معمودية الأطفال – شهادة الآباء

 من كتاب المعمودية: الأصول الأولى للمسيحية 
للأب متى المسكين

الفصل الثاني
الجزء التقليدي

(ب) معمودية الأطفال – شهادة الآباء

أولاً: عماد الأطفال

إن قانونية ولاهوتية عماد الأطفال، كانت مشروحة جاهزة في حلول الروح القدس على أهل البيت كباراً مع صغار فيعتمدون جميعاً، فهذه هي شهادة الروح القدس، وبالتالي شهادة المسيح، لأن الروح القدس يشهد للمسيح.

والبحث في مؤلفات الآباء القدامى جدًّا انتهى إلى أن عماد الأطفال صار من الصعب تتبُّعه في ما قبل منتصف القرن الثاني.

ولكن الكتاب المقدَّس كوثيقة من القرن الأول أشار بوضوح إلى معمودية الأطفال ضمن العائلة أو الأسرة التي كانت تدخل العماد بكاملها تحت كلمة: “فلان وجميع بيته” أو “أهل بيته”، حيث جميع أفراد الأسرة تعني حتماً الأطفال. والكلمة المدرجة في الأسفار والأناجيل هي Household بمعنى كل مَنْ في البيت.

والأمثلة على ذلك هي:

+ » …وهو تقي وخائف الله مع جميع بيته … ويصلِّي إلى الله كل حين. «(أع 2:10)

+ » وهو يكلِّمك كلاماً به تخلص أنت وكل بيتك، فلمَّا ابتدأت أتكلَّم حلَّ الروح القدس عليهم كما علينا أيضاً في البداءة. فتذكَّرت كلام الرب كيف قال إن يوحنا عمَّد بماء وأمَّا أنتم فستتعمَّدون بالروح القدس. «(أع 11: 14-16)

وهكذا كل أهل البيت قبلوا الخلاص وحلَّ عليهم الروح القدس.

+ » فقالا (بولس وسيلا) آمن بالرب يسوع المسيح فتخلُص (حافظ السجن) أنت وأهل بيتك، واعتمد في الحال هو والذين له أجمعون. «(أع 16: 31-33)

+ » وكريسبس رئيس المجمع آمن بالرب مع جميع بيته. «(أع 8:18)

+ » ففهم الأب أنه في تلك الساعة التي قال له فيها يسوع أن ابنك حيّ. فآمن هو وبيته كله. «(يو 53:4)

 

+ » وعمَّدت أيضاً بيت استفانوس … «(1كو 16:1)

+ » فلمَّا اعتمدت هي (ليدية بيَّاعة الأرجوان) وأهل بيتها … «(أع 15:16)

بجوار هذه الشهادات توجد شهادة القديس بطرس نفسه:

+ » فقال لهم بطرس: توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس. لأن الموعد هو لكم ولأولادكم ولكل الذين على بُعدٍ. «(أع 2: 38و39)

هنا كلمة أولادكم تشمل كل الذرية، ولكي نحدِّد معنى كلمة “أولادكم” تُقرأ في الإنجليزية: Children.

 

ثانياً: شهادة الآباء

 

1  هيبوليتس (التقليد الرسولي) سنة 215م تقريباً:

+ [1:21 في الساعة التي يصيح فيها الديك يبتدئون بالصلاة على الماء.

2  وليكن الماء الذي يأتون إليه نقياً وجارياً.

3  وحينئذ يخلعون ملابسهم.

4 – ويعمِّدوا الأطفال أولاً فالذين يستطيعون أن يجاوبوا عن أنفسهم فليجاوبوا. والذين لا يستطيعون ذلك فليجاوب عنهم أبوهم أو أي شخص آخر من العائلة.

5  وبعد ذلك يعمِّدوا الرجال البالغين وأخيراً السيدات.]([1]) 

على أن أقوال هيبوليتس وهي الموجودة في التقليد الرسولي لا تخص أيامه فقط، ولكنه يسرد ما اعتادت الكنيسة عليه منذ القديم في تدبيرها أثناء العماد.

وتعليقنا على هذا أن الكنيسة منذ البدء، منذ أيام الرسل، كانت تعمِّد البيت كله بكل أهله صغاراً وكباراً، وكانت تراعي الفصل بين الرجال والنساء، وهذا سار عليه الجيل الذي جاء بعد الرسل وهكذا.

2  العلاَّمة ترتليانوس (شمال أفريقيا سنة 203م):

ولو أن العلاَّمة ترتليانوس كان شخصياً لا يشجِّع تعميد الأطفال إلاَّ في حالة الضرورة، ولكن أقواله تبيِّن أن العادة السائدة في الكنيسة في أيامه كانت أن يُعمَّد جميع الأطفال.

يقول ترتليانوس معترضاً على العجلة في تعميد الأطفال:

+ [لماذا هذه اللهفة في تعميد الأطفال في غير الحالات الخطرة؟ ولماذا نعرِّض الأشبين للخطر؟ لأنه ربما يموت الأشبين قبل أن يتمم واجبه تجاه الطفل الذي ضمنه، وربما يخيب عشمه في هذا الطفل بظهور ميول رديئة فيه.]([2]) 

 

لكن هذا بحد ذاته يثبت أن في أيام ترتليانوس في قرطاجنة سنة 200م كانت العادة السائدة في الكنيسة أن يُعمَّد الأطفال، وأن يُحدَّد لكل منهم أشبين يجاوب عنه في المعمودية ويتعهَّد أن يلقِّنه حقائق الإيمان متى بلغ سن الرشد، حتى أن موقف الأشبين يكون خطراً إن لم يُتمِّم هذا الواجب.

هذه كانت عادة الكنيسة في شمال إفريقيا سنة 200م، حيث نرى أن عماد الأطفال كان جارياً وبلهفة. وبعد ذلك بخمسين سنة أي سنة 251-253م جاء أسقف يُدعى Fidus وأعطى أمراً أن لا يُعمَّد الأطفال حتى يبلغوا ثمانية أيام بعد الولادة (زمن الختانة عند اليهود). وبعد ذلك في اجتماع للأساقفة وعددهم كان 67 أسقفاً في مجمع قرطاجنة، أقروا أن العماد يلزم أن يحدث بصفة دائمة حتى في اليوم الثاني أو الثالث بعد الولادة. هكذا في هذا العصر كانت تُمارس معمودية الأطفال([3]).

3  شواهد على قبور الأطفال:

وهناك ثلاثة شواهد على قبور الأطفال من القرن الثالث وتذكر وقت عماد أصحابها لأنهم توفّوا مباشرة بعد عمادهم:

الأول: مكتوب اسمها Tyche وعمرها سنة واحدة وعشرة شهور وخمسة عشر يوماً وماتت في يوم عمادها([4]).

الثانية: مكتوب اسمها Irene ماتت عن عمر أحد عشر شهراً بعد عمادها بستة أيام([5]).

الثالث: مكتوب اسمه أبرونيانس Apronianus وعمره واحد وعشرون شهراً وثلاثة أيام عُمِّد في حالة مستعجلة([6]).

وهذه الثلاث كتابات المحفورة هي في روما في السراديب التي تحت الأرض([7]).

4  القديس يوستين (150155م):

في دفاعه الأول يقول:

+ [هناك كثير من الرجال والنساء بلغوا من العمر ستين سنة وسبعين سنة محتفظين بالبتولية كل أيام حياتهم
منذ أن صاروا تلاميذ للمسيح في طفولتهم.]
(الدفاع الأول 6:15)

والقديس يوستين يكتب بين سنة 150155م وقد جاءت باليونانية بوضوح أكثر:

[o† ™k pa…dwn ™maqhteÚqhsan tù Cristù]

فالمعنى الدقيق أنهم حفظوا بتوليتهم منذ الطفولة! وكانوا تلاميذ المسيح منذ طفولتهم وصاعداً. وهنا يشرح العالِم يواقيم إرميا([8]) عبارة: “صاروا تلاميذ للمسيح” على أنها تعني أنهم اعتمدوا باسمه! ومرجعه في ذلك ما ورد في (مت 19:28): » فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمِّدوهم « والتلمذة للمسيح هي قرينة المعمودية. ويُلاحِظ العالِم إرميا أنهم كانوا في أعمار ستين وسبعين سنة، هذا يعني أنهم اعتمدوا ما بين سنة 80م، 95م في القرن الأول المسيحي!

5  القديس بوليكاربوس الشهيد أسقف سميرنا 167168م:

عندما طالبه الوالي أن ينكر المسيح أجاب:

+ [ستاً وثمانون سنة وأنا أخدم المسيح ولم يسيء إليَّ في أي شيء. فكيف أجدِّف الآن على ملكي الذي خلَّصني؟]([9]) 

ويقول العالِم يواقيم إرميا([10]) إن بقية تواريخ حياة بوليكاربوس معروفة وأنها تحتِّم أن يكون قد استشهد وعمره 86 سنة، وعلى ذلك يكون قد حسب سني خدمته للمسيح منذ ولادته. وفي هذا إشارة ضمنية أنه اعتمد في بدء طفولته. وهذا دليل أنه منذ سنة 80م كان يُمَارَس عماد الأطفال.

وما يُقال عن القديس بوليكاربوس يُطبَّق على بوليكراتس أسقف أفسس سنة 190-191م إذ يقول:

+ [أنا عشت إلى الآن أيها الإخوة 65 سنة في الرب وقد تكلَّمت مع إخوة من كل أنحاء العالم وقد تلوت كل الأسفار  (كان الأسقف هو الثامن في عائلته)].

وهذا يعود بنا إلى سنة 125-126م عندما تعمَّد لأنه يقول إن له 65 سنة في الرب، بمعنى أنه تعمَّد في بدء عمره.

 

6  القديس إيرينيئوس:

يكتب بعد سنة 180م ويقول:

+ [إن الرب جاء ليخلِّص الجميع بذاته، أعنى جميع الذين وُلِدُوا لله ميلاداً ثانياً بواسطته: الرُضَّع والأطفال الصغار والصبيان والبالغين والشيوخ.]([11]) 

هنا القديس إيرينيئوس يقصد بالولادة الثانية المعمودية. وهو في قوله هذا يدافع عن العلاقة بين الميلاد الثاني والمعمودية (ضد مرقيانوس). والمعنى هو أن المسيح يُخلِّص ويُقدِّس الناس من كل الأعمار: من الرُضَّع إلى الأطفال إلى الرجال البالغين لأنهم قد اعتمدوا، إذ يقول صراحة: إنهم “وُلِدوا لله ميلاداً ثانياً بواسطة المسيح” وهذه إشارة واضحة إلى المعمودية.

7  أوريجانوس 231250م:

يذكر أوريجانوس أن عماد الأطفال هي عادة الكنيسة، وفي تعليقه على رسالة رومية يقول إن هذا التقليد في الكنيسة يعود إلى الرسل([12])!

ويُعلِّق على اختتان المسيح وهو ابن ثمانية أيام بقوله:

+ [بهذه المناسبة يلزم أن أقول كلمة بخصوص السؤال الذي يثير مناقشات بين الإخوة بخصوص عماد الأطفال. فإن الأطفال يُعمَّدون لمغفرة الخطايا. أية خطايا؟ ومتى أخطأوا؟ في الحقيقة لم يخطئوا قط، ومع ذلك فإنه «ليس أحد بلا دنس» (أي 4:14 سبعينية) ولو كانت حياته يوماً واحداً، وهذا الدنس يُرفع عنهم بواسطة سر المعمودية. ولهذا السبب فإن الأطفال يُعمَّدون.]([13]) 

+ [من أجل هذا استلمت الكنيسة من الرسل تقليد عماد الأطفال لأن الذين استؤمنوا على الأسرار الإلهية (أي الرسل) كانوا يعلمون أن في كل واحد يوجد تلوث جذري (من آدم) يلزم أن يُغسل بالماء والروح.]([14]) 

 

 

([1]) The Apostolic Tradition, XXI, 1-5, cited by E.C. Whitaker, op. cit., p. 4,5.

([2]) De Baptismo, 18,4.

([3]) J. Jeremias, op. cit., p. 65,66.

([4])  Diehl, Inscriptiones Latinae Christianae Veteres I, Nº1531.

([5]) Ibid., I, N°1532.

([6]) Ibid., I, N°1343, Rome, Catacomb of Priscilla.

([7]) Joachim Jeremias, The Origins of Infant Baptism, p. 52.

([8]) Ibid., pp. 55-58.

([9]) Mart. Polyc. 9,3.

([10]) Ibid., p. 58.

([11]) Irenaeus, A.H., II, 33.2.

([12]) Origen, On Romans V, 9, PG 14, 1047.

([13]) Origen, Hom. on Luke XIV (on 2.22), cited by J. Jeremias, op. cit., p. 70.

([14]) Origen, On Romans V, 9, PG 14, 1047, cited by J. Jeremias, op. cit., p. 72.

فاصل

ختم الروح القدس (سر التثبيت) كتب الأب متى المسكين المعمودية عند الآباء
كتاب المعمودية الأصول الأولى للمسيحية
المكتبة المسيحية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى