من أجلك نُمات كل النهار
“من أجلك نُمات كل النهار” (رو 8 : 36)
الحياة في المسيح جهاد حب ، وصلب ذات ، كاستجابة واعية لنداء المسيح والسير معه “حسب الروح” ، حيث يصير الصليب مذبحاً حقيقياً داخل قلب الإنسان يتم عليه صلب الجسد وأعضائه كل يوم : “من أجلك نُمات كل النهار” ( رو 8 : 36 ).
والصليب نير حلو ، فيه قوة جاذبة تجذب كل من يقترب إليه! ولكن قبل كل شيء ، الصليب يعني ألماً، يعني معاناة! لا يخلو من شدة وتوتر شديد ، يبلغ أحيانا إلى درجة الموت ؛ خصوصاً إذا كان التاج قد أُعد!
ولكن هذه الآلام عينها هي جزء حي في مضمون الذبيحة ، وهي بمثابة ختم ناري على الجسد ، يصير الجسد بمقتضاه قرباناً إلهياً.
العفة -مثلاً- لا تتصور في قلب الإنسان وجسده إلا بعد أن يجوز مراحل عدة من النضال الذاتي ، النفسي والجسدي الذي يرفع العبادة كلها كفعل تقديس جسد وتكريس حياة لله.
إذا اعتفى الإنسان خوفاً من التعب وعطفاً على الجسد من أن يدخل هذه المواجهة الإنجيلية بإرادته لتزكية وتغليب كل ما هو مقدس ضد كل ما هو غير مقدس جسداً ونفساً؛ فإنه يضيع عليه فرصة تقديم ذبيحته ، فارغاً من بركات الصليب والإنجيل ، حيث لا يجد ما يُزكي به عبادته.
كل مرة نقترب فيها من الصليب كمذبح حقيقي ، ونقدم عليه قربان حياتنا ، الذي هو ضبط الجسد وصلب أعضائه وجعلها آلات بر لله ؛ نحوز على قدر من تقديس الروح ، يُصيرنا أعضاء أكثر ملاءمة للاتحاد بجسد المسيح السري.
من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين