تفسير سفر أعمال الرسل ٢٦ للقمص تادرس يعقوب
الأصحاح السادس والعشرون
دفاع بولس الخامس
قدم الرسول سلسلة من الاحتجاجات أو الدفاع عن نفسه, جاءت في جوهرها ليست دفاعًا عن نفسه، وإنما كرازة وشهادة حية لإنجيل المسيح. احتجاجاته لم تحمل نوعًا من الخوف أو القلق من الآلام أو حتى من الموت, ولا تحمل كراهية وبغضة نحو مقاوميه, بل وجدها فرصة للتعبير عن حبه لخلاص العالم كله, خاصة مقاوميه.
هذا ومن جانب آخر فإن السيد المسيح أكد حق المسيحي في الدفاع عن نفسه حين عاتب من لطمه أثناء محاكمته, قائلاً: “إن كنتُ قد تكلمت رديًا فاشهد على الردي, وإن حسنًا فلماذا تضربني؟” (لو 23:18). وفي نفس كان في طريقه لكي يصلب حتى من أجل من لطمه.
الاحتجاج الأول للرسول بولس كان وهو على الدرج في طريقه مع الأمير إلى القلعة لمحاكمته (1:22-21).
الاحتجاج الثاني: أمام الجمع في حضور الأمير (1:23, 6).
الاحتجاج الثالث: أمام فيلكس الوالي حيث هاجمه ترتلس الخطيب باسم مجمع السنهدرين (10:24-21).
الاحتجاج الرابع: أمام فستوس في بداية ولايته (8:25).
الاحتجاج الخامس: الآن في المحفل العظيم في وجود أغريباس الملك وفستوس ورجال الدولة.
- الإذن له بالحديث 1.
- يهودي غيور 2-8.
- مقاومة لاسم يسوع 9-11.
- ظهور يسوع له 12-15.
- دعوة إلهية للكرازة 16-18.
- التوبة موضوع كرازته 19-23.
- اتهامه بالهذيان 24-27.
- تأثيره على الملك 28-29.
- انصراف المحفل 30-32.
- الإذن له بالحديث
“فقال أغريباس لبولس:
مأذون لك أن تتكلم لأجل نفسك،
حينئذ بسط بولس يده، وجعل يحتج”. [1]
كان أغريباس أكثر الحاضرين كرامة مُنح لقب “ملك”، مع أنه لم يكن له سوى سلطان مشابه لبقية الحكام الخاضعين للإمبراطور. لم يكن له سلطان على فستوس، لكنه كان أكبر منه سنُا. لهذا افتتح فستوس القضية. تكلم أغريباس باسم القضاء هنا، فأعطى بولس تصريحًا ان يدافع عن نفسه. لقد سمح له الملك بالدفاع عن نفسه الأمر الذي لم يسمح له به رئيس الكهنة ولا أعضاء مجمع السنهدرين. بل حينما حاول الدفاع عن نفسه أمر رئيس الكهنة الواقفين عنده أن يضربوه على فمه (2:23).
لم يبدأ القديس بولس بالحديث حتى نال هذا السماح من الملك. لم يطلب بولس الرسول محاميًا يدافع عنه، وإنما تحدث بروح القوة. بسط يديه ليحتج إشارة إلى أن ليس للرعب موضع في داخله، بل كمن هو في كمال حريته.
لقد رفع بولس شكواه إلى قيصر، ومع هذا حين سمح له الملك أن يتكلم لم يقل: إني لن أتحدث إلا أمام قيصر، فقد وجد الفرصة سانحة للشهادة لإنجيل المسيح أمام هذا المحفل، ولكي يمارس إنجيله بالخضوع لأصحاب السلطة بروح الطاعة والخضوع في الرب.
يرى البعض في بسط يديه وقد رُبطتا بالسلسلتين إيماء لتحية الملك، بجانب كونها حركة يستخدمها الخطباء حين يحدثون الجماهير. فمع إنه يوجه الحديث أحيانًا للملك, لكنه يؤكد أنه يخاطب جميع الحاضرين. ويسألهم أن يتنبهوا لحديثه.
إذ احتج الرسول بولس لم يكن متوقعًا أن يُطلق سراحه، فقد رفع شكواه إلى قيصر، وهو يشتاق أن يذهب إلى روما ليشهد لإنجيل المسيح هناك. كان يعلم أن هذا المحفل إنما لكي يكتب فستوس قضيته ويبعثها معه إلى روما، لكن ما يشغل الرسول هو الكرازة.
- يهودي غيور
“إني أحسب نفسي سعيدًا أيها الملك أغريباس،
إذ أنا مزمع أن احتج اليوم لديك،
عن كل ما يحاكمني به اليهود”. [2]
عبَّر الرسول بولس عن امتنانه بأن يسمح له الملك بالدفاع عن نفسه، إذ كان الملك صاحب خبرة بالفكر اليهودي والعادات اليهودية مع أنه تولى العرش من روما ومتعاطف مع الرومان.
تميل حياة القديس بولس وهو رجل الآلام إلى فرح الروح, فيتلمس دومًا يد الله العاملة في حياته. فيعلن هنا عن سعادته أن يقف أمام الملك ليحتج. إنها هبة من الله لكي يشهد ويكرز لإنجيل المسيح. هكذا حمل الرسول نظرة مفرحة في كل الأحداث, حتى إن قيد ووضع في السجن ظلمًا, وكما كتب على أهل فيلبي :”أموري قد آلت أكثر إلى تقدم الإنجيل, حتى أن وثقي صارت ظاهرة في المسيح …” (في 12:1-13).
“لاسيما وأنت عالم بجميع العوائد والمسائل التي بين اليهود،
لذلك التمس منك أن تسمعني بطول الأناة”. [3]
في دفاعه في المناسبات السابقة أمام ولاة رومانيين لم تكن لهم معرفة صادقة بالعادات اليهودية وأفكارهم، لهذا لم يكن يشغلهم الإنصات إلى قضيته، ولم يكن ممكنًا لهم أن يدركوا ما وراء ثورة اليهود عليه.
كان أغريباس دارسًا مفحصًا في العهد القديم بناموسه ونبواته والعادات والتقاليد اليهودية، وكان قد قبل الإيمان اليهودي، فهو أقدر من غيره من الحكام على إدراك أن يسوع هو المسيا المنتظر.
“المسائل التي بين اليهود“، أي مواضيع المناقشات التي تدور بين فئات اليهود خاصة بين الصدوقيين والفريسيين والكتبة.
بعد أن قدم له الاحترام اللائق به كملك، ومدحه كدارس فريد بين الحكام للفكر اليهودي سأله أن يطيل أناته عليه لأنه مزمع أن يتحدث في شيءٍ من الاستفاضة.
“فسيرتي منذ حداثتي التي من البداءة كانت بين أُمتي في أورشليم،
يعرفها جميع اليهود”. [4]
يقدم الرسول بولس حياته شهادة صادقة لجديته في البحث عن الحق. فقد ولد في طرسوس، ليس في وسط أمته، لكن منذ حداثته أُرسل إلى أورشليم بقصد تعليمه في مدرسة غمالائيل (أع 22: 3). فقد بدأت حياته المبكرة فتشكل حسب الفكر اليهودي القائم على الدارسة الجادة في أعظم مدرسة يهودية دينية، عند قدمي أعظم معلم للناموس. وقد ظهرت أفكاره وآراءه وسلوكه مطابقة لما يعلم به غمالائيل، هذا بشهادة جميع اليهود.
لم تكن نشأته منذ صغره مجهولة، ولا غامضة ولا في مدارس أجنبية عن الفكر اليهودي، بل في داخل أورشليم وتحت قيادة المعلم العظيم غمالائيل.
“عالمين بي من الأول إن أرادوا أن يشهدوا،
إني حسب مذهب عبادتنا الأضيق عشت فرّيسيًا”. [5]
يعلم جميع اليهود أنه لم يكن يهوديًا بالميلاد فحسب، لكنه كان فريسيًا، أي عالمًا ودارسًا للفكر اليهودي، ومدققًا في كل تصرف في حرفية شديدة “مذهب عبادتنا الأضيق“، لن يتهاون في الالتزام بالناموس في أتفه الأمور.
لم يكن فريسيًا في الفكر والمعرفة فحسب، بل وفي السلوك”عشت فريسيًا“.
إنه ليس كسائر الرسل الذين كانوا بلا معرفة أكاديمية للفكر اليهودي، نشأوا في بساطة كصيادي السمك، لكنه دارس متعلم ومدقق من الجانبين الفكري والسلوكي. كان رجل أخلاق وسلوك، بارًا من جهة الناموس كفريسي، لا يسكر ولا يزني ولا يبتز ما للغير، يعيش بلا لوم.
“والآن أنا واقف أُحاكم على رجاء الوعد الذي صار من اللَّه لآبائنا”. [6]
كان مستقيمًا في إيمانه كما في حياته، يؤمن بالقيامة من الأموات على خلاف الصدوقيين، ويعترف بوجود الملائكة، يعيش على رجاء الحياة الأبدية. هذا هو رجاء الوعد المقدم للآباء وهو التمتع بالقيامة، وهو رجاء الفريسيين الذي يقاومه الصدوقيون.
هذا الرجاء الذي تحقق بقيامة المسيا المصلوب، إذ لا يفصل الرسول بولس بين الرجاء في القيامة عن الرجاء في المسيح يسوع القائم من الأموات.
“الذي أسباطنا الاثنا عشر يرجون نواله،
عابدين بالجهد ليلاً ونهارًا،
فمن أجل هذا الرجاء أنا أُحاكم من اليهود، أيها الملك أغريباس”. [7]
إن كان قد وجد قلة يُدعون الصدوقيين لا يؤمنون بالقيامة، فإن الآباء وكل الأسباط الاثني عشر كانوا يعيشون على هذا الرجاء الذي تحقق الآن، والذي بسببه يقف الآن الرسول بولس يحاكم من اليهود.
كانت الأسباط جميعًا تتعبد بكل غيرة “بالجهد ليلاً ونهارًا من أجل هذا الرجاء“. فالذبائح والتقدمات كانت تُقدم في الصباح وفي المساء، والعبادة تمارس كل يوم، لا لهدف آخر غير التمتع بالقيامة، التي لن تتحقق إلا بالمسيا القائم من الأموات.
v لقد قام من الموت، وبلغ من إقناعه لتلاميذه بحقيقة قيامته ما جعلهم يظهرون لجميع الناس – من خلال آلامهم – أن اهتمامهم مركز على الحياة الأبدية وعلى القيامة، التي تمثلت لهم بالكلمة والفعل. لذلك، فهم يهزأون بكل مصاعب الحياة.
العلامة أوريجينوس
“لماذا يعد عندكم أمرًا لا يصدق،
أن أقام اللَّه أمواتًا”. [8]
هذا لا يعني أن الملك أغريباس لم يكن يعتقد في القيامة من الأموات، لكن واضح أن الرسول يوجه حديثه إلى الكل، وربما في هذه اللحظات وجه الرسول بولس وجهه إلى الحاضرين ليسألهم عن سبب عدم تصديقهم وإيمانهم بالقيامة من الأموات. فإن كانوا يعتقدون بان الله خالق كل شيء من العدم، فهل يصعب عليه أن يقيم الأموات؟
- مقاومة لاسم يسوع
“فأنا ارتأيت في نفسي،
أنه ينبغي أن أصنع أمورًا كثيرة مضادة لاسم يسوع الناصري”. [9]
إن كان الحاضرون لا يؤمنون بيسوع القائم من الأموات فليس بالأمر العجيب، لأنه هو نفسه، كما يشهد، قد وضع في قلبه أن يبذل كل الجهد ويكرس كل طاقاته لمقاومة يسوع الناصري بكل عنفٍ ومثابرةٍ. وأن هذا الأمر لم يصدر عن إثارة أحد له، لكنه كان نابعًا عن عقيدة في أعماقه، لذا يقول: “ارتأيت في نفسي“. وأن ما يفعله هو واجب يمليه عليه ضميره “ينبغي أن…” من أجل دفاعه عن إلهه، وديانته وأمته.
هنا يكشف الرسول بولس عن ما وراء اضطهاد المسيحيين عبر كل العصور، فإن الدافع الخفي هو شعور المقاومين أنهم يقدمون خدمة لله والدين والوطن. فالمسيحية لا تزال في نظر الكثيرين جريمة ضد الله والوطن. الاضطهاد موجه ضد الاسم “اسم يسوع الناصري“، فالإيمان باسمه هو إيمان بشخصه.
“وفعلت ذلك أيضًا في أورشليم،
فحبست في سجون كثيرين من القديسين،
آخذًا السلطان من قبل رؤساء الكهنة،
ولمّا كانوا يقتلون ألقيت قرعة بذلك”. [10]
إن كان سفر الأعمال لم يذكر استشهاد أحد بواسطة مجمع السنهدرين، سوى القديس استفانوس، فإنه واضح من حديث الرسول هنا أنه قُتل أيضًا آخرون فيما بعد، بإلقاء قرعة بين المسجونين، وكان شاول الطرسوسي مشتركًا في إلقاء القرعة.
هنا يدعو القديس بولس المسيحيين قديسين.
v من يتنقّى من الشر والخطية يدعى قديسًا. وهكذا فإن غياب الشر عن الإنسان هو كمال أعظم للنفس ويرضى الله جدًا.
القديس أنطونيوس الكبير
v القدّيسون أشبه بمجموعة أشجار، كل شجرة تحمل ثمرًا مختلفًا، لكنها ترتوي من ذات المصدر. ممارسات قدّيس تختلف عن ممارسات آخر، لكن الروح نفسه يعمل في الكل.
أحد آباء البريّة
“وفي كل المجامع كنت أعاقبهم مرارًا كثيرة،
واضطرهم إلى التجديف،
وإذ أفرط حنقي عليهم كنت أطردهم إلى المدن التي في الخارج”. [11]
كان غاية الاضطهاد هو التجديف على اسم يسوع الناصري، بإنكار أنه المسيا المنتظر. وكان شاول الطرسوسي يتطلع إلى الإيمان بيسوع الناصري أشبه بوباء يجب تطهير اليهودية منه.
- ظهور يسوع له
“ولمّا كنت ذاهبًا في ذلك إلى دمشق،
بسلطان ووصية من رؤساء الكهنة”. [12]
“رأيت في نصف النهار في الطريق أيها الملك،
نورًا من السماء أفضل من لمعان الشمس،
قد أبرق حولي وحول الذاهبين معي”. [13]
أكد الرسول بولس إن النور العظيم كان صادرًا من السماء، ليس بالليل وإنما في نصف النهار، حيث لا يمكن أن يكون مفتعلاً، ولا بصنع يدٍ بشرية. كان في الطريق علانية، وليس في حدود بيت معين. كان أفضل من لمعان الشمس، وكأن الشمس قد انكسفت أمامه (إش 24: 23).
إنه ليس من خيال شاول الطرسوسي، ولا وهم حل به، فقد أبرق حوله وحول الذاهبين معه.
لم تكن رؤيا في زاوية أو في حجرة خاصة، ولا في حلمٍ، إنما علانية في الطريق أمام كل الذين كانوا حوله.
“فلما سقطنا جميعنا على الأرض،
سمعت صوتًا يكلمني،
ويقول باللغة العبرانية:
شاول، شاول لماذا تضطهدني؟
صعب عليك أن ترفس مناخس”. [14]
لم يكن النور أشبه ببرقٍ إلى لحظة أو لحظات، لكنه حقيقة كان لها أثرها على جميع المرافقين له كما عليه، فسقط الجميع أرضًا، وحدث حوار بالعبرانية بين السيد المسيح وشاول الطرسوسي.
في العهد القديم كان الله يعلن عن ذاته خلال الظلمة الكثيفة والضباب حتى يمكن للشخص أن ينصت إليه، كما من خلال سرداق يحوط بالعظمة الإلهية (2 أي 6: 1).
تحدث الله مع أبينا إبراهيم خلال ظلمة عظيمة (تك 15: 12)، أما الآن وقد نزل الكلمة الإلهي متجسدًا، فصارت الإعلانات الإلهية خلال النور الفائق الإلهي.
ويُلاحظ في حديث السيد المسيح الذي تحدث معه من خلال هذا النور الإلهي الفائق الآتي:
أولاً: تحدث معه باللغة العبرانية، هذا ما لا ينساه شاول الكارز للأمم، والمتحدث باليونانية بطلاقة.
ثانيًا: ناداه باسمه مكررًا ذلك: “شاول، شاول“، في وسط الطريق حيث لا يعرف أحد اسمه.
ثالثًا: كشف له عن خطيته الجسيمة: “لماذا تضطهدني؟” موضحًا أنه يعلم ما في قلبه، أنه لا يقاوم المسيحيين من أجل جريمة ارتكبوها، وإنما من أجل اسم يسوع الذي التصقوا به. وأن كل مقاومة لمؤمن هي موجهة ضد يسوع المسيح نفسه.
رابعًا: يطالبه بإعادة تقييم الموقف، فإنه ليس من وجه للمقارنة بين كل ما يحمله شاول من إمكانيات وسلطات وبين يسوع الناصري. إنه كمن يرفس مناخس.
“فقلت أنا:
من أنت يا سيد؟
فقال: أنا يسوع الذي أنت تضطهده”. [15]
كان شاول يظن أن يسوع قد دُفن في القبر وأن التلاميذ قد سرقوا جسده ووضعوه في قبر آخر. لم يكن يتوقع أنه وهو يضطهد اسم يسوع أن يراه في نوره الإلهي يعاتبه. ليس من قوة كانت قادرة أن تجتذبه إلى شخص يسوع بكونه المسيا مثل هذا اللقاء العجيب معه شخصيًا. لقد تأكد صدق قول تلاميذه أنه قام وصعد، وأنه في مجده الإلهي. كان في هذا كل الكفاية، لا ليؤمن فقط بل وأن يشهد له خادمًا وكارزًا بما رآه وما سيراه أيضا خلال الإعلانات المتوالية.
- دعوة إلهية للكرازة
“ولكن قم وقف على رجليك،
لأني لهذا ظهرت لك لانتخبك خادمًا وشاهدًا بما رأيت،
وبما سأظهر لك به”. [16]
السيد المسيح الذي ظهر له في مجده الإلهي هو الذي دعاه للشهادة للإنجيل والكرازة بين الأمم. ما يقوم به ليس بدعوةٍ بشريةٍ، ولا بحماسٍ بشريٍ، لكنه بدعوة إلهية. إن كان شاول قد سقط هو ومن معه أرضًا عندما أبرق مجد الرب عليه، فإن الرب نفسه يدعوه أن يقوم ويقف على رجليه، ينفض رجليه مما تعلق به من تراب خطيته (إش 52: 2).
“منقذًا إيّاك من الشعب،
ومن الأمم الذين أنا الآن أرسلك إليهم”. [17]
تسلم شاول مهمة الكرازة من السيد المسيح نفسه، وقد سبق فأعلن له أنها مهمة شاقة، فسيجد مقاومة من اليهود كما من الأمم، مما يعرض حياته للمخاطر الكثيرة، لكن يسوع نفسه قد وعده بإنقاذه.
“لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات إلى نور،
ومن سلطان الشيطان إلى اللَّه،
حتى ينالوا بالإيمان بي غفران الخطايا،
ونصيبًا مع المقدسين”. [18]
كأن الرسول بولس يقول: “نحن الذين كنا قبلاً في الظلمة”، مدركًا أنه كمن كان في القبر وقد أقامه السيد المسيح.
غاية الكرازة أن تتمتع القلوب بالاستنارة بكونها العيون التي يمكنها أن ترى نور الحق. فالخطية والجهل يغلقان عين القلب فلا تتحقق من النور. وعمل الإنجيل هو إنارة الأعين (أف 1: 18). خلال الاستنارة يتحول المؤمن من ظلمة الوثنية والخطية إلى نور الإيمان والتمتع بالبرّ. الظلمة هي شعار الجهل والخطية. لذلك يقال عن الأمم أنهم جالسون في الظلمة.
v النور هو نور الإيمان العامل فينا، حسب خطة الله السابقة.
v النور هو الحق، والأخ ليس هو مجرد قريبنا، لكنه قريب الرب (يسوع) أيضًا.
v بدواء عظيم، بمعمودية الكلمة. إننا بالمعمودية نتطهر من جميع خطايانا، ونصير في الحال مُبرئين من الشر. وهي بعينها نعمة الإنارة حتى أننا لا نبقى بعد اهتدائنا (تغيير طريقنا) كما كنا قبل أن نغتسل، نظرًا إلى أن المعرفة تبزغ مع الاستنارة، وتضيء حول العقل، ونحن الذين كنا بلا معرفة أصبحنا على التو متعلمين. هذه المعرفة التي قد أنعم علينا بها.. لأن التعليم البديهي يقود إلى الإيمان، والإيمان يُلقَّن لنا بالروح القدس في المعمودية.
v إذ نعتمد نستنير، وإذ نستنير نُتبنى، وإذ نُتبنى نكمل… ويُدعى هذا الفعل بأسماء كثيرة اعني نعمة واستنارة وكمالاً وحميمًا… فهو استنارة إذ به نرى النور القدوس الخلاصي، أعني أننا به نشخص إلى اللَّه بوضوح.
القديس إكليمنضس السكندري
الجالسون في الظلمة مستعبدون تحت سلطان إبليس ومحتاجون إلى الانتقال إلى مملكة الله، حيث الحرية والمغفرة والتمتع بالحياة المقدسة مع مصاف القديسين، خلال الطاعة له. بالإيمان يدرك المؤمن سلطانه في المسيح يسوع على إبليس وكل قواته.
v يصوب الشيطان سهامًا ضدي، لكن أنا معي سيف. هو معه قوس، أما أنا فجندي أحمل سلاحًا ثقيلاً. لتتعلم من نهجه، أنه حامل قوسٍ لا يجسر أن يقترب إذ يلقى بسهامه من بعيد.
v خطط إبليس لا أن يسحبنا من البركات التي لدينا، إنما يحاول أن يسحبنا إلى جرف صخري أكثر اندفاعًا. لكن الله في محبته لم يفشل في الاهتمام بالبشرية.
لقد أظهر لإبليس كيف أنه غبي في محاولاته. لقد أظهر للإنسان عظم العناية التي يظهرها الله له، فإنه بالموت وهب الإنسان الحياة الأبدية. لقد سحب إبليس الإنسان من الفردوس، وقاده الله إلى السماء. فإن النفع أكثر بكثير من الخسارة.
v لقد فقدتم الفردوس، لكن الله وهبكم السماء، حتى يؤكد حنوه، وأنه يلدغ إبليس، مظهرا أنه حتى إن سبك عشرات الألوف من الخطط ضد الجنس البشري، فإنها لن تفيده، حيث يقودنا الله دائمًا إلى كرامة أعظم.
أنتم فقدتم الفردوس (جنة عدن)، والله فتح السماء لكم.
لقد سقطتم تحت الدينونة بالتعب إلى حين، وقد كرمتم بالحياة أبديًا.
يأمر الله الأرض أن تنبت شوكًا وحسكًا، إما تربة الروح فتنبت لكم ثمرًا. ألا ترون أن الربح أعظم من الخسارة؟
القديس يوحنا الذهبي الفم
v جلس الشيطان وقوات الظلمة ورؤساؤها منذ تعدي الوصية، في قلب آدم وعقله وجسده كأنه عرشهم. لهذا جاء الرب وأخذ جسده من العذراء. لأنه لو شاء أن ينزل إلينا بلاهوته المكشوف بدون جسد، من كان يستطيع أن يحتمل ذلك؟ لهذا تكلم مع الناس بواسطة الجسد كأداة. بهذه الوسيلة قضى على أرواح الشر التي كانت قد اتخذت لها كرسيًا في الجسد، أي عروش العقل والفكر التي سكنت فيها، فقام الرب بتطهير الضمير وجعل لنفسه عرش العقل والأفكار والجسد.
v كأن الرب يقول للشيطان: “أنا أفتدي الجسد الذي باعه لك آدم الأول، وأُبطل صكوكك بصليبي. لقد دفعت ديون آدم حينما صُلبت ونزلت إلي الجحيم. والآن أنا آمرك أيها الجحيم والظلمة والموت أن تُطلق نفوس أبناء آدم المحبوسة. وهكذا تُصاب القوات الشريرة برعبٍ شديدٍ، وتُضرب بالفزع، وتعيد نفوس آدم وبنيه التي كانت محبوسة.
القديس مقاريوس الكبير
“ونصيبًا (ميراثًا) مع المقدسين“. الإيمان بالسيد المسيح دعوة لا لنوال غفران الخطايا فحسب، وإنما للتمتع بالبنوة لله، حيث يصير المؤمن ابنًا مقدسًا لله، له حق الميراث مع إخوته القديسين.
هكذا يقدم الرسول دعوة غير مباشرة للملك وكل الحاضرين للتمتع بالإيمان بالسيد المسيح حيث ينالوا:
- الاستنارة الداخلية.
- الرجوع من الظلمات إلى النور.
- التحرر من سلطان الشيطان إلى الحرية في الله.
- غفران الخطايا.
- البنوة لله، والتمتع بالميراث مع القديسين.
في هذا كله ليس لله منفعة خاصة به، بل يعود النفع كله للمؤمنين.
“نصيب” أو “قرعة”، حيث يشير هنا إلى توزيع الأراضي في كنعان، إذ تمت بالقرعة.
v إنه يظهر الشرور التي تتملك على غير المؤمنين: “الشيطان والظلمة“، والصالحات التي يتمتع بها المؤمنون: “النور والله وميراث القديسين“.
القديس يوحنا الذهبي الفم
- التوبة موضوع كرازته
“من ثم أيها الملك أغريباس،
لم أكن معاندًا للرؤيا السماوية”. [19]
إذ تأكد بولس الرسول أن يسوع هو المسيح، وتأكد من قيامته وصعوده إلى السماء، لم يكن ممكنًا له أن يتباطأ في الشهادة له، وشعر من واجبه أن يلتزم بالخدمة فورًا. لم يترك له السيد المسيح مجالاً للشك أو عدم الطاعة.
“بل أخبرت أولاً الذين في دمشق وفي أورشليم،
حتى جميع كورة اليهودية ثم الأمم،
أن يتوبوا ويرجعوا إلى اللَّه،
عاملين أعمالاً تليق بالتوبة”. [20]
هنا يقدم لنا الرسول مختصرًا لأعماله الكرازية في طاعة لربنا يسوع المسيح. فما فعله في دمشق أو أورشليم وكل اليهودية وبين الأمم ليس إلا طاعة للصوت الإلهي.
v إنه لا يحثهم على التوبة فحسب، بل وأن يظهروا حياة تليق بالإعجاب. انظروا كيف أنه في كل موضع يُضم الأمم إلى الشعب (إسرائيل)، لأن الحاضرين هنا هم من الأمم…
لاحظوا كيف يترك موقف المدافع ويحتل مركز المعلم.
القديس يوحنا الذهبي الفم
“من أجل ذلك أمسكني اليهود في الهيكل،
وشرعوا في قتلي”. [21]
لم يكن ممكنًا للوالي فستوس أن يدرك علة عداوة اليهود للقديس بولس. الآن كشف الرسول أن ما يمارسه هو الإعلان عن إتمام ما وعد الله به آبائهم من جهتهم كما من جهة الأمم، الأمر الذي أثار اليهود بسبب كراهيتهم للأمم، وعدم قبولهم الشركة معهم في الإيمان؛ إنهم يعتزون بكونهم شعب الله المختار.
“فإذ حصلتُ على معونة من اللَّه،
بقيتُ إلى هذا اليوم شاهدًا للصغير والكبير،
وأنا لا أقول شيئًا غير ما تكلم الأنبياء وموسى أنه عتيد أن يكون”. [22]
يختم الرسول دفاعه بتأكيد أن ما يكرز به ليس إلا ما سبق فأعلن الأنبياء وموسى بخصوص آلام السيد المسيح وقيامته واشراق نوره على اليهود والأمم.
ما ينطق به الرسول هنا أمام الملك والوالي هو بعينه ما يشهد به أمام الصغير والعظيم، أمام الفقراء والأميين، فهو كسيده لا يحتقر أحدًا. وفي نفس الوقت لا يداهن العظماء والأغنياء من ملوك ورؤساء وولاة.
“أن يؤلم المسيح يكن هو أول قيامة الأموات،
مزمعًا أن ينادي بنور للشعب وللأمم”. [23]
كان يليق باليهود إن يفهموا النبوات كما ينبغي وأن يدركوا إن المسيا متألم (إش 53: 1 الخ، دا 9: 27)، وأنه بكر الراقدين (1 كو 15: 20 ؛ كو 1: 18).
- اتهامه بالهذيان
“وبينما هو يحتج بهذا قال فستوس بصوت عظيم:
أنت تهذي يا بولس،
الكتب الكثيرة تحولك إلى الهذيان”. [24]
لماذا ظن فستوس في بولس أنه تحول إلى الهذيان؟
- غيرته الشديدة وحماسه في أمر الخلاص.
- تركيزه على شخصية يسوع الناصري وإنجيله، ففي رأيه أن هذا نوع من الخبل الفكري.
- ربما ظن أن ما رواه عن الرؤيا هو مجرد تخيل.
يظن البعض أن فستوس تضايق من القديس بولس لأنه وجّه كل حديثه للملك أغريباس وتجاهله.
“فقال: لست أهذي أيها العزيز فستوس،
بل أنطق بكلمات الصدق والصحو”. [25]
بروح القوة يؤكد الرسول بولس أنه ليس بمختل العقل، لكنه ينطق بالحق الذي لم يكن ممكنًا لفستوس أن يعرفه لجهله بالنبوات.
v يقول النبي: “لأن عندك ينبوع الحياة. بنورك نرى نورًا” (مز 9:36). فالذين يشربون من غنى بيت اللّه، من نهر فرحه ينتعشون. وأيضا انتعش داود العظيم لأنه خرج من نطاق نفسه إلى آفاق الفرح والسعادة الغامرة، فقد رأى الجمال الغير منظور، وصرخ بصوته الذي تقوده القوة المقدسة: “لماذا يقول الأمم أين هو إلههم” (مز 2:115). يشرح داود بهذا التعبير كنوز اللّه العظيمة جدًا التي تعلو عن التعبير عنها. وقال بولس، بنيامين الجديد، وهو في نشوة السعادة والفرح العظيم: “لأننا إن صرنا مختلين فللّه (تُعتبر النشوة والسعادة حركة تتجه نحو اللّه) أو كنا عاقلين فلكم” (2 كو 13:5). وأشار بولس بطريقة مماثلة إلى فستوس، قائلاً: “لست أهذي أيها العزيز فستوس، بل أنطق بكلمات الصدق والصحو” (أع 25:26) .
القديس غريغوريوس النيسي
“لأنه من جهة هذه الأمور،
عالم الملك الذي أُكلّمه جهارًا،
إذ أنا لست أصدق أن يخفي عليه شيء من ذلك،
لأن هذا لم يُفعل في زاوية”. [26]
يلجأ إلى الملك أغريباس كشاهدٍ أنه ليس بمختل العقل. وكأنه في أدب وحكمة يؤكد لفستوس أن ظنه هذا قائم على عدم إدراكه للنبوات وعدم معرفته لكلمة الله، أما الملك وقد كانت له معرفة دقيقة بها فيمكن أن يتابع الرسول ويفهم ما يقوله.
“أتؤمن أيها الملك أغريباس بالأنبياء؟
أنا أعلم أنك تؤمن”. [27]
لعل بولس الرسول أدرك أن الملك أغريباس لم يرد أن يضع زميله فستوس الوالي في موقف حرج. لهذا لم يدافع عن الرسول بولس، ولم يدخل معه في تفاصيل خاصة بالإيمان، كما لم يجب على سؤاله: “أتؤمن أيها الملك أغريباس بالأنبياء؟”
كان الرسول بولس نهازًا للفرص، فقد سأل الملك هكذا حتى لا تضيع الفرصة على أغريباس أن يعود إلى قصره ويراجع النبوات الواردة عن شخص السيد المسيح.
v لم أكن أحد تلاميذ المسيح، بل كنت بين الذين يحاربونه. بهذا يعلن أنه شاهد، له الحق أن يُصدق، لأنه كان إنسانًا قد صنع أمورًا لا حصر لها، أثار حربًا على المؤمنين، وحرضهم على التجديف، وهيج المدن والولاة عليه، وقد فعل هذا كله طوعًا، لكنه فجأة تغير. مرة أخرى فإن الشهود الذين معه الذين كانوا لهم تأثيرهم عليه هم: النور( الذي أشرق عليه) والأنبياء والثمار التي تحققت. انظروا كيف أنه يؤكد حججه من الأنبياء ومن هذه الأمور. فحتى لا يبدو كمن يقدم أمورًا مستحدثه مع أن لديه أمور عظيمة ليقولها، لكنه يلجأ إلى الأنبياء، ويجعل هذا موضوع البحث. فمع ما لديه من دعوة عظيمة خاصة بالإيمان، لكنه ترك هذا وجلب برهانه على الإيمان من الأنبياء.
القديس يوحنا الذهبي الفم
- تأثيره على الملك
“فقال أغريباس لبولس:
بقليل تقنعني أن أصير مسيحيًا”. [28]
لم يكن ممكنًا لاغريباس أن ينكر إيمانه بأنبياء العهد القديم، وأنها قد تحققت في شخص يسوع الناصري.
ولم يكن ممكنًا أن يندد بالرؤيا التي تمتع بها القديس بولس وهو في طريقه إلى دمشق. لقد أوشك أن يقبل الإيمان بالمسيحية. هذا ونلاحظ في الملك اغريباس:
v أنه كان يهوديًا دخيلاً بخلاف الوالي فستوس روماني.
v لم يشترك مع اليهود في مقاومة الرسول بولس.
v يصفه المؤرخ يوسيفوس أنه كان لطيفًا نزيهًا مخلصًا. لم يكن يحمل عداوة للمسيحيين، لكنه لم يطلب أن يكون مسيحيًا. ربما كان مقتنعًا فكريًا بالإيمان بالمسيح. يظن البعض أن الملك نطق بهذا بأسلوب تهكمي.
“فقال بولس:
كنت أُصلّي إلى اللَّه أنه بقليلٍ وبكثيرٍ،
ليس أنت فقط بل أيضًا جميع الذين يسمعونني اليوم،
يصيرون هكذا كما أنا ما خلا هذه القيود”. [29]
يكشف الرسول بولس عن غيرته المتقدة نحو خلاص الملك وكل الحاضرين، مع إيمانه أن قبول الإيمان يحتاج إلى نعمة الله، لهذا يلجأ إلى الصلاة من أجل خلاصهم. يكشف أيضًا الرسول عن مدى السعادة التي يتمتع بها في المسيح يسوع، لهذا فهو يود ألا يُحرم أحد من مشاركته فيها.
كان الرسول لا يشتهي لأحد أن يشاركه قيوده. حقًا إنه يفتخر بهذه القيود ويعتز بها، لكنه كقائد حي ناجح يجد لذته في شركة الآلام مع المسيح طالبًا الراحة للآخرين.
v هكذا هي النفس المجنحة بالحب السماوي. فإن كان الذين يأسرهم الحب الغبي (الشهوات الأرضية التي يدعوها البشر حبًا)، لا يفكرون في شيءٍ مجيدٍ أو ثمينٍ، بل في الأشياء التي تميل نحو إشباع شهواتهم، فيحسبون أنهم ممجدون ومكرمون عندما تكون سيدتهم هي كل شيء بالنسبة لهم، فكم بالأكثر أولئك الذين يأسرهم الحب السماوي لا يبالون بالتكلفة… بالنسبة للمحاكمات فإنه هكذا يستخف بها كما بالجلدات والسجون، كما لو كان الجسم الذي يتألم بهذه الأمور ليس بجسمه، بل جسم إنسان آخر، وكما لو كان قد اقتنى جسدًا من الماس. أما عن ملذات هذه الحياة فيضحك عليها مستخفًا بها لمن لا يحس به، وكما لا تحس الأجسام الميتة هكذا نحن أموات. كان أبعد من أن يأسره ألم، وذلك كما يتنقى الذهب في النار، ويتطهر من الزغل. وكما أن الحشرات لا تتجه إلى داخل اللهيب بل تطير هاربة منه، هكذا فإن الآلام لا تجسر حتى أن تقترب من هذا الإنسان… لاحظوا ما هي مشاعره نحو العالم كله: “صُلب العالم لي وأنا للعالم” (غل ٦: ١٤). فأنا مت عن العالم، والعالم مات عني. “لا أحيا أنا بل يحيا المسيح فيّ” (غل ٢: ٢٠).
القديس يوحنا الذهبي الفم
- انصراف المحفل
“فلما قال هذا،
قام الملك والوالي وبرنيكي والجالسون معهم”. [30]
إذ انتهي الرسول من دفاعه قام الملك والوالي وبرنيكي والمشيرون لدراسة الأمر بناء على ما سمعوه.
“وانصرفوا، وهم يكلمون بعضهم بعضًا قائلين:
إن هذا الإنسان ليس يفعل شيئًا يستحق الموت أو القيود”. [31]
أدرك الكل أن القديس بولس لم يكسر قانونًا ما، وأنه لا يستحق السجن أو الموت، إنما كان يجب أن يطلق حرًا، لكنه إذ رفع شكواه إلى قيصر وجب القيام بالإجراءات القانونية اللازمة.
غالبًا ما كتب فستوس رسالة إلي قيصر بمعاونه الملك أغريباس موضحًا فيها اتهامات اليهود ضده، مزكين تبرئته.
“وقال أغريباس لفستوس:
كان يمكن أن يطلق هذا الإنسان،
لو لم يكن قد رفع دعواه إلى قيصر”. [32]
v انظروا كيف أصدروا حكمًا آخر في صالحه، فبعد القول: “أنت تهذي” [24] كانوا مقتنعين ببراءته كمن ليس فقط لا يستحق الموت بل ولا القيود. وقد أرادوا بالحقيقة أن يطلقوه تمامًا لو لم يكن قد التجأ إلى قيصر. هذا صدر بعناية إلهية أنه يلزم أن يرحل بالقيود. يقول: “حتى القيود كمذنب” (2 تي 2: 9). فإن كان ربه قد “أحصي مع آثمة” (مر 15: 28)، فكم بالأكثر يكون بولس؛ وكما أن الرب لم يشاركهم سمتهم هكذا ولا بولس شاركهم.
القديس يوحنا الذهبي الفم
من وحي أع 26
دفاع أم كرازة
v انطلق الموكب العظيم إلى المحفل،
يرأسه الملك أغريباس والوالي فستوس.
ومعهم رجال الدولة.
دخلوا ليجدوا كلمة يرفعوها إلى قيصر،
وصحيفة اتهام ترافق السجين!
v دخل الأسير بولس مقيدًا بسلسلتين,
يحوط به جندبان، واحد عن اليمين، وآخر عن اليسار.
دخل لكي يسجل في قلوب الحاضرين,
غنى محبة الله الفائقة,
وتحقيق النبوات التي تحدث بها الآباء والأنبياء.
v دخل كما إلى منبر كنيسة,
قلبه يرقص فرحًا،
من أجل هذه الفرصة أن يشهد لمخلصه,
إنها فرصة فريدة لن يجدها هو أو غيره من الرسل للشهادة.
v أعد الرسول نفسه لهذا المحفل,
فصلى ليلة اللقاء من أجل كل المستمعين,
لكي يتمتعوا بما يتمتع به من مجد داخلي,
فيصيرون مثله ماخلا القيود التي في يديه!
طلب لهم الحرية الداخلية، كما السلام الخارجي.
سفر أعمال الرسل : 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7 – 8 – 9 – 10 – 11 – 12 – 13 – 14 – 15 – 16 –17 – 18 – 19 – 20 – 21 – 22 – 23 – 24 – 25 – 26 –27 – 28
تفسير سفر أعمال الرسل : مقدمة – 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7– 8 – 9 – 10 – 11 – 12 – 13 – 14 –15 – 16 –17 – 18 – 19 – 20 – 21 – 22 – 23 – 24 –25 – 26 –27 – 28