تفسير سفر ميخا ٤ للقمص تادرس يعقوب

القسم الثاني

نبوات مسيانية مجيدة

مي 4-5

بعد أن قدم نبوات تأديبية بسبب إثم إسرائيل وخطية يهوذا فتح باب الرجاء بالعودة من السبي كمملكة واحدة، تُعيد بناء الهيكل، لكن ما هو أعظم ظهور ابن داود الذي حدد النبي موضع ولادته “بيت لحم بأفراتة“، لهذا نجد الحديث خاص بإسرائيل الجديد أو المملكة الروحية.

بعد العودة من السبي ظهر المكابيون وكان لهم دورهم الحيّ لإقامة أمة تتعبد لله، لكن تحت قيادة حاكم هاروني “كهنوتي”. كان الشعور بالقومية قويًا للغاية، وكان الكل يترقب بطريقة حرفية قيام ملك من نسل داود؛ لكن ميخا تنبأ مسبقًا عن هذه المملكة أنها جامعة، أبدية، روحية. تحققت نبوته بمولود بيت لحم. لكن عانت القيادات اليهودية على مستوى رؤساء الكهنة والكهنة والفريسيين والصدوقيين وغيرهم من حالة إحباط مُرّة، لأن يسوع لم يقم ملكًا ماديًا خاصًا باليهود للسيطرة على العالم.

 

اَلأصحاح الرَّابِعُ
أيَّة كنيسة هي مثلكِ؟

بعد ما أشار النبي بعبارات مؤثرة عن الدمار الذي يحل بالأمة بسبب فساد كل الطبقات، وما ستبلغه من ضيق يُعاني منه الجميع، يُقدم لنا الوعد الإلهي العجيب بأنه “في ذلك اليوم” يصير الكل مملكة واحدة حرة، يملك الرب عليها. بهذا ينقل فكرنا من حالة السبي البابلي إلى العودة إلى أورشليم، وإعادة بناء أسوارها وهيكلها، بل ينقلنا على مستوى البشرية من حالة السبي لإبليس إلى حرية مجد أولاد الله، حيث تُقام كنيسة العهد الجديد في رأس الجبال.

إن كان ميخا النبي قد أبرز خلال اسمه وخلال نبوَّاته أنَّه ليس مثل هذا الإله غافر الإثم (مي 7: 18)، فإنه يدعونا لنكون أعضاء في كنيسة العهد الجديد، أيقونة عريسها الفريدة، لتحمل شركة سمات عريسها خلال نعمته الفائقة. وقد جاء هذا الأصحاح يُقدِّم لنا هذه العروس، الكنسية الفريدة العجيبة. ويمكننا أن نُعطي لها الألقاب التالية:

 

1- جبل الجبال 1:

يتطلَّع ميخا النبي إلى ملء الزمان حيث يتجسَّد الله الكلمة ليُقيم من البشريَّة ليس جبلاً شامخًا كجبل حوريب حيث تسلَّم موسى النبي الشريعة، وإنَّما جبل الجبال الذي تبلغ قمَّته السماء عينها. فقد جاء السماوي ليُقيم من الساقطين كنيسة مجيدة شاهقة العلوّ، تحمل جنسيّة عريسها السماوي.

كتب طفل أمريكي معتزّ بجنسيَّته خطابًا وجَّهه لله، قال فيه: أنا أمريكي، فماذا عنك؟”. إنَّه السماوي الذي يدعو كل مؤمنٍ أن يتحد معه ليحمل جنسيَّته، فيترنَّم الكل مع الرسول بولس: “أجلسنا معه في السماويَّات.

وَيَكُونُ فِي آخِرِ الأَيَّامِ

أَنَّ جَبَلَ بَيْتِ الرَّبِّ يَكُونُ ثَابِتاً فِي رَأْسِ الْجِبَالِ

وَيَرْتَفِعُ فَوْقَ التِّلاَلِ

وَتَجْرِي إِلَيْهِ شُعُوبٌ. [1]

ما ورد في العبارات [1-3] يكاد يكون مطابقًا لما ورد في سفر إشعياء (2: 2-4). ولما كان الاثنان معاصرين لبعضهما، غير أن إشعياء أكبر سنًا من ميخا، لذا يرى البعض أن الأخير اقتبس ذلك من الأول. وإن كان بعض الدارسين يرون أن الاثنين اقتبسا من مصدر ثالث بإرشاد روح الله القدوس.   

تعبير “في آخر الأيام” عادة ما يستخدمه الأنبياء للإرشاد إلى العصر المسياني (هو 3: 5).

v   (إشعياء النبي 2: 2) يتنبأ عن ظهور مجيد وواسع عن تقوى كل المحيطين: إبادة الأصنام، مع تمتع بيت الرب بِسمة المسكونية اللائقة به. فإنه يقصد بالجبال والتلال ليس فقط إزالة الأخطاء التي ملكت على الجميع بعد ظهور مخلصنا إذ انفضح كذب الأوثان، بل وأعلن عن جمال الحق، وهكذا نرى النبوة تتحقق. أضف إلى هذا القول: “في آخر الأيام” يعني بها القول: “الأيام التي تلي ظهور الرب”[48].

ثيؤدورث أسقف قورش

يرى كثير من آباء الكنيسة أن هذا الجبل المجيد يُشير إلى كنيسة العهد الجديد، منهم القديس كيرلس الكبير[49] والقديس يوحنا الذهبي الفم ويوسابيوس القيصري[50].

v   قال بولس نفس الشيء: “جاء ملء الزمان (غل 4: 4)، وفي موضع آخر: “لتدبير ملء الأزمنة” (إش 2: 2). إنه يُشير إلى الكنيسة ورسوخ تعاليمها كالجبل… الأمر العجيب عن الكنيسة ليس أنها منتصرة وإنما الطريقة التي بها صارت هكذا. هي مُطاردة ومُضطهدة، ومُمزقة بألف طريق، ومع ذلك ليس فقط لا تنقص، بل صارت عظيمة، وباحتمالها الآلام تحطم أولئك الذين يحاولون أن يصبوا عليها الضربات. هذا هو عمل اللؤلؤة التي تُضرب بالحديد، إنها تستنزف قوة ضاربيها… فإذ يصورها النبي بالجبل، إنما يعني بهذا قوة الكنيسة وثباتها وسموها وصمودها…

وتجرى إليه كل الأمم“. لاحظوا هنا كيف أن النبي ليس فقط أعلن عن الدعوة الموجهة إلى الأمم، بل وأيضًا إلى اشتياقهم للتجاوب مع الدعوة. لم يقل “سيُدفعون” وإنما “يأتون”[51].

القديس يوحنا الذهبي الفم

أليست كل البشرية، القطيع الواحد، لله؟ أليس الله نفسه هو رب كل الشعوب وراعيها؟[52]

العلامة ترتليان

ترتفع الكنيسة إلى رأس الجبال، أي تبلغ إلى أعالي السماء، حيث تحمل الطبيعة السماوية بإتحادها بالرأس السماوي. وتسمو فوق التلال، حيث تعبر فوق كل معايير أرضية وأفكار بشرية، تسمو فوق كل الفلسفات البشرية والثقافات والفنون، فهي ليست من صنع بشرٍ، بل من عمل يدي القدير نفسه.

تجري إليه شعوب“: هذا لا ينطبق على الهيكل اليهودي، الذي كان مغلقًا في وجه الأمم، أما الكنيسة فمنذ بدئ انطلاقها دعا السيد تلاميذه أن يذهبوا ويعلموا الأمم (مت 28: 19).

يرى بعض الآباء أن جبل بيت الرب هو السيد المسيح الذي يكون ثابتًا في رأس الجبال، أي فوق كل الأنبياء. هذا الجبل هو الصخرة التي تتأسس عليها كنيسة العهد الجديد.

v   قدم ميخا النبي المسيح تحت رمز جبل عظيم، متحدثًا هكذا: “ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب… ” (مي 4: 2-3)[53].

القديس أغسطينوس

  1. شعب الشعوب ومدرسة إلهيَّة 2:

كان اليهود يحسبون أنَّه لا خلاص لإنسان ما لم يتهوَّد، وإن كل الشعوب الأخرى لا علاقة لها بالله، إذ هم دون سواهم شعب الله المختار. لم يدركوا أن الله الذي اختارهم ليكونوا خميرة مقدَّسة اختار الأمم جميعًا ليصعدوا بالمسيح الصاعد إلى السماوات إلى جبل الرب، إلى السماء عينها.

إن كان الله يُقيم من كل قلب مؤمنٍ هيكلاً مقدَّسًا له، إنَّما لكي تخرج من أورشليم شريعة العهد الجديد، كلمة الرب الجذَّابة لكل لسان وأمَّة، حتى يتمتَّع الكل بالكلمة واهب الحياة والقيامة. لقد صارت الكنيسة شعب الشعوب، تضم من كل الأمم شعبًا مقدَّسًا سماويًّا.

إنَّها مدرسة إلهيَّة عميدها المعلِّم الإلهي الفريد، يحمل تلاميذه فيه، ويسكن في أعماقهم، فينالوا شركة الطبيعة الإلهيَّة.

وَتَسِيرُ أُمَمٌ كَثِيرَةٌ وَيَقُولُونَ:

هَلُمَّ نَصْعَدْ إِلَى جَبَلِ الرَّبِّ

وَإِلَى بَيْتِ إِلَهِ يَعْقُوبَ

فَيُعَلِّمَنَا مِنْ طُرُقِهِ وَنَسْلُكَ فِي سُبُلِهِ.

لأَنَّهُ مِنْ صِهْيَوْنَ تَخْرُجُ الشَّرِيعَةُ

وَمِنْ أُورُشَلِيمَ كَلِمَةُ الرَّبِّ. [2]

ستأتي الأمم إلى كنيسة العهد الجديد، جبل الرب وبيت إله يعقوب، ليتمتع الكل بالنبوات والرموز الواردة في الشريعة عن السيد المسيح وعمله الخلاصي.

في رسالة البابا أثناسيوس لابيكتيتوس أسقف أورشليم يقتبس هذه العبارة ليتحدث عن مجيء كلمة الرب المتجسد من أورشليم، موضحًا أن الكلمة لم يتحول إلى جسدٍ وعظامٍ وشعرٍ وكل الجسم، ولا يتغير عن طبيعته الإلهية بتجسده[54].

v   من هنا (أورشليم) أختبر كل موضع في العالم الفرح، من هنا السعادة والبهجة، من هنا مصادر الفكر السليم؛ هنا صلب المسيح، ومن هنا انطلق الرسل… هذه البهجة خالدة[55].

القديس يوحنا الذهبي الفم

v   استخدم ميخا النبي رمز الجبل العالي للحديث عن تجمع الأمم في المسيح (أورد مي ٤: ١-٣)… بعد ذلك سبق فأخبرنا ذات النبي حتى عن الموضع الذي ولد فيه المسيح (مي ٥: ٢)[56].

القديس أغسطينوس

v   أعلن ميخا أن الناموس الجديد يُعطى بالطريقة التالية: “ستخرج الشريعة من صهيون، وكلمة الرب من أورشليم. وهو سيحكم بين شعب كثير، وسوف يقهر أممًا ويوبخهم”[57]. فإن الناموس الأول الذي أُعطي بموسى لم يُعط على جبل صهيون بل على جبل حوريب. وقد أظهرت سبلة أن هذه ستنتهي بابن الله. “ولكن عندما تتحقق هذه كلها التي تكلم عنها في ذلك الوقت كل الناموس (في حرفيته) يُباد”[58].

لوكتانتيوس

v   عندما تحدث الروح النبوي متنبئًا عن الأمور المقبلة، قال: “ستخرج الشريعة من صهيون، وكلمة الرب من أورشليم، وسيحكم في وسط الأمم وينتهر شعب كثير. ويطرقوا سيوفهم إلى محاريث، وسهامهم إلى مناجل، ولا ترفع أمة سيفًا على أمة، ولا يتعلمون الحرب بعد”. يمكننا أن نظهر لكم أن ذلك قد حدث فعلاً حقيقة. فإن جماعة من إثني عشر رجلاً خرجوا من أورشليم، وكانوا عامين غير متدربين على الكلام. ولكن بقوة الله شهدوا بالمسيح ليعلموا الكل كلمة الله. والآن نحن الذين كنا يقتل الواحد الآخر ليس فقط لا نُقيم حربًا الواحد ضد الآخر، بل لكي لا نكذب ولا نخدع قضاتنا ببهجة نموت من أجل الاعتراف بالمسيح، فإنه صار ممكنًا لنا أن نتبع القول: “اللسان يُقسم بينما يبقى الذهن لا يقسم”[59]. لكن من الغباوة إن كان الجنود الذين تجندوا بواسطتكم وتسجلت أسماؤهم أن يبقوا في ولاءٍ إليكم عوض الولاء لحياتهم ولوالديهم وبلادهم وكل عائلاتهم[60]. فإنه ليس لديكم شيء غير فاسد تقدمونه لراغبي عدم الفساد. بالحري إننا نحمل كل شيء لكي نتقبل ما نشتهيه من ذاك القادر أن يهبه[61].

القديس يوستين

v   ها أنتم ترون أنهم يكونون خوارس ويحتفلون بالأعياد، كل يشجع الآخر، والكل صاروا معلمين، ليس أمة واحدة ولا اثنتين ولا ثلاث أمم… بل يجتمع الكل معًا. يقول: جاءت شعوب كثيرة من بلاد مختلفة، هذا لم يحدث مطلقًا مع اليهود، إن جاء قلةً فهم دخلاء قليلون جاءوا بصعوبة بالغة ولم يأخذوا قط اسم الأمم، بل جاءوا كدخلاء[62].

 القديس يوحنا الذهبي الفم

v   داود العظيم يقول لكم: “هلم نفرح في الرب” (مز 95: 1)، أو يقول نبي آخر: “هلم نصعد إلى جبل الرب” (مي 4: 2)، أو يقول المخلص نفسه: “تعالوا إلىٌ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أُريحكم” (مت 11: 28)، أو: قوموا لنهب مشرقين بالبهاء، متلألئين أكثر من الثلج، وأكثر بياضًا من اللبن (راجع مراثي 4: 7)، مشرقين أكثر من الياقوت، ليتنا لا نقاوم ولا نتأخر![63]

 القديس غريغوريوس النزينزي

v   بعد خبرة المتاعب التي سيجدون أنفسهم فيها، حيث يسبيهم أولاً الأشوريون ومؤخرًا البابليون، سيحدث تحول عظيم بخصوص هذا الموضع، الجبل الذي يُظن أن الله يسكنه إذ يصير مشهورًا، ويظهر أنه يفوق كل الجبال، يسمو فوق كل الجبال والتلال بسبب المجد الذي يغطيه خلال الحنو الإلهي. ستسرع أعداد ضخمة من كل المواضع، حتى من الشعوب الغريبة، لتجتمع لتبلغ جبل الله، حيث يُظن أن الله يسكنه، ويتعلمون كيف يلزمهم تدبير حياتهم كما يليق[64].

ثيؤدور أسقف الموبسستي

v   تبلغ الكرازة الإنجيلية الإلهية إلى أقاصي الأرض، حسب نبوة الرب الواردة في الأناجيل المقدسة: “يكرز بالأخبار المفرحة إلى كل الأمم شهادة لهم” (راجع مت ٢٤: ١٤). وقد حث الرسل القديسين بالكلمات: “فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به” (مت ٢٨: ١٩-٢٠). هذه الشريعة الإنجيلية والكرازة الرسولية بدأت بأورشليم كما بينبوع وبلغت إلى العالم كله، تقدم ريًّا للذين يقتربون من الإيمان[65].

v   “لأن من صهيون تخرج الشريعة، من أورشليم كلمة الرب“. يتحدث النبي هنا عن شريعة جديدة وكلمة جديدة، لأن الشريعة القديمة أُعطيت في سيناء أما شريعة العهد الجديد فقُدمت في صهيون. الأولى قُدمت لليهود وحدهم، وأما الجديدة فقُدمت لكل الشعوب والأمم، لكل الجنس البشري. أعطى الله الشريعة القديمة ليس في صهيون، وإنما على جبل سيناء. واضح جدًا أنه يُشير إلى العهد الجديد. هناك أعطي للرسل أولاً، وشكرًا لهم إذ نقلوه إلى كل الأمم[66].

ثيؤدورت أسقف قورش

  1. محكمة فريدة 3:

بعد أن تحدث عن الكنيسة بكونها جبل الجبال الراسخ، وإنها مدرسة فريدة تحت قيادة المعلم الإلهي رب المجد يسوع، يحدثنا عنها كمحكمة عجيبة وفريدة يتربَّع فيها القاضي مخلِّص العالم، لا ليُهلك وينتقم، بل ليُجدِّد بروحه القدُّوس الطبيعة البشريَّة، فيهب سلامًا سماويًّا وانسجامًا فائقًا. عوض المعركة بين النفس والجسد، وبين العقل والعواطف البشريَّة، يسود سلامه الفائق على كيان الإنسان كلُّه فيصير قيثارة الروح التي تصدر تسبحة حب سماوي تعلن عن تحقيق المصالحة مع الله كما مع الناس والسمائيِّين.

فَيَقْضِي بَيْنَ شُعُوبٍ كَثِيرِينَ.

يُنْصِفُ لأمَمٍ قَوِيَّةٍ بَعِيدَةٍ

فَيَطْبَعُونَ سُيُوفَهُمْ سِكَكاً وَرِمَاحَهُمْ مَنَاجِلَ.

لاَ تَرْفَعُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ سَيْفاً

وَلاَ يَتَعَلَّمُونَ الْحَرْبَ فِي مَا بَعْدُ. [3]

v   منذ مجيء الرب، أعاد العهد الجديد السلام، وانطلقت الشريعة التي تهب الحياة إلى كل الأرض كقول الأنبياء[67].

القديس ايريناؤس

v   من هو هذا الذي يفعل هكذا، أو من الذي يوٌحد البشر في سلامٍ هؤلاء كانوا يكرهون بعضهم البعض، إلاَّ الابن الحبيب للآب، مخلص الكل العام، يسوع المسيح، الذي بحبه تعهد كل الأمور لخلاصنا؟ فإنه منذ القديم سبق التنبوء عن السلام الذي يدخله، حيث يقول الكتاب “يطبعون سيوفهم سككًا“[68].

البابا أثناسيوس الرسولي

ما هي هذه السيوف إلاَّ العواطف والأحاسيس والطاقات التي كنا نستخدمها لقتل نفوسنا ونفوس الملتصقين بنا، فإنه خلال السلام الروحي الذي يهبه لنا المخلص تتحول كل هذه الطاقات إلى سكِكِ لمحاريث نفوسنا التي تفلح قلوبنا، فتنزع الحجارة والأشواك وتحول بريتنا الداخلية إلى جنة روحية مملوءة من ثمر الروح.

لا يعود يتعلم الإنسان الحرب ضد أخيه، إنما يتمتع بالسلام في غير خوف (زك 3: 10).

  1. جنَّة فريدة 4-5:

غرس الرب جنَّة عدن ليعيش آدم وبنوه تحت شجرة الحياة، ليأكلوا ويشبعوا، ويجلسوا ويستريحوا في الرب. لكن سرعان ما طرد الإنسان نفسه بنفسه من الجنَّة ليعيش في وادي الدموع، يئن من ثقل الخطيَّة التي اختارها بكامل إرادته الحرَّة، فصار لها عبدَا ذليلاً. الآن وقد جاء مسيحنا أقام كنيسته جنَّة إلهيَّة مفرحة، ليحيا فيها أبناؤه (أبناء آدم الثاني). يجلس المؤمن تحت الكرمة، ويستريح تحت التينة. ما هي الكرمة سوى السيِّد المسيح المصلوب القائم من الأموات، مصدر الفرح الحقيقي، خمر العهد الجديد؟ وما هي التينة إلاًّ الروح القدس واهب الحب الذي يربط المؤمنين معًا كبذور التينة فتقدِّم طعمًا عذبًا، وتتغلف بغلاف الوحدة الذي يضم البذور في داخلها؟

إنَّها جنَّة فريدة نأكل ونشرب من جسد الرب ودمه، ونرتوي بروحه القدُّوس، الماء الحيّ!

بَلْ يَجْلِسُونَ كُلُّ وَاحِدٍ تَحْتَ كَرْمَتِهِ وَتَحْتَ تِينَتِهِ،

وَلاَ يَكُونُ مَنْ يُرْعِبُ،

لأَنَّ فَمَ رَبِّ الْجُنُودِ تَكَلَّمَ. [4]

الجلوس تحت الظل هو تعبير رمزي يُستخدم للإشارة إلى السلام الخاص بالأمة والسعادة المحلية (راجع 1 مل 4: 25؛ زك 3: 10). تأسس هذا على العادة التي كانت سائدة أن يبحث الشخص عن ظل مبهج تحت أشجار التين والكروم. ففي الشرق تُستخدم الكرمة بالأكثر للزينة وللظل أكثر من اللبلاب في الغرب. تُقضب الفروع لعمل تعريشة (تكعيبة) في ساحة المنزل. أشجار التين بضخامة فروعها وأوراقها العريضة توجد ظلاً طبيعيًا محببًا للنفس[69].

v   يُلمح نشيد الأناشيد إلى (الكرمة وتينة الحقل) بهذه الطريقة: “أحلفكن يا بنات أورشليم بالقوات وفضائل الحقل ألاَّ تيقظن ولا تنبهن حبي حتى يشاء” (نش ٢: ٧ LXX).

هذا هو حقل (البرّ) المملوء سلامًا بعينه، هذا الذي يتحدث عنه الرب أيضًا في المزمور: “كل ما يتحرك في الحقل هو ليّ” (مز ٥٠: ١١ LXX). في هذا الحقل توجد الكرمة التي تُعصر وتصدر دمًا، ويغسل العالم ويطهره. وفي هذا الحقل توجد الشجرة، وتحتها يجلس القديسون للراحة، ويتجددون بنعمة صالحة روحية. في هذا الحقل شجرة الزيتون المثمرة تُسحق، فتقدم دهن سلام الرب. في هذا الحقل تنتعش أشجار الرمان (نش ٨: ٢) التي تظلل ثمارٍ كثيرة في حضن الإيمان الواحد وتبعث فيها دفء الحب[70].

القديس أمبروسيوس

v   تُشير الكرمة في أماكن ليست بقليلة إلى الرب نفسه (يو ١٥: ١)، وشجرة التين إلى الروح القدس، إذ الرب “يبهج قلوب البشر” (مز ١٠٤: ٥)، والروح القدس يشفيها. لقد أُمر حزقيا أن يصنع لزقة من كتلة من التين – أي من ثمر الروح – لكي يُشفى. وكما يقول الرسول عن هذا الشفاء أنه يبدأ بالحب. “وأما ثمر الروح فهو المحبة، الفرح، السلام، الصبر، اللطف، الصلاح، الإيمان، الوداعة، والتعفف” (غل ٥: ٢٢-٢٣). بسبب عظمة مسرتهم يدعو النبي هذه الثمار الروحية تينًا. يقول أيضًا ميخا عنها: “يجلسون كل واحدٍ تحت كرمته وتحت تينته، ولا يكون من يرعب” (مي ٤: ٤). بالتأكيد من يلجأ إلى الروح ويستريح تحته، وتحت ظل الكلمة لا يرعبه ولا يخيفه من يسبب متاعب لقلوب البشرية[71].

ميثوديوس

v   نقرأ في التكوين أن الله غرس جنة في الشرق وهناك وضع الإنسان الذي شكَّله (تك ٢: ٨). من له القدرة أن يخلق فردوسًا إلاَّ الله القدير الذي “قال فكان كل شيء” (مز ٣٣: ٩)، والذي لم يكن قط في حاجة إلى ما قد أراد أن يأتي به إلى الوجود؟ لقد غرس هذا الفردوس الذي يقول عنه أنه حكمته: “كل غرس لم يغرسه أبي السماوي يُقلع” (مت ١٥: ١٣). إنه زرع صالح، فقد قيل عن الملائكة والقديسين أنهم يسترخون تحت شجرة التين والكرمة. في هذا الأمر رمز للملائكة في وقت السلام العتيد[72].

القديس أمبروسيوس

لأَنَّ جَمِيعَ الشُّعُوبِ يَسْلُكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ بِاسْمِ إِلَهِهِ،

وَنَحْنُ نَسْلُكُ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلَهِنَا إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ.

الذين يسلكون في اسم الرب يكون لهم سلام أبدي. [5]

v   الذين هم شغوفون نحو الصعود على جبل الرب، ويرغبون في تعلم طرقه، يعدون بالاستعداد للطاعة، فينالون في داخلهم أمجاد الحياة في المسيح، ويتعهدون بكل قوتهم أن يكونوا غيورين في كل القداسة. يقول: “في كل بلدٍ ومدينة ليسلك كل واحد الطريق الذي يختاره ويعبد كما يبدو صالحًا له، أما اهتمامنا نحن فهو المسيح، ونجعل ناموسه طريقًا مستقيمًا، نسلك فيه معه، ليس فقط في هذه الحياة الحاضرة أو الماضية بل وما هو أعظم فيما يتعداها”. إنه قول أمين: “الذين يتألمون معه سيسيرون معه إلى الأبد، ومعه يتمجدون، ومعه يملكون” (راجع ٢ تي ٢: ١١-١٢؛ رو ٨: ١٧). لكن الذين لا يفضلون شيئًا على حبُّه يجعلون من المسيح اهتماماتهم، هؤلاء يكفُّون عن تشتيت العالم الباطل ويطلبون بالحري البرّ وما هو مُسرّ له، وأن يتفوَّقوا في الفضيلة. مثل هؤلاء كان بولس، إذ كتب: “مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيّ” (غل 2: 19-20). وأيضًا: “لم أعزم أن أعرف شيئًا بينكم إلاَّ يسوع المسيح وإيَّاه مصلوبًا” (1 كو 2: 2)[73].

القدِّيس كيرلُّس الكبير

  1. بيت المطرودين 6:

أتُّهم حكمة الله المتجسِّد بأنَّه مختل العقل، وطُرد من المحلَّة ليُصلب خارج أورشليم. هناك بسط يديه ليحتضن كل منسحقٍ وجريحٍ ومكسورٍ وطريدٍ! إنَّه رب المرذولين. خاصَّته لم تقبله لكي يقبل في داخله من ليس لهم أين يسندون رؤوسهم. هو أب الأيتام، وقاضي الأرامل، وسند المضطهدين، وملجأ من ليس لهم من يسأل عنهم.

فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَقُولُ الرَّبُّ أَجْمَعُ الظَّالِعَةَ،

وَأَضُمُّ الْمَطْرُودَةَ،

وَالَّتِي أَضْرَرْتُ بِهَا. [6]

هنا يتنبأ عن العودة من السبي، حيث صارت الأمة مطرودة. فبعد التأديب يرُد الرب المطرودين ويضمد جراحاتهم.

يصير المطرودون بقية مختارة، شعب الله القوي (إش 37: 32؛ 46: 3؛ إر 23: 3؛ عا 5: 15).

  1. عرش ملوكي 7-8:

تعجَّب حزقيال النبي حين رأى العظام الجافة قد صارت جيشًا عظيمًا جدًا جدًا (حز 37: 10). إنَّها رؤية كل يوم حيث يُقيم السيِّد المسيح من الضعفاء الجهَّال المُزدرى بهم برجًا عظيمًا يأوي القطيع ويحميه من الذئاب الخاطفة، وأكمة عظيمة لا تقدر الحيَّة أن تزحف عليها لتضرب بأنيابها في عقب أولاد الله، وعرشًا ملوكيًّا يتربَّع عليه ملك الملوك ليملك على بنت أورشليم السماويَّة، كنيسته المقدَّسة.

v   الآن من الواضح أنَّه لا يقدر أحد في كل العالم أن يخيفنا أو يخضعنا نحن الذين نؤمن بيسوع. بالرغم من أنَّه تُقطع رؤوسنا ونُصلب ونُطرح للوحوش المفترسة ونُقيَّد، ونُحرق، ونحتمل كل نوع آخر من العذاب، فإنه من الشاهد أنَّنا لا ننكر قانون إيماننا.

كلَّما اُضطهدنا ازداد عدد الذين يقبلون الإيمان ويصيرون عبدة الله باسم يسوع. وذلك كما يقطع أحد أغصان الكرمة المثمرة، فإنها تنمو مرَّة أخرى، وتنبت فروعًا أخرى مثمرة، هكذا يحدث مع المسيحيِّين، فإن الكرمة مغروسة بالله والمسيح هو مخلِّص شعبه. لكن بقيَّة النبوَّة ستتحقق في المجيء الثاني. يقول النبي ميخا: “في ذلك اليوم يقول الرب: أجمع الظالعة (المرضضة) وأضم المطرودة والتي رفضتها“. هذا يُشير إلى أنَّه ليس لكم الكلمة الأخيرة عندما أنتم وكل الشعب الآخر الذي له السلطان أرادوا طرد كل مسيحي ليس فقط من ممتلكاته، بل وحتى من العالم كله، إذ لا تسمحون لإنسان مسيحي أن يعيش[74].

القدِّيس يوستين الشهيد

وَأَجْعَلُ الظَّالِعَةَ بَقِيَّةً،

وَالْمُقْصَاةَ أُمَّةً قَوِيَّةً،

وَيَمْلِكُ الرَّبُّ عَلَيْهِمْ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ. [7]

وَأَنْتَ يَا بُرْجَ الْقَطِيعِ أَكَمَةَ بِنْتِ صِهْيَوْنَ

إِلَيْكِ يَأْتِي، وَيَجِيءُ الْحُكْمُ الأَوَّلُ، مُلْكُ بِنْتِ أُورُشَلِيمَ. [8]

إذ يعود لأورشليم بهاء أعظم وقوة، تصير أشبه ببرجٍ عالٍ، منه يرعى الراعي الصالح قطيعه.

v   “وأنت يا برج، راعي ابنة صهيون القائم، سيأتي زمانك”. تُشير هذه الكلمات إلى صدقيا الملك الكافر، هذا الذي يدعوه النبي برجًا، لأن شعب يهوذا استقرَّ تحت ظلِّه، ويدعوه راعيًا بسبب تدبيره للمملكة، ويدعوه قاتمًا بسبب خطأ الوثنيَّة التي التصق بها. مرَّة أخرى في المعنى الرمزي لكلماته يدعو الشيطان راعيًا قاتمًا، فإنَّه بطريقة رمزيَّة كان دائمًا يُهاجم ابنة صهيون تحت سماء قاتمة. وإذ يصطادها يسحبها بعيدًا عن النور – حقًا فإن من يسلك بخبثٍ يكره النور. لكن مؤخَّرًا رئيس أورشليم الرمزيَّة السامي الشرعي حطَّم هذا الطاغية بمجيئه حيث سحب الراعي القاتم بعيدًا[75].

القدِّيس مار أفرآم السرياني

  1. جماعة المفديِّين 9-12:

إن كانت الكنيسة تتعرَّض لاضطهادات مستمرَّة، فتبدو كمن هي مسبيَّة، إلاَّ أن عريسها هو الفادي، يخلِّصها من عدوِّها، كما أخرج الشعب القديم من مصر، وحرَّره من عبوديَّة فرعون. وكما ردّ شعبه من السبي البابلي بيد قوّية وعجيبة!

إذ كان اليهود يفسرون وعد الله للملك داود أن يملك نسله إلى الأبد حسبوا أن يهوذا لن تعدم ملكًا من نسل داود. لذلك جاء حديث ميخا النبي عن السبي البابلي قبل حدوثه بقرنٍ ونصفٍ مفزعًا للغاية، خاصة وأن الأنبياء الكذبة كانوا ينادون بكلمات ناعمة، مؤكدين حماية الله لمدينة أورشليم وهيكلها الفريد وبقاء مملكة داود الذي من سبط يهوذا.

اَلآنَ لِمَاذَا تَصْرُخِينَ صُرَاخاً؟

أَلَيْسَ فِيكِ مَلِكٌ

أَمْ هَلَكَ مُشِيرُكِ حَتَّى أَخَذَكِ وَجَعٌ كَالْوَالِدَةِ؟ [9]

تَلَوَّيِ، ادْفَعِي يَا بِنْتَ صِهْيَوْنَ كَالْوَالِدَةِ،

لأَنَّكِ الآنَ تَخْرُجِينَ مِنَ الْمَدِينَةِ،

وَتَسْكُنِينَ فِي الْبَرِّيَّةِ،

وَتَأْتِينَ إِلَى بَابِلَ. هُنَاكَ تُنْقَذِينَ.

هُنَاكَ يَفْدِيكِ الرَّبُّ مِنْ يَدِ أَعْدَائِكِ. [10]

يتحقق الخلاص خلال التأديب حيث يسمح الله أن تصير أورشليم بلا ملك، أشبه بامرأة في طلق تتألم لتنجب طفلاً جديدًا. كان لزامًا أن يُسبى يهوذا إلى بابل ثم يعود فيتمتع بالحرية والعودة إلى أرض الموعد.

v   تلوِّي وتنهَّدي يا ابنة صهيون، مثل امرأة في ولادة، “لأنَّك الآن تخرجين من المدينة وتسكنين في بلدٍ مفتوحٍ (برِّيَّة)؛ وتأتين إلى بابل. هناك تُنقذين”. المعنى هو أنَّكِ ستذهبين إلى السبي، يا (شعب) صهيون، تُنفين في بابل، ولكن بعد سنوات تعودين من هناك، ليس مع جندي يُسرع بك، وإنَّما مع ذاك القائد الذي بصعوده على السماء يحمل مسبييِّه سبيًا. ستتبعينه مع الإخوة متشابكي الأيدي، ومع رؤساء جيشنا الذين يسبون كل الأذهان لحساب المسيح[76].

القدِّيس مار أفرآم السرياني

وَالآنَ قَدِ اجْتَمَعَتْ عَلَيْكِ أُمَمٌ كَثِيرَةٌ الَّذِينَ يَقُولُونَ:

لِتَتَدَنَّسْ وَلْتَتَفَرَّسْ عُيُونُنَا فِي صِهْيَوْنَ. [11]

إذ تتطلع الأمم الوثنية إلى أورشليم المسبية وهي تحت التأديب يسخرون منها، ويشتموها مترقبين تمام دمارها. لكن هؤلاء لا يدركون خطة الله وتدابيره. ستجتمع الأمم معًا ضد الله وشعبه في معركة فاصلة (يوئيل 3؛ حز 38-39؛ زك 12؛ رؤ 20: 8 الخ).

v   الآن كثير من الأمم تجتمع ضدَّك. بمعنى أنَّه في ذات الوقت يهجم عليكِ خليط من أمم مختلفة كثيرة تحت قيادة جوج. مرَّة سيكون هناك تدنيس في صهيون، وتتفرَّس العين عليه، بمعنى أن الموضع المقدَّس الذي لصهيون سيُدنَّس ويُحتقر للغاية بواسطة أولئك الذين لا يعرفون أنَّهم سوف يُدرسون بواسطة انتقام عدالة الله مثل القش الذي يُجمع على البيدر[77].

القدِّيس مار أفرآم السرياني

وَهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ أَفْكَارَ الرَّبِّ،

وَلاَ يَفْهَمُونَ قَصْدَهُ،

إِنَّهُ قَدْ جَمَعَهُمْ كَحُزَمٍ إِلَى الْبَيْدَرِ. [12]

يُطالبنا النبي ألاَّ نبحث عن الأحداث المستقبلية رغبة في اشباع فضولنا، وإنما للتعرف على مقاصد الرب وخططه من جهتنا.

  1. جيش لا يُقهر 13:

تطلَّع داود النبي إلى عريس الكنيسة الأبرع جمالاً من بني البشر، فرآه قائدًا يحمل سيفه على فخذه، يخرج غالبًا ولكي يغلب. هكذا عروس القائد قرنها من حديد، وأظلافها من نحاس، تسحق جموع الشيَّاطين تحت قدميها، وتقدِّم نفوسًا كثيرة للرب كغنى حقيقي فائق.

قُومِي وَدُوسِي يَا بِنْتَ صِهْيَوْن،

لأَنِّي أَجْعَلُ قَرْنَكِ حَدِيداً،

وَأَظْلاَفَكِ أَجْعَلُهَا نُحَاساً،

فَتَسْحَقِينَ شُعُوباً كَثِيرِينَ،

وَأُحَرِّمُ غَنِيمَتَهُمْ لِلرَّبِّ،

وَثَرْوَتَهُمْ لِسَيِّدِ كُلِّ الأَرْضِ. [13]

الآن يقدم لنا نصرة نهائية، حيث تسحق عدو الخير، وتتحول كل الأحداث لمجد الرب.

v   “سأجعل قرنك الذي كسره البابليُّون حديدًا، فتسحقين شعب كثير، وتخصَّصين غلَّتهم للرب”. هذا سيحدث بعدما تمتلكين أرضهم وغناهم، وتدفعين العشور للرب عن الأرض كلَّها. كما قلت أظهر الله علامة مثل هذا الازدهار العظيم لليهود الراجعين من السبي. لقد حفظ هذا الأمر عينه للكنيسة[78].

القدِّيس مار أفرآم السرياني

 +++

من وحيّ ميخا 4

جعلت شعبك عجبًا!

v   من مثلك يا الله، غافر الخطايا، وواهب الملكوت؟

أقمت من كنيستك عجبًا!

وأعلنت قدرتك فيَّ، كعضوٍ في كنيستك الفريدة!

v   أقمت منِّي أنا الضعيف المنسحق،

جبلاً شامخًا، رأسه في السماء!

حسبتني جبلك الدسم، موضع سرور السمائيِّين!

أنت ملك الملوك ورب الأرباب،

حسبتني جبل الجبال الفائق الارتفاع!

حسبتني عضوًا في كنيستك المقدَّسة!

v   أقمتها مدرسة فريدة كمعلِّم سماوي.

تضم تلاميذ من كل أمَّة وشعب ولسانّ.

صرتّ عضوًا فيها أتعلَّم منك لغة السماء!

أتكلَّم بلغة الحب السماوي بشركتي معك يا أيُّها الحب.ّ

تسبِّحك نفسي، فليس من مخاوف تلحق بي.

في كنيستك – أيقونة السماء – لا أعاني من عجز في العلاقات.

فالكل يتعلَّم بلغة الحب.

والكل لا يعاني من جهل للغة أو عجز عن النطقّ.

عجيب أنت أيُّها المعلِّم السماوي!

جمَّلتني فيك، وأحملك في داخليّ.

أنت في قلبي كما في فمي، أنطق بك على الدوام!

v   لست اشتهي بعد جنَّة عدن مثل أبي آدم.

فقد أقمت ليّ جنَّة إلهيَّة.

اقتطف عنب الفرح منك، يا أيُّها الكرمة الإلهي!

اقتطف تينًا عذبًا مشبعًا من روحك القدُّوس!

حوَّلت أعماقي إلى جنَّتك.

أراك مع أبيك وروحك القدُّوس سرّ بهجتي!

v   لست أئنّ من الظلم السائد في العالم!

أراك مطرودًا خارج المحلَّة،

فأجد مجدًا في طردي معك، لأحمل صليبك!

تبسط يديك على الصليب،

فتضمّ من ليس لهم موضع في قلوب الآخرين،

تجتذب الفقراء يا من صرت فقيرًا لتغنينا بفقركّ.

تجتذب المتألِّمين يا من صلبتَ لتعطي لآلام الحب عذوبة فائقة!

تضم الضالِّين يا من صرت طريقًا، يحملنا إلى الحضن الإلهي!

تقبل المرذولين لتهبهم شركة الأمجاد السماويَّة!

v   كم عافت نفسي جسدي من أجل شهواته!

كم أنَّت أعماقي من أفكاري التافهة!

كم صرخ قلبي من عواطفي المتسيِّبة!

لك المجد يا مقدِّس كل كياني!

حملت جسدًا لاعتزّ بتقديسك لجسدي!

وهبتني روحك القدُّوس يضبط أفكاري.

قدَّست عواطفي وكرَّستها عرشًا لحبَّك!

أقمت في أعماقي ملكوتك السماوي!

حوَّلت قلبي إلى عرشك الباهر!

v   لماذا تئنِّين يا نفسي في داخلي؟ ترجِّي الرب الفادي!

ليس لفرعون سلطان أن يذلُّني،

ولا لبابل قدرة أن تغلق أبواب السبي عليَّ!

فاديّ محرٍّر نفسي، واهب الغلبة لأعماقي!

v   هانذا أرى الشيطان ساقطًا من السماء كالبرق!

ليس له موضع فيَّ، فقد أقامني الفادي سماء!

لست أشغل ذهني بك،

ليس لك موضع إلاَّ تحت قدمي!

أعطاني مخلِّصي سلطانًا عليك، يا أيُّها الضعيف!

v   لن تنوح نفسي بعد،

فقد أقامني عريسي السماوي كنيسة مجيدة!

أقامني أنا العظام الجافة جيشًا عظيمًا جدًا جدًا!

صرتُ بمخلِّصي أورشليم، الجيش بألوية!

لك المجد يا عريس الكنيسة ومخلٍّصها وقائدها!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى