شئ لزوم الشئ

وازن فضائلك تنجح علاقاتك

الفضيلة هي أن يكون الإنسان في وضع متوسط بين الإفراط في الشئ  والتفريط فيه. أي أن يسلك الإنسان بإتزان واعتدال. فلا يجب التشدد في إلى درجة التزمت، أو  التساهل إلى درجة الاستهانة، وكما يقول الآباء ” الطريق الوسطى خلصت كثيرين” ، وكما يقول المثل المصري القديم: “لا تكن لينا فتعصر، ولا يابسأ فتكسر” ….

الحياة توازنات 

التوازن في الحياة يحمل الكثير من الحكمة، التوازن يساعد على الثبات، حيث ان التطرف المبنی على الاندفاع لا يمكن أن يثبت، وما أسهل أن ينقلب إلى العكس، فلذلك يحتاج الإنسان إلى التوازن، فغالبية الناس أو على الأقل كثير منهم، ينفردون بفضيلة واحدة ويتركون باقي الفضائل, معتقدين أن هذه هي الحياة الروحية, ولكن الحياة الروحية ليست فضيلة واحدة, إنما هي كلاً متكاملاً يسمى الفضيلة.

 

مثلك الأعلى 

ربما لا تجد المثل الأعلى الحقيقي فيمن حولك، ولكن يوجد من فيه النموذج الرائع للشخصية المتكاملة… شخص السيد المسيح له المجد، فيخال لبعض الناس أن السيد المسيح هو فقط محباً وديعاً لطيفاً،  يتأثر لآلام البشر، فيشفيهم من أمراضهم. يخالونه فقط حملاً وديعاً. القصبة المرضوضة لن يكسرها، والفتيل المدخن لن يطفئه، لكن نجد أن فيه تجتمع المتناقضات بانسجام عجيب. فيه تقيم المحبة مع الحكمة والعدل، وتتناغم الوداعة مع الشجاعة، وتترافق طول الأناة بالإيجابية وغيرها من الفضائل . وفي كل هذه جميعاً تنبع مشاعره من قلب ينبض حناناً وحباً لك ولكل إنسان.

سنتعرض في حديثنا لثلاث فضائل هامة وهي المحبة الحكيمة – الشجاعة الوديعة – طول الأناة بإيجابية.

– المحبة الحكيمة

ان كل إنسان يحتاج أن يحب أشخاص آخرين، وأن يكون محبوباً منهم، ومن هذا الحب المتبادل يحقق إشباع حاجاته للأمان والسعادة والرضى، فمحبة الناس لك تعتبر ثروة مخزنة لك، ولذلك فكلما زاد عمرنا، زاد معه الاحتياج إلى هذا الحب المتبادل، لأنه يشبه الغذاء للجسد، لذلك جاءت الوصية: أحبوا بعضكم بعضا (1بط1: 22)، وإحساسك بالسعادة يزيد أو ينقص، كلما زاد أو نقص حبك للآخرين، وحب الآخرين لك، العجيب أن هذه السعادة ترتسم على وجهك وتنعكس على تصرفاتك وفي إقبالك على الحياة، وفي جهدك المبذول.

إن صداقتك للآخرين الذين تتبادل معهم الحب تهبك قوة، فكل صديق تكسبه هو درع واق لك. المحبة ليست كلام، لكنها حياة “لا تجب بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق! (1يو 18:3). مرا

كيف تكسب حب الآخرين؟ قلبك في الميزان

  1.  ركز اهتمامك به عندما يتحدث معك.
  2.  كن مسرعاً إلى نجدته في المواقف الحرجة.
  3.  مشاركته في الأفراح والأحزان.
  4.  حافظ على سمعته وأسراره، ولا تذيع أي وشايات ضده أو شائعات.
  5.  تمنى له الخير وإفرح لنجاحه.
  6.  التزم بالأمانة الشديدة في كل تعاملاتك معه.
  7.  كن حريصاً على مجاملته بالكلمة الحلوة، والهدية، والابتسامة.
  8.  التزم بمظهرك الخارجي في الملبس والسلوك حتی ترتاح لك نظرات الآخرين، لكن ليكن هذا الحب داخل دائرة المسيح إله المحبة.

المحبة يجب أن تكون بحكمة، فالحكمة في المحبة تعطيها عمقاً وصدقاً، فلا تنحرف إلى التدليل، والعطف الضار.. البعض يرى المحبة تدليلاً، وعطاء مستمراً بلا حكمة وبلا ضابط، وحناناً يشجع على الإستمرار في الأخطاء بغير مبالاة، والتوازن في المحبة يحمل في طياته الكثير من الحكمة، فالمحبة الحكيمة تعطي قوة داخلية، فينتصر أولاً على نفسه، قبل أن ينتصر على الآخرين, ويكون حبه قوياً في فهمه وتصرفه, ولا يكون قوياً بمعنى العدوان على الآخرين، ولكن بمعنى الاحتواء فالعدوان ضعف وليس قوة، لأن الشخص العدواني لا يملك قوة يستطيع بها ضبط أعصابه، أو التحكم في إرادته، فلا تكن محبتك بسذاجة فيخدعك الناس ويستهزئون بك.

حدث بالفعل..

أقام أحد النبلاء في  بريطانيا، حفلة عشاء، حضرها رئيس الوزراء الشهير تشرشل، والعديد من الشخصيات الرسمية ، وخلال المأدبة، تقدم أحد مساعدي رئيس الوزراء منه، وهمس في أذنه قائلا: يا سيدی، لقد شاهدنا إحدى السيدات تسرق مملحة فضية وتضعها في حقيبة يدها... فهل لنا أن نفعل شيء ؟

أجاب الرئيس تشرشل مساعده، دع الأمر لي، فأنا سأهتم بالموضوع… توجه رئيس الوزراء الى الطاولة، وأخذ مملحة أخرى مماثلة ووضعها في جيبه. ثم إتجه الى تلك السيدة، طالباً، أن يكلمها على إنفراد.

عندما أصبحا في معزل عن مرأى الآخرين، أخرج تشرشل المملحة من جيبه وقال للسيدة: سيدتي العزيزة، إني أخشى، أن ما فعلناه، قد صار معلوما عند الآخرين… فلا يوجد لنا حلٌ سوى أن نعيد هاتين المملحتين من حيث أخذناهما…

يا لحكمة هذا القائد الشهير. فبالرغم من أنه كان له مطلق الحق أن يدين تلك السيدة، ويشهّرها، غير أنه ترك لها فرصة للرجوع عن فعلها وتصحيح خطأها.

 ثانياً طول أناة بإيجابية 

ما معنى طول الأناة؟

صفاء النفس والذهن التي تستطيع أن تتحمل أعباء الحياة بدون شکوی.

وطول الأناة تساعدنا على مواجهة التجارب المختلفة، التي نتعرض لها يومياً، كالكلام القاس، والألم والمرض، والأصدقاء المستفزين. ثمرة طول الأناة هي الاستمرار في العمل الصالح دون يأس، وعدم توقع النتائج بسرعة… (طول الأناة تعني طول بالك) ولكن… بحماس وهذه هي الإيجابية..

 وماذا تعني الايجابية؟

 تعنى المبادرة والمبادأة في العمل المفيد والبناء للآخرين، وتقديم الحب المستمر، أي يعيش الإنسان المسيحي عملياً بالآية. “فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضا بهم ” (مت 12:7 )، وهي بذلك عكس السلبية التي تعنى التوانی. و البعد عن أداء الواجب بما يشير إلى الأنانية.

كيف يكون لدى ايجابية بطول الأناة؟

ما أروع إيجابية الشمس والملح في تأثيرهما في الوسط المحيط بهما، فالشمس لا تحدث صوتاً أو ضجيجاً، معلنة أنها ستنير العالم وتبدد الظلام، ولكن تأثيرها الصامت لا ينكره أحد وبالمثل الملح يعطى الطعام مذاقاً مقبولاً، في هدوء وصمت، مع عمل فعال = (إيجابية).

  •  لا تيأس من ضعفاتك.
  • لا تيأس من المشاكل التي تقابلك، بل تعامل معها بإيجابية، بدلاً من أن  تلعن الظلام أضئ شمعة’.
  • لا تيأس من صلواتك التي لا تستجاب بسرعة، فيكفي أن الله قد سمع صلواتك  وهو يستجيب في الوقت المناسب، فهناك صلوات تكون استجابتها في عدم استجابتها. 
  •  تعلم فن الإنصات ولا تقاطع من يتحدث إليك، فتربح نفوس كثيرين.

” بصبركم اقتنوا أنفسكم (لو 19:21 ). لذلك يوصينا الكتاب قائلاً: “من يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص” (مت 22:10 ) والإنسان المتسرع، سريعاً ما يقع في القلق والضجر والانزعاج، وتتعب  نفسيته ويفقد سلامه الداخلي.

+ أول شخص يحتاج أنك تطول بالك عليه هو نفسك… أطل أناتك على ضعفاتك، ولكن ليس هذا معناه الاستكانة وعدم الجهاد، ولكن يعني أنه “في المستقبل يتأصل يعقوب” (أش 27 :6). والكتاب نفسه يعلمنا أن: “الذي في الأرض الجيدة هو الذين يسمعون الكلمة فيحفظونها في قلب جيد صالح ويثمرون بالصبر” (لو 15:8 ). الإثمار في حياتنا يحتاج إلى صبر وطول أناة، ولكن باجتهاد وعمل وإيجابية… وليس بتكاسل

 ثالثاً: الشجاعة الوديعة 

سافر الفلاح من قريته إلى المركز ليبيع الزبد الذي تصنعه زوجته، وكانت كل قطعة على شكل كرة كبيرة تزن كل منها كيلو جراما.  فباع الفلاح الزبد للبقال واشترى منه ما يحتاجه من سكر وزيت وشاي، ثم عاد إلى قريته. أما البقال.. فبدأ يرص الزبد في الثلاجة.. فخطر بباله أن يزن قطعة.. وإذ به يكتشف أنها تزن 900جراماً فقط.. ووزن الثانية فوجدها مثلها.. وكذلك كل الزبد الذي أحضره الفلاح! في الأسبوع التالي.. حضر الفلاح كالمعتاد ليبيع الزبد.. فاستقبله البقال بصوت عال: “أنا لن أتعامل معك مرة أخرى.. فأنت رجل غشاش .. فكل قطع الزبد التي بعتها لي تزن 900 جراما فقط.. وقد أخذت ما قيمته كيلو جراما كاملا!”.  هز الفلاح رأسه بأسى وقال : ” لا تسيء الظن بي .. فنحن أناس فقراء .. ولا نمتلك وزن الكيلو جراما .. فأنا عندما أخذ منك كيلو السكر أضعه على كفة .. وأزن الزبد في الكفة الأخرى .. ! “.

كيف تدافع عن نفسك؟ هل بشجاعة تفقدك وداعتك، أم بوداعة ربما قد تشعر الناس أنك لست على حق.

متى كان المسيح شجاعا؟؟ ولكنها شجاعة لم تفقده وداعته..؟

صفات الإنسان الوديع

  1.  الإنسان الوديع طيب وهادئ ومسالم.
  2.  والوديع لا حدة في صوته ولا صياح.
  3.  لا يثور على الناس، ولا يثيرهم.. بل يشيع الهدوء في النفس.
  4.  فلا يغضب من أحد مهما حدث… ولا يستريح إن ترك أحدا غاضباً عليه.
  5.  له ابتسامة لطيفة بشوشة، يقابل بها أحاديث الناس ومعاملاتهم.
  6.  يعيش في سلام مع الناس. لأنه لا يفحص ملامحهم وتصرفاتهم، إنه لا يسمح لنفسه أن يفحص أعمال الناس. ولذلك فهو لا يقع في إدانة الآخرين.
  7.  لا يحتد ولا ينتقم لنفسه. ولا يقاوم الشر.. بعيد عن الغضب. حلیم واسع الصدر. 
  8. يعطي إجابة لينة لأسئلة صعبة.

ولكن ما هي الوداعة الممزوجة بالشجاعة، أي الشجاعة الوديعة؟

 

المعروف أن الطيبة هي الطبع السائد عند الوديع. ولكن عندما يدعوه الموقف إلى الشهامة أو الشجاعة أو الشهادة للحق، فلا يجوز أن يمتنع عن ذلك بحجة التمسك بالوداعة. أما إن امتنع عن الموقف الشجاع، فلا تكون هذه وداعة حقيقية، إنما تصير رخاوة في الطبع، وعدم فهم للوداعة.

و إن الشخص الوديع الطيب الهادئ، ليس هو جثة هامدة لا تتحرك.. بل إنه – إذا دعته الضرورة – يتحرك بقوة نحو الخير ونحو الغير.. ولا يكون هذا ضد الوداعة في شئ. إنما عدم تحركه يكون نوعاً من الخمول، ويلام عليه. وربما يصبح هزأة في نظر الناس.

إن الوديع لا يكون سلبياً باستمرار فهو يشهد للحق ولا يمتنع. كما يتدخل لحل مشاكل الغير، حين يكون في طاقة يده أن يفعل ذلك.

ويكون حله للمشاكل في هدوء يتفق مع طبيعته، وفي حدود الواجب عليه.

و من خصال الوديع أنه لا يتكلم كثيرة. ولكنه في ذلك يضع أمامه قول سليمان الحكيم: “لكل شئ تحت السموات وقت. للكلام وقت، وللسكوت وقت…” لذلك فهو يتكلم حين يحسن الكلام. ويصمت حين يحسن الصمت. وإذا تكلم يكون لكلامه تأثيره وقوته. وإن صمت تكون في صمته أيضأ قوة – ولكنه لا يصمت حين تدعوه الضرورة إلى الكلام، شاعراً، بأننا أحيانا ندان على صمتنا.

الوديع لا يهين أحدا، وفي نفس الوقت لا يعرض ذاته للمهانة.. وهو لا يرد على الإساءة بالإساءة، بل يحترم الناس، ويتصرف بما يدعوهم إلى احترامه. هو في مستوى مرتفع عن الخطأ. فبقدر إمكانه لا يقع في خطأ. أما إن أخطأ إليه أحد، فذاك يبكته ضميره ويبكته الآخرون.

هل يمكن إذن للإنسان الوديع أن يغضب أو أن يحتج دون أن يتعارض ذلك مع وداعته؟

وما رأيك في مقولة: “أنا مالي خليني في حالي”

مواقف من الكتاب المقدس امتزجت فيها الوداعة بالشجاعة

1- تطهير الهيكل وتوبيخ الكتبة والفريسيين (يو 14:2 -16).

2- موقف السيد المسيح من المرأة التي ضبطت في ذات الفعل (يو 7:8).

3 – موقف السيد المسيح من رئيس الكهنة عند المحاكمة (يو 19:18 -23).

4- موقف السيد المسيح من محاكمة بيلاطس (يو 23:18 -37).

5- موقف يوحنا المعمدان من هيرودس وهيروديا (مت 1:14-4).

6- موقف بولس الرسول في محاكمته أمام الأمير كلوديوس (أع 22:24 -27)

7- موقف إبراهيم أبو الآباء من الذين سبوا لوط (تك 14:14 -16)

8- موقف داود من جليات (اصم 4:17 – 47). 

9- موقف موسى النبي من الشعب عند عبادتهم للعجل (خر 19:32 -26)

 كيف أكون وديعا؟

  • في حديثك العادي، ابعد عن الصوت العالي، وحاول أن يكون صوتك خفيفاً هادئا.
  •  تدرب أيضا على هدوء الملامح، لأن الشخص الغضوب. يظهر غضبه في ملامحه وفي نظرات عينيه، وفي تجهمه، وفي تقضيب جبينه.
  •  حاول أن تضبط ليس فقط حركات يديك، بل كل حركاتك.. وكن هادئا في جلستك وفي مشيتك. ولا تبدو منفعلاً أو عصبياً.
  •  تدرب على هدوء ألفاظك في وقت الغضب، فالقلب الوديع يكون وديعاً في كل شئ: في صوته. وملامحه.. في ألفاظه.. وفي أعصابه وحركاته ,
  • و في صلواتك لا تنسى أن تطلب الوادعة، من إلهك الوديع.

لو أن أحدا من إخوتك عمل عملاً غير لائق, أو أي شئ بإهمال لا تغتظ منه أو تثور عليه, سواء في داخلك أو خارجك, بل تحمل خطأه, وتذكر أنك طوال حياتك اترتكب خطايا كثيرة, فأنت إنسان بكل ضعفاته, وأن الله طويل الروح كثير الأناة كلى المراحم, وأنه يسامحك كما يسامح الجميع عن كل خطاياهم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى