الوحي والتقليد

الكتاب المقدس والوحى

على الرغم من أن الكتاب المقدس يتميز عن الأعلان الألهى فوق الطبيعي فهو من حيث أنه يحوى بين دفتيه الأعلان الألهى ويكون مع التقليد المصدر الوحيد الذي منه نعرف هذا الإعلان الإلهى، يصبح على هذا النحو حاجة وضرورة مطلقة. وحيث أن الإعلان الإلهى لا يقصد به أن يكون مجرد ظاهرة وقتية بسيطة بل نورا دائما يضئ جميع الأجيال.

لذلك رتب الله أن يكتب الإعلان الإلهي فوق الطبيعي في كتب يوحى بها إلى أشخاص معينين ولما كان الكتاب المقدس يحوى كلمة الله فإن الكنيسة تعمل على أن تتطابق حياتها وتعاليمها مع تعاليم الكتاب المقدس. أن الكنيسة كمحافظة ومفسرة للكتاب المقدس تحرص على أن لا يضاف عليه شئ أو يحذف منه شي.

– وإلى جوار ما بالكتاب المقدس من أدلة داخلية تثبت أنه كتاب موحى به من الله فإن صحة الكتاب المقدس – ككتاب موحى به من الله تدعمها أيضاً أدلة خارجية من التقليد وأقوال الآباء والتاريخ.

وأما أن الكتاب المقدس قد كتب بوحى من الله فقد شهد بهذا الرسل بل شهد به الرب يسوع نفسه.

وأما كيف يتم هذا الوحى فإننا نرفض ما يسمى بالنظرية الآليه Mechanic theory والتي بموجبها يصبح الشخص الموحى إليه فى وضع سلبى كامل كأنه أداة عديمة النفس والأحساس وكذلك نرفض ما يسمى بالنظرية الطبيعية Natural Theory والنظرية الأخلاقية Moral Theory فهما يسلبان الوحى من خاصته فوق الطبيعية، ولا نقبل إلا ما يسمى بالنظرية الديناميكية Dynamic Theory على نحو ما نشرح ذلك بعد قليل. الكاتب يكتب بوحى الهى دون ان يفقد خصائصة أو يتحول إلى آلة جامدة سلبية. ويذكرنا هذا بما حدث في التجسد الإلهي فإن إتحاد الطبيعة اللاهوتية بالطبيعة الناسوتية في طبيعة واحدة لم يبطل الطبيعة الناسوتية.

الحاجة إلى الكتاب المقدس وتدخل الله في كتابتة

+ ذكرنا أن الكتاب المقدس يتميز عن الإعلان الإلهى، ولكن من ناحية أخرى. اننا بأخذ معرفة بهذا الإعلان الإلهي – بعد أزمنة طويلة من حدوثه – من الكتاب المقدس كمصدر حقیقی موحى به من الله وكان من الممكن أن نظل حالة جهل وعدم معرفة بمحتوى الإعلانات الإلهية بدون الكتاب المقدس

وبلا شك – فإن الله وفى كما سوف نشير إلى ذلك بشئ من التفصيل بعد قليل الكتاب المقدس کله موحى به من الله وكل ما فيه قد كتب بوحي من هذا أيضا يتميز عن الإعلان الإلهى، إذ يتضمن الكتاب المقدس بعض كلمات تنسب إلى الإنسان وتحمل في بعض الأحيان إتجاها معادياً ضد الله، مثال ذلك : ” فأحاب اليهود وقالوا له ألسنا نقول حسناً أنك سامری و بک شیطان (يو ٤٨:٨ ) ” أجاب الجمع وقالوا بك شيطان من يطلب أن يقتلك (يو ٧ : ٢٠)، “اما الفريسيون فقالوا برئيس الشياطين يخرج الشياطين” (مت ٣٤:٩)

وهناك ايضا أقوال للشيطان ” تم أخذه أيضا إبليس إلى جبل عال جداً وأراه جميع ممالك العالم ،ومجدها وقال له أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي. حينئذ قال له يسوع إذهب يا شيطان لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده نعبد (مت ٨:٤ – ١٠) ، ” وإذا هما (المجنونان) قد صرخا قائلين مالنا ولك يا يسوع إبن الله أجنت إلى هنا قبل الوقت لتعذبنا مت ۲۹:۸)، فلما رأی مواليها (أي العرافة ) أنه قد خرج رجاء مكسبهم اسکوا بولس وسيلا وجروهما إلى السوق إلى الحكام وإذ أتوا بهما إلى الولاة قالوا هذان الرجلان يبلبلان مدينتنا وهما یهودیان و ینادیان بعوائد لا يجوز لنا أن نقبلها ولا تعمل بها إذ نحن رومانیون (أع ١٩:١٦-٢١).

كما يتضمن الكتاب المقدس جداول أنساب وإحصاءات وأحداثاً تاريخية وأماكن جغرافية أستخلصها الكتاب الموحى لهم دون أن تكون قد أعلنت لهم من قبل الله بطريق مباشر .

وعلى ذلك فالمزج بين الكتاب المقدس والإعلان الإلهى هو نوع من المزج بين المحتوى والمحتوى.

وإذا كان ليس كل ما يحتويه الكتاب المقدس ککتاب موحی به من الله – وإذا هو إعلان إلهى، ولكن من ناحية أخرى فإن ما هو ضروري من الإعلان الإلهى لخلاصنا يتضمنه الكتاب المقدس والتقليد الرسولى.

وعلى ذلك فالكتاب المقدس والتقليد الرسولى يكونان معاً المصدر الوحيد للإعلان الإلهى.

+ من كل هذا تبدو أهمية الكتاب المقدس لأن فيه يحفظ الإعلان الإلهي وبدونه ما كان من الممكن أن يصبح الإعلان الإلهى في متناول البشرية على الدوام وعلى مر العصور. ولقد تسلم الأشخاص الموحى لهم أمراً من قبل الله حتى يكتبوا ما رأوا ويعلنوه للبشرية جمعاء، كما يبدو من الآيات التالية :

+ ثم قال الرب لموسى أنحت لك لوحين من حجر مثل الأولين، فأكتب أنا على اللوحين الكلمات التي كانت على اللوحين الأولين اللذين كسرتهما .. وقال الرب الموسى أكتب لنفسك هذه الكلمات لأننى بحسب هذه الكلمات قطعت عهداً معك ومع إسرائيل” (خر ٢٧١:٣٤) ” فالآن أكتبوا لأنفسكم هذا النشيد وعلم بني إسرائيل في أفواههم ليكون لي هذا شاهدا على بني إسرائيل” (تث ١٩:٣١) إياه . صعد النشيد

+ ” فكلم صموئيل الشعب بقضاء المملكة وكتبه فى السفر ووضعه امام الرب (اصم ٢٥:١٠ ) .

+ “تعال الآن أكتب هذا عندهم على لوح وأرسمه في سفر ليكون لزمن آت للأبد إلى الدهور (۱ش ۸:۳۰)

+ ” فإكتب ما رأيت وما هو كائن وما هو عتيد أن يكون بعد هذا ” (رؤ ۱ : ۱۹ ) .

ولقد إختار الله أشخاصاً معينين لكى يوحى لهم بكتابة إعلاناته الإلهية مثل القديسين متى ومرقس ولوقا وغيرهم من كتاب العهد الجديد وكتاب العهد القديم. كذلك فإن ترجمة العهد القديم من العبرية إلى اليونانية فيما يعرف بالترجمة السبعينية لم تتم بالمصادفة بل بتدخل واضح من العناية الإلهية وهكذا فإن العناية الإلهية أوحت للكتاب المقدسين لكى يكتبوا بوحى من الله الكتب المقدسة فتحفظ ليها الإعلانات الإلهية.

إن الحاجة الضرورية للكتاب المقدس. كمصدر للإعلان الإلهي لا يقلل من شأنها أن كنيسة المسيح أقدم من العهد الجديد وكذلك الأمر بالنسبة لكنيسة العهد القديم. لذلك لا يقلل من شأنها ملاحظة القديس أوغسطينوس بأنه قد وجد مسيحيون يعيشون في الصحراء في ملء الإيمان والرجاء والمحبة دون أن تكون لديهم نسخة من الكتاب المقدس يقرءونها. كما نقابل الآن مسيحين لا يعرفون القراءة ومع ذلك فهم أعضاء حية  للمسيح

( 39  Augustine : De Doctrina Chr. C.)

نحن لا يفوتنا ما تتميز العقلية الشرقية من القدرة على الحفظ ولذلك فإن إعلانات الله لنوح وللبطاركة حتى عهد موسى أعطيت للشعب شفويا فحفظها من جيل إلى جيل كما يبدو هذا واضحا في التلمود. فقبل أن يكتب كان يسلم شفوياً من فم إلى فم على مدى طويل من الزمن. وبالنسبة لكنيسة المسيح قبل أن يكتب الإنجيل وجدت التعاليم والتقاليد الشفوية كضرورة للإيمان تأكيدا لقول الرسول بولس ” كيف سيؤمنون بلا كارر” وفي كلمات أخرى فإن محتوى الإعلان الإلهى قبل أن يكتب في كتب العهد القديم والعهد الجديد قد أعطى وانتشر فى شكل كرازة تحفظها الأذان والعقول، فالذين بسبب جهلهم للقراءة لا يستنيرون بقراءة الكتاب المقدس، فإنهم يستنيرون بهذه التعاليم الشفوية.

السلطة المطلقة والعليا للكتاب المقدس :

 + مما سبق يتبين لنا ما للكتاب المقدس من سلطة فى الكنيسة وحيث أن الكتاب المقدس يحفظ لنا الإعلان الإلهى، فيكون الله نفسه اذن هو المتكلم فى الكتاب المقدس بهذا يصبح الكتاب المقدس القانون الأسمى الذي يجب أن تتفق معه تعاليم الكنيسة وحياتها.

واذا كان القديس أوغسطينوس يجعل سلطة الكتاب المقدس من سلطة الكنيسة. فإن سلطة الكتاب المقدس هذه لم يأخذها من الكنيسة، بل أخذها مباشرة من الله الذي تكلم فى الكنيسة. لم تخلق الكنيسة من نفسها الكتاب المقدس الكنيسة فقط الحافظ والشاهد الأمين الذى يشهد على المصدر الالهى للكتب المقدسة ويعيش الكتاب المقدس في ضميرها وفى تقاليدها الحية ان القديس أوغسطينوس لا يقصد أن يجعل سلطة الكتاب المقدس مستمدة من سلطة الكنيسة لأن الكتاب المقدس يأخذ سلطته مباشرة الله، ولذلك فإن أى قرار كنسى يصبح قانونيا وشرعيا ومعتمدا عندما يستند إلى الكتاب المقدس والتقليد الرسولى والكنيسة ليس من سلطتها أن تحذف شيئا من الكتاب المقدس منكرة قانونيته كذلك ليس من سلطتها أن تقر كتابا على أنه موحى به من الله وتضيفه إلى الكتاب المقدس.

هذا السلطان للكتاب المقدس شهدت به الكنيسة منذ البداية على لسان الآباء والكتاب فقد شهد هؤلاء جميعا على أن كلمات الكتاب المقدس، هي «كلمات الروح القدس وأنها كلمات مقدمة .. وأنها «صوت الله». كلمات وشهادات الروح»

فالكتاب المقدس يحوى كلمة الله وهو فى جملته يسمى كلمة الله إشارة إلى وحدة الكتاب ومصدره الألهى. والكتاب المقدس هو الكتاب الوحيد الذي يمكن أن يوصف بأنه عمل الروح القدس الواحد ويتميز بالوحدة والاتساق بين جميع أجزائه. على أن عبارة «كلمة الله» التي تطلق على الكتاب المقدس يجب ألا تفهم في المعنى الضيق، بمعنى أن كل كلمة فيه تنسب إلى الله فالكتاب كما قلنا يحوى بعض الكلمات التي تنسب إلى البشر أو إلى الشياطين ومع ذلك فإن الكتاب كله، موحى به من الله.

سلطة الكتاب المقدس وعلاقتها بسلطة الكنيسة

نحن نعرف أن البروتستانت يرفضون سلطة الكنيسة والتقليد ويتكلمون عن كفاية (sufficientia) الكتاب المقدس ووضوحه (perspicuitas).

جاء في كتاب علم اللاهوت النظامى للكنيسة البروتستانتية ان الكتاب المقدس كله كلام الله ويتضمن كل ما أعلنه الله للبشر وعينه دستورا لكنيسته للإيمان والعمل وأنه كاف لإرشادنا في كل ما يتعلق بالديانة نعم أن الله أعلن نفسه منذ تأسيس العالم بواسطة أعماله (أي بواسطة الإعلان الطبيعى غير ان كل ما عرفناه من ذلك نجده منصوصاً عليه فى كتابه ولا ننكر أن الأنبياء والمسيح والرسل علموا أموراً كثيرة منها ما لم يكتب ومنها ما كتب ولكن إعتقادنا في هذا الشأن هو أن الكتاب المقدس على ما هو عندنا الآن يتضمن كل ما أوحى به الله ليكون دستوراً دائماً للكنيسة، ولذلك لا يجوز الأعتماد في ذلك على ما سواه. وهذا لإعتقاد يخرج التقاليد بجملتها والأسفار غير القانونية وقوانين المجامع وكل ما رسمته الكنيسة وحكمت به سواء كان تعليماً أو نظاماً أو عادة دينية. ويلزم عنه اعتقاد كمال الكتاب وكفايته ص ۱۲۱، ۱۲۲

ونقول رداً على ذلك :

إن الكتاب المقدس لكى يقدم لنا المعرفة الكافية لخلاصنا الروحي، فإن هذا يجب أن يتم فى ضوء التقليد الكنسي وبوجه عام في ضوء الضمير العام للكنيسة بنى على تعاليم المسيح والرسل والذى عاش حيا في الكنيسة عبر الأجيال حتى بنا هذا. وعلى ذلك فكقاية الكتاب المقدس لا تمنع سلطة الكنيسة وما تقوم به عملية تفسيرية وتوضيحية لما غمض يجب ألا ننسى أن القديس بولس قد دث عن الكنيسة عمود الحق وقاعدته» (۱تى ١٥:٣ ) ، ويقوم الروح القدس بالإرشاد للحق (يو ١٣:١٦). أن الحياة الجديدة في المسيح لا تعطى ثمرها للمؤمنين وهم على إنفراد ولكن في شركتهم بعضهم ببعض كأعضاء لنفس الجسد الواحد أحياء بالمسيح كرأس لهذا الجسد أنظر:

Chrysost., hom. 11 Eph. 3, M. 62,84

وهذا يتأكد بالأحرى بالنسبة لخاصية التوضيح وإجلاء المعنى. وإذا كان حقاً أن الكتاب المقدس فى مجموعه واضح جلى إلا أن هناك بعض أجزاء فيه يسودها الغموض، بل ويساء فهمها وتفسيرها. وفى هذا يطلب النبي قائلا: «إكشف عن عيني فأرى عجائب من شريعتك» (مز (۱۸:۱۱۱)، ويقول الرسول بطرس : كما في الرسائل كلها أيضاً متكلما فيها عن هذه الأمور التي فيها أشياء عسرة الفهم يحرفها غير العلماء وغير الثابتين كباقى الكتب أيضاً لهلاك أنفسهم. فأنتم أيها الأحباء اذ قد سبقتم فعرفتم احترسوا من أن تنقادوا بضلال الأردياء فتسقطوا من ثباتكم ولكن انموا فى النعمة وفى معرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح (2بط 3: 16-18)

جاء في الوثائق المجمعية للكنيسة الكاتوليكية : أن التقليد المقدس والكتاب المقدس يكونان وديعة واحدة مقدسة لكلام الله أوكلت إلى الكنيسة … أما مهمة تفسير كلام الله المكتوب أو المنقول، تفسيراً صحيحاً، فقد أوكلت إلى سلطة الكنيسة التعليمية الحية وحدها تلك التي تمارس باسم يسوع المسيح على أن هذه السلطة ليست فوق كلام الله ولكنها تخدمه اذ أنها لا تعلم الا ما استلمته بحيث أنها بتكليف من الله وبمعونة الروح القدس تصغى اليه بتقوى وتحفظه بقداسة وتعرضه بأمانة. ومن وديعة الإيمان الواحدة هذه تنهل كل ما تقدمه من حقائق يجب الإيمان بها كموحاة من الله.

وبناء عليه يتضح أن التقليد المقدس والكتاب المقدس وسلطة الكنيسة التعليمية بتدبير الهى كلى الحكمة ترتبط ببعضها وتشترك فيما بينها الى حد أن لا قيام للواحد منها دون الآخرين وانها كلها مجتمعة وبحسب طريقة كل منها وبتأثير الروح الواحد تساهم بصورة فعالة فى خلاص النفوس (ول.١).

شهادة الكنيسة للكتاب المقدس :

تتمثل سلطة الكنيسة فى الشهادة لصحة الكتاب المقدس ولقانونية كل كتاب من كتب العهدين القديم والجديد. وهنا يصدق قول القديس أغسطينوس في أن سلطة الكتاب المقدس من سلطة الكنيسة، فنحن لا نقبل كتاباً من الكتب المقدسة لا تقره الكنيسة ولا تشهد لقانونيته.

وإلى جوار شهادة الكنيسة الخارجية هناك أيضاً شهادة داخلية تعتمد على وإلى نفس النص وتؤكد المصدر الالهى للكتاب المقدس وانه موحى به من الله، فعلى الرغم من كثرة الكتب التى يتألف منها الكتاب المقدس.

وعلى الرغم من تباعد الزمن الذى كتبت فيه ومن الاختلاف بين الكتاب الذين اشتركوا في كتابته فإن الكتاب المقدس يتميز بوحدة تربط بين أجزائه وعلى الرغم من أن الكتاب المقدس لا يعرض مادته عرضاً سيستيماتيكيا. فإن الوحدة بين أجزائه، تمثل خاصية أساسية من بداية الكتاب المقدس الى نهايته، مما يدل على أنه كتب بالروح القدس الواحد وأنه كله يؤلف كتاباً واحدا ان الكتاب المقدس يشبه جسدا يتكون من أعضاء كثيرة تتألف جميعها في فكر واحد وهدف واحد ولها نسمة حياة واحدة وتعمل في تناسق وانسجام، كل عضو بالنسبة للآخر وبالنسبة للجسد كله.

الكتاب المقدس والوحى

من ان الله الذي يدفع بعض الناس لكى يكتبوا لفائدة الآخرين. الأمور التي أعلنت لهم يمنحهم الامكانية للقيام بهذا العمل بوحى خاص واستنارة خاصة الروح القدس حتى ينفذوا بنجاح ما يطلبه الله منهم. وعلى هذا النحو كتب الكتاب المقدس الذى تتمثل أهم خصائصه في أنه كتاب “موحى به من الروح القدس

وقد ورد في العهد الجديد نصان يشيران بشكل مباشر الى أن الكتاب المقدس كتب بوحى من الله وهما (۲تی ١٦:٢، ۲ بط ۱۹:۱-۲۱). والى جوار ذلك هناك نصوص غير مباشرة تشير الى هذه الحقيقة.

وأما النص الأول فهو

كل الكتاب هو موحى به ونافع للتعليم والتوبيخ والتقويم (۲تی ١٦:٢) وفي تفسير هذا النص دارت مناقشات فيما اذا كان الفعل المضمر (يكون esti) يجب أن يوضع بعد كلمة موحى وفى هذه الحالة فإن الصفة «موحی» وان كانت تشير الى كل الكتاب لكنها لا تعين بمفردها كل ما يتصل بالكتاب بل ان التشديد في كل النص، يقع بالأولى على كلمة «نافع». أو يجب أن يوضع فعل الكون قبل كلمة «موحى». وفى هذه الحالة تكون كلمة «موحى» في وضع الخبر «لكل الكتاب وتعنى الآية أن كل الكتاب هو موحى به ومن أجل ذلك فهو نافع للتعليم والتوبيخ والتقويم».

وأما بالنسبة للمعنى الأول، فقد أخذت به نسخة البشيطا السريانية، ونسخة ايرونيموس اللاتينية وترجمة لوثيروس عام ١٥٢٢.

وبالنسبة للمعنى الثاني فقد أوضحته تقريباً جميع تفسيرات آباء الكنيسة. وعلى الأخص القديس يوحنا ذهبي الفم أنظر

‏1- Athanas., Markell. 2, M. 27, 12

‏2- Gregory of Nys. M. 45, 744, anti Eunom. VII.

‏3 Chrysost. 2 Tim hom, g. 1, M. 62, 649.

وبالنسبة لكلمة «موحى» ‏Theopneustos

فقد فسرت الكلمة من الآباء وكتاب الكنيسة الأول فى حالة المبني للمجهول «الموحى به من الله inspired by God

‏Didymos: Trias Book 10, M. 39, 644, Origin,

‏hom. XXI in Jeremian C, 2, M. 13, 56.

وأما بالنسبة للنص الثاني فهو ” عالمين هذا أولا أن كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة ،انسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس (۲ بط ٢٠:١-۲۱) وواضح من هذه الآية أن ما كتبه الرسل كتبوه بتوجيه أسمى وبدافع قوى من قبل الروح القدس

وبالاضافة الى هذيه النصين كما سبق وأشرنا هناك نصوص أخرى كثيرة وان كانت غير مباشرة فهي تشير بوضوح إلى أن الكتاب المقدس قد أوحى به من الله وان كل ما تضمنه فهو ليس كلمات بشر بل كلمات الله أوحاها الى البشر بروحه القدوس واليك بعض الأمثلة :

۱ – في الانجيل :

(مت ٤،٣:١٥) لماذا تتعدون وصية الله فإن الله أوصى قائلا ….
(مت ٣۱:۲۲-٤٣) ” .. أفما قرأتم ما قيل لكم من قبل الله القائل … فقال
لهم فكيف يدعوه داود بالروح ربا قائلا ….”
(مت ١٨:٥) الى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل.
لو (١٧:١٦) ولكن زوال السماء والأرض أيسر من أن تسقط نقطة واحدة من الناموس “.
لو (٤٤:٢٤ ) ” … انه لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عنى في ناموس موسى والأنبياء والمزامير ….
(يو٢٥:١٠) ” صارت اليهم كلمة الله

٢ – في سفر الأعمال :

(أع ۱۸،۱۷:۲) يقول الله ، ويكون فى الأيام الأخيرة، أنى أسكب من روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلاماً، وعلى عبيدي أيضاً واماني أسكب من روحي في تلك الأيام فيتنبأون.
(أع ١٦:١ ) ” … كان ينبغى أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله بهم داود عن يهوذا .
(أع ۲۱:۲) “أزمنة كل شيىء التي تكلم عنها الله بفم جميع أنبيائه القديسين منذ الدهر”.
(أع ٢٥:٤) القائل بفم داود فقال لماذا ارتجت الأمم ….
(أع ٢٨:١٥) لأنه قد رأى الروح القدس ونحن أن ….

في الرسائل :

(عب ٥:۱) ” الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديما بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه …”.

(عب ٧:٤ ) “يعين أيضاً يوما قائلا في داود …
(اکو ١:٩) أما رأيت يسوع المسيح ربنا ..
(غلا ١٦،١٥:١) ولكن لما سر الله الذي أفرزنى من بطن أمي ودعاني بنعمته أن يعلن ابنه فى لأبشر بين الأمم للوقت لم استشر لحما ودما …..
(۱تس ١٢:٢) ” … لأنكم اذ تسلمتم منا كلمة خير من الله قبلتموها لا ككلمة أناس بل كما هي بالحقيقة ككلمة الله التى تعمل أيضاً فيكم أنتم المؤمنون .
(۱کو ٢٧:١٤) ان كان أحد يحسب نفسه نبيا أو روحياً فليعلم ما أكتبه اليكم
انه وصايا الرب”.
(غلا٦:١-١٢) انى أتعجب انكم تنتقلون هكذا سريعاً عن الذي دعاكم بنعمة المسيح الى انجيل آخر ليس هو ،آخر غير أنه يوجد قوم يزعجونكم ويريدون أن يحولوا انجيل المسيح ولكن أن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن أناثيما . كما سبقنا فقلنا أقول الآن أيضاً. ان كان أحد يبشركم بغير ما قبلتم فليكن أناثيما. وأعرفكم أيها الاخوة الانجيل الذى بشرت به أنه ليس بحسب انسان لاني لم أقبله من عند انسان ولا ،علمته بل باعلان يسوع المسيح

في سفر الرؤيا :

(رو ۲،۱:۱) اعلان يسوع المسيح الذي أعطاه أياه الله ليرى عبيده ما لابد أن يكون عن قريب وبینه مرسلا بید ملاكه لعبده يوحنا الذي شهد بكلمة الله وبشهادة يسوع المسيح بكل ما راه”.

(رو ۱۱،۱۰:۱) كنت في الروح في يوم الرب، وسمعت ورائي صوتاً عظيما كصوت ،بوق، قائلا أنا هو الألف والياء الأول والآخر، والذي تراه أكتب في كتاب وأرسل الى السبع الكنائس التي في آسيا الى أفسس والی سمیرنا والی  برغامس والی تیاتیرا والی ساردس والی فيلادلفيا والى لاودكية ” .

(رو ۱ : ۱۷،۱۳ – ۱۹) وفى وسط السبح المنابر شبه ابن انسان … فلما رأيته سقطت عند رجليه کمیت فوضع يده اليمنى على قائلا لا تخف أنا هو الألف والآخر، والحي وكنت ميتاً وها أنا حي الى أبد الأبدين ،آمين، ولى مفاتيح الهاوية والموت فأكتب ما رأيت وما هو كائن وما هو عتيد أن يكون بعد هذا …..”
(رو ۱:۲) “أكتب الى ملاك كنيسة أفس هذا يقوله الممسك السبعة الكواكب
في يمينه الماشي في وسط السبع المناير الذهبية.
(رو ۸:۲) ” واكتب الى ملاك كنيسة سميرنا هذا يقوله الأول والآخر الذى
كان ميتا فعاش .

( رو ۲ : ۱۳) واكتب الى ملاك الكنيسة التي في برغامس هذا يقوله الذي له السيف الماضى ذو الحدين

(رؤ ۲ : ۱۸ ) ” واكتب الى ملاك الكنيسة التي في ثياتيرا هذا يقوله ابن الله الذي له عينان كلهيب نار ورجلاه مثل النحاس النقى”.

(رؤ ۱:۳ ) ” واكتب الى ملاك الكنيسة التي في ساردس هذا يقوله الذي له سبعة أرواح الله والسبعة الكواكب.
(رؤ ۷:۳) ” واكتب الى ملاك الكنيسة التي في فيلادلفيا. هذا يقوله القدوس الحق الذي له مفتاح داود الذي يفتح ولا أحد يغلق، ويغلق ولا أحد يفتح“.

(رؤ ١٤:٣ ) ” واكتب الى ملاك كنيسة اللاودكيين. هذا يقوله الأمين الشاهد الأمين الصادق بداءة خليفة الله ” .

(رو ۳ : ۲۳ ) ” من له اذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس .
(رو ۲۲: ۱٦-۲۰ ) “أنا يسوع أرسلت ملاكى لأشهد لكم بهذه الأمور عن الكنائس، أنا أصل وذرية داود كوكب الصبح المنير، والروح والعروس يقولان تعال ومن يسمع فليقل تعال ومن يعطش ،فليات ومن يرد فليأخذ ماء حياة مجاناً. لأني أشهد لكل من يسمع أقوال نبوة هذا الكتاب ان كان أحد يريد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب وان كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة ومن المكتوب فى هذا الكتاب يقول الشاهد بهذا نعم. أنا آتی سریعا آمین تعال أيها الرب يسوع . 

 

طبيعة ومعنى الوحى

لا يتم الوحى بطريقة آلية كما يزعم هؤلاء الذين يأخذون بما يعرف بالنظرية الآلية mechanic theory والتي بحسبها فإن من يكون واقعاً تحت تأثير الوحى الالهي يتحول الى أداة سلبية لا فاعلية لها إلى الدرجة التى ننظر فيها الى الكتاب المقدسين كان عملهم لا يتجاوز مجرد التوقيع وهم يكتبون ما يملى عليهم أو يلقن لهم من الروح القدس، ويمتد تأثير الروح القدس – حسب هذه النظرية – الى الأسلوب والكلمات بل بالنسبة للبعض يمتد حتى إلى علامات الترقيم.

على أن هذه الصورة التي تقدمها هذه النظرية للوحى لا تتفق مع الصورة الحقيقية التي كان عليها رجال الوحى عندما كتبوا الكتاب المقدس، ومهما كان الأمر، فأنه يستحيل على كاتب مهما كان أن يكتب بإملاء الروح القدس رسالة مثل الرسالة الى رومية أو انجيلا مثل الانجيل للقديس يوحنا كما كتب هذان الكتابان الأول بواسطة الرسول بولس والثانى بواسطة الرسول يوحنا.

ويتبين لنا من قراءتنا للكتاب المقدس أن الوحى قد ترك للكتبة أن يستعملوا المعارف والثقافة التي اكتسبوها. ثم ان الوحى لا يعفى الكتبة من بذل الجهد للتعرف على بعض المعلومات والمعارف التى يتضمنها الكتاب المقدس فى أجزاء أخرى منه. فمثلا في ( ٢ مل ١٩:١٢) . أشير إلى مصادر لابد أن يكون الكاتب على معرفة بها ” وبقية أمور يواش وكل ما عمل أما هي مكتوبة في سفر أخبار الأيام لملوك يهوذا ” ( ٢ مل ۱۹:۱۲).

وبلا شك فقد استعان كل من القديسين متى ولوقا في سلسلتي النسب بجداول الأنساب التي كان يستعملها اليهود في ذلك الوقت والقديس لوقا في افتتاحية انجيله يشير الى الكتابات الأخرى التى كان يعرفها فيقول اذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا كما سلمها الينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداما للكلمة، رأيت أنا أيضاً اذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالى اليك أيها العزيز ثيؤفيلس لتعرف صحة الكلام الذي علمت به (لو ١:١-٤)

وفى بعض الأحيان، يبدو الكتاب كمن يكتبون من واقع خبراتهم الخاصة، فالقديس يوحنا مثلا يقول : ” وكان” سمعان بطرس والتلميذ الآخر يتبعان يسوع. وكان ذلك التلميذ معروفاً عند رئيس الكهنة وأما بطرس فكان واقفا عند الباب خارجاً. فخرج التلميذ الآخر الذي كان معروفاً عند رئيس الكهنة وكلم البوابة فأدخل بطرس” (يو ١٥:١٨-١٦) ” ثم قال للتلميذ : هوذا أمك. ومن تلك الساعة أخذها التلميذ الى خاصته “ 

وفي سفر الأعمال الذى كتبه القديس لوقا يشير الى أنه كان يصحب الرسول في رحلاته، ويتكلم بضمير المتكلم الجمع.

هذا بالاضافة الى اختلاف الاسلوب واللغة من كتاب لآخر.

وفي القصص الواحدة فى الانجيل للكتاب الأربعة يختلف العرض بين الاسهاب والايجاز واستعمال كلمات خاصة لا ترد في المواضع المقابلة.

2- وهناك نظرية أخرى تسمى بالنظرية الطبيعية natural theory هذه النظرية يكفى كعنصر للوحى شركة الرسل الشخصية مع المسيح التي طبعت بدرجة حية وعميقة فيهم أثر حياة الرب يسوع، حتى أنهم استطاعوا أن يدركوا شخص المسيح ومقاصده أكثر من جميع الأشخاص الآخرين. ومن هنا فإن العقول الأكثر نموا بين المسيحيين في تلك الأيام، أخذت كتاباتهم وضعاً خاصاً. وهناك أيضاً آخرون عرفوا عملا من أعمال الروح القدس، وهو ما يسمى بالميلاد الثاني وزعموا أن بين هؤلاء الذين ولدوا هذا الميلاد الثاني وجد البعض الذين تميزوا بعمق أكثر من غيرهم بعمل الروح القدس هذا مما مكنهم لأن يكونوا أقدر من غيرهم على كتابة الكتب المقدسة.

على أن هذه النظرية تسلب كتاب الوحى من عمل الروح القدس الخاص بهم، الذي يمكنهم من أن يصيروا أصواتاً للروح القدس يتكلم على لسانهم.

وكذلك فإن هذه النظرية تصل الى القول بأن سلطة الكتاب المقدس لا تستمد مباشرة من الله بل من الكنيسة وكذلك فهى لا تقدم الكتاب المقدس كقانون الهى سام يجب على الكنيسة أن توجه تعاليمها وحياتها فى ضوئه بل كما لو كان انعكاساً ونتاجاً لحياة وروح الكنيسة.

وأكثر من ذلك فأنها تنتهى الى وضع الكتب المقدسة على مستوى كتابات الكتاب الكنسيين لا تتميز عنها الا بالدرجة فقط. وهذه النظرية تعارض التأكيد الكنسي العام الذي بحسبه تكون الكتب المقدسة قد كتبت بالروح القدس الذي تكلم على لسان الأنبياء والرسل وأن هؤلاء لم يتكلموا من أنفسهم أنظر

‏1- Theodoritos. 2 Tim. M. 82, 849.

‏2- Justin 1, APol. 36.

‏3- Theophil Autol. II 10.

‏4 Clement of Rome, 1 cor ch. 45, 23…

‏5 M. Basil, Psal. 1, 1.

‏6- Origen, in Cantic, I

‏7. Gregory of Nyssa, anti Eunom, VII.

‏8 Chrysost. Psalm 145, 2+ Genes. hom. 7. 4, M. 6, 386, 1065 55, 520+ 53, 65. + 122 + 45, 741 13, 121- + 29, 209 +

2- وشبيه بهذه النظرية النظرية الأخلاقية moral theory والتي بحسبها فإنه بتجسد الكلمة قد خلق نمط جديد من الحياة يشارك فيه جميع المؤمنين فتتغير ضمائرهم وتستنير وتتقدس. وهنا فإن عيونهم الروحية يحدث لها جلاء بصرى حتى أنها ترى من العالم الروحى مالا تدركه عيون غير المؤمنين.. على أن قدرة هذه العيون تختلف بين المؤمنين من حيث الدرجة فإن الذين يكونون على درجة أعلى من الجلاء يمكنهم أن يدركوا الروحيات بصورة أكثر وضوحاً وتميزاً. وهؤلاء هم الرسل وحسب هذه النظرية فإن الوحى هو نصيب مشترك يقاسم جميع المؤمنين ولا يختلف المؤمنون عن الكتبة القديسين الا من حيث الدرجة فقط.

لكن هذه النظرية تفتقد الضمانات التى تهب هذه الكتب المقدمة خصائص معينة بين الكتب المسيحية تعطيها أن تكون وحدها هي كلمات وصوت الروح القدس.

4- أما النظرية الرابعة وهى أرجح النظريات وأصحها، لأنها النظرية الوحيدة التي تعرض عرضاً صحيحاً طبيعة الوحى والتي تعبر عن التعليم الأرثوذكسى ويأخذ بها آباء الكنيسة فهى التى تعرف بالنظرية الديناميكية dynamic theory. وحسب هذه النظرية فإن الوحى هو عمل خاص وخارق للطبيعة من قبل الروح القدس وبموجبه ترتوى وتمتلىء ارادة الكاتب وفكره، وكل ملكات الانسان الباطنة ولكن مع ذلك فإن الروح القدس لا يلغى شخصية الكاتب ولا يفقدها حريتها وعملها الخاص وانما يرفعها وينهضها ويشكلها لكى تعمل مع الروح القدس هذا العمل الالهي المتمثل في كتابة هذه الكتب الموحى بها من الله

إن الوحى هو هذا الدخول والتغلغل للروح القدس كل الشخصية الانسانية للكاتب، وليس في هذا فقدان لشخصيته أو ضياع لها، وكذلك ليس فيه أي اقلال أو انقاس لها، بل يتقدم بها ليكسب النفس لتكون أكثر تبصراً وفطنة وحذقاً، وليجعل العقل أكثر اشراقاً وتلألؤا ولمعاناً. وهنا، فإن كل كاتب من هؤلاء الكتاب يتكلم لغته الخاصة ويعبر وفقا لتعبيره وأسلوبه الخاص ذلك لأن الروح القدس في وحيه يستخدم الكتاب ككائنات شاعرة عاقلة وليس كالات سلبية على أن ما يصدر عنهم لا يكتبونه كأنه من أنفسهم، ولكن من خلال تغلغل الروح القدس فيهم يكتبون حسبما يوجهون ويرشدون وكما تكتب اليد بتوجيه الرأس الذي هو المسيح.

ومما يدل على أن الوحى لا يلغى شخصية الكاتب وان الكاتب يكتب متأثراً بثقافته وبينته هو ما نلاحظه من اختلاف الأسلوب بين كتب الكتاب المقدس المختلفة، وكذلك عدم التزام الكاتب بالحرفية فيما يكتب ففى قصة عماد السيد المسيح لم يذكر القديس متى أن صوتاً من السماء قال هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت (مت ۲: ۱۷)، بينما أن هذا الصوت من السماء قال حسب رواية القديس لوقا : «أنت ابنى الحبيب الذي به سررت” ( لو (۲۲:۳). كذلك يختلف الأمر بين البشائر الأربع فيما ذكروه عن النص الذي كتب على صليب السيد المسيح فهو بحسب القديس متى : “هذا هو يسوع ملك اليهود”. (مت ۲۷:۲۷) وهو بحسب القديس مرقس “ملك اليهود فقط» (أنظر مر ٢٦:١٥) وفي القديس لوقا : هذا هو ملك اليهود (لو۲۸:۲۳)، وأما فى بشارة القديس يوحنا فهو : (يسوع الناصرى ملك اليهود (يو ١٩:١٩). 

وبالنسبة لكتابات الآباء والكتاب الكنسيين القدامي في الوحي، أنظر

‏1- Origin, Psalm 1, 4 M. 12, 1080-1081, Mat. VOI

‏XVI, 12, hom. 39 Jerm. M. 13, 1409, 544.

‏2 Chrysost. Gen. hom, 15, 1, M. Basil, about faith 6, exaemerom hom. 8,8, Chrys. Andriant hom 1. 1-3, Gregory Naz. log. 2, 104, 105 M. 53, 119

+31, 629 + 92, 184 + 67, 17+ 35, 504.

‏3 Jerome Epist 27 ad Marcellam C.1 + Ezec 1.1 m. 22. 431.

+ 23, 25, 28.

‏4- August. De utilitate credenti C. VI, 13, m. 42, 74.

‏5- Chrysost, to see the Lord hom. 2 chap.2 M. 56, 110.

‏6- Ambros. De viduis C. I, 2 m. 16, 235, Jerome Epist. ad Galat 1, m. 26, 394, 403, August. De conjugiis adulterinis C. 18, 21, m. 40, 463+ De opere monachorum C. XVII, 19, m. 40, 564, Jerom. Epist 48 C. 8, m, 25, 499.

‏7 Jerom Epist ad Philemonem praefatio m. 26, 599 602.

‏8- August. De civit, Dei XVII 6 m. 61, 537.

‏9 Greg, of Nys, anti Eunom, XII M. 45. 976, Didym. Psalm 22, 5 M. 39, 1293, Theodoritos. Ezek. II M. 81, 853. Origen Ezek, 10 M. 13,801..

‏10- Athanas. Mat., M. 27, 1384.

‏11 Greg. of Nys. anti Eunom. XII M. 45, 976, Asmata hom. 9 M. 44, 973, Theod. Mops, in Jobum, 66, 697-698

‏12 Greg. Naz, log. 2, 105 M. 35, 504, Greg. of Nys, psal. Book II, 11 M. 44, 489.

‏13 Chrys. Gen, hom. 15,1.

التقليد الرسولى

التقليد هو محصلة التعاليم الشفوية للسيد المسيح والرسل الأطهار، وقد كتب بالروح القدس فى قلوب أعضاء الكنيسة الحقيقيين والواقع أن الكتاب المقدس نفسه ليس هو شيئا آخر غير الجانب المكتوب من التقليد ولقد حفظ التقليد في الكنيسة وانتقل من خير سلف الى خير خلف وعاش فى ضمير الكنيسة الجامعة ليكون مع الكتاب المقدس المصدر الذي منه نستقى الاعلان الالهى

التقليد المكتوب وغير المكتوب :

من المعروف أن السيد المسيح لم يكتب شيئاً وكذلك لم يأمر تلاميذه أن يكتبوا ما سمعوا منه أو ما يكرزون هم .به كانت وصية السيد المسيح لتلاميذه أن يكرزوا بانجيل الملكوت وأن يعملوا على امتداده واتساع رقعته خارج فلسطين والى أقاصى الأرض كلها وأن يتلمذوا جميع الأمم ويكرزوا للخليقة كلها وأن يشهدوا له. (أنظر: مت ١٩:٢٨. مر ١٥:١٦ لو ٤٧:٢٤)

وفقا لوصية السيد المسيح لم يحسب التلاميذ الكتابة جزءا أساسيا من رسالتهم. ولذلك نجد أن أكثر التلاميذ لم يكتبوا شيئاً من تعاليمهم وان كانوا بلا شك قد أخذوا بالوصية فجالوا يكرزون فى بقاع العالم المختلفة وحقيقة أن بعض الرسل قد تركوا لنا مذكرات مكتوبة . ومع ذلك فكما يشير الانجيل للقديس يوحنا أنهم لم يكتبوا كل ما عرفوه عن السيد المسيح سواء بالنسبة لما علم به أو عمله وفى رسائلهم أيضا لم يضمنوا كل تعاليمهم.

يقول الرسول يوحنا و آيات أخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب. وأما هذه فقد كتبت لتؤسوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم اذا اسم حياة باسمه (یو ۳۰:۲۰).

” وأشياء أخر كثيرة صنعها يسوع ان كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة ” (يو ۲۵:۲۱)

اذ كان لي كثير لأكتب اليكم لم أرد أن يكون بورق وحبر لأني أرجو أن آتي اليكم وأتكلم فما لقم” ( ٢ يو ١٢).

وكتب الرسول بولس “وأما الأمور الباقية فعندما أجىء ارتبها ” ( ١ کو ٣٤:١١) والى تلميذه تيموثيوس يكتب أيضاً يا تيموثيؤس احفظ الوديعة معرضاً عن الكلام الباطل الدنس ومخالفات العلم الكاذب الاسم».

(أنظر : 181 .Chrys. 1 Tim hom)

ويقول الرسول بولس أيضاً “تمسك بصورة الكلام الصحيح الذي سمعته مني في الإيمان والمحبة التى فى المسيح يسوع. احفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا “(۲تی ۱۳:۱).

(أنظر : 82,836 ,.Theod. Mops)

كذلك يقول الرسول بولس «وما سمعته منى بشهود كثيرين أودعه أناساً أمناء يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضاً» (٢تى ٢:٢).

(أنظر M. 119, 209. Oikoum.)

وفي رسالته إلى رومية كتب الرسول بولس فشكراً لله أنكم كنتم عبيداً للخطية ولكنكم أطعتم من القلب صورة التعليم التى تسلمتموها رو ١٧:٦).

وفي رسالته الأولى الى كورنثوس كتب يقول فسواء أنا أم أولئك هكذا نكرز وهكذا آمنتم (۱ کو ۱۱:۱۵)

على أن الكنيسة البروتستانتية ترفض الأخذ بالتقاليد ولا يعتبرونها جزءاً ضرورياً من الأيمان فقد جاء فى كتاب علم اللاهوت النظامي ” ما يلى :
الكنائس الانجيلية لا تسلم مطلقاً بأن فى التقاليد ما هو جزء ضروري من كلام الله للبشر ذو سلطان أن بعض الكنائس الانجيلية تعتبر بعض العوائد الكنسية التي تسلسلت منذ القدم في الكنيسة المسيحية مما لا يضاد مطلقاً الكتاب المقدس كاعتبار عيد الفصح وعيد ميلاد المسيح وغيرهما غير أنها لا تحسب ما تعتبره ذا سلطان أو جزءاً من كلام الله وكذلك الانجيليون يعتبرون أحكام المجامع أنها أقوال قديمة وثمينة ولكن لا يعتقدون أن فيها رائحة الوحى ولا شبه سلطان الهى وهم يعتبرون جداً قوانين الإيمان القديمة المطابقة للكتاب نظير قانون الرسل والقانون النيقاوى والقانون الأثناسي، غير أن منزلتها عندهم ليست منزلة كلام الله بل كلام الأفاضل من البشر الذي يعبرون به عن تعاليم الله» 

أما الكنيسة الكاثوليكية. فتعطى للتقليد أهمية كبيرة فقد جاء في الوثائق المجمعية للمجمع المسكونى الفاتيكاني الثاني ما يلى :
تشهد أقوال الآباء القديسين بحضور التقليد المحيى الذى يفيض من ثرواته على أعمال الكنيسة وحياتها فى ايمانها وصلاتها. فبفضل هذا التقليد يتضح للكنيسة قانون الأسفار المقدسة بكامله، بفضله أيضاً تفهم الأسفار المقدسة نفسها فهما أعمق، وتصبح فعالة

 

 

قلنا، يتضمن مع الكتاب المقدس الاعلان الالهى، فليس من العجيب اذن أن يكون التقليد في العصر الرسولى، قبل أن يكتب الانجيل هو المصدر الوحيد للاعلان الالهى. وفى الرسالة الثانية الى تسالونيكي كتب الرسول بولس يقول : ” فاثبتوا اذن أيها الأخوة وتمسكوا بالتقاليد التي تعلمتوها اما بكلامنا واما برسالتنا “ (۲ تس ۱۵:۲)

ويشير الرسول هنا الى تعاليمه الشفوية فى زيارته الأولى لأهل تسالونيكي، كما يشير إلى رسالته الأولى، وهذا معناه أن كلمة التقاليد استعملت لتشير أيضاً الى الكلام المكتوب. ويتضح من هذا أن الرسول لم يضمن رسالته كل تعالميه، أي لا تقتصر تعاليمه على ما هو مكتوب بل تشمل أيضاً ما هو غير مكتوب، وهو يطالبهم بالتمسك بالتعاليم الشفوية والتعاليم المكتوبة فكلاهما ضروروى لدى الرسول وكلاهما يجب أن يكون موضع عناية أهل تسالونيكي ومرجعاً لاستيفاء قواعد الإيمان السليم فليس بدعا أن تتمسك الكنيسة بتقاليدها وتحافظ عليها وتقدمها على ما نحو ما تقدس التعاليم المكتوبة. ولو تمسكت الكنيسة بالكتاب المقدس فقط (أى بالتعاليم المكتوبة) وأهملت التعاليم الشفوية، فإن ذلك يعنى أنها أهملت نبعاً حيوياً وضرورياً من منابع الإيمان ومصادره. فوصية الرسول لنا أن نتمسك بالتقاليد سواء الشفوية منها أو المكتوبة، وهو يضع الاثنتين في درجة واحدة من الأهمية والذين يتمسكون بالكتاب المقدس ويهملون التعاليم الشفوية التي تناقلت لنا وسلمتها الينا أيد أمينة يخالفون الكتاب المقدس نفسه الذي يؤمنون به ويدعون أنهم يأخذون بكل ما جاء فيه لأن الكتاب المقدس كما رأينا ينبه الى أهمية التقاليد ويدعو الى وجوب التمسك بها. ( وأنظر في أهمية التقليد 3 111 Irenaeus: elen.)

ولقد أستعمل المؤمنون الصلاة الربانية قبل أن يسجلها القديس متى في انجيله. وهذا أيضا يمكن أن يقال بالنسبة للمعمودية، فقد استعملت فى الكنيسة قبل أن يكتب عنها في الأناجيل.

وبالنسبة لكتابات الآباء في التقليد أنظر

1- Eusebius, Euang. 1, 8, M. 22, 76.

‏2- Athanas, anti Apoll, log. 1,2, Adelph 6, Arimin, 23,
‏M. 26, 1132, 1080, 721.

‏3- Cyril of Jerus. Catech, mystag. V 11+ 5. Cyril Alex., Basilissa 3, M. 33, 1117+ 76, 1264.

الوجه الشخصي للتقليد:

+ ان مادة الكرازة التي قدمها الرسل سواء شفويا أو كتابة الى الكنيسة هي وديعة مقدمة لا تقبل الاضافة أو الحذف بل يكون عمل الكنيسة حراستها وتفسيرها فقط.

وللتقليد الرسولى وجهان : وجه موضوعی ووجه شخصى. فهو من حيث أنه كنز محفوظ في الكنيسة يتمثل الجانب الموضوعى للتقليد الذي لا يقبل الزيادة أو النقصان وهو من حيث أنه وديعة يكتب من خلال الكرازة بالروح القدس في قلوب المؤمنين بلا ورق أو حبر يتمثل الجانب الشخصى الذي يكون عمله حفظ التقليد الرسولى وتفسيره.

+ أشير فى العهد الجديد الى أن مجىء السيد المسيح يمثل الأيام التي تكلم عنها أرميا النبي فقال : “ها أيام تأتى يقول الرب وأقطع مع بيت اسرائیل وبيت يهوذا عهدا جديدا ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدی فرفضتهم يقول الرب. بل هذا هو العهد الذي أقطعه مع بيت اسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب اجعل شریعتی في داخلهم واكتبها على قلوبهم وأكون لهم الها وهم يكونون لى ،شعباً ولا يعلمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد أخاه قائلين اعرفوا الرب لأنهم كلهم سيعرفوننى من صغيرهم الى كبيرهم يقول الرب : “لأني اصفح عن المهم ولا أذكر خطيتهم بعد (أر٣١:٣١-٣٤). وقد أشار الى ذلك الرسول بولس فى رسالته الى العبرانيين حيث قال : ” لأنه يقول لهم لائماً هوذا أيام تأتى يقول الرب حين أكمل مع بيت اسرائيل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً، لا كالعهد الذي عملته مع آبائهم يوم أمسكت بيدهم لأخرجهم من أرض مصر لأنهم لم يثبتوا فى عهدى وأنا أهملتهم يقول الرب لأن هذا هو العهد الذي أعهده مع بيت اسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب أجعل نواميسى فى أذهانهم واكتبها على قلوبهم وأنا أكون لهم الها وهم يكونون لى شعباً ولا يعلمون كل واحد قريبه وكل واحد أخاه قائلا اعرف الرب لأن الجميع سيعرفوننى من صغيرهم الى كبيرهم” (عب ۸ :۸-۱۱) وانظر فى هذا تفسير القديس يوحنا 14.4 Chrysos. Heb home)

وكما أن الرسل أخذوا كنز الاعلان الالهى شفويا من السيد المسيح وحفظوه في قلوبهم مكتوبا بالروح القدس. هكذا الأمر أيضاً فإن الذين استمعوا الى الأقوال التي صدرت عن أفواه الرسل صاروا بعمل نعمة الروح القدس في الكرازة، متعلمين من الله لأن المسيح كتب على قلوبهم نوامیسه
(أنظر : 365 ,119 .Oikoum. Heb 8, 11, M)

وفي هذا يقول الرسول بولس : “وأما المحبة الأخوية فلا حاجة لكم أن أكتب اليكم عنها لأنكم أنفسكم متعلمون من الله أن يحب بعضكم بعضاً “ ( ١ تس٩:٤ ) .

(أنظر Chrysost. 1 Thess. hom. 6, 1 🙂

وأوصى الرسول تلميذه تيموثيوس أن يحفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا (۲تى ١٤:١).

وكتب الرسول يوحنا “وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شيء“ (ايو٢: ۲۰) ” وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم ولا حاجة بكم الى أن يعلمكم أحد بل كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شيء وهي حق وليست كذباً، كما علمتكم تثبتون فيه ( ١ يو ٢٧:٢) أنظر

‏1- Athanas Epist 1 Serap. 23. M. 26 585

‏2- Seueiros 1 John 2, 27, Oikoum, 1 John 2, 27, M. 119, 645.

وهكذا يتهذب ويتشكل لدى كل مؤمن الضمير المسيحى الذي ليس هو محصلة لشخص ما، ولكنه يرد أيضاً الى عامل نعمة الروح القدس فوق الطبيعي، الذي يفتح الأذهان والعقول ويعطيها القدرة على فهم وادراك الوعود الالهية وتقبل نور شمس الاعلان الالهى والاتحاد فى نفس الجسد والعمل في اتساق مع باقي الأعضاء ومع رأس الجسد يسوع المسيح. ونحن نلاحظ هنا أن الضمير المسيحى لا يتشكل أو لا ينمو منفصلا أو منعزلا عن باقى الجسد ولكن فى ارتباط دائم بكل جسد الكنيسة لأن الجميع أخذوا روحاً واحداً وارتووا من نبع واحد كما يقول الرسول بولس “مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية الذي فيه أنتم مبنيون معا مسكنا لله فى الروح أف) ۲۱۰۲۰:۲). أنظر أيضا  Chrys. Ephes, hom. 11, 1, Theoph. Ephes. 2,21 M. 124, 1065.

ويقول الرسول بطرس الذى اذ تأتون اليه حجراً حياً مرفوضاً من الناس ولكن مختار من الله ،كريم كونوا أنتم أيضاً مبنيين كحجارة حية بيتاً روحياً كهنوتا مقدساً لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح (ابط ٥،٤:٢).

وهذا يعنى أن يكون للمؤمنين جميعاً نفس الروح ونفس الاهتمام، ويكون لهم فكر واحد ورأى واحد كبنيان واحد تلتصق فيه جميع الأحجار وترتبط معاً لتكون بناء واحداً.

وكما يقول الرسول بولس في رسالته إلى أفس ” وهو أعطى البعض أن يكون رسلا والبعض أنبياء والبعض مبشرين والبعض رعاة ومعلمين لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح الى أن تنتهى جميعنا الى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله الى انسان کامل الى قياس قامة ملء المسیح کی لا نكون فيما بعد أطفالا مضطربين و محمولین بکل ریح تعليم بحيلة الناس بمكر الى مكيدة الضلال، بل صادقین في المحبة تنمو في كل شيء الى ذاك الذى هو الرأس المسيح، الذي منه كل الجسد مركبا معا ومقترنا بموازرة كل مفصل حسب عمل على قياس كل جزء يحصل نمو الجسد لبنيانه فى المحبة (أف ١١:٤-١٦).

والقديس كيرلس الأورشليمى أوصى المؤمنين أن يحفظوا هذا التقليد المكتوب بالروح القدس في قلوبهم. أنظر :

Cyril of Jerus. Catech. 5, 12 M. 33, 521, 524.

ولقد أشار القديس ايريناوس الى الأمميين الذين آمنوا بالمسيح لا بورق أو لأنهم كانوا يجهلون القراءة وانما آمنوا بما كتبه الروح القدس في قلوبهم.

‏Irenaeus, elen. Book III Ch. IV m. 7, 855.

ولقد أسهب القديس يوحنا ذهبي الفم في الحديث عما يكتبه الروح القدس في قلوب المؤمنين بل قال : أنه كان من الواجب علينا ألا نحتاج الى معونة الكتب، وتكون لنا نعمة الروح القدس بدلا من هذه الكتب. وأبان أن الروح القدس يكتب في قلوبنا على نحو ما نكتب نحن بالمداد على الورق ولكن نحن الذين أبعدنا عنا وأضعنا هذه النعمة وأبان القديس يوحنا أن الله قصد أولا أن تكون هذه هي طريقته في الحديث الى البشر. فلقد ناجى نوحا وابراهيم وأيوب وموسى، ليس بكتبه، بل بذاته لأنه وجد قوى ادراكهم نقية. ولكن لما سقط العبرانيون في قاع الرذيلة احتاجوا حينئذ إلى الكتب والى اللوحين وفى العهد الجديد كانت أيضاً هذه هي طريقة السيد المسيح مع رسله فهو لم يعط لهم فريضة مكتوبة ولكنه وعدهم أن يعطيهم بدلا من الكتب نعمة روحه الذى يذكرهم بكل ما قاله لهم. والى هذا أشار الرسول بولس مبينا أننا أخذنا الشريعة ليس فى ألواح حجرية بل في ألواح قلب لحمية. ونحن بسبب انحرافنا عن الحق نحتاج الى الكتب لتذكرنا أنظر
Chrys, Mat, hom, 1,1 M. 57, 13.

+ ومما سبق قوله حتى الآن، يتبين لنا أننا عندما نقول ضمير الكنيسة أو الاهتمام الكنسى أو الاهتمام الرسولى للمؤمنين وللكنيسة فإننا يجب أن لا نفهم هذا على أنه یرد فقط الى عامل انساني أى يرد الى كرازة خدام الكنيسة ان الضمير الكنسي والاهتمام الكنسى هو في نفس الوقت من خلق نعمة الروح القدس التي تعطى للمؤمنين الحقيقيين القدرة على المعرفة والفهم واستيعاب حقائق الاعلان الالهي المكرز بها والتي يكتبها الروح القدس بوسيلة فوق طبيعية في قلوب البشر. واذا كان الكتاب المقدس قد كتب بحبر على ورق بيد أناس مسوقين بالروح القدس، فإن التقليد المقدس هو ما كتبه الروح القدس بدون حبر وورق في قلوب المؤمنين وفي ضمير الكنيسة. وهذا التقليد الرسولى الذى يسلم من جيل إلى جيل الى ضمير الكنيسة كاهتمام كنسى حسب يوسابيوس، أو كقانون للايمان وقانون للحقيقة وقانون رسولی كما يسميه ایریناوس و ترتليانس وأوريجينوس، هو مصدر للعقائد غير منفصل عن الكتاب المقدس.

إن التقليد وما يرتبط به من الاهتمام الكنسى أو الضمير الكنسي ليس اضافة شيء جديد على تعاليم السيد المسيح أو الرسل الأطهار، ولكنه هو حفظ لهذا التراث وتفسير له دون أن يضيف عليه أو ينقص منه شيئاً. وبالاضافة إلى ما ذكرناه سابقاً عن التقليد من أقوال القديسين، نضيف بعض الأقوال التالية :[1].

أقوال القديس ايريناوس :

عندما فحص القديس ايريناوس سوء استعمال الغنوسيين للكتاب المقدس، أورد هذا التشبيه فقال :

صنع فنان موهوب صورة جميلة لأحد الملوك من الجواهر الثمينة. لكن شخصاً آخر فك هذه الحجارة وأعاد ترتيبها بأسلوب آخر ليقدم صورة كلب أو ثعلب ثم زعم أن هذه الصورة هى الصورة الأصلية التي صنعها الفنان الأول، وتعلل قائلا إن الحجارة أصلية والحق أن التصميم الأصلي قد تهدم «وضاع نموذج الانسان الموضوع». هذا بالضبط ما يفعله الهراطقة بالكتاب المقدس. فهم يتجاهلون ويمزقون «الترابط والترتيب الموجودين فى الكتاب المقدس. ويقطعون أوصال الحقيقة». إن كلماتهم وتعابيرهم وامثالهم أصلية لكن تصميمهم كیفی و خاطيء (ضد الهراطقة)

والنقطة الرئيسية التي اراد ان يوضحها القديس ايريناوس هي ان الكتاب المقدس له نموذجه وبنيته الداخلية وتالفه لكن الهراطقة ينكرون هذا النموذج أو بالأحرى يستبدلونه بنموذجهم الخاص أى أنهم يعيدون ترتيب الشواهد الكتابية على اسس غريبة عن الكتاب نفسه. فأكد القديس ايريناوس أن الذين يحفظون بقوة قانون الحق» الذي تسلموه في المعمودية لن يجدوا صعوبة فى «إعادة كل عبارة إلى مكانها الصحيح ولن يعجزوا عن مشاهدة الصورة الحقيقية. واستعمل القديس ايريناوس عبارة «الملائم لجسم الحقيقة». ولذلك يجب أن يرشدنا «قانون» الإيمان في رأية إلى قراءة الكتاب المقدس، لأن المؤمنيين يلتزمون باعترافهم به في المعمودية. وكانت العبارة المفضلة عند القديس ايريناوس هی «قانون الحق» والواقع ان هذا «القانون» لم يكن سوى شهادة الرسل وكرازتهم وبشارتهم التي «أودعت» في الكنيسة وعهد بها إليها من الرسل وحفظت بصدق وسلمت باجماع عام في كل الأمكنة عبر تعاقب الرعاة الذين تسلموا موهبة الحقيقة الثابتة إلى جانب التعاقب الرسولى» (٢.٢٦.٤). وكان التقليد في مفهومه «وديعة حية» اعطيت للكنيسة لتكون نسمة جديدة للحياة مثل نسمة الحياة التي اسبغت على الانسان الأول والاساقفة أو تقوس كانوا حراماً مفوضين فى الكنيسة وخداماً للحقيقة التي أودعت فيها. حيثما تودع مواهب الرب يحسن تعلم الحقيقة ممن عندهم التعاقب الكنسي الآتي من الرسل.

أقوال القديس اثناسيوس :

كان اهتمام القديس أثناسيوس الأساسى هو الاحتكام إلى فكر الكنيسة إلى «الإيمان» الذي أعلن مرة وحفظ بصدق. لقد استشهد الأريوسيون بمقاطع كثيرة من الكتاب ليقيموا الدليل على ما ناضلوا من أجله وهو أن المخلص مخلوق. في جواب القديس اثناسيوس كان الاحتكام إلى قانون الإيمان واضحاً فى قوله لنصلح، نحن الذين اقتنينا غاية الإيمان المعنى الصحيح لما فسروه بشكل خاطيء» (ضد الاريوسيين ٢٥.٢). ومن جهة ثانية ينبه القديس اثناسيوس إلى ضرورة الاهتمام بالسياق المباشر لكل جملة وتعبير وابراز قصد الكاتب الصحيح بدقة (٥٤.١).

وأشار القديس أثناسيوس إلى ان الاريوسيين يتجاهلون «غاية» الكتاب المقدس سرابیون ۷.۲ والى اساقفة مصر). لأنهم يهتمون بما يقال ويتجاهلون معناه. وكانت لفظة «الغاية» عند القديس أثناسيوس موازية للفظة «تصميم» عند القديس ايريناوس للاشارة الى الفكرة الاساسية والتصميم الصحيح والمعنى المقصود. وأكد القديس اثناسيوس أن الاشتشهاد بفصول ومقاطع معزولة من الكتاب المقدس بعيداً عن قصد الكتاب الاجمالى أمر مضلل «فغاية» الإيمان أو «غاية » الكتاب هي الفحوى العقيدى الموجود بكثافة فى «قانون الإيمان كما حفظته الكنيسة ان القديس اثناسيوس عد «قانون الإيمان المبدأ الأسمى للتفسير وعارض أفكار الهراطقة الخاصة عن طريق الفكر الكنسى (ضد الاريوسيين ٤٤.١) ، على ان هذا «القانون» لم يكن ابدأ سلطة «غريبة» تفرض على الكتاب المقدس فهو «البشارة الرسولية» نفسها المدونة باختصار في اسفار العهد الجديد. واشار القديس أثناسيوس إلى أن الكتاب المقدس نفسه هو «تقليد» ولم يذكر أبدأ لفظة التقليد بصيغة الجمع مع نقاشه مع الاريوسيين

أقوال القديس باسيليوس :

ان استخدام البرهان المبنى على اللتيورجية نجده بشكل متوسع عند القديس باسيليوس ففى مواجهته للاريوسيين بصدد الروح القدس، بنى برهانه الاساسي على الوهية الروح القدس للمجدلات كما كانت تستخدم فى الكنائس. “فالتقليد” الذي يحتكم إليه القديس باسيليوس هو الممارسة اللتيورجية فى الكنيسة.

أقوال القديس أوغسطينوس :

يقول القديس أغسطينوس : لو لم يحركني سلطان الكنيسة الجامعة لما أمنت بالانجيل. فالانجيل وتعليم الكنيسة الجامعة لا ينفصلان

وفى أهمية كتابات الآباء بالنسبة للتقليد كتب الباحث دياكون مجدى وهبة “ترجع أهمية كتابات الآباء إلى ان هذه الكتابات هي جزء هام ورئيسي من تقليد الكنيسة ولذلك كانت كتاباتهم ذات أهمية كبرى لان الكنيسة الارثوذكسية تعتبر التقليد عموماً هو مصدر الإيمان المسيحى فالكنيسة تعتبر “اتفاق الآباء الاجماعى” هو قاعدة العقيدة السليمة وخاصة فيما يمس تفسير آيات الكتاب المقدس. فحينما يتكلم آباء الكنيسة عن العقائد يتكلمون عنها على ان الجميع يؤمنون بها. فالآباء هم شهود للحقيقة فهم يشهدون أن تعاليم الإيمان التي يتكلمون عنها قد استلمت استلاما ليس هنا أو هناك، بل في كل مكان. ونحن جميعنا نستلم هذه التعاليم والعقائد التي يعلمون بها، فإننا نقبلها ليس لمجرد أنهم يعلمون بها، بل لأنهم يشهدون أن كل المسيحيين في كل مكان فى عصورهم كانوا يؤمنون بها. فنحن نتخذ الآباء كمصدر أمين للمعرفة الإيمانية. فالآباء لا يتكلمون برايهم الخاص أنهم لا يقولون مثلا : هذا الامر صحيح وحقيقى لأننا استقيناه كما رأينا فى الكتاب المقدس ولكنهم يقولون هذا الأمر حقيقى بسبب أن الكنائس كلها تؤمن به وكانت تؤمن به أيضاً فيما سبق طوال الأزمنة السابقة بلا انقطاع منذ زمن الرسل. وبذلك يكون الأمر هنا هو أمر شهادة عن وجود وسائل المعرفة لديهم بأن هذا الأمر كان يؤمن به طوال العصور ولكن كان هذا هو ايمانها فى نفس العصر وذلك معناه ان هذا الإيمان مسلم من الرسل. فبلا شك يكون هذا الإيمان حقيقياً ورسوليا[2]

التقليد الرسولى وأهميته
في التفسير وصيغ الإيمان والليتورجيا والمجامع

أولا : بالنسبة لتفسير الكتاب المقدس، أنظر

‏1 Tertullian De Praescript m. 2, 35.

‏2- Irenaeus : Elen. Ill ch. II, 1, M. 7, 840.

‏3- Athanas log against hellen, 1 M. 25, 4.

ثانياً : بالنسبة لصيغ الإيمان الرسمية، أنظر

‏1- Justin, I Apol. 61, B. 3, 194.

‏2- Tertul. De Corona C. 3.

‏3- Cyril of Jerus, Catch. 5, 7.

ثالثاً : بالنسبة للينزرجيا والعبادة بوجه عام، أنظر

‏1- Tertul, De Corona ch. 3 m. 1, 9899.

‏2 Irenaseus, M. 7, 1229, 1223 (3).

‏3- Origen, Numb. hom. V, 1, M. 12, 603 + Rom V 8, 9, M. 14,

‏1038, 1040, 1047+ Deut. hom. VIII 3, M. 12, 496.

‏4. M. Basil, Holy Spirit Ch. 26, 66 M. 32, 188.

‏5 Leonis Sermo 79, 1 m. 54, 413, Epist. CLXVIII, 1., ibid 1210.

‏6- Chrys. Philip. hom. 3, 4, M. 62, 204+ Epiph Her. LXXV, 8. 7 August. Sermo 252, 9 m, 38, 1176, Epist. 54. 1, m. 33,

‏200, De bapt lib IV, 31, m. 43, 174.

‏8- Polycarp., ANik, Euseb. H.E. Book V, ch. 24, M. 20 495.

رابعاً: بالنسبة لأعمال المجامع وقوانينها، أنظر

‏1- Iren. Again. Her. III, 4.

‏2- Tertul., De praescriptione haereticorum C. 13, 19, 22,

‏38 m. 2, 31, 36, 39, 62. 3 Euseb. H.E. IV, 21, M. 20, 377.

‏4 Athanas. Nicene Council 3+ 27, M. 25, M. 25, 420, 465, Council of Arimin 5, 26, 688.

‏(Consensus Patrum)

خامساً : بالنسبة لاتقاق الآباء

وهم الذين يتبعون تعاليم الكتاب المقدس أنظر 1 Nicene Council 26 M. 26. 1056 + 25, 468.

‏2 M. Basil Holy Spirit 9, 22+ 72 M. 32, 108. 3. Greg. of Nys. Eunom. IV, M. 45, 653.

‏4 Theodorit Epist 151, Cyril against Nestor. IV 2, M. 81, 176.

‏5 Cyril of Alex. Mansi 4+ M. 76, 1212 1 1221, 1183. 6. M. 83 p. 73 104, 169

217, 284

317.

‏7 M. 86, 2.

‏8 Mansi XI, 316 etc, 388 etc.

‏9- Mansi 10, 1070.

‏10 Binkent. Common 28, m. 675.

‏11 August. Contra Julian 1 c. 16 m. 40, 650.


  1.  أنظر في هذه الأقوال : الأب جورج فلورفسكي: الكتاب المقدس والكنيسة والتقليد وجهة نظر أورثوذكسية نقله إلى العربية : الآب میشال نجم – منشورات النور ١٩٨٤ – الفصل الخامس
  2.  دياكون مجدى وهبة صموئيل : باترولوجيا- مقدمة في علم الآباء الكتاب الشهري للشباب والخدام- بيت التكريس لخدمة الكرارة – نوفمبر ۱۹۹۲

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى