الصليب من وجهة التقليد العام
إن المسيح لم يتخصص في حياتنا للأعياد فقط ، ولا انحصر في الأبحاث اللاهوتية والعقائدية والفكرية ، بل ولا انحبس داخل الكنيسة لنتقابل معه في الأسرار فقط ، بل ، فـوق كل هذا و بالرغم من كل هذا، فالمسيح يلازمنا في حياتنا اليومية في أخطر المواقف وأبـسـطـهـا ، وفي أعقد الظروف وأسهلها ، وفي أيام الفرح كما في أيام الحزن وفي ساعات الجد والعمل كما في أوقات المرح والراحة… هكذا الصليب !!
إشـارة الـصـلـيـب تـراث تقليدي زاخر يتغلغل حياة المؤمنين من القرن الأول بتسليم رسولي ما في ذلك شك :
[ بخصوص المعتقدات والممارسات المحفوظة في الكنيسة والمسلمة عموماً ، بعضها اسـتـلـمـنـاه كـتـابـة وبعضها الآخر تسلّمناه كما وصلنا في «سر» حسب تقليد الـرسـل . وكـلا هذين التسليمين لها نفس القوة فيما يختص بالدين… وعلى سبيل المثال للنوع الثاني فلنأخذ المثل الأول والعام ، فمن الذي علمنا كتابة أن نرسم بعلامة الـصـلـيـب ؟ أو ما هي الكتابة التي علمتنا أن نتجه في الصلاة ناحية الشرق ؟ ]
القديس باسيليوس
وإن كنا لا نستطيع أن نحدد اسـتـخـدام الصليب ، لأن من المسلم به أن إشارة الـصـلـيـب يـلـزم أن تشاركنا حياتنا كلها بحركاتها وسكناتها ، كما يخبرنا بذلك كل من القديس كيرلس الأورشليمي وترتليانس والقديس يوحنا ذهبي الفم :
[ لا نخجـل بـعـد مـن الـذي صلب على الصليب ، وليكن الصليب ختمنا الذي نضعه بشجاعة على جبهتنا بأصابعنا وعلى كل شيء ، على الخبز الذي نأكله وعلى الكأس الذي نشر به ، نرسمه في دخولنا وخروجنا ، نرسمه قبل نومنا عندما نرقد وعـنـدمـا نستيقظ ، أثناء سيرنا وأثناء راحتنا ، عظيم هذا التحفظ بلا ثمن للفقراء و بلا جهد للمرضي ، لأن نعم نعمته هبة من الله .
و بينما الصليب آية المؤمن ، فهو رعبة الشياطين لأن على الصليب ظفر المسيح بهم ، وفـضـحـهـم جـهـاراً، لذلك فـحـينا يبصرون الصليب يذكرون المصلوب و يـرتـعـدون لأنـه عـتـيد أن يسحق رأس التنين ، فلا تستهينوا بهذا الرشم ( الختم) ـ أي الصليب ـ لأنه بلا ثمن ، فهو هبة ، فينبغي بالحري إعطاء المجد للواهب . اجـعـلـوا الـصـلـيـب أساس إيمانكم الذي لا يتزعزع ، وابنوا فوقه كل عوامل الإيمان الأخرى… فالصليب سوف يظهر مرة أخرى في السماء كالعلم الذي يسبق أمام الملك ، وإذ يعرفونه من الصليب يندمون حيث لا زمان للتوبة .
أمـا نحـن فـنفتخر بالصليب ونعظمه عابدين الرب الذي جاء وطلب عليه مع الآب الذي أرسله والروح القدس الذي له المجد إلى أبد الآبدين . ]
القديس كيرلس الأورشليمي
[في كل خطوة نقدم عليها أو أي حركة نقوم بها في دخولنا وخروجنا عندما نلبس ملابسنا ، عـنـدما نستحم ، عندما نجلس لنأكل ، عندما نوقد المصابيح ، وعندما نخلد إلى الفراش ، وفي كل أعمالنا اليومية علينا أن نرسم الصليب على جبهتنا . و بخصوص هـذه الـقـوانين إذا كنتم تصممون على العثور على استشهادات من الأسـفـار المـقـدسـة تثبتها فلن تجدوا شيئاً. فالتقليد يقوم لكم بمثابة المصدر الوحيد الذي انحدرت مـنـه هـذه الوصايا إليكم ، كما تقوم العادة السارية كموثق لهذه الشهادة، والإيمان كالشاهد . ]
ترتليانوس
[وصارت عـلامـة الـصـلـيـب تـرسم على ملابسهم وعلى تيجان الملوك وترسم في الـصـلـوات ، وعلى المائدة المقدسة يرتفع الصليب ، وفي كل مكان من أرجاء العالم يضيىء الصليب بأكثر مما تضيىء الشمس.]
القديس يوحنا ذهبي الفم
إلا أنه يمكـنـنـا أن نـقـسـم أنواع مواقف الحياة التي تستدعي الإلتجاء إلى استخدام الصليب :
أولاً ـ مواقف الصلاة : –
مـن أعـظـم المـصـادر التي نستقي منها ضرورة استخدام قوة الصليب أثناء الصلاة ، التقليد الرهباني الذي لا يزال حياً في كثير من تسليماته منذ نشأة الرهبنة الأولى ، وذلك لأن الرهبنة هي حياة الصلاة بجملتها . والمعروف أن التقوى الرهبانية ليست مستحدثة على المسيحية ، بل هي ميراث رسولي وصورة حقيقية مخلصة لحرارة الكنيسة الأولى التي تركت كل شيء وتبعت المسيح و باعت كل شيء ووضعته تحت أقدام الرسل، ليتفرغ الجميع للعبادة والصلاة .
لذلك فالحياة الرهبانية هي في الواقع حرارة الكنيسة غير المنطفئة ، والدعوة الرسولية الأولى غير المتزعزعة :
[ الـذيـن بـاعـوا كـل شـيء وأعطوه للفقراء وفي كل ساعة من الليل والنهار حملوا الصليب وتبعوا المخلص بالصلوات . ]
بالليديوس
لذلك نرى أن حمل الراهب للصليب أثناء الصلاة ، أمر واقعي مطابق لحياته ، لأن منظر الصليب في يده أو أمامه يشعله إشعالاً إذ يزكي موقفه كمن يتبع المسيح فعلاً ، قلباً وعقلاً وروحاً .
[ وكـان يـبـدأ بالمزامير و يسير فيها ، ثم بغتة ينحني و يسجد ويخر بوجهه على الأرض معـفـراً جـبـيـنـه بترابها مقدار مائة دفعة متواتراً بحدة من شدة الحرارة التي كانت تشتعل في قلبه من النعمة . وكان كلما يقوم يقبل الصليب وأيضاً يسجد و يقوم أيضاً يقبل ثم يخر على وجهه . وكان أحياناً يقبل الصليب عشرين مرة باشتياق ومحبة ممزوجة بمخافته …
وبكثرة الصلوات كان يرفع يديه إلى السماء ( بشبه الصليب ) ويمجد و يشكر دفعات كثيرة ، وكان رجلاً متقدماً أبن أربعين سنة . ]
مار إسحق – الجزء الثاني ، الميمر التاسع
هذه هي حياة الراهب ، مصلوب شكلاً وموضوعاً ،
لا يفارق الصليب يده أو فمه أو قلبه !
وهو بحد ذاته حينما ينتصب في الصلاة يرفع يديه بمقتضى واجب طقس الصلاة ، ولا يخفضها ، فيرسم بشكله صليباً و يقدم نفسه للعالم مصلوباً .
[ نحن لا نـعـبـد الصلبان ولا نهتم بها ( في حد ذاتها )… ولكن حينها يقف الإنسان يصلي بعقل طاهر و يداه مبسوطتان ، يكون هو نفسه مثال الصليب . ]
مينوسيوس فيلكس (سنة ٢١٠م)
(شمال أفريقيا ) في محاورة مع الوثنيين
وعـنـد بـدء كـل سجدة يصنعها الراهب في صلواته يرشم صليباً على جبهته استمراراً للمتابعة العقلية والقلبية للمسيح ، إذ أن السجدة هي تعبير عن التوبة والإنسحاق وإشارة الصليب هي قوة الإتضاع بعينها التي تغذي التوبة أي المطانية .
والـنـظـام الأصيل القديم المتبع في رشم الصليب كان بالإبهام على الجبهة فقط باليد اليمنى ، أو على أي موضع آخر إما مرة واحدة أو ثلاث مرات . ]
القديس يوحنا ذهبي الفم
وإن كنا نرى الآن الأساقفة ، على الـعـمـوم ، يلبسون صليباً على صدرهم حسب الـتـقـلـيـد ، فهذا حق ؛ ولكن الكهنة يحاولون تقليدهم في ذلك ، وهذا خطأ وضد التقليد ، وذلك لأن الأسقف راهب كامل ، والراهب الكامل ( أي ليس مبتدئاً ) يلبس الإسكيم ، والإسكيم هو الصليب الذي يتوشح به على صدره وعلى ظهره وعلى حقويه باعتبار أنه سمر نفسه على الصليب فعلاً ، ولأنه ليس من الموافق للأسقف وهو في العالم وبين الناس أن يكشف إسكيمه الذي هو رمز يقظته وسلاحه وعلامة سهره وجهاده ، فقد استعاض عنه بالصليب الذي يحمله على صدره .
هذا الصليب إذن يرفع فكرنا إلى الوضع الرهباني الأصيل في حياة الجهاد والصلاة ، فـالـراهـب يـلـبـس الصليب ( الإسكيم) بطقس خاص وصلاة وتسليم أنواع صلوات حتى يستمد منه قوة مستمرة على التجرد المطلق وإماتة الشهوات والجسد والسهر قبالة الحروب التي يثيرها العدو. أي أن الصليب في حياة الراهب يمتد من أوقات الصلاة ليشمل كل ساعات العمر. لذلك يدعى الرهبان الناسكون بلباس الصليب . ولابس الصليب بالمعنى الإنجيلي هو إنسان صار لا شيء مثل ميت :
[ لتُحسب روحي كلا شيء ونفاية من أجل الصليب الذي صار عثرة للذين لا يؤمنون أما لنا فخلاصاً وحياة أبدية . ]
(رسالة القديس إغناطيوس إلى أفسس
وفي الـتـقـلـيـد الرهباني الأصيل كما سلمه الملاك لباخوميوس يفرض على الراهب أن يـلـبـس لـبـاس الـرأس مـرسـومـاً عليه صليب بخيط قرمزي. لأنه معروف أن حصن الإنسان الذي يتحصن فيه ضد العدو هو الفكر المقدس ، لذلك صار الصليب على الجبهة قوة تعين الراهب في صراعه الفكري مع قوات الظلمة العقلية غير المنظورة .
[بواسطة الصليب يستطيع الإنسان أن يطرد كل خداعات الشياطين . ]
القديس أثناسيوس الرسولي
ومـن مـعـدات الـراهـب التقليدية الهامة في حياته ، عكازه ، وقد تسلمته الرهبنة عن رأسها القديس أنطونيوس ( 251-356م)، وهي العصا التي يتوكأ عليها أثناء وقوفه في الليل Vigilae والتي يصحبها معه في تنقلاته ورحلاته عبر الصحراء ، ولكن هي من الـظـاهـر عـصـا، وفي الحقيقة سلاح خفي يعرفه العدو فهي صليب ، إنما صليب خاص معروف لدى علماء فنون الصليب بـ «صليب أنطونيوس» و يسمى Crux Commissa أي صليب الإستعداد أو الإنطلاق .
وهو على شكل T ، وكان مستعملاً أيضاً للصلب ، لأنه يوجد ثلاثة أشكال رئيسية للصليب :
الـصـلـيـب الـذي صـلـب عـلـيـه المسيح والـمـتـفـق على شكله + ويسمى Crux Immissa، والـصـلـيـب الـذي صُلب عليه أندراوس الرسول وشكله × ويسمى Crux Decussata ، والمعروف أن عكاز الراهب الذي هو في حقيقته صليب خفي يعتبر أول استخدام لصليب اليد، لأن الكنيسة ظلت مدة في البدء تستخدم أصابع اليد في رشم الصليب .
[ولـيـلـبـس ثـوبه البراق و يقف بجوار المذبح و يصنع رشماً بالصليب على جبهته بـيـده أمـام كـل الشعب و يقول : نعمة الله القادر على كل شيء ومحبة ربنا يسوع المسيح وشركة الروح القدس تكون مع جميعكم . ]
قداس القديس يعقوب الرسول
[ ولم يشرب ( الشهيد) الكأس قبل أن يصنع علامة الخلاص ( الصليب ). ]
ثيئودوريت المؤرخ
إذن فـعـكـاز الـراهـب هـو بـداية استخدام الصليب في اليد، لذلك نرى من التقاليد الـراسـخـة والمتبعة تماماً أن الأسقف يحمل عكازه إياه القديم بصفته راهباً ، أي صليبه الخفي الذي شـمـي فيـا بـعـد بعصا الرعاية ، عوضاً عن الصليب في اليد. أما الكاهن فلا يحمل عكازاً حسب التقليد الأصيل وإنما يحمل صليباً في يديه دائماً .
وليس في طقس رسامة الكاهن أي إشارة إلى تسليمه عصا الرعاية، ولكن في رسامة الأسـقـف يدخل عكازه القديم معه في الرسامة وتبارك الكنيسة عليه ليصير عصا للرعاية . وانـتـقـل شـكـل العكاز ومعناه إلى الكنيسة كلها بعد ذلك ، فصارت تحمله على البيارق للتعبير عن النصرة والقيامة .
[ وفي القسطنطينية ألف القديس يوحنا ذهبي الفم للأرثوذكس بعد أن انتصروا تسابيح مسائية أضيفت على التسبحة التقليدية وكان المؤمنون يخرجون في المساء يـرتـلـون بـهـا وهـم يحملون صلباناً من الفضة أهدتها إليهم الملكة أفدوكسيا وعليها شموع مضاءة.]
كل هذه التقاليد الرهبانية لم تنحصر في الطقس الرهباني بل صارت مشاعة للكنيسة كلها بـكـل شعبها ، لأن الرهبنة كانت ويجب أن تظل نموذجاً للحياة المسيحية، نموذجاً واضحاً وأصيلاً وليس وضعاً خاصاً أو نموذجاً فريداً أو حياة غريبة ، فالرهبنة هي صورة أصيلة للكنيسة الأولى . لذلك نرى أن العلمانيين الأتقياء يستخدمون نفس هذه التقاليد عينها بصور مبسطة .
[ إن خشبة الصليب ذات قوة فعالة للخلاص لكل الناس ، ولو أنها كما أعلم جزء من شجرة حقيرة ربما أقل قيمة من كافة الأشجار، ولكن العليقة التي رآها موسى أيضاً كـانـت كذلك والله استعين بحضوره فيها … فهذه كلها قد جعلت واسطة لتكميل معجزات عظيمة لما قبلت قوة الله . ]
القديس غريغور يوس النيسي
ومـن الأمور التقليدية المتوارثة في الحياة الرهبانية الأصيلة ، أن صليب الراهب الذي كـان يـسـتـمد منه القوة والعون في صلواته أثناء حياته كان يوضع في يده اليمنى وتسند يده على صـدره عـنـدمـا توضع جثته في القبر. وذلك لأن من المقطوع به أن للصليب قوة الغلبة على الموت والفساد ومن له سلطان الموت .
[علامة الصليب تذكار الإنتصار فوق الموت وفوق فساده . ]
القديس أثناسيوس الرسولي
.
ثانياً ـ مواقف الخطر وزمان الأتعاب والتجارب :
المخـاطـر والأتعاب والتجارب حينها تداهم غير المهتمين بخلاص أنفسهم ، المهملين للصلاة والمحتقرين للحياة الأخرى تكون عندهم بشكل مصائب يحاولون التخلص منها بأي ثـمـن وبأي شكل، و يكون التجاؤهم في هذه الأوقات إلى الصلاة أو القديسين أو الصليب هو لمحاولة الهروب من الضيقة والإستعفاء من الألم فقط .
أما أولاد الـنـور المـهـتـمون بخلاص أنفسهم الساهرون لهذا بعينه والناظرون للحياة الأبـديـة كـعـتـق وخلاص حقيقي ونعمة عظمى ، فإنهم ينظرون للمخاطر والأتعاب والـتـجـارب كحرب ينبغي ملاقاتها بقلب شجاع و بأس وقوة . لذلك يسارعون بدون قلق إلى لبس أسلحة الحرب لمـواجـهـة الـعـدو في الداخل والخارج ، في الداخل لصد كل هجمات الشكوك والحزن المفسد والتذمر واليأس ، وفي الخارج لاحتمال جروح العدو وأشواكه التي تصيب الجسد والإسم والكرامة والآمال الكاذبة .
هنا الـصـلـيـب يـدخـل كـسلاح فعال جداً في هذه الحروب و يأتى بنتائج منظورة ومحسوسة و باهرة للغاية .
[لأن الصليب إذا أردنا أن نصفه فهو علامة تثبيت النصرة، الطريق الذي انحدر عـلـيـه الـرب إلى الـنـاس ، علامة هزيمة الأرواح ، ، صد الموت ، أساس الصعود إلى الـيـوم الحقيقي ( الخـلـود )، الـسـلـم للـذيـن يـسرعون لرؤية النور في ذلك الوجود ( الخـلـود )، آلة الصعود للذين وهبوا أن يبنوا الكنيسة ، الحجر ذو الزوايا الأربع المنحوتة بإحكام على كلمة الله … وإذ جعله الله علامة خزي للشياطين ، فلا ينبغي أن نخجل نحن منه بل نقبله لأنه أعطي لنا ليفك ربطنا التي صنعناها بعصياننا لله .]
ميثودیوس أسقف أوليمبوس
[و يكفينا الآن أن نوضح القوة الفعالة العظيمة التي لعلامة الصليب ، وكيف أن هذه العلامة أصبحت فزعاً للشياطين ، لأنه كما أن المسيح عندما كان عائشاً . بين الـنـاس ، كـان يـطـرد الـشـيـاطين بكلمته و يعيد للمرضى والمنزعجين والمجانين صحتهم وحـواسـهـم التي أفسدتها الشياطين بهجماتهم الخطيرة ـ داخل أجسادهم ـ كذلك الآن فإن أتباع المسيح يخرجون هذه الأرواح النجسة مـن الـنـاس باسم المسيح و بعلامة الصليب… فتخرج معذبة مصروعة معترفة أنها شياطين ومستسلمة لمصيرها بيدا الله والتي اندشت .
ولـكـن الـشـيـاطين لا تجرؤ أن تقترب من المسيحيين ، حينها ترى فيهم هذه العلامة السماوية ( الصليب ) التي تصير لهم مثل سور منيع يحميهم . ]
لكتانتيوس
[ لا يضعف أحد منكم ، وخذوا سلاحكم إزاء المحن و بالأخص بسبب الصليب نفسه، إعـلـنـوا إيمانكم بالصليب وأشهروه كراية ضد المقاومين والمنكرين له ، وعـنـدمـا تـبـدأون المناقشة مع غير المؤمنين بصليب المسيح ، اصنعوا أولاً إشارة الصليب بإبهام يدكم وحينئذ سوف يسكت المقاومون . ولا تخجلوا من الإعتراف بالصليب … …. لأن الصليب تاج مجد وليس عاراً ]
القديس كيرلس الأورشليمي
[ومـن يـر يـد أن يختبر هـذا عـمـلـيـاً فليأت و ينظر كيف يبطل خداع الشياطين والعرافة الكاذبة وعجائب السحر بمجرد رشم الصليب ، والشياطين تلوذ بالفرار. ]
القديس أثناسيوس الرسولي
[والشياطين لم تعد تضل الناس بعد بخداعها وعرافاتها الكاذبة وسحرها ، فإن هي تجرأت وأقدمت على ذلك فإنها تضبط بالخزي والفضيحة بواسطة الصليب . ]
القديس أثناسيوس الرسولي
[ أعـطـانـا الـسـيـد المسيح إلهنا الصليب سلاحاً نافذاً ينفذ في النار والهواء والماء والأرض ولا يحـجـبـه شـيء أو يـعـتـرض قوته عارض ، فهو قوة الله التي لا تقاوم . تهرب من صورته الشياطين حينما يرسم به عليها ! الصليب هو قوة المسيح للخلاص والملائكة يخضعون لقوته و يتبعونه حيثما شاهدوا رسمه ليعينوا الملتجيء إليه . ولا تحصل تخلية لمن حمل الصليب إلا للذي ضعفت أمانته فيه . ]
البابا أثناسيوس الرسولي
[ بدلاً من أن تحمل سلاحاً أو شيئاً يحميك ، إحمل الصليب واطبع صورته على أعـضـائـك وقلبك ، وارسم به ذاتك لا بتحريك اليد فقط بل ليكن برسم الذهن والـفـكـر أيـضـاً. إرسمه في كـل مـنـاسـبـة : في دخولك وخروجك ، في جلوسك وقيامك ، في نومك وفي عملك ، إرسمه باسم الآب والابن والروح القدس . ]
القديس مار أفرام السرياني
[ نحن نكرم الصليب ونطلب قوته المحيية في صلواتنا قبل أن نطلب معونة القديسين أو شـفـاعـتهـم . وذلك لأن الـصـلـيب هو علامة أبن الإنسان ورسم تجسده وآلامه لخلاصنا . فعلى الصليب قدم السيد المسيح نفسه ذبيحة الله الآب من أجل خطايانا لـكـل مـن يؤمن به . لذلك صارت علامة الصليب هي الإشارة المشتركة بين جميع المؤمنين كرمز للخلاص والمحبة المشتركة.]
القديس كيرلس الأورشليمي
[ إن كـانـت الحـيـة النحاسية قد أبطلت سم الحية في العهد القديم فكم بالحري صـلـيـب ربنا يسوع المسيح ، الذي رفع عليه ليس حية نحاسية بل رب المجد . لقد سكب دمه على الصليب ليصير لنا بالدم الحياة و بالصليب النصرة . ]
القديس كيرلس الأورشليمي
[ إن الشياطين تـوجـه هجماتها المنظورة إلى الجبناء . فارسموا أنفسكم بعلامة الـصـلـيـب بـشـجـاعة ودعوا هؤلاء يسخرون من ذواتهم . أما أنتم فتحصنوا بعلامة الصليب . ]
القديس أنبا أنطونيوس
[ إن الشياطين إذا رأت المسيحيين ، سيما الرهبان ، مجدين بابتهاج ومتقدمين ، فإنها تهاجمهم أولاً بالتجربة ووضع الصعاب لعرقلة طرقهم محاولة أن تنفث فيهم الأفكار الشريرة. ولكن لا مبرر للخوف من إغراءاتها لأن هجومها يرتد خائباً في الحـال بـالـصـلاة والـصـوم… سيما إن كـان المرء قـد سـبـق فحصن نفسه بالإيمان و بعلامة الصليب . ]
من سيرة الأنبا أنطونيوس بقلم أثناسيوس الرسولي
ثالثاً ـ مواقف السلام والراحة والفرح :
يـوجـد سـلام حـقـيقي و يـوجـد سـلام كـاذب ، وتوجد راحة حقيقية وراحة كاذبة ، و يوجد فرح حقيقي وفرح كاذب ، والفرق بين الحقيقي والكاذب في الحياة المسيحية هو أن الحقيقي يدوم والكاذب لا يدوم !
أمـا بـخـصـوص السلام والراحة والفرح الكاذب فلا نستطيع أن نعتبره إلا نوعاً من الحـرب يـسـوقـهـا الـعـدو علينا بجلب المسرات والمديح والفلاح والشهرة والمال والأطعمة والوظائف المحترمة ، لكي ينسينا الطريق الضيق والموت الذي ينبغي أن نموته عن العالم ، أو بلغة التقليد، لكي ينسينا إسكيمنا و ينزع عكازنا من أيدينا و يعري رأسنا ! وفي هذا المـضـمـار نجـد أولاد الـنـور لا ينخدعون بهذه التملقات التي يتملقهم العالم بها ، بل نجدهم صاحين وعلى حذر، و يدهم دائماً على سلاحهم !
أما أولاد مسرات هذا الدهر فينغمسون في الفرح حتى إلى آخر لحظة ، ولا يستيقظون منه إلا على طـعـنـة مـن طـعـنـات العالم تنتزعهم من أفراحهم انتزاعاً لتطرحهم في الغم والـيـأس الـذي يـأكـل كـل سـلامهم الماضي و يأتى على كل آمالهم … وإن هم حاولوا المـواجـهـة والحرب في آخـر الحـظـة ، يجدون يـدهـم عـاجـزة عن حمل الصليب وعكازهم مكسوراً !
أما السلام والراحة والفرح الحقيقي ، فلا يعرفها إلا أولاد النور والتي توجد وتنمو في كل وقت وفي كل ظرف بل ولا تزدهر وتتجلى إلا فيما يسميه الآخرون بالمصائب والمحن ، ففيها يحلو النشيد، نشيد الصليب والتأمل فيه و يرتفع رسمه في اليد وفي القلب والفكر عـالـيـاً. ويصير تمجيده كسلاح النجاح و يعتز الصليب جداً في عين من جازوا الموت وقاموا …
[ كـل عـمـل عـمـلـه المسيح للكنيسة هو سبب مجد لها ولكن أعظم أمجادها هو الـصـلـيب ! لذلك يقول القديس بولس الرسول : «حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ر بنا يسوع المسيح . » (غل 14:4)
إن مجد الصليب قاد كل من فقد البصيرة بسبب الجهالة من الظلمة إلى النور وفك قيود كل من ارتبطوا جداً بالخطيئة وفدى كل عالم الإنسان . ]
القديس كيرلس الأورشليمي
[ إن « الـعـلـو والـعـمـق والطول والعرض » وصف للصليب ، … لذلك فالصليب ” بعد أن صلب” عليه المخلص صار علامة النصرة والغلبة على العدو، لأن المسيح لما صلب عليه أحدر ثلاث ممالك مرة واحدة تحت قدميه ، التي يعبر عنها القديس بـولـس الـرسـول بقوله : « لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومـن تحت الأرض» ( في 2: 10). وقد غلب هذه الممالك بموته لأن موته هو السر الذي يجيب بهذا . فهو عندما ارتفع في الهواء (على الصليب ) أخضع قوات الهواء وكان ذلك تمهيداً لامتداد نصرته فوق السماويات.]
العلامة روفينوس
القديس غريغور يوس النيصي يرى في إشارة الصليب أعماقاً روحية ومعاني مستترة تزيد من هيبة الصليب ومن جلال قوته :
[ أمـا بـخـصـوص الـصـلـيـب فكونه يحوي معاني عميقة فهذا يختص بالمتأملين في الـروحـيـات ، ولـكـن على أي حال فإن التعليم . حسب التقليد المسلم إلينا هو كما يلي :
فكما أن كل شيء في الإنجيل سواء كان أعمالاً أو أقوالاً فإنه يحمل معاني سماوية عالية ، فهذا أيضاً نعرفه عن إشارة الصليب . فهو ينبثق من : نقطة واحدة نحو أربع جهات ، لأن عليه تمدد من جمع كل شيء في نفسه ، كل ما هو فوق وما هو تحت ومـا هـو ممتد على جانبيه… فكل الخليقة تتطلع إليه وتلتصق وتتوافق معاً بواسطته … الخليقة العليا تلتحم بالشفلي و بنفسها ، وهكذا ينطلق القديس بولس الـرسـول يـعـلـم أهل أفسس أسرار المعرفة « لنعرف مع القديسين ما هو العرض والـطـول والعمق والعلو» التي تمثل في الحقيقة انبثاقات الصليب . هذا هو مثال الدرس الذي نستخلصه من سر الصليب . ]
« ترجمة مختصرة»