العظات الخمسون للقديس أنبا مقار

إطلالة النفس على الحياة الأبدية

‏العظة السابعة عشرة من العظات الخمسون 

[عن مسحة المسيحيين الروحانية ومجدهم ، وأنه بدون المسيح لا يمكن الخلاص أو الشركة في الحياة الأبدية] 

[أ] عربون الحياة الأبدية في هذا الدهر

1 – إن المسيحيين الكاملين الذين حُسبوا أهلاً لأن يبلغوا درجات الكمال ويصيروا أكثردنواً من الملك ، هؤلاء يكونون كل حين مُكرسين لصليب المسيح. لأنه كما أن المسحة في زمان الأنبياء كانت أكثر کرامة من كل ما عداها ، لأنم كانوا يُمسحون بواسطتها ملوكاً وأنبياء ؛ هكذا الروحانيون الآن ، الممسوحون بالمسحة السماوية ، يصيرون مُسحاء بحسب النعمة ، حتي إنهم يصبحون ملوك وأنبياء للأسرار السماوية . هؤلاء يكونون أبناءً وأرباباً وآلهة ، مربوطين ومأسورين ومغمورین ومصلوبين ومكرسين . فإن كانت مسحة الزيت ، وهي من نبت ظاهر وشجرة منظورة ، قد صار لها من القدرة بحيث إن الممسوحين بها ينالون بلا مراء مرتبة جليلة – إذ قد بات يقينا أنهم هكذا يُقامون ملوكاً ، الأمر الذي تحقق أيضاً في داود الذي بعدما مع ضُيق عليه للحال واضطُهد ، ولكن بعد سبع سنين أصبح ملكا – فكم بالحري جميع الذين يُمسحون في فكرهم وإنسانهم الباطن بزيت البهجة المقدس المفرح السماوي الروحاني ، يقبلون سمة ذلك الملكوت غير الفاسد والقدرة السرمدية ، يقبلون عربون الروح، الروح القدس المعزي ، وهو دُعي معزياً ، لأنه يعزي المتضايقين ويفرحهم .

2 – فهؤلاء ، حينما يُمسحون من شجرة الحياة ، التي هي يسوع المسيح ، ومن النبت السماوي ، فإنهم يؤهلون لبلوغ قامات الكمال ، أعني قامات الملكوت والتبني ، ويكونون شركاء للملك السماوي في أسراره ، ويقتنون دالة لدى ضابط الكل ، ويلجُون – وهم بعد في هذا العالم – بلاطه حيث الملائكة وأرواح القديسين . لأنهم وإن لم يحوزوا بعد ارثهم الكامل المعد لهم في ذلك الدهر ، إلا أنهم يكونون على يقين لأجل العربون الذي قبلوه الآن ، وكأنهم بالفعل مُكللون ويملكون . وهم لا يستغربون أنهم عتيدون أن يملكوا مع المسيح عند فيض الروح القدس ومجيئه . لماذا ؟ لأنهم وهم بعد في الجسد كانوا يختبرون مذاقة حلاوته وقوة قدرته .

3 – فكما أنه حين يكون أحد صديقاً للملك ، قد ألف البلاط وبات على دراية بأسراره وناظراً أرجوانه ؛ ثم يحدث أن يتوج هذا ملكاً، فإنه لا يستغرب ولا يجفل لكونه تمرس زماناً طويلاً على أسرار البلاط – إذ لا يؤخذ أحد من الدهماء والعامة والذين لا عهد لهم بالأسرار الملوكية ليدخل به ويصير ملكا ، بل فقط المتمرسون والمتأدبون – على هذا المنوال أيضا المسيحيون المزمعون أن يملكوا في ذلك الدهر، فإنهم لا يستغربون هذا ، کونهم بالفعل قد سبقوا فعرفوا أسرار النعمة . فلأن الإنسان كان قد تعدی الوصية ، فقد أسدل الشيطان على النفس برمتها حجاباً مظلماً، ولذا تأتي النعمة أخيراً وتهتك الستر بكامله ، حتى إن النفس أخيراً– وقد أضحت نقية واستردت طبيعتها الخاصة كخليقة بلا عيب ونقية – ترى جلياً، كل حين ، بنقاوة وبعينين طاهرتين ، مجد النور الحقيقي وشمس البر[انظر ملا4: 2] الحقة ساطعة في ذات قلبها .

4 – فكما أنه عند الانقضاء ، عندما يزول جلد السماء ، يعيش الأبرار أخيراً في الملكوت والنور والمجد ، ولا ينظرون شيئاً آخر سوى كيف يكون المسيح في مجد على الدوام عن يمين الآب ؛ هكذا أيضا هؤلاء منذ الآن يكونون مختطفين ومأسورين إلى ذلك الدهر وشاخصين إلى كل المحاسن والعجائب التي هناك . لأننا وإن كنا على الأرض ، إلا أن موطننا هو في السماوات ، ومعيشتنا ورعویتنا[1] – بحسب الفكر والإنسان الباطن – هما في ذلك العالم . لأنه كما أن العين الظاهرة ، إن كانت نقية ، تنظر الشمس بصفاء على الدوام ، هكذا أيضا العقل الذي تنقى بالتمام ينظر كل حين مجد نور المسيح ، ويكون ليل نهار ملازماً الرب ملازمة جسد الرب المتحد بلاهوته للروح القدس على الدوام . علی أن هذه القامات لا يدركها بنو البشر للتو ، بل بتعب وضيقات وجهاد كثير. لأن هناك أناسا تكون النعمه ملازمة لهم تعمل وتستريح فيهم ، بينما يكون الشر أيضاً حاضرا معهم في داخلهم ، وتعتمل كلتا السيرتين – التي للنور والتي للظلمة – في قلب واحد .

[ب] النفس يتنازعها الصلاح والشر

5- لكن على كل حال سوف تقول لي : « أيه شركة للنور مع الظلمة ؟ أم أية موافقة لهيكل الله مع الأوثان ؟ »[انظر 2كو6: 14 ، 16] ، فأجيبك أنا أيضا بهذا الكلام عينه : أية شركة للنور مع الظلمة ؟ أم كيف يُحجب النور الإلهي أو يتعكر ؟ وكيف يتدنس ما هو غير دنس ونقي؟ لأنه مكتوب : « والنور يُضيء في الظلمة ، والظلمه لم تُدركه » ( يو1: 5 ) . فيجب ألا نعتبر الأمور من منظور واحد ولا من وجهة واحدة . فالبعض يستريحون في نعمة الله إلى القدر الذي فيه يصبحون أقوى من الشر الملازم لهم، وتكون لهم صلاة وراحة وافرة من نحو الله ؛ غير أنه في ساعة أخرى تعتمل فيهم الأفكار الخبيثة ويُسرقون من الخطيئة ، ولو أنهم لا يزالون في نعمة الله. فإن السُذج وعديمي المعرفة ، حين تعمل فيهم النعمة يسيراً، يتوهمون أنه ما بقيت فيهم خطيئة بعد، أما ذوو التمييز والحكماء فما يجسرون أن ينكروا ذلك زاعمين : ” لأننا نقتني نعمة الله ، فما تعتمل فينا الأفكار المخزية الأثيمة “ .

6 – فإنا كثيراً ما نصادف بين الإخوة من قد وجدوا فرحاً ونعمة هذا مقدارهما حتى إنهم في مدى خمس سنين أو ستٍ يقولون : ’ ’ ها إن الشهوة قد جفت ‘ ‘ ! وبعد هذا ، وحين يظنون أنهم قد انعتقوا من رقتها ، إذا بالشر الكامن يتحرك فيهم فيشتعلون بالشهوة ، حتى ليعجبون قائلين : ” من أين ثار علينا مثل هذا الشر بعد كل هذا الزمان ؟ “ وعلى ذلك فإن أحداً من الحكماء لا يجسر على القول : ” لأن النعمة حاضرة معي ، فلقد تحررت من الخطيئة بالتمام ‘ ‘ ، إنما الوجهان يعتملان في الفكر . فمن لا خبرة لهم ، إن عملت النعمه ولو قليلاً، يخيل إليهم أنهم قد غلبوا بالفعل وأنهم مسيحيون کاملون . أما أنا فأقول إن الأمور هكذا هي : كمثل أن تكون الشمس في كبد السماء ، منيرة وسط الهواء النقي ، ثم يحدث أن تكتنفها سحب وتحجبها ويتلبد الجو ، لكنها ذاتها لا تفقد شيئاً في داخلها من نورها ومن جوهرها ؛ هكذا الذين لم يتطهروا بالتمام ، فمع کونهم في نعمة الله ، فإنهم لا يبرحون ممسوكين في أعماقهم بالخطيئة ، فنزعاتهم الطبيعية وأفكارهم نفسها قوية من نحو الله ، غير أنهم ليسوا بكاملين بعد في الخير .

7- هكذا أيضا الممسوكون في أعماقهم من جانب الصلاح – أعني جانب العمة – لا يزالون عبيداً لجانب الشر وللأفكار الشريرة وفي متناول قبضتها . من ثم فالإنسان يعوزه الكثير من الإفراز ، لكي يعلم بالخبرة أن الأمور هكذا هي . بل إني أقول لك إنه حتى الرسل رغم اقتنائهم للمعزي لم يُعتقوا كلية من الهم ، لأن خوفاً ورعده كانا يلازمان فرحهم وابتهاجهم ، وهذا كان من النعمة ذاتها لا من جانب الشر ، بل إن هذه النعمة كانت تحرسهم لكي لا ينحرفوا ولو قليلاً. لأنه كما لو أن أحداً قد ألقي بحصاة حقيرة تجاه سور فما أضرت بالسور ولا زعزعته ، أو كما لو أن سهماً قد صُوب ضد من يلبس درعاً فما أصاب الحديد ولا الجسد بضرر ما، إذ يصطدم به ويرتد ؛ هكذا أيضا الرسل : فلو أن شيئاً من جانب الشر كان يدنو منهم فما كان يضرهم شيئاً، لأنهم كانوا متسربلين بقوة المسيح الكاملة . وهؤلاء أنفسهم ، کونهم كاملين ، كانت لهم الحرية لتتميم أعمال البر.

8- ولأن البعض يقولون إنه بعد النعمة تغدو النفس بلا هم ، فإن الله ، حتى في الكاملين ، يلتمس مشيئة النفس في “خدمة الروح”[انظر 2كو3: 8]، حتى يتوافقا معاً ( أي الروح القدس والنفس ) ، لأن الرسول يقول : « لا تطفئوا الروح » ( 1تس5: 19 ) . فمن بين الكاملين كان يوجد قوم لا يشاءون أن يصيروا ثقلاً على آخرين ، والبعض الآخر كانوا يستكفون بذواتهم ، والبعض كذلك ، وإن كانوا يأخذون عطايا من العائشين في العالم إلا أنهم كانوا يوزعونها على الفقراء، وهذا هو الأفضل . لأن البعض ممن ينالون النعمة يهتمون بأنفسهم فحسب ، والبعض الآخر يجتهدون لينفعوا النفوس الأخرى، وهؤلاء يفوقون أولئك كثيراً . وهناك آخرون أيضا بعدما يحظون بالنعمة ، يُسلمون أجسادهم – من أجل اسم الله – إلى الإهانات والآلام ، وهولاء أيضا هم أفضل من أولئك . لكن البعض في سعيهم في إثر الفضيلة يرومون أن يتباهوا ويُمجدوا من الناس ، زاعمين أنهم مسيحيون وشركاء الروح القدس ، بينما البعض الآخر يجتهدون أن يخفوا نفوسهم من ملاقاة الناس ، وهؤلاء هم أفضل كثيراً من أولئك . فها أنت تنظر كيف أنه في الكمال عينه ، توجد نية صالحة من نحو الله تنشأ من رغبة طبيعية ، كما توجد أخرى أفضل وأوفر سخاء منها . 

[ج] ملكوت الله بالعمل لا بالكلام

9- كمثل إنسان يرتدي ثياباً بالية قد رأى نفسه في حُلم غنياً، ثم استفاق من نومه ونظر ذاته فإذا هو مسكين وعريان مرة أخرى؛ هكذا أيضا الذين يتشدقون بالكلام الروحاني يتراءى لهم أنهم يتكلمون عن السيرة الحسنة ، ولكن لأنهم لم يختبروا فعل هذا الكلام مُثبتاً في أذهانهم ، بما له من مذاقة وقوة ويقين ، يلبثون عائشين في وهم . أو على غرار امرأة لها ثوب من حرير ومتحلية بلآلئ ، وقد سلمت نفسها إلى ماخور ؛ هكذا هو الحال أيضا لأمثال هؤلاء : فقلبهم ماخوز للأرواح الشريرة ، وهم يريدون أن يتكلموا عن البر دون أن يختبروا هذه الأمور.

10- لأنه كما لا يمكن لسمكة أن تحيا بدون ماء ، أو لأحد أن يمشي بدون أقدام ، أو يری نوراً بدون أعين ، أو يتكلم بدون لسان ، أو يسمع بدون آذان ؛ هكذا بدون الرب يسوع وعمل القوة الإلهية لا تكون هناك معرفة لأسرار الله وحكمته ولا يكون أحد غنياً بالروح ومسيحياً. لأن هؤلاء الذين يُقتادون ويُرعون – بحسب إنسانهم الداخلي – من القوة الإلهية هم حكماء الله [بالحق][2] وجنوده ورجاله وفلاسفته. لأن فلاسفة اليونانيين يتعلمون ( فخر ) الكلام، بينما هناك آخرون «عاميون في الكلام»[2كو11: 6] وهم فرحون ومتهللون بنعمة الله ، رجال يتقون الله . فلنميّزنَّ إذا أيهما أفضل ، فإنه يقول : « إن ملكوت الله بالعمل والقوة » ( 1کو4: 20 حسب النص)[3] ، فليس هو بالكلام بل بالعمل والقوة .

11 – فأن يقول أحد إن هذا الخبز قد صُنع من الحنطة ، فهذا أمر هين ، أما كيف يُعد الخبز بالتفصيل ويُخبز، فهذا هو ما يجب الحديث عنه. فالتكلم عن انعدام الأوجاع وعن الكمال أمر هين ، أما العبور إلى حالة الكمال عن خبرة ، فهذا عمل النزر اليسير من الناس . فقد أوصى الإنجيل في إيجاز : « لا تغضب ؛ لا تشته ؛ إن كان أحد يلطمك على خدك فقدم له الآخر أيضا ؛ إن كان أحد يخاصمك ليأخذ رداءك ، فأعطه الثوب أيضاً» ( انظر : مت 5: 22، 28، 39، 40 ؛ لو 6 : 29) ، أما الرسول فيتابع كيف ينبغي أن يكون عمل التطهير رويداً رويداً ، بصبر وطول أناة ؛ فيُعلم [بطرق شتَّی][4] ، مُقدماً أولاً اللبن كما لأطفال ، ثم متقدما إلى النمو والكمال[انظر 1كو3: 1]. فكأن الإنجيل قد قال بأن يكون الثوب من صوف ، أما الرسول فكشف بدقة كيف يُعد. 

 12- فالذين يتكلمون كلاماً روحانیاً دون أن يختبروا شيئاً من مذاقته ، مثلهم مثل إنسان يجتاز سهلاً مقفراً وقد دهمه الحر ، وفيما هو في شدة العطش رسم ينبوعاً يفيض ماء وتصور نفسه يشرب منه ، بينما شفتاه قد يبستا وكذا لسانه جراء العطش الذي أضناه ! أو هم أشبه بإنسان يتكلم عن العسل أنه حلو ، وما عرف قوة حلاوته إذ لم يذقه ! هكذا هم المتكلمون عن الكمال والابتهاج أو انعدام الأوجاع ، وما اقتنوا فعل هذه الأمور ولا يقينها ، فليست كل الأمور هي هكذا كما يقولون هم عنها. فإنه حين يؤهل أحد من أمثال هؤلاء مرة ، ولو جزئياً، لأن يختبر بالفعل ، فإنه يُميز من تلقاء ذاته أن “ليس كما كنت أظن هكذا وجدت ، لأن ما كنت أتكلم عنه شيء ، وشيء آخر هو ما يعمله الروح.

13- فالمسيحية أكل هي وشرب ، وكلما أكل أحد منها ، ازداد عقله اشتياقاً أكثر فأكثر ، مدفوعاً بفرط حلاوتها، فلا يحصره مدى يبلغه ولا يروي غليله حد يدركه ، بل يطلب بلا شبع وياكل . كما لو كان أحد عطشان وأُعطي له شراب حلو ، ثم لما شرع يتذوقه دنا منه أكثر جداً وهو يستعر عطشاً بزيادة ؛ كمثل هذا المثل هكذا [بالصدق][5] مذاقة الروح القدس فإنه يكاد يستحيل إشباعُها . وما هذه بكلمات جوفاء ، بل هذا هو فعل الروح القدس الخادم سراً في العقل . فإن قوماً يتوهمون أنهم بالفعل قديسون بسبب عزوفهم عن المرأة وعن سائر الأمور المنظورة، لكن الأمر ليس هو هكذا ، لأن الشر لا ينفك يحيا ويرتفع في ذهنهم وفي قلبهم . بل هذا هو الدقيس : من تطهر وتقدس بحسب الإنسان الباطن ، لأنه أينما انتصب الحق ، فهناك يحاربه الضلال ساعياً لأن يطمسه ويُعكره .

[د] المسيح، لا غير، هو الطريق

14 – فحين كان اليهود يملكون الكهنوت ، كان يوجد من ذات أمتهم من يُضطهدون ويُضيق عليهم بسبب ثباتهم في الحق ، أقصد ألعازار والمكابيين[انظر 2مك6: 18] . أما الآن فلأنه منذ الصليب وانشقاق الحجاب قد فارقهم الروح القدس ، فقد استعلن الحق[6] أخيراً ههنا وهو يعمل. على أن قوماً صاروا يُضطهدون من قبل هذه الأمة نفسها[7] : فمن قبل هذه الأمة ذاتها كانوا يُضطهدون ويُضيق عليهم ، لكي يصير محبو الحق أولئك شهداء . لأنه كيف سيظهر الحق ما لم يكن هناك من يناهضونه ، أولئك الكذبة الساعون ضده؟ بل إنه يوجد من بين الإخوة من يتحملون آلاماً وشدائد ، وهؤلاء يحتاجون إلى حرص كثير لكي لا يسقطوا. لأن واحداً من الإخوة لما كان يصلي مع آخر سُبي من قبل القدرة الإلهية واختُطف ورأى مدينة أورشليم العليا وصُورا مضيئة ونوراً لا نهاية له، وسمع صوتاً قائلاً: ” هذا هو موضع راحة الصديقين” . ثم بعد قليل ، إذ انتفخ وظن أن ما رآه إنما كان يخصه هو ، وُجد بعد ذلك ساقطاً في أغوار الخطيئة وأدنى دركاتها وفي ربوات من الشرور.

15 – فإن كان هذا الذي دخل إلى العمق وصعد إلى العلاء قد سقط ، فكيف يمكن للإنسان العادي أن يقول : ’’ لأني أصوم وأحيا حياة الغربة وأُفرق أموالي فقد أصبحت الآن قديساً‘‘ ؟! فالامتناع عن الشرور ليس هو الكمال. لكن إن أنت دخلت إلى فكرك الذي فسد ، وقتلت الحية التي تقتلك ، القابعة أسفل العقل وفي أعماق الأفكار والكامنة في ما يمكن أن يُدعی مخادع النفس ومخازنها – إذ إن القلب لا يُسبر غوره – أقول إن أنت قتلت تلك الحية، فقد طرح كل النجاسة التي فيك خارجاً. لأن كل محبّي الحكمة ، والناموس ، والرسل ، ومجيء المخلص ، كل هذا يعمل لحساب الطهارة . فكل الناس ، يهوداً كانوا أم يونانيين ، يحبَّون الطهارة ، وإن تعذر عليهم بلوغها . لذلك فمن الضرورة بمكان أن نفتش كيف وبأية الوسائل يمكن للقلب أن يغدو نقياً. فإنه لا سبيل إلى هذا بأي طريق آخر البتة سوى بذاك الذي من أجلنا صُلب ، لأنه هو الطريق ، والحياة ، والحق ، والباب ، واللؤلؤة ، والخبز الحي السماوي . فإن أحداً لا يمكنه بدون ذلك الحق أن يعرف الحق أو يخلص . فكما أنك فيما يخص الإنسان الظاهر والأمور المنظورة قد جحدت كل الأشياء ووزعت مقتناك ؛ هكذا أيضا فيما يتعلق بالحكمة العالمية، إن كان لك معرفة وقوه كلام ، بات لزاماً عليك أن تُلقي عنك الكل ولا تحسبه شيئاً، لكي يتسني لك بهذا أن تُبنی « بجهالة الكرازة »[انظر 1كو1: 21] – تلك الكرازة التي هي الحكمة الحقة التي تحوي ، لا كلمات مزخرفة بل قوة فعالة بواسطة الصليب المقدس . والمجد للثالوث المساوي في الجوهر إلى الدهور ، آمین. 

  1.  وردت هذه الكلمة πολιτεία في أع 22: 28؛ وأيضا أف 2 : 12، وهي تعني : citizenship = مواطنية ، أي كون الإنسان مواطناً له امتیازاته وحقوقه .  
  2. وردت في نسخة ال PG فقط ( PG 34 , 629 C ).
  3. إضافة كلمة العمل على هذه الآية يبدو أنه جاء من تداعي المعنى مع 1 يو 3 : 18« لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق » ، مع وجود ” لا بالكلام ‘ ‘ كجزء مشترك في الآيتين. 
  4. وردت في نسخة ال PG فقط ( PG 34 , 632 A ) ۔ 
  5. وردت في نسخة ال PG فقط ( PG 34 , 632C )
  6. المترجم إلى الفرنسية وضع كلمة الحق هنا بحرف كبير في بدايتها على اعتبار أنها تشير إلى المسيح الذي قال « أنا هو الحق». وسياق هذه الفقرة والتي تليها يجيز هذا الاعتبار. 
  7. يقصد الرسل والمسيحيين الأوائل الذين صاروا يُضطهدون من قبل الأمة اليهودية .

 

زر الذهاب إلى الأعلى