أيها الأحباء، أطلب إليكم كغرباء ونزلاء
“أيها الأحباء، أطلب إليكم كغرباء ونزلاء” (1 بط ۲: ۱۱)
الخالق المبدع للكون وُلد غريباً على الأرض ؟ لماذا ؟ لأن الغربة هي سلوك عابر السبيل ، والغريب يستعد دائماً للرحيل ، وقلبه متعلق دوماً بوطنه الأصيل ، ووجهه مُثبت في كل وقت نحو هدفه الجليل ، لا يمكن أن يثنيه عنه عدو أو صديق ، خصوصاً إذا كان على علم بيقين وطنه وبالأمجاد التي تنتظره هناك .
الغريب لابد أن تختلف أساليبه عن أساليب الآخرين الذين ليسوا من وطنه ، وبسبب هذا التمايز والاختلاف لابد أن يحدث نفور ، وقد يصل إلى حد العداء . لذا يقول الرب لنا : “لو كنتم من العالم لكان العالم يحبكم ، ولكن لأنكم لستم من العالم لذلك يبغضكم العالم” .
لذلك يقتضي الأمر للمتغرب عن وطنه السماوي أن يسهر دائماً على قلبه ليحفظه في اشتياقه الذي لا ينطفئ لهيبه نحو بلده الأصلي ، ولا يهدأ أبداً عن إضرام نار هذا الاشتياق ، ولا يسكت إلا إذا رآها أصبحت نوراً لا يمكن أن يُخفي تحت مكيال ، يسلك هو فيه ويسير كثيرون على هداه ، ولكنه مع ذلك غريب لم تنته غربته ، ولابد أن يعود إلى موطنه.
فكل ما فعله الرب يسوع هو أنه أسس ملكوتاً للسموات على الأرض ، وشتان بين السموات والأرض . ومن هنا نشأت غربة الذين يعيشون على الأرض كمواطنين في ملكوت السموات ، فالأرض ليست لهم ، والسماء هي غايتهم ، وأبوهم الحقيقي هو في السماء ، والذي دعاهم إلى هناك جاءهم من السماء ، فسلب قلوبهم ، ولما ارتفع عنهم جذبهم معه إلى فوق ، فلم يعد لهم قدرة على أن يصبروا لفراقه ، فصاروا عنده بقلوبهم يطلبون ما هو فوق حيث هو جالس عن يمين الآب ، أما نفوسهم على الأرض فتن حنيناً من أجل الخروج من هذا الجسد لكي يستوطنوا عند الرب .
من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين