روشتة للقلق
للأب أنتوني كونيارس
(مت6: 22-33)
“كانت زوجتك عصبية باستمرار، وسمتها النرفـزة، الآن تبـدو مختلفة تماما، وأصبحت هادئة جدا. ما الذي حدث لها؟”
أجاب الزوج وقال: “قال لها الطبيب إن النرفزة من أعراض السن المتقدم”.
قيل إن القلق هو الثمن المقدم الذي يدفعه الإنسان على المشاكل التي نادرا ما تحدث.
العالم الآن صار مكدسا بالمشاكل والصعوبات، وإن نــزل موسى اليوم من فوق جبل سيناء، لابد له أن يكسر لـوحي العهـد اللذين يحملهما.
بينت الدراسات الحديثة أن القلق قد يسبب مرض الجلوكومـا، والعمى الهستيري، وبلى الأسنان وتفتتها، وارتفـاع ضـغـط الـدم، والحساسية وأزمات الصدر، والقولون العصبي، ومـرض الـشكر، ومشاكل في القلب، وتوعك الدورة الدموية وغير ذلك من أمـراض لا حصر لها.
من ثم، يجب علينا ألا نستغرب إن كان الرب يسوع يـولي موضوع القلق اهتماما خاصا.
دعنا الآن نتحاور في بعض الأمور الأساسية لنواجه مشكلة الحياة العظمى التي نواجهها، ألا وهي: “القلق”.
القلق بخصوص الأشياء التي يمكننا أن نغيرها:
أولاً: هناك حكمة عظيمة في أن نعرف أي الأشياء التي نقلق بسببها. وبكلمات أخرى، لا تقلق على الأشياء التي من المحتمـل ألاً يمكنك أن تغيرها. اقلق على الأشياء التي يمكنك أن تغيرها. كتـب شخص يقول:
“لا يمكنك أن تتحكم في عدد سني حياتك، ولكن يمكنك أن تتحكم في كم يجب عليك أن تثري الأيام التي تحياها وتعيشها في عمق.
لا يمكنك أن تتحكم في شكل وجهك، ولكن يمكنـك أن تتحكم في تعبيرات وجهك.
لا يمكنك أن تتحكم في الفرص التي تأتي للآخر، ولكن يمكنك أن تمسك بقوة في الفرص التي تأتي إليك أنت. لا يمكنك أن تتحكم في الجو، ولكن يمكنك أن تتحكم في الجو الأخلاقي الذي يحيط بك، ويمكنـك أن تتحكم في الجـو داخلك.
لا يمكنك أن تتحكم في المسافة التي بين رأسـك والأرض، ولكن يمكنك أن تتحكم في ارتفاع المحتويات داخل رأسك.
لا يمكنك أن تتحكم في أخطاء الآخرين، ولكن يمكنك أن تتبصر فيها حتى لا تعملها، أو تتكون لديك عادات رديئة”.
لماذا تقلق على أشياء لا يمكنك أن تتحكم فيها، بينما عليـك أن تنشغل بما يمكنك أن تتحكم في الأشياء التي تعتمد عليك؟
لا تأخذ دور الله:
مصدر آخر رئيسي للقلق، هو عندما نحاول أن نأخـذ دور الله. اختصاصات الله لا يمكن لنا أن نقوم بها. هو فقط الذي يمكنه ذلك.
قال شخص مجهول:
“أنا مسرور لأنني غير ملزم بأن أجعل العالم يدور، ولكن أن أكتشف وأن أعمل بقلب مسرور ما حتَّمـه الله علي لأدائه“.
كان عدد من الناس يتحادثون فيما يزعجهم ويقلقهـم في أعمالهم، وقال أحدهم إن المشاكل تزعجه أحيانا حتى يكاد يتحطم الضغط الواقع عليه. ولكن صديقا أجاب: لن يحدث لـك هذا أبدا إن كنت تلتزم بعملك الخاص فقط، ولا تحاول أن تأخـذ عقله من عمل الله من يده!
لا يمكنني أن أنسى قط قصة الشخص الذي قـال كيـف تحسن حاله تماما بعد أن تخلى عن دوره كمدير عام للكون! وترك إدارته لله.
المسيحي الحقيقي هو ذلك الشخص الذي يعرف جيدا ما يجـب عليه أن يؤديه، كما أنه أيضا هو الذي ـ في سلام كامـل مـشـوب بالاتضاع الكامل ـ يعرف ما لا يمكنه أن يعمله، وما لا يستطيع أن يعمله، يتركه في يد الله القديرة والقادرة أن تعمل، فهو إله كلي الحـب والقوة.
الصلاة:
والعلاج الثالث والأخير لعلاج القلق هو الثقة والصلاة. استمع الكتاب المقدس وهو يقول لك:
«انظروا إلى طيور السماء: إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمـع إلى مخازن، وأبوكم السماوي يقوتها. ألستم أنتم بالحري أفضل منها؟…تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو! لا تتعب ولا تغزل. ولكن أقول لكم: إنـه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها. فإن كان عشب الحقـل الذي يوجد اليوم ويطرح غدا في التثور، يلبسه الله هكذا، أفليس بالحري جدا يلبسكم أنتم يا قليلي الإيمان؟» (مت26-30). إن كان الله يلبس الزهور جمالاً، فكم بالحري أنتم!
تحكي أسطورة مكتوبة تحت عنوان: “حوار مع نملة!!!” فتقول:
إذ أحب سليمان الحكيم الطبيعة، انطلق من وقت إلى آخر إلى حدائقه وأحيانًا إلى شواطئ النهر كما إلى الجبال والبراري، وكـان يراقب بشيء من الاهتمام الحيوانات والطيـور والأسمـاك حـتى الحشرات، حيث يرى في تصرفاتها اهتمام الله بها وما وهبـها مـن حكمة خلال الغرائز الطبيعية.
لفت نظره نملة صغيرة تحمل جزءاً من حبة قمح أثقل منـها، تبذل كل الجهد لتنقلها إلى جحر صغير كمخزن تقتات بها. فکر سليمان في نفسه قائلاً: “لماذا لا أُسعد هذه النملة التي تبذل كل هذا الجهد لتحمل جزءاً من قمحة؟ لقد وهبني الله غنى كثيراً شعبي، فلماذا لا أسعد أيضا الحيوانات والطيور والحشرات؟”
أمسك سليمان بالنملة ووضعها في علبة ذهبية مبطنة بقـمــاش حريري ناعم وجميل، ووضع حبة قمح، وبابتسامة لطيفة قال لها: “لا تتعبي أيتها النملة، فإنني سأقدم لك كل يوم حبة قمح لتأكليها دون أن تتعبي… مخازني تشبع الملايين من البشر والطيـور والحيوانـات والحشرات”. شكرته النملة على اهتمامه بها، وحرصه على راحتها. وضع لها سليمان حبة القمح، وفي اليوم التالي جاء بحبـة أخـرى، ففوجئ أنها أكلت نصف الحبة وتركت النصف الآخر. وضع الحبة وجاء في اليوم التالي ليجدها أكلت حبة كاملة واحتجزت نصف حبة، وهكذا تكرر الأمر يوما بعد يوم.
سألها سليمان الحكيم: “لماذا تحتجزين باستمرار نصف حبـة قمح؟” أجابته النملة: “إنني دائما أحتجز نصف الحبة لليـوم التـالي كاحتياطي. أنا أعلم اهتمامك بي إذ وضعتني في علبة ذهبية، وقدمت لي حريرا ناعما أسير عليه، ومخازنك تشبع البلايين من النمل، لكنك إنسان… وسط مشاغلك الكثيرة قد تنساني فأجوع؛ قد تمرض فـلا أجد من يطعمني، قد تخرج للحرب فلا أجد مـن يـهـتم بي؛ لهـذا أحتفظ بنصف حبة احتياطيا. أما الله، الذي يتركني أعمل وأجاهـد لأحمل أثقال، لا ينساني، أما أنت فقد تنساني!”
«وقالت صهيون: “قد تركني الرب، وسيدي نـسيني”، “هـل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها؟ حتى هؤلاء ينسين، وأنـا لا أنساك. هوذا على كفي نقشتك”» (إش48: 14و15).
يردد القديس بولس صدى كلام الرب يسوع في قوله: «لا تهتموا بشيء»، ومثل الرب يسوع نجده لا يتوقـف في قوله عند هذا الحد، ولكنّه يمضي ليقول لنا السر في طريقة هزيمـة القلق: «بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مـع الـشكر، لتُعلم طلباتكم لدى الله، وسلام الله الذي يفوق كل عقل، يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع» (في4: 6-7). يطلب القديس بولس من المؤمنين أن يأتوا بقلقهم إلى الله، كل أنواع القلق، دائما وفي كل شيء. يمكنك أن تتكلم بحرية مع الله، وأي شيء تشعر أنـه حمل على ذاتك في الداخل، عليك أن تثق في معرفة الله وإدراكه المطلق وفي محبته الكاملة وفي اهتمامه وعنايته المفرطة، وقدرته أن يعطينا أكثر جدا مما نطلب أو نفتكر بحسب القوة التي تعمل فينا (أف3: 20)، «تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنـا أريحكم» (مت11: 28).
قصة:
ثم مستريحاً.
بينما كان الكل يئنون في الداخل وقد تسللت الدموع من أعين البعض، رشم الرجل نفسه بعلامة الصليب وقـد امـتلات ملامحه بالبهجة، ثم أغمض عينيه لينام مستريحا بين يدي الله. تمالك أخوه نفسه وربت بيده على كتفه وهو يقول له: “كنت أعجب يا أخي أنك قضيت كل حياتك لا تفارقك بشاشتك العذبة… لكنني الآن أعجب بالأكثر أنك تستقبل الموت كمن ينام مستريحا. قل لي: ما هو سر ذلك؟”
بالكاد فتح المريض عينيه، وفي بشاشة وجهه مع سلام قلبه الداخلي قال بصوت هادئ:
“لا تتعجب يا أخي الحبيب، إنّي عشت مملوءا فرحا وسلامًا، وأرحل من هذا العالم ترافقني بهجة قلبي وتهليل نفسي، فإن وراء هـذا كله هو أنني اعتدت أن أتكئ برأسي على ثلاث وسائد:
وسادة أبوة الله الحانية،
ووسادة قدرته العظيمة،
ووسادة حكمته الفريدة.
تعودت كل يوم أنام وأنا مستريح، وأستيقظ كل صباح متهلل النفس. كان إلهي يرعاني حتى في أحلامي، وها أنا أذهـب لكي أتكئ في أحضانه الإلهية، أراه وجها لوجه، وأتمتّع بكمـال أسراره الفائقة!”
امتلأت نفوس الحاضرين فرحا، وكانت قلوبهم تتغنى قائلة: “نم مستريحا على الوسائد الإلهية المريحة!”
ابسطه أمام الله:
وصل إلى الملك حزقيا في العهد القديم خطاب تهديـد عدوه. كان محتوى الجواب كافيا ليمنع النوم عمن يقـرأه، ليلاً ونهارا. ماذا عمل حزقيا؟: «أخذ حزقيا الرسائل من أيدي الرسل وقرأها، ثم صعد إلى بيت الرب، ونشرها حزقيـا أمـام الـرب وصلی… » (2مل19: 14-19). آیـا كـان نـوع القلـق أو الاضطراب الذي يزعجك، ابسطه أمام الله في الصلاة.
يقول الرب يسوع: «لا تضطرب قلوبكم» ثم يمضي ليكشف القلب غير القلق: «أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي» (يو14: 1).
سُجن ديتريخ بونهوفر Dietrich Bonhoeffer اللاهوتي الألماني إبان الحرب العالمية الثانية أيام هتلر، وأبعد عن محبيه حـتى وقـت إعدامه. بالتأكيد انتابه القلق، ولكنه استطاع من خلال يسوع أن يقهره، فكتب يقول:
“من لحظة يقظتنا إلى نومنا يجب أن تسلم حيـاة أحبائنـا بالكمال الله، وأن ندعهم بين يديه، محولين كل اهتمامنـا عنهم إلى صلاة من أجلهم. ونتيجة هذه الثقة يحل: “سلام الله الذي يفوق كل عقل”“.
لذلك، لماذا تفلق بخصوص أمور لا تقدر أن تغيرها، بينما تكون لديك أمور كثيرة يمكنك أن تغيرها؟ لماذا تقلق وكأنك أنـت مـدبر الكون، اشكر الله أنك لست هو، ولا تحاول ذلك. لماذا تقلـق وأنـت تصلی؟
لماذا القلق حيث تكون صلاة؟
القلق؟ لماذا القلق؟ ما الذي يمكن أن يصنعه القلـق؟ المشاكل والعلل تتولد منه. يسبب لك عسر الهضم، وينزع عنك ساعات النوم في الليل. ويملأ نهارك بالظلام والكآبة، مهما كـان اليوم بميا ورائعا. هو يقطب الوجه، ويجعل نبرة الصوت حـادة. يجعل حياتنا مع الآخرين غير مناسبة، وبالمثل مع أنفسنا. القلـق؟ لماذا القلق؟ ما الذي يمكن أن يصنعه القلق؟ كل المشاكل والعلـل تتولد منه.
الصلاة؟ لماذا الصلاة؟ ما الذي يمكـن أن تصنعه الصلاة؟
الصلاة حقيقة تغير الأشياء، وتجدد الحياة وتنعشها .
هي تُسهل عملية الهضم، وتعطي نوما هادئا في الليل.
اليوم الكئيب، اليوم المعتم، تملأه بأشعة نور بي.
الصلاة تضع بصماتها على الوجه، بابتسامة حلـوة، وتجعل نغمة الحب في صوتك.
تجعلك لائقا بأن تعيش مع الآخرين، وأن تعيش مـع نفسك.
الصلاة؟ لماذا الصلاة؟ ما الذي يمكن أن تعملـه الصلاة؟
تهبط لنا الله من السماء ، ليحيا ويعمل معك.
شارلس ل. ألين. Charles L. Allen
صلاة
بأبوتك الإلهية،
مع قدرتك وحكمتك أمتلئ فرحا،
أراك تملأني بالحب، عاملاً لحسابي!
أدرك أن لي موضعا خاصا على صدرك يا حنان!
لي نصيب خاص في أحضان الآب،
لي حق التمتع بسكنى روحك القدوس في.
لك كل المجد،
أيها الآب القدوس،
مع ابنك الوحيد والروح القدس،
من الآن وإلى الأبد.
آمين.
الروح القدس ديانة القوة | كتب الأب أنتوني كونيارس | أعط حساب وكالتك |
كتاب لقاء مع الرب يسوع في الأناجيل – ج1 | ||
المكتبة المسيحية |