؟» (1كو12: 30)، وليس هناك من يحدد نوع الموهبة التي عليه أن يقتنيها. فالروح القدس هو الذي يحدد الموهبة: «قاسماً لكل واحد بمفرده كما يشاء (الروح)» (1كو12: 11).

كما أنه يمكن أن يحدث تزييف لهذه المواهب إذا داخل الإنسان الكبرياء والغرور، واستعان بقدراته الطبيعية، حتى إنه يمكن أيضاً أن تساعده الشياطين وتغرر به، وهكذا يفقد أبديته وينطبق عليه قول الرب يسوع: «كثيرون سيقولون لى في ذلك اليوم: يا رب يا رب، أليس باسمك تنبأنا، وباسمك اخرجنا شياطين، وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟ فحينئذ اصرح لهم: إي لم أعرفكم قط؛ اذهبوا عني يا فاعل الإثم» (مت7: 22و23 ). ولا عجب في ذلك: “لأن الشيطان نفسه يغير شكله إلى شبه ملاك نور» ( 2كو11: 14)، «فإنهم أرواح شياطين صانعة آيات، تخرج على ملوك العالم» (رؤ16: 14).

يتضح من ذلك أن ثمار الروح وليس المواهب الروحية، هي الدليل الأكيد عل سكنى الروح القدس في الإنسان وعمله في الخدمة التي يقوم بها

المواهب الروحية والمواهب الطبيعية:

تختلف مواهب الروح عن المواهب الطبيعية. فالمواهب الطبيعية هي قدرات غريزية أو خلقية يمنحها الله للإنسان منذ ولادته الجسدية، مثل المواهب الرياضية أو الموسيقية… إلخ. أما مواهب الروح فيمنحها الروح القدس مثلما حدث في يوم الخمسين بصفة خاصة، ويقول القديس بولس: «ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه، قاسماً لكل واحد بمفرده كما يشاء … لأنتنا جميعنا بروح واحد أيضاً اعتمدنا إلى جسد واحد، يهوداً كنا أم يونانيين، عبيداً أم أحرراً ، وجميعنا سُقينا روحاً واحداً» (1كو12: 11و13).

ولكن المواهب الروحية لا تتعارض مع المواهب الطبيعية، فمن الممكن أن يتواجد الاثنان معاً، ومن الممكن أن يعمل الروح في المواهب الطبيعية للإنسان لينمو بها ويعطيها إمكانيات لم تكن موجودة قبلاً. كما أن من المواهب الروحية ما يناله الإنسان دون أية إمكانيات سابقة، ومثال ذلك: موهبة التكلم بالألسنة يوم الخمسين (أع2: 4)،
وموهبة الكرازة باسم المسيح التي نالها القديس بولس بمجرد تحوله إلى الإيمان المسيحي (أع9: 20-22). وكذلك مواهب إجراء المعجزات وعمل الأشفية التي نالها الرسل كعطايا ومنح فائقة. لذلك يصرح بولس الرسول
أن المواهب الروحية الخارقة للطبيعة مثل عمل “الآيات والعجائب والقوات”، هي من العلامات التي تميز الرسل (2كو12: 12).

أما المواهب التي تبدو أنها غير خارقة للطبيعة، مثل مواهب الخدمة والوعظ والعطاء والتدبير (رو12: 6 -8)، فمن الممكن أن يهبها الروح للإنسان بإحدى طريقين:
1. إما أن يكون الإنسان خالياً من أي مواهب طبيعية تصلح لبنيان الكنيسة، فيعمل فيه الروح ويمنحه مواهب تمكنه من العمل لأجل بنيان الكنيسة. ولنا مثال في ذلك الآباء الرسل، الذين كانوا في غالبيتهم من عامة الشعب، لكن بعد حلول الروح القدس عليهم، صاروا معلمي المسكونة: “فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا، ووجدوا أنهما إنسانان عديما العلم وعاميان تعجبوا. فعرفوهما أنهما كانا مع يسوع» (أع4: 13).
2. وإما أن يكون للإنسان مواهب وقدرات طبيعية فينميها الروح ويجعلها تعمل لحساب ملكوت الله، وخير مثال عل ذلك القديس بولس الرسول، الذي كان متبحراً في العلوم اليهودية غيوراً على تعليم الآباء: “أنا رجل يهودي ولدت في طرسوس كيليكية، ولكن ربيت في هذه المدينة، مؤدباً عند رجلي غمالائيل على تحقيق الناموس الأبوي. وكنت غيوراً لله كما أنتم جميعكم اليوم» (أع22: 3)، فاستخدمه الروح بعد إيمانه لأنه رأى أنه إناء مختار للكرازة بالإنجيل: «فَأَجَابَ حَنَانِيَّا:«يَارَبُّ، قَدْ سَمِعْتُ مِنْ كَثِيرِينَ عَنْ هذَا الرَّجُلِ، كَمْ مِنَ الشُّرُورِ فَعَلَ بِقِدِّيسِيكَ فِي أُورُشَلِيمَ. وَههُنَا لَهُ سُلْطَانٌ مِنْ قِبَلِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ أَنْ يُوثِقَ جَمِيعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِاسْمِكَ». 15فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «اذْهَبْ! لأَنَّ هذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ. لأَنِّي سَأُرِيهِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي». » (أع9: 13-16).

الروح القدس مانح المواهب:

في الرسالة الاولى لأهل كورنثوس (1كو12: 7-11)، يصرح القديس بولس ست مرات أن الروح القدس هو مانح المواهب الروحية، وأن الروح القدس هو الذي يحدد الموهبة التي يمنحها للإنسان: «ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه، قاسماً لكل واحد بمفرده كما يشاء» (2كو12: 11). والروح القدس لا يمنح مواهبه وهو بمعزل عنا، أو أنه يمنحها من على بعد، بل يمنحها وهو في حالة حلول أو سكنى. وما المواهب الروحية إلا نتيجة حلول الروح القدس: “لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهوداً» (أع1: 8). الروح القدس يحل في كياننا مانحا إيانا مواهبه: «وأما أنتم فالمسحة التي اخذتموها منه ثابتة فيكم، ولا حاجة بكم إلى أن يعلمكم أحد، بل كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شئ، وهي حق وليست كذباً»(1يو2: 27). أي أنه عندما يحل الروح القدس ويسكن في الإنسان يبدأ يعمل أعماله ويمنح قواته: «وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَاكِنًا فِيكُمْ، فَالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضًا بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ.» (رو8: 11).

أصحاب المواهب:

كم من المسيحيين يملكون مواهب الروح؟ بحسب ما كتبه الرسولان بطرس وبولس، فإن جميع المسيحيين يملكون مواهب الروح القدس. يقول القديس بولس: “وَلكِنَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ يُعْطَى إِظْهَارُ الرُّوحِ لِلْمَنْفَعَةِ… وَلكِنَّ هذِهِ كُلَّهَا يَعْمَلُهَا الرُّوحُ الْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ، قَاسِمًا لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ، كَمَا يَشَاءُ.” (1كو12: 7و11). ويقول القديس بطرس:”لِيَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ مَا أَخَذَ مَوْهِبَةً، يَخْدِمُ بِهَا بَعْضُكُمْ بَعْضًا،” (1بط 4: 10). فإن كان قد أُعطي في الكنيسة الأولى لجميع المسيحيين أن ينالوا مواهب الروح، فلماذا نرى أن أصحاب المواهب قليلون بيننا؟ ذلك لأن الموهبة تحتاج إلى إضرام: “لاَ تُهْمِلِ الْمَوْهِبَةَ الَّتِي فِيكَ، الْمُعْطَاةَ لَكَ بِالنُّبُوَّةِ مَعَ وَضْعِ أَيْدِي الْمَشْيَخَةِ. اهْتَمَّ بِهذَا. كُنْ فِيهِ، لِكَيْ يَكُونَ تَقَدُّمُكَ ظَاهِرًا فِي كُلِّ شَيْءٍ. لاَحِظْ نَفْسَكَ وَالتَّعْلِيمَ وَدَاوِمْ عَلَى ذلِكَ، لأَنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ هذَا، تُخَلِّصُ نَفْسَكَ وَالَّذِينَ يَسْمَعُونَكَ أَيْضًا.” ( 1تي4: 14- 16). ويكرر القديس بولس الرسول وصيته لتلميذه تيموثاوس مرَّة أخرى قائلا: « أُذَكِّرُكَ أَنْ تُضْرِمَ أَيْضًا مَوْهِبَةَ اللهِ الَّتِي فِيكَ بِوَضْعِ يَدَيَّ، لأَنَّ اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ.» (2تي1: 6و7).

وهكذا يتضح من رسالتي القديس بولس لتلميذه تيموثاوس، ضرورة الطاعة والخضوع للآباء الروحيين والحاجة إلى مشورتهم وإرشادهم ونصحهم من أجل نمو الموهبة وتسخيرها لبنيان الكنيسة ومجد المسيح. كما أن الذين يطفئون الروح أو يحزنونه بمخالفة وصايا الله أو اتباع هوائهم لا يمكن أن يعمل فيهم الروح بمواهبه.

أنواع المواهب:

يذكر القديس بولس أن هناك الكثير من المواهب الروحية: «أنواع مواهب موجودة، ولكن الروح واحد» (1كو12: 4)، ولكنه لا يحصر هذه المواهب جميعها. وهو يذكر هذه المواهب في أربعة مواضع متفرقة من
رسالته. ففي (1كو12: 8 – 10) يذكر تسع مواهب: «فَإِنَّهُ لِوَاحِدٍ يُعْطَى بِالرُّوحِ كَلاَمُ حِكْمَةٍ، وَلآخَرَ كَلاَمُ عِلْمٍ بِحَسَبِ الرُّوحِ الْوَاحِدِ، وَلآخَرَ إِيمَانٌ بِالرُّوحِ الْوَاحِدِ، وَلآخَرَ مَوَاهِبُ شِفَاءٍ بِالرُّوحِ الْوَاحِدِ. وَلآخَرَ عَمَلُ قُوَّاتٍ، وَلآخَرَ نُبُوَّةٌ، وَلآخَرَ تَمْيِيزُ الأَرْوَاحِ، وَلآخَرَ أَنْوَاعُ أَلْسِنَةٍ، وَلآخَرَ تَرْجَمَةُ أَلْسِنَةٍ. ».

وفي (1كو12: 28-30) يذكر ثماني مواهب، منها أربع مواهب جديدة تضاف إلى المواهب السابقة: “فَوَضَعَ اللهُ أُنَاسًا فِي الْكَنِيسَةِ: أَوَّلاً رُسُلاً، ثَانِيًا أَنْبِيَاءَ، ثَالِثًا مُعَلِّمِينَ، ثُمَّ قُوَّاتٍ، وَبَعْدَ ذلِكَ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ، أَعْوَانًا، تَدَابِيرَ، وَأَنْوَاعَ أَلْسِنَةٍ. أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ رُسُلٌ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ أَنْبِيَاءُ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ مُعَلِّمُونَ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ أَصْحَابُ قُوَّاتٍ؟ أَلَعَلَّ لِلْجَمِيعِ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ يُتَرْجِمُونَ؟ وَلكِنْ جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ الْحُسْنَى. وَأَيْضًا أُرِيكُمْ طَرِيقًا أَفْضَلَ.”.
وفي رسالة رومية (12: 6-8) يذكر سبع مواهب، منها أربع مواهب جديدة: “وَلكِنْ لَنَا مَوَاهِبُ مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ النِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لَنَا: أَنُبُوَّةٌ…أَمْ خِدْمَةٌ … أَمِ الْمُعَلِّمُ فَفِي التَّعْلِيمِ، أَمِ الْوَاعِظُ فَفِي الْوَعْظِ، الْمُعْطِي فَبِسَخَاءٍ، الْمُدَبِّرُ فَبِاجْتِهَادٍ، الرَّاحِمُ فَبِسُرُورٍ.”.
وأخيراً في رسالة أفسس (4: 11)، يذكر خمس مواهب منها اثنتان جديدتان: “وَهُوَ أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ،” وبالطبع من الممكن أن يضيف الروح أية مواهب أخرى غير المذكورة.

وعوما تنقسم هذه المواهب إلى مجموعتين: الأولى، مواهب العمل (الخدمة)، والأخرى، مواهب الكلام. ويضع القديس بطرس شرطاً لاستعمال هذه المواهب جميعا: «إِنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ فَكَأَقْوَالِ اللهِ. وَإِنْ كَانَ يَخْدِمُ أَحَدٌ فَكَأَنَّهُ مِنْ قُوَّةٍ يَمْنَحُهَا اللهُ، لِكَيْ يَتَمَجَّدَ اللهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ.» (1بط4: 11).

المواهب اليوم.

هل ما زالت هذه المواهب جميعها تمنح للمؤمنين في أيامنا هذه؟ إن الروح القدس الذي كان يعمل في الكنيسة الأولى هو نفسه الروح الذي يعمل الآن في الكنيسة. ولكن في الكنيسة الأولى كان هناك احتياج لمواهب خاصة تظهر بقوة ووضوح، مثل التكلم بألسنة، وذلك لمعونة الرسل والكارزين للبشارة بالكلمة بين الأمم المختلفة، ولتثبيت كرازتهم بعمل الآيات والمعجزات.

نحن نعلم أن هذه المواهب لم تتوقف في الكنيسة بعد ذلك. فكثير من آباء الرهبنة الأولين نالوا موهبة التكلم بلغات أخرى لمنفعة الذين يلتجئون اليهم طلباً لخلاص نفوسهم، مثلما حدث مع القديسين أنبا مقار وأنبا باخوميوس، وما زالت هذه الموهبة تظهر في الكنيسة بين الحين والآخر.

ولا شك أن الروح القدس مازال قادرا أن يمنح المؤمنين الآن مواهب جديدة تناسب احتياج الكنيسة في هذه الأيام، ولكنه يحتاج أولا إلى النفوس المخلصة والأواني المعدة لقبوله. ونحن لا نصلي من أجل اقتناء المواهب، لأن الروح القدس هو الذي يمنح المواهب لكل واحد كما يشاء؛ بل نصلي لكي يهبنا الله الروح القدس حسب وعده المبارك: «يعطي الروح القدس للذين يسألونة» (لو11: 13)، ولكي تمتلئ بثمار الروح، ولكي يحفظ الله أصحاب المواهب من الضياع، وأن يستخدم الموهبة لأجل بنيان الكنيسة حتى يتمجد الله بيسوع المسيح ربنا.

يشرح القديس إيرينيئوس في كتابه ضد الهرطقات، كيف أن الموهبة هي عطية من الروح القدس، والموهبة تحتاج إلى الكنيسة لكي تنمو فيها.
[ كما أن نفخة الله قد حلت في الجبلة الأولى،
هكذا استؤمنت الكنيسة على عطية الله (أي الروح القدس

حتى باشتراك جميع الأعضاء فيه، ينالون منه الحياة.
وفي الكنيسة اذخرت الشركة مع المسيح،
التي هي الروح القدس عينه،
عربون عدم الفساد وثبات إيماننا،
والسلم الصاعد إلى الله
لأنه حيث تكون الكنيسة،
يكون روع الله؛
وحت يكون روح الله
تكون الكنيسة وكل موهبة.
والروح هو حق،
ولذلك فالذين لا يشتركون فيه
لا يرضعون ثدي أمهم (الكنيسة) لينالوا الحياة،
ولا يرتشفون من الينبوع الصافي الذي ينبع من جسد المسيح.)

(ضد الهرطقات ١:٢٤:٣)

الفرح الحقيقي كتب أنبا إبيفانيوس التبني
كتاب مفاهيم إنجيلية
المكتبة المسيحية

 

زر الذهاب إلى الأعلى