وُهب لكم لأجل المسيح أن تتألموا لأجله
“وُهب لكم لأجل المسيح … أن تتألموا لأجله” (في 1: 29)
القديس بولس يعتبر أن الآلام التي نجوزها بسبب إيماننا بالمسيح ، أنها محسوبة أمام الله هبة منه هو . كما أن جزاء آلامنا بسبب إيماننا هو حصولنا على حق دخولنا ملكوت الله مباشرة ، لذلك احتُسبت الآلام من أجل الإيمان بالمسيح مساوية تماماً للصليب في نظر المسيح.
فمن ذا الذي يجزع بعد من ملاقاة الآلام مهما كانت ، فهذه كلها تُحسب أنها موهوبة لنا من الله لحساب حصولنا على الأمجاد العليا وإكليل الحياة الأبدية.
لذلك أصبح الإيمان بالمسيح واحتمال كل الآلام التي تأتي علينا بسبب هذا الإيمان هو بلوغ قمة المجازاة التي للإيمان .
فكل من تألم من أجل صليب المسيح أصبح مستحقاً حب المسيح وإكرامه . أما في نظر الآب ، فمن احتمل الآلام من أجل الإيمان بابنه يكون استحق أن يكون شريك حب الآب لابنه.
هذا معناه أن هبة الآلام من أجل الإيمان بالمسيح ، معناها فتح أحضان الآب والابن معاً، والدخول في شركة وحدانية الآب والابن.
فانظر أيها القارئ السعيد ، مقدار هبة الآلام التي نجوزها كل يوم بسبب إيماننا بالمسيح ، أنها بالنهاية أدخلتا في سر وحدانية اللاهوت التي للأب والابن . لهذا عن حق وحقيقة يقول الكتاب إنه : « قد وهب لنا لا أن نؤمن بالمسيح فقط بل وأن نتألم من أجله ، ( 2 بط 1 : 4 ).
شيء لم يخطر على بالنا قط ، أن آلامنا من أجل الإيمان بالمسيح تبلغ هذا المستوى . وهذا هو قمة المنتهى في الإيمان بالمسيح والتألم من أجله .
الآن نفهم لماذا تألم المسيح قبل الصليب ، وعلى الصليب حتى الموت . الآن انكشفت لنا حقيقة هذه الآلام ، فقد أصبحت هي آلام البشرية كلها ، حيث أصبح لها هذا الوزن العالي جداً في حسبان الأجر المتحصل منها عند الله.
وبهذا المستوى في حسبان الأجر المتحصل من الآلام من أجل المسيح ترتفع المسيحية كلها وتعلو فوق مستوى البشر ، فقد أورثنا هذا الألم أمجاد السماء في العلا ، كشركاء ممتازين مع الآب والابن .
ولولا هذا البند العجيب ، أن يحتسب الله آلامنا من أجل ابنه بهذا الجزاء الذي لا يحلم به نبي أو أي من مختاري الله في العهد القديم ، لأصبح حمل الصليب ثقلاً علينا . أما الآن فمرحباً ومرحباً بأي آلام كانت ما كانت حتى الموت من أجل الإيمان بابن الله الحبيب المحبوب ..
فالآن ، أيها الإخوة ، لم تعد آلامنا من أجل الإيمان بالمسيح ثقيلة علينا . فبعد أن عرفنا كيف يكلل المؤمن المتألم من أجل المسيح ، لم نعد نستثقل حمل الصليب والمناداة بالخلاص بأعلى صوتنا في كل أركان الأرض ، أو بالحري في محيط حياتنا بين الإخوة والأحباء ، غير خائفين ولا هيَّابين البتة .
فالآلام والاضطهاد بكل أنواعه صار باباً مفتوحاً لحصولنا على مكاسب عليا لا يحلم بها نبي .
من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين