تفسير سفر أعمال الرسل ٢ للقمص أنطونيوس فكري

شرح سفر الأعمال – الإصحاح الثانى

آية (1) :-

و لما حضر يوم الخمسين كان الجميع معا بنفس واحدة.

يوم الخمسين = ويسمى يوم البنطيقوستى أى الخمسين وهو عيد الشكر على بركات الحصاد عند اليهود. وهو وافق أيضاً يوم الخمسين من أحد القيامة. وصار هذا اليوم هو يوم تأسيس الكنيسة ملكوت الله. وقد يكون هذا تفسيراً لكلام السيد المسيح “إن من القيام ههنا قومٌ لا يذوقون الموت حتى يروا إبن الإنسان آتياً فى ملكوته. فحينما حل الروح القدس تأسست الكنيسة جسد المسيح إبن الإنسان وبدأ ملكوته على قلوب شعبه.

وعيد الخمسين عند اليهود هو عيد الحصاد وصار فى الكنيسة أيضاً عيداً للحصاد أى دخول الناس للإيمان. فبعد أن ماتت حبة الحنطة (أى المسيح يو 24:12) صار الآن حصاد كثير. ففى هذا اليوم أمن 300 نفس. هو يوم ميلاد الكنيسة.

وكان الجميع = هناك رأيان :-

(1) أن الجميع المقصود بهم الإثنى عشر ومعهم العذراء مريم. ويستند أصحاب هذا الرأى أن هذه الآية هى إمتداد للآية الأخيرة من الإصحاح السابق (أع 26:1). وبوضع يد الرسل الـ 12 على الباقين حل الروح على بقية الجماعة.

(2)   الجميع هم كل الـ 120

آية (2) :-

و صار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملا كل البيت حيث كانوا جالسين.

الريح والروح فى العبرية كلمة واحدة (وهكذا فى اليونانية). وهبوب الريح الآن كان لأن الروح يعبر عن طبيعته فهو يهب حيث يشاء (يو 8:3). وهذه الريح لم تكن ريحاً طبيعية ولا هواء طبيعياً. والصوت الذى سُمِعَ تدركه الأذان الداخلية المهيَّاة لسماع الروح القدس هو صوت من السماء يعبر عن الحضرة الإلهية. وحلول الروح تم عن طريق :

(1)   صلاتهم لمدة 10 أيام.

(2)   بنفس واحدة أى إتحاد الجماعة فى الشركة والفكر.

وملأ كل البيت = الروح القدس دشَّن المكان فتقدس. فلنصلى ليملأ الروح القدس بيوتنا وقلوبنا وبهذا يُطرد كل روح شرير من المكان ونحيا فى محبة وفرح وسلام.

ولقد سبق التلاميذ وتعمدوا بالماء. والآن معمودية الروح. أمَّا التلاميذ فقد كانوا بعد ذلك يعمدون بالماء والروح (وهكذا الكنيسة للآن). وإن كان المسيح تعمد ليكمل كل بر فلابد أنه عَمَّد التلاميذ بالماء هم أيضاً. بل كان التلاميذ يُعَمّدون فى حياة المسيح على الأرض. فكيف يعمدون أخرين وهم لم يعتمدوا (يو 1:4،2).

آية (3) :-

وظهرت لهم السنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل واحد منهم.

الريح تشير لطبيعة الروح القدس غير المرئية ولكنها مؤثرة وفعالة ولها صوت مسموع. والنار تكشف عن طبيعة الروح وطبيعة الأداء الذى سيؤديه كروح إحراق وتطهير لقلوب المؤمنين وإشعال الغيرة والحب فى النفوس لو 49:12 + عب 29:12. والنار تذكرنا بأن إلهنا نار أكلة تحرق وتبيد الخطية وتزيد البر والقداسة والحب. منقسمة = فكلٍ له موهبة غير الأخر إستقرت على كل واحد منهم = الروح إرتاح فى كيانهم وفى قلوبهم وحولهم إلى كيان قدسى، حولهم إلى هيكل لله وسكن الروح فيهم ليعمل فيهم وبهم. وكما حلّ الروح القدس على العذراء فولدت المسيح، حلّ الروح القدس على الكنيسة لتلد بالمعمودية أبناء لله هم شعبه المقدس. وكما حلَّ الروح القدس على المسيح بعد المعمودية هكذا حلَّ الروح القدس على كل من يعتمد وذلك بالميرون. أما مع المسيح فالروح القدس لم يحل بشكل نار فهو لا يحتاج تطهير من الخطية وحل على شكل حمامة كاملة فالروح الوديع البسيط حل بكامله على المسيح، أمّاَ مع البشر فالروح يحل على كل واحد حسبما يحتمل وليعطيه موهبة معينة لبناء الكنيسة.

آية (4):-

وامتلأ الجميع من الروح القدس وابتداوا يتكلمون بالسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا.

إمتلأ الجميع = الروح يملأ كل الكيان فيصير الكيان كله لله، ويصير الجسد للمسيح. يتكلمون بألسنة = هذا عكس ما حدث فى لعنة بابل إذ تبلبلت السنتهم. والألسنة كانت فائدتها أن الله سيستخدم التلاميذ ليبشروا كل العالم، كلٌ بلسانه مر 17:16. ولكن بعد أن صار لكل كنيسة من يتكلم بلسانها ولغتها ما عاد هناك داع لهذه الألسنة أى اللغات. فما معنى أن نتكلم بلسان جديد وما هو تطبيق الموهبة الآن:-

‌أ.   قال السيد لتلاميذه أنه سيعطيهم ما يتكلمون به إذا وقفوا أمام ملوك وولاة، وهذا ما يعطيه لهم الروح القدس مت 19:10 + لو 14:21. وبهذا اللسان نشهد للمسيح أمام العالم بحكمة يو 26:15،27.

‌ب. ليس كل إنسان يحتاج نفس الكلام الذى نقوله لإنسان أخر، والروح يعطى حكمة، ماذا نقوله لكل إنسان. وقارن العظات فى سفر الأعمال لكل من المسيحيين ولليهود وللوثنين فستجدها مختلفة، فما يقال هنا لا يقال هناك.

‌ج.  الروح القدس يعطينا اللسان الذى يعرف لغة التسبيح، كما قال داود ” لسانى قلم كاتب ماهر” مز 1:45 بل يعطينا كيف نصلى رو 26:8.

‌د.    الروح يعطينا لسان مملوء حباً وكلمات نعمة، كلاماً مصلحاً بملح.

‌ه.  الروح يعطى فى كل مناسبة ما نقوله، فالخاطئ المستهتر يحتاج كلمات توبيخ، والخاطئ اليائس يحتاج كلمات تشجيع والحزين محتاج كلمات تعزية. كل إنسان يحتاج للسان مختلف عن الإنسان الأخر.

الروح يعطى الكلمة المناسبة المؤثرة، وكعلامة على ذلك كانت عظة بطرس قوية مؤثرة فى نفوس السامعين فآمن 3000 نفس. الخادم المملوء من الروح يتكلم بكلمة الله بالروح القدس ولا تعود كلمة الله فارغة.

وكانت الألسنة التى تكلم بها التلاميذ علامة أن الروح هو الذى أعطاهم هذه الموهبة وأنها ليست من عندياتهم. وعلى كل خادم أن يفهم أنه إذا تكلم كلمة قوية فهى من الروح القدس وليست من عندياته.

ونحن لا نمتلئ مرة واحدة، بل سمعنا عدة مرّات أن التلاميذ كانوا يمتلئون من الروح. لذلك يقول بولس الرسول إمتلأوا بالروح. ويقول لتلميذه تيموثاوس : إضرم موهبة الله التى فيك..” وقارن أع 4:2 مع أع 31:4 والروح يملأنا كلما يجدنا فى احتياج كلما شاء. ولنسأل أنفسنا من الذى يقودنا ومن الذى يفرحنا ويعزينا…. الخ فالمملوء من الروح يحركه ويقوده الروح ولكن الإنسان العالمى يحركه العالم وتقوده غريزته وتفرحه الماديات. وكلما إمتلأنا بالروح لا يحركنا سوى الروح.

والميرون هو تقديس الجسد، الهيكل الإنسانى لسكنى الروح وإقامته 1كو16:3 والملء المتكرر يكون بالجهاد وحسب الحاجة. وهناك من يقاوم الروح فيحزنه وقد ينطفئ ” لا تحزنوا الروح ” ” لا تطفئوا الروح “

آيات (5-7) :-

وكان يهود رجال أتقياء من كل أمة تحت السماء ساكنين في أورشليم. فلما صار هذا الصوت اجتمع الجمهور وتحيروا لان كل واحد كان يسمعهم يتكلمون بلغته. فبهت الجميع
وتعجبوا قائلين بعضهم لبعض أتري ليس جميع هؤلاء المتكلمين جليليين.

عمل الله العجيب أن سمح أن يحدث هذا وقت أن إجتمع فى أورشليم يهوداً من كل الأرض فى يوم الخمسين ( وهو موسم حج) فكانوا نوابا عن جميع شعوب الأرض لينتشر الخبر فى كل العالم. ( كانوا من 15 دولة) يهودا رجال أتقياء = هكذا كانوا يسمون اليهود الذين يأتون للحج لأنهم قبلوا أن يتجشموا آلام السفر من بلادهم إلى أورشليم. والسفر كان مكلفاً للغاية ومتعباً ولا يقوى علية إلاّ من كان تقياً. وكان هؤلاء حينما يأتون إلى أورشليم يوزعون من أموالهم على الفقراء.

ساكنين فى أورشليم = كان الحجاج يأتون قبل الفصح ويقضون الخمسين يوماً من الفصح حتى يوم الخمسين ساكنين فى أورشليم.

آيات (8-11) :-

فكيف نسمع نحن كل واحد منا لغته التي ولد فيها. فرتيون وماديون وعيلاميون والساكنون ما بين النهرين واليهودية وكبدوكية وبنتس واسيا. وفريجية وبمفيلية ومصر
ونواحي ليبية التي نحو القيروان والرومانيون المستوطنون يهود ودخلاء. كريتيون وعرب نسمعهم يتكلمون بالسنتنا بعظائم الله.

هؤلاء من اليهود أو المتهودين وهم أندهشوا لأنهم سمعوا أناساً يهود يتكلمون بلغاتهم عن الله بينما اليهود فى أورشليم لا يتكلمون إلا العبرانية ويحتقرون اللغات الأجنبية.

آيات (12،13) :-

فتحير الجميع وارتابوا قائلين بعضهم لبعض ما عسى أن يكون هذا. وكان آخرون يستهزئون قائلين انهم قد امتلأوا سلافة.

إرتابوا = الترجمة الأدق إندهشوا. يستهزئون = يسخرون منهم لأنهم ظنوهم سكارى.سُلافة = العنب المختمر حديثاً.

خطاب بطرس الرسول

الروح القدس حَرَّكَ بطرس فقدم أول شهادة عن المسيح. وهو استفاد من نبوة يوئيل عن حلول الروح القدس ليفسر لهم ما رأوه وما سمعوه من تكلم الرسل بالألسنة. ومن هنا بدأ يشرح لهم كيف حلَّ الروح القدس وذلك بعد صلب وقيامة المسيح وصعوده ثم إرسال الروح القدس حسب وعده. ولما تحرك قلب السامعين وسألوا ماذا يفعلون أرشدهم بطرس أن الطريق لحلول الروح القدس هو أن يعتمدوا. ولاحظ أن فهم بطرس للنبوات وتطبيقها على المسيح هو من عمل الروح القدس الذى حل عليه والروح عمل أيضاً فى السامعين ففهموا وآمنوا.

آية (14):-

فوقف بطرس مع الأحد عشر ورفع صوته وقال لهم أيها الرجال اليهود والساكنون في أورشليم أجمعون ليكن هذا معلوما عندكم وأصغوا إلى كلامي.

بطرس تكلم عن الإثنى عشر. وهناك إحتمالين

أ‌.أن بطرس يتكلم بلسان واحد ولكن كل واحد يفهم بلغته.

ب‌.  أن بطرس تكلم بالعبرانية وكل تلميذ يترجم باللسان الذى حصل عليه.

المهم أن كل الحاضرين فهموا تماماً ما قاله بطرس. وقارن هنا بطرس وهو يواجه الآلاف بكل شجاعة بعد حلول الروح القدس. وبين خوفه من جارية قبل حلول الروح.

آية (15):-

لان هؤلاء ليسوا سكارى كما انتم تظنون لأنها الساعة الثالثة من النهار.

هم ليسوا سكارى فاليوم يوم عيد. وفى الأعياد الكبرى ما كان اليهود يأكلون أو يشربون حتى الظهيرة. والوقت الآن هو الساعة الثالثة بالتوقيت اليهودى أى التاسعة صباحاً بالتوقيت الحالى، ولا أحد يسكر فى هذه الساعة. ولكن لنلاحظ أن من يحل عليه الروح القدس يمتلئ فرحاً وتهليلاً وربما إختلط الأمر على بعض الذين رأوا التلاميذ هكذا فلم يفرقوا بين الخمر الروحى (الفرح الذى يعطيه الروح والقدوس والخمر المادية التى تسكن) لذلك قيل وكان أخرون يستهزئون = هؤلاء لم يميزوا بين الفرح الروحى والشكر بالخمر. وربما أن هناك سبب أخر أن السامعين لا يعرفون كل اللغات التى تكلم بها التلاميذ فظنوهم يخرفون. ولكن بطرس بذكاء روحى استغل هذه النقطة لتكون مدخلاً لعظته، ليشرح معنى حلول الروح القدس وعمله.

آيات (16-21) :-

بل هذا ما قيل بيوئيل النبي. يقول الله ويكون في الأيام الأخيرة أنى اسكب من روحي على كل بشر فيتنبا بنوكم وبناتكم ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلاماً. وعلى عبيدي أيضاً وامائي اسكب من روحي في تلك الأيام فيتنبأون. وأعطى عجائب في السماء من فوق وآيات على الأرض من اسفل دما ونارا وبخار دخان. تتحول الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم قبل أن يجيء يوم الرب العظيم الشهير. ويكون كل من يدعو باسم الرب يخلص.

بل هذا = الذى تظنونه سكراً وسخرتم منه، هذا هو حلول الروح القدس الذى تنبأ عنه يوئيل. الأيام الأخيرة= تعنى أيام تجسد المسيح حتى مجيئه الثانى. فمجئ المسيح هو أخر تدبير إلهى قبل الدينونة. ولاحظ أن الروح يحل على العبيد والإماء. فالكل واحد فى جسد المسيح، هذا بالمقارنة مع حلول الروح القدس فى العهد القديم على الملوك ورؤساء الكهنة والأنبياء فقط. ويظل الروح القدس يحل على المؤمنين حتى أيام نهاية العالم حين تتحول الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم تمهيداً لوجود سماء جديدة وأرض جديدة وتحول الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم لها تفسيران:

1)    الشمس تشير للنور والبر وهذا البر سيختفى أيام المسيح الدجال. والقمر يشير للكنيسة وهى ستدخل عصر استشهاد بالدم.

2)  هذه علامات ستحدث حقيقة فلقد قيل أن هناك علامات عجيبة قد حدثت قبل خراب أورشليم، هذه العلامات ذكرها يوسيفوس المؤرخ اليهودى:-

  1. سيف ملتهب معلق فى السماء فوق المدينة.
  2. مذنب يشير إليها بنور ساطع لمدة عام.

       iii.    نور يتوهج فوق المذبح محولاً ظلام الليل إلى نهار.

  1. إنفتاح بوابة الهيكل الجبارة الضخمة على سعتها بدون إنسان.
  2. صوت يسمع من قدس الأقداس ” فلنغادر هذا المكان “
  3. نبى يتنبأ لمدة 7 سنوات جائلاً فى كل المدينة قائلاً ” الويل الويل” فظنوه مجنوناً.

      vii.   رؤيا جيوش تتصارع فى الهواء.

     viii.  موجات رعد وبروق وزلازل.

فإن كلن هذا قد حدث قبل خراب أورشليم فماذا سيحدث قبل خراب العالم. وقد حدثت غرائب فى الطبيعة يوم الصليب. كل من يدعو بإسم الرب= الرب هنا يقصد به الرب يسوع أى كل من آمن بالمسيح يرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلاماً= وهذا عكس الوضع الطبيعى فالمفروض أن الشبان هم الذين يحلمون فلهم أمانيهم وخيالهم ويتصورون أن أمانيهم تتحقق. أمّا الشيوخ فتخلصوا من الأحلام والتخيلات وصاروا يرون الرؤى الروحية. والمعنى أن الشباب بالروح القدس ينضجون ويكونون فى حكمتهم كالشيوخ. والشيوخ يكتسبون النشاط والقوة. وحينما يحل الروح القدس على شخص يتنبأ ويرى رؤى أى تنفتح عيناه على السموات على كل بشر= فالروح يحل على الجميع وليس اليهود فقط. يتنبأ= ليس أن يخبر بالمستقبل بل يعلم ويخبر بالحق الإلهى خاصة خلاص المسيح والأمجاد المعدة. بنوكم وبناتكم= إذاً هذا للكل.

آية (22):-

أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم كما انتم أيضا تعلمون.

هنا انتقل بطرس من حلول الروح القدس إلى يسوع الذى بواسطته حلَّ الروح القدس. يسوع الناصرى = فهو أتى وسكن فى الناصرة فإنتَسب إليها. رجلُُ= هنا بطرس يبدأ بقوله رجل عن المسيح بحسب ما يراه السامعين أو رأوه ثم يصل بهم أنه هو الرب والمسيح (راجع آية 36).

هو نزل لمستواهم ثم ارتفع بهم وبنفس الحكمة قال أن الله صنع المعجزات بيده. تبرهن= المسيح بمعجزاته أثبت أنه مرسل من الله ليؤسس ملكوت الله. والآيات التى صنعها المسيح لا يصنعها سوى الله.

آية (23):-

هذا أخذتموه مسلما بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق وبأيدي آثمة صلبتموه وقتلتموه.

نفس ما قاله بطرس فى 1بط 2:1. وغالبا كان من ضمن من يسمعوا بطرس الآن من صرخ أمام بيلاطس ” أصلبه أصلبه”. وهؤلاء نخسوا فى قلوبهم إذ تذكروا ما عملوه إذ ضللهم رؤساء الكهنة. بأيدى أثمة= هذا إشارة للرومان الوثنيين فكانوا يسمون مملكة روما ” بمملكة الشر”. فقتلتموه = هذا إشارة لدور اليهود. والمعنى أن العالم أمماً ويهود اشترك فى صلب المسيح.

آية (24):-

الذي أقامه الله ناقضا أوجاع الموت إذ لم يكن ممكنا أن يمسك منه.

قارن مع 1بط 21:1 ناقضاً= بمعنى يفك أو يحل قيودها أو حبالها، كما مزَّق شمشون الحبال من حوله بقوته. وكان شمشون بهذا رمزاً للمسيح الذى قطع رباطات الموت بقوة الحياة التى فيه لإتحاد لاهوته بناسوته (قارن مع مز 4:18،5-7،16 + مز 3:116،4، 7-9) إذ لم يكن ممكناً أن يُمسك منه= أى يُمسك بواسطته. والسبب أن الجسد متحد باللاهوت الحى والمحى رؤ 18:1. بل أنه هو الحياة والقيامة وهو قام ليقيمنا نحن فيه فهو إشترك فى موتنا لنشترك نحن معه فى قيامته.

آيات (25،26):-

لان داود يقول فيه كنت أرى الرب أمامي في كل حين انه عن يميني لكي لا أتتزعزع. لذلك سر قلبي وتهلل لساني حتى جسدي أيضا سيسكن على رجاء.

داود يقول فيه= أى داود يقول فيما يخص المسيح كنت أرى الرب أمامى= هذه تفهم أنها عن داود الذى يقول أنه يرى الرب معه يعينه ويساعده وأن الرب أمامه يقود خطواته، وان الرب هو قوته ففرح داود وتهلل وكان له رجاء أن ينتصر على أعدائه. ولكن داود كرمز للمسيح وبروح النبوة نطق بهذه الكلمات على لسان المسيح. وكأن المسيح بها يخاطب الآب. وإذا فهمناها أنها على المسيح فهى تفيد المساواة والزمالة فى المسير فى المجد أو فى الضيق. إنه عن يمينى= أى هو قوتى التى تحفظنى وتساعدنى مز 5:110 + مز 31:109. وداود انتصر على أعدائه من الأمم أمّا المسيح فإنتصر على الموت وعلى إبليس. لسانى= كما جاءت فى السبعينية (مجدى فى العبرية).

آية (27):-

لأنك لن تترك نفسي في الهاوية ولا تدع قدوسك يرى فسادا.

هنا نرى أن قبر المسيح هو سكن مؤقت للجسد. لا تدع قدوسك يرى فساداً= مز 10:16 ونفس المفهوم ورد على لسان بولس الرسول أع 35:13-37 وهذا لأنه بلا خطية.

آية (28):-

عرفتني سبل الحياة وستملاني سرورا مع وجهك.

سُبًلْ الحياة= إشارة للقيامة. وهذا ما أبهج داود. ستملأنى فى سروراً مع وجهك=إشارة لصعود المسيح للأمجاد.

آيات (29-31):-

أيها الرجال الاخوة يسوع أن يقال لكم جهارا عن رئيس الأباء داود انه مات ودفن وقبره عندنا حتى هذا اليوم. فإذ كان نبيا وعلم أن الله حلف له بقسم انه من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس على كرسيه. سبق فرأى وتكلم عن قيامة المسيح انه لم تترك نفسه في الهاوية ولا رأى جسده فسادا.

إن كان داود لا يتحدث عن نفسه بخصوص القيامة من الأموات والدليل أنه مات وقبره موجود للآن. إذا فهو كنبى كان يتحدث عن المسيح خصوصاً أن الله أخبر داود أن المسيح سيكون من نسله 2صم 12:7،13.

فالله هنا يتكلم عن كرسى لملكة داود ثابتاً إلى الأبد. وبهذا يكون داود بروح النبوة يتكلم عن المسيح الذى سيكون من نسله وأن المسيح لن يبقى فى القبر إلى الأبد.هنا أيضاً داود يتكلم بلسان المسيح.

آية (32):-

فيسوع هذا أقامه الله ونحن جميعا شهود لذلك.

بعد أن ذكر بطرس شهادة داود عن قيامة المسيح يورد شهادته هو بانه رأى المسيح وقد قام من الموت، بل هو وكل التلاميذ وكثيرين. وهذا المنهج إتبعه فى رسالته 2بط 18:1،19.

آية (33):-

وإذ ارتفع بيمين الله واخذ موعد الروح القدس من الاب سكب هذا الذي انتم الان تبصرونه وتسمعونه.

الرسل شاهدوا القيامة ويشهدون بذلك. ولكن كيف يؤمن بها من يسمع عنها ولم يرى المسيح بعد قيامته. هنا ياتى دور الروح القدس الذى إنسكب وسينسكب على كل من يؤمن ويشهد له الروح بقيامة المسيح.لذلك تكلم بطرس فى هذه الآية عن إنسكاب الروح القدس.

أخذ موعد الروح القدس من الآب= هذه تفيد معنى الوساطة، فالمسيح بفدائه أكمل عمل المصالحة مع الآب إذ غفر الخطايا وبهذا إستطاع أن يرسل الروح القدس من عند الآب يو 26:14+7:16 والروح القدس يرشد إلى جميع الحق يو 13:16. بيمين الله=اليمين ليس مكان بل مكانة فلقد صار للمسيح بالجسد نفس مجد الآب.

الآيات (34،35):-

لان داود لم يصعد إلى السماوات وهو نفسه يقول قال الرب لربي اجلس عن يميني. حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك.

هنا يتكلم عن صعود المسيح للسموات وملكه السماوى. فهل صعد داود للسماء. (راجع مز 1:110) فبطرس إقتبس كلمات هذا المزمور. ونلاحظ أن داود يشير إلى عادات معروفة مثل أن الملك حين يريد أن يكرم أحداً يجلسه عن يمينه فهكذا فهل سليمان مع بثشبع أمه. وكان الملك المنتصر يدوس على رقاب المهزومين وهكذا فعل يشوع بالملوك الذين هزمهم. وقول المزمور أن المسيح يجلس عن يمين الآب فهذا دليل المساواة فى المجدوالكرامة. فهنا المثيل يخاطب المثيل ولا فرق فالمسيح رب والآب رب.

أعداءه تحت موطئ قدميه= الشيطان الذى أراد أن يضع نفس المسيح فى الهاوية صار هو فى الهاوية والمسيح عن يمين الآب، وصار الشيطان تحت قدمى المسيح، بل المسيح أعطى سلطاناً لمن يؤمنوا به أن يدوسوا الحيات والعقارب (رمز إبليس). واليهود إذا استمروا فى مقاومة المسيح سيصيروا موطئاً لقدميه. وبهذا فإن بطرس يوجه التحذير للسامعين أن يكفوا عن مقاومة المسيح ويؤمنوا به. لقد بدأ بطرس بأسلوب متواضع قائلاً أن المسيح رجل، وهو هنا ترك التواضع وقال أن المسيح هو الرب.

ملخص شهادة بطرس

  1. أن المسيح لن يبقى فى الهاوية ولن يرى فساداً (حسب نبوة داود).
  2. بعد الموت سيعرفه طريق الحياة أى القيامة.
  3. هنا الكلام ليس عن داود، فداود مات، إنما هو عن ابنه بالجسد.
  4. الرسل شهود للقيامة.
  5. المسيح سبق فوعد بإرسال القدس وهذا ما حدث اليوم الخمسين.
  6. هذا حدث بعد أن صعد المسيح للسماء وجلس عن يمين الآب.

آية (36):-

فليعلم يقينا جميع بيت إسرائيل أن الله جعل يسوع هذا الذي صلبتموه انتم ربا ومسيحا.

هنا النتيجة الأخيرة، أن يسوع هو الرب والمسيا، وبهذا يوجه الإتهام لمن شارك فى صلب المسيح من السامعين. جعل= هذه عن الجسد

آية (37):-

فلما سمعوا نخسوا في قلوبهم وقالوا لبطرس ولسائر الرسل ماذا نصنع أيها الرجال الاخوة.

ماذا نصنع= الروح القدس نخسهم فخضعوا لندائه فقادهم لطريق الحياة. فالروح القدس يعمل فيمن يتكلم ومن يسمع.

آية (38):-

فقال لهم بطرس توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس.

توبوا= هذا نداء المعمدان ونداء المسيح مت 1:3،2 + 17:4. وهنا نجد بطرس يوجه نفس النداء. والتوبة (ميطانية باليونانية) هى تغيير الفكر والقلب وإعادة النظر فى كل أوضاع الحياة خارجياً وداخلياً. والخطوة الثانية بعد التوبة هى المعمودية ثم قبول الروح القدس. والإيمان أولاً ولكن لم يقل أمنوا فالإيمان سيعلنوه فى طقس المعمودية.

 آية (39):-

لان الموعد هو لكم ولأولادكم ولكل الذين على بعد كل من يدعوه الرب إلهنا.

الموعد = أى حلول الروح القدس. يدعوه الرب إلهنا= الرب يدعو ولكن هناك من لا يستجيب بحرية إرادته. وذلك حينما قال فى آية 37 نخسوا فالمعنى أنهم استجابوا لدعوة الروح القدس وهى التوبة على ما فات.

آية (40):-

وبأقوال أخر كثيرة كان يشهد لهم ويعظهم قائلا اخلصوا من هذا الجيل الملتوي.

إذا العظة المذكورة كانت جزءاً مما قاله بطرس فى ذلك اليوم. ولكنه ركز فى هذه الآيات على خطية اليهود فى صلب المسيح الذى هو الرب ولكن كان الصلب والقيامة والصعود هم الطريق لإرسال الروح القدس.

آية (41):-

فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس.

إنضم = فكان هناك 120قبلهم مؤمنين بالمسيح. بفرح= هذا الفرح هو علامة على حلول الروح القدس.

آيات (42-47):- شكل أول كنيسة

وكانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات. وصار خوف في كل نفس وكانت عجائب وآيات كثيرة تجرى على أيدي الرسل. وجميع الذين آمنوا كانوا معا وكان عندهم كل شيء مشتركا. والأملاك والمقتنيات كانوا يبيعونها ويقسمونها بين الجميع كما يكون لكل واحد احتياج. وكانوا كل يوم يواظبون في الهيكل بنفس واحدة وإذ هم يكسرون الخبز في البيوت كانوا يتناولون الطعام بابتهاج وبساطة قلب. مسبحين الله
ولهم نعمة لدى جميع الشعب وكان الرب كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون.

يواظبون= فى الأصل اليونانى كرسوا أنفسهم أى تفرغوا وداوموا باستمرار

تعليم الرسل= أى الإنجيل فلم يكن هناك إنجيل مكتوب، بل كان الإنجيل شفاهى حتى دونوه.

الشركة= كانت شركة فى العطاء من الغنى للفقير وشركة فى ولائم المحبة وفى الصلاة، ومن خلال الصلوات المشتركة يأتى المسيح ويعمل فى القلوب والأفكار فيعزى ويشدد ” إذا إجتمع إثنان أو ثلاثة بإسمى فأنا أكون فى وسطهم مت 20:18+20:28.

كسر الخبز= هو تعبير عن سر الإفخارستيا أى القداس لو 30:24،35.

والصلوات= بدأت الكنيسة الأولى بصلواتها فى الهيكل بالإضافة لصلواتهم فى بيوتهم. فالروح القدس حلَّ وهم يصلون فى العلية (1:2 + 1:3 + 31:4).

صار خوف= هو خوف إيجابى ليتمموا خلاصهم بخوف ورعده (فى 12:2) الروح ينخس قلوبهم فيندموا على خطاياهم ويخافوا أن يرتكبوا خطايا تدنس الثوب الطاهر الذى حصلوا عليه بالمعمودية، ويشتهوا الحياة الطاهرة المقدسة التى تليق بهم كمسيحيين مات الرب عنهم. هذا الخوف هو رأس الحكمة كما قال الكتاب رأس الحكمة مخافة الله. وبدون خوف فلا يوجد نمو أو تقدم.

بعجائب وأيات= المسيح صنع عجائب وأيات والكنيسة هى استمرار لعمل المسيح. والروح القدس يُعلن عن نفسه عن طريق أشخاص يختارهم ليكملوا مشيئته. لقد أعطى الروح القدس الطبيعة البشرية إمكانيات فوق طبيعتها تمهيداً للحياة الجديدة التى تنتظرها. أماّ الأيات فكانت لترفع الفكر والقلب للمسيح وحقيقة أنه الرب. كل شئ مشتركاً= راجع تفسير آية 32:4 هذا لم يفرضه الرسل على أحد، بل هذا البذل هو ثمرة للحب الإلهى فى داخل قلوبهم. وهم شعروا أن ممتلكاتهم ومقتنياتهم وإغراءات المال تحول بينهم وبين محبتهم لإخوتهم وتفرق الغنى من الفقير وتزيد تعلق الغنى بالعالم وترابه فينسى السماء (الأملاك = الأشياء الثابتة كالعقارات والمقتنيات= أى الأشياء التى تنقل). وكلما تخلى الإنسان عن حب المال إزداد حبه لله. وقبل أن يتكلم عن الشركة فى المقتنيات تكلم عن شركة الروح والفكر والقلب فقال كانوا معاً.

يواظبون فى الهيكل بنفس واحدة= لما تفرغوا من محبة العالم تفرعوا لحب الله وللصلاة. وهم صلوا المزامير والنبوات بعد أن فهموا سرها وأنها تشير للمسيح.

يكسرون الخبز فى البيوت= هذا عن الطعام العادى وليس سر الإفخارستيا. ويسمى هذا بولائم الأغابى (المحبة) تمييزاً لها عن سر الإفخارستيا. كانوا يأكلون بعضهم مع بعض فى محبة وكانت هذه فرصة لإطعام الفقراء دون إحراجهم. غالباً كانوا يجتمعون، كل جماعة فى بيت مع أحد الرسل الذى يتكلم بلغة الجماعة. بإبتهاج= ولماذا لا يبتهجون والمسيح قد قام وسيقيمهم وأرسل لهم الروح القدس الذى يفرحهم ويعزيهم 1بط 8:1.

بساطة القلب= الله من طبعه أنه بسيط أى عير منقسم. وبالنسبة للبشر فبساطة القلب هى أن يكون هدف الإنسان المؤمن الوحيد هو الله ومجد الله، وأنه يلقى بكل همه على الله فهو لا يعرف قوة أخرى تسانده سوى الله. وبهذا يختفى القلق بل ويتطلع الإنسان إلى هدف واحد هو الحياة الأبدية مع الله ناسياً الأرضيات بلا خوف من المستقبل. هنا قلب بسيط ذو إتجاه واحد نحو الله. فلا مكر ولا خداع ولا كراهية ولا حسد ولا كبرياء ولا رياء، هنا يصير القلب كقلب طفل لا يوجد فيه طريقان منقسمان أو مختلطان مع بعضهما.

مسبحين = الذى يحيا فى فرح وبساطة قلب وحرية يسبح الله بالروح، هذه روح العبادة، هى علاقة الخالق بالمخلوق فى عشرة حلوة ترفع النفس لله.

التسبيح هو عمل نبدأه على الأرض ونكمله فى السماء وبه نشترك مع الملائكة.

لهم نعمة لدى جميع الشعب = النعمة الإلهية هى قوة إلهية، مجال حى فعَّال غير مرئى للإنسان. ولكن الشياطين تشعر به فتهرب، والأخرين يشعرون به، فلقد شعر اليهود غير المؤمنين بقوة هؤلاء المسيحيين، وهذا أدى لإيمان الكثيرين من اليهود إذ رأوا عمل الله العجيب فى هؤلاء المسيحيين.

كان الرب يضم = هذا هو تأثير المسيحيين المباشر بسبب النعمة التى حصلوا عليها فى غير المؤمنين.

فاصل

سفر أعمال الرسل : 123456789101112131415161718192021222324  – 25262728

تفسير سفر أعمال الرسل : مقدمة1 23456789101112131415161718192021222324 25262728

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى