الإنسان الكنسى
1 – من هو الإنسان الكنسى؟
جاءت كتابات القديس إكليمنضس السكندرى عميد مدرسة الإسكندرية تكشف عن نظرة الكنيسة الأولى للإنسان الكنسى، إذ كان يرى فى الكنيسة موضع رعاية الله وموضع التعليم، فيقول: [أطعمنا نحن الأبناء كخرافٍ. نعم أيها السيد املأنا بالبر فى مرعاك. نعم، لتقوتنا أيها المعلم على جبالك المقدسة، الكنيسة، المرتفعة كالبرج، فوق السحاب، تتلامس مع السماوات]. لقد أحب الكنيسة جداً. يخضع لتقليدها وقوانينها… إذ يقول: [إننا لا نرتبط بشئ يجعلنا نتعدّى قانون الكنيسة ([263])].
ويُعتبر أوريجينوس “رجلاً كنسياً”، بكل ما يحمله هذا التعبير من معنى ([264]). ويمكن القول إن الكتاب المقدس والكنيسة كانا الأساس فى كل كتاباته وعظاته، بل وأهم ما كان يشغله على وجه الإطلاق. يسميه جون دانيلو الرجل الكنسى، قائلاً: “لقد رأينا فى سيرة حياته كيف أنه كان معلماً للموعوظين، ومحاضراً، وكاهناً، وعالماً لاهوتياً، وشهيداً، على التوالى؛ أى أمضى حياته كلها فى إنجاز الأعمال الكنسية ([265])”. كان حريصاً على حفظ وديعة الإعلان المسيحى وسلطان الكنيسة المستمر.
يقول أوريجينوس: [أنا كالرجل كنيسة، أعيش خاضعاً للإيمان بالمسيح، ولى موضع فى وسط الكنيسة. إنى ملتزم تحت سلطان الوصية الإلهية أن أقدم ذبائح عجول وحملان، ودقيق مع بخور وزيت (بالمفهوم الروحى) ([266])]. كما يقول: [إن كنت انتمى للكنيسة، فلا يشغلنى مدى صغر شأنى، فملاكى يتطلع، ويرى وجه الآب فى كمال الحرية. فى حين إن كنت خارج الكنيسة، لن يجرؤ على ذلك ([267])].
2 – ما هى العضوية الكنسية؟
العضوية الكنسية عند العلامة ترتليان علامتها استقامة السلوك، أما عند القديس إكليمنضس فهى المعرفة الروحية أو إدراك الحق عقلياً، الصادر عن التأمل فى الله دون توقف ([268]).
3 – ما هى الوحدة الكنسية عند القديس إكليمنضس؟
الوحدة الكنسية هى طبيعة تتسم بها الكنيسة على خلاف جماعات الهراطقة الذين يحملون سمة الانقسام ([269])، والكنيسة فى هذا إنما تتمثل بالله نفسه الواحد، إذ يقول:
[الله الذى (للجنسين) هو واحد، سيدهما أيضاً واحد، والكنيسة واحدة… طعامها مشترك… ([270])].
[فى رأيى الكنيسة الحقيقية التى هى بحق قديمة، كنيسة واحدة، تضم أبراراً حسب قصد الله مُسجلة أسماءهم. لذات السبب الله واحد، الرب واحد. إنها مكرمة جداً، وممجدة بسبب وحدتها، متمثلة بالأصل الواحد الأول… امتياز الكنيسة…. هو وحدتها، فى هذا تفوق كل شئ، ليس من يشبهها ولا من يعادلها فى هذا ([271])].
سر هذه الوحدة الكنسية هى “وحدة الإيمان” إذ يقول: [لذلك فإن سر الكنيسة القديمة الجامعة هو وحدتها التى جمعت فى وحدة الإيمان الواحد هؤلاء المختارين الذين عُينوا من قبل الله قبل إنشاء العالم ليكونوا ابراراً… كحصيلة لعهديها أو بالأحرى للعهد الواحد خلال الأزمنة المختلفة، وذلك حسب إرادة الله الواحد وبالرب الواحد ([272])].
فى هذا النص أعلن طبيعة الوحدة: وحدانية الله، ووحدة الإيمان، ووحدة العهدين أو بالأحرى العهد الواحد خلال الأزمنة المتتابعة والوحدة الكنسية… ولعله فى هذا أراد أن يأخذ اتجاها مضاداً للهراطقة أمثال مرقيون الذين نادوا بالثنائيات…
أما ثمر هذه الوحدة الكنسية فهو ان تعبد الكنيسة بروح واحد: [الكنيسة هى جماعة الذين يسجدون فى الصلوات ويقدمون انسجاماً فى أصواتهم كما فى فم واحد! ([273])] هكذا تخرج سيمفونية الحب الحقيقى التى يرتاح لها السيد المسيح الكلمة، ويرى خلالها الآب فى المؤمنين أبناء حقيقيين: [اتحاد الكثيرين فى واحد، يخرج من أصواتهم المتعددة سيمفونية واحدة فى انسجام إلهى، تحت قيادة قائد الخورس والمعلم، فتبلغ الكلمة غايتها ويستريح الحق فيها، وينطق أولاد الله بالحق: “أيها الآب أبانا”، وينقلها الله بسرور ونعمة كباكورة ثمار ([274])].
4 – ماذا تعنى أمومة الكنيسة؟
يتحدث عن أمومة الكنيسة فى عبارات تكشف عن مدى تعلقه بالكنيسة: [كما أن الأم تعزى أولادها الصغار، هكذا أناأعزيكم. الأم تهتم بأولادها، ونحن نطلب أمنا الكنيسة ([275])].
ارتبطت أمومة الكنيسة فى ذهن القديس إكليمنضس بأبوة الله الحانية، ففى كتابه الأول من “المربى Paedagogus” يقول: [يا له من سر عجيب! واحد هو أب الجميع، واحد هو لوغوس المسكونة، والروح القدس هو واحد فى كل موضع! واحدة هى الأم العذراء وحدها! إنى أحب أن أدعوها الكنيسة. هذه الأم… عذراء وأم فى نفس الوقت. طاهرة كعذراء ومحبة كأم. كأم تدعو أولادها إليها وتقوتهم باللبن المقدس الذى هو اللوغوس المقدس للأبناء ([276])].
هذه الأمومة الكنسية تحدث عنها آباء القرنين الأول والثانى، نذكر على سبيل المثال هرماس ([277]). أما كون اللوغوس قد صار بتجسده لبناً يقتات عليه أبناء الكنيسة، فقد أشار إليه القديس إيرينيؤس قائلاً: [إنه خبز الآب الكامل، بتجسده قدم نفسه لنا كما لأطفال صغار فى شكل لبن. يريدنا أن نقتات بجسده وأن نعتاد على هذا الطعام فنأكل ونشرب “كلمة الله”، بهذا يمكننا أن نتشبه بخبز الخلود الذى هو روح الآب ([278])].
5 – لماذا دُعيت الكنيسة جماعة المختارين؟
الكنيسة هى اجتماع المؤمنين المختارين مع السيد المسيح، تُدعى جماعة المختارين ([279])، والمدينة الخصبة التى يديرها اللوغوس ([280]). هى العروس التى من خلالها يُعلم العريس بنفسه أولادها ([281]).
6 – لماذا دُعيت الكنيسة العالم الجديد؟
الكنيسة هى العالم المتجدد بعمل الله الخلاصى. إذ فسد العالم الذى خلقه الله أوجده حين أراد. أما غاية إرادته هذه فهى خلاص البشرية، أى وجود الكنيسة. فى هذا يقول: [كما ان إرادة الله هى عمل، هذا العمل يُدعى العالم (قال فكان)، فإن غاية إرادته هى خلاص البشر، وهذا يُدعى الكنيسة ([282])].
7 – ما هى علاقة الكنيسة المنظورة بالكنيسة السماوية؟
إذ يتحدث عن الكنيسة غالباً ما يسحب فكرنا نحو السماويات، بكون الكنيسة فى العهد الجديد قد حملت السمة السماوية، وصار وضعها فى الأعالى، تشارك ربوات الملائكة تسابيحهم. فى هذا يقول: [هذه كنيسة الأبكار لها أبناء كثيرون. هؤلاء الأبكار مكتوبة أسماءهم فى السماء، يعبدون مع ربوات الملائكة ([283])]. فى هذه الكنيسة يجد الغنوسيون (أصحاب المعرفة) راحتهم، إذ [يستريحون على جبل الله المقدس (مز15: 1)، فى كنيسة الأعالى، التى يجتمع فيها فلاسفة الله، الذين هم بحق إسرائيليون حقيقيون أنقياء القلب ليس فيهم دنس… مكرسين حياتهم للرؤيا النقية فى تأمل بلا نهاية ([284])]. أما الكنيسة المنظورة التى على الأرض فهى أيقونة للكنيسة السماوية العلوية المثلى، لهذا نصلى قائلين: “كما فى السماء كذلك على الأرض ([285])”. هذه الكنيسة المنظورة هى الكنيسة القديمة الجامعة التى تسلّمت تقليد الرسل، وبهذا تتميز عن جماعات الهراطقة.
8 – هل يُمكن أن تجد كنيسة كاملة فى طهارتها؟
يقول العلامة أوريجينوس: [من المحال أن تكون الكنيسة طاهرة تماماً مادامت على الأرض. ومن المحال أن تكون طاهرة، بحيث لا يوجد فيها خاطئ واحد، أو غير مؤمن، ويكون الجميع فيها قديسين بدون أية خطيئة ([286])].
من كتاب: كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية – جـ3 – الكنيسة ملكوت الله على الأرض – القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى.