كتاب حياة الصلاة الأرثوذكسية - القمص متى المسكين

معوقات الصلاة

توجد معوقات للصلاة عند المبتدئين ومعوّقات للصلاة عند المتقدمين.

أما فيما يختص بالمبتدئين فلا تخرج عن عدم تعود الصلاة في البداية من تشتت الفكر في الأمور التي لا يزال الإنسان يهتم بها أكثر من الله، وكذلك عدم الإنتظام في الأوقات، والشكوى من عدم فهم كلام الصلاة سواء كانت المزامير أو حتى الكتاب المقدس، وهذه كلها يجدها القارىء مشروحة على مدى الأبواب التي في هذا الكتاب وقد اعتنينا بتوضيح كل علة في موضعها.

وسنقتصر في هذا الفصل على توضيح معوقات الصلاة عند الذين نجحوا في ممارستها، أي السائرين في حياة الصلاة على أننا نلفت النظر منذ البداية إلى أنه كثيراً ما تعاق صلواتنا ، ضعف الجسد وانحطاط قواه ونشاطه نتيجة المرض كالأنيميا بنوع خصوصي أو الهبوط في الطاقة العصبية نتيجة إرهاق فكري أو ضيق نفساني أو كثرة الصوم فوق الطاقة أو ربما الإمساك الشديد المزمن أو كثرة الأعمال اليدوية أو الجسمانية أو الفكرية؛ فهذه كلها تحتاج إلى بصيرة نافذة من الإنسان أو من المرشد الذي يدبره لكي يكتشفها في الحال و يدبر علاجها لئلا تسوء حالة النفس و يرتبك الإنسان معتقداً أن تعوقه في الصلاة يعود إلى إهماله أو تـوانـيه أو برودته أو خطيئته فيبتدىء الإنسان في اليأس نظراً لأنه سيكون معرضاً للإخفاق المحتم بسبب مرضه الجسدي أو العصبي أو النفسي ، مع أن حقيقة حاله هي ما قاله المسيح نفسه لتلاميذه الذين انحلوا من التعب والسهر وناموا مع أنه كان ينبغي أن يصلوا : “أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف.” (مت 26: 41)

وأما العوامل الأساسية التي تختص بتعويق الصلاة عند المتقدمين ، فتنحصر في ثلاثة اختبارات معروفة ومهمة :-
الأول هو: الجفاف الروحي، والثاني هو الفتور الروحي، والثالث هو: ضياع هدف الصلاة من قلب الإنسان. وسوف نعالج الإختبارين الأولين أي الجفاف والفتور معاً تاركين الاختبار الثالث أي ضياع الهدف ، بمفرده في نهاية الباب.

أما الفرق بين الجفاف الروحي والفتور الروحي فهو كبير، فالجفاف الروحي اختبار يلازم الإنسان أثناء الصلاة ولا يمنع الإنسان من الإستمرار في الصلاة أو القراءة أو السهر، ولكنه يجعل هذه خالية من أي عزاء أو مسرة أو لذة.

أما الفتور الروحي فيصيب العمل نفسه، فتتوقف الصلاة و يفقد الإنسان القدرة على مواصلة أي عمل روحي، فتصبح القراءة عسيرة والسهر غير ممكن و ينصدُّ الإنسان حتى عن مواصلة الجهاد في الخدمات البسيطة العادية.

ففي أثناء الجفاف الروحي يمكننا أن نصلي بسهولة ونتابع المعنى و يكون عقلنا منتبهاً ومشاعرنا حاضرة، ونستطيع أن ندرس الكلمة ونعكف على القراءة والكتابة، ولكن نكون في أثناء ذلك كله فاقدين العزاء الداخلي.

أما في الفتور الروحي فإذا وقفنا للصلاة أو جلسنا للقراءة يكون العقل مشتتاً والقلب متغرّباً عنا، فتصبح متابعة الصلاة والنشاط الروحي أمرين فوق أنهما عسيران جداً فإنهما يكونان أيضاً بلا أدنى تحصيل.

زر الذهاب إلى الأعلى