تفسير المزمور ٤٧ للقمص تادرس يعقوب
المزمور السابع والأربعون
مَلِكْ الجميع
مزمور مسياني ملوكي:
بحسب التلمود كان هذا المزمور في العصور المتأخرة لليهودية يُستخدم في الاحتفال ببداية السنة الجديدة. وهو يكشف عن الابتهاج بتتويج الله نفسه ملكًا على الأرض كلها. ويرى البعض أن هذا المزمور مع المزامير (93، 95-100) قد وضعت للإحتفال بعيد سنوي كذكرى لعمل إلهي فائق، فيه أعلن الله عن غلبته على أعدائه، وأظهر ملكوته على الخليقة[912].
يرتبط هذا المزمور ارتباطًا وثيقًا بالمزمور السابق، وربما وُضع في نفس المناسبة. ويرى البعض أنه مثل (المزمور 24) وُضع بمناسبة نقل تابوت العهد إلى جبل صهيون، ليحمل نبوةً عن صعود السيد المسيح إلى السماء، وحكمه الملوكي وعن جلوسه عن يمين الآب، وعن انتشار الكرازة بالانجيل في المسكونة. ويرى كثير من المفسرين (الحاخامات) أنه مزمور مسياني.
يحوي هذا المزمور الخيوط الثلاثة للنبوة في العهد القديم:
- المسيا: بكونه ملك الأرض كلها [7].
- الأمم: تخضع للملكوت المسياني [8، 9].
- اليهود: كوسطاء لتحقيق ذلك [4].
لقد فتح السيد المسيح أبواب كنيسته أمام كل الأمم، وهو يملك عليها روحيًا، مشتاقًا أن يملك على حياتنا بكليتها: أعني أجسادنا وأرواحنا وأفكارنا وأعمالنا وكلماتنا (كو 1: 17، 18)، لا ليسيطر بل ليهب روح الفرح، ويردّ لنا كرامتنا ومجدنا المفقود!
ويرتبط هذا المزمور في بعض الكنائس بعيديْ الأبيفانيا (الظهور الإلهي) والصعهود حيث يُعلن فيها السيد المسيح كملك روحي على كل الأرض[913].
مناهج تفسير المزمور:
اتبع الدارسون أحد المناهج التالية للتفسير أو بعضها:
- التفسير التاريخي: يطلب البعض فهم المزمور على ضوء حدث أو أحداث تاريخية معينة، ربما نصرة في حرب معينة أو إصلاحٍ الهيكل بعد الرجوع من السبي. فمع كل نصرٍة في موقعٍة ما يتوقع المؤمنون نصرة شاملة وجامعة حيث يمتلك الله على الأرض، بقبول الأمم الإيمان. وعند إصلاح الهيكل كان البعض – إذ يرون في الهيكل القصر الإلهي الملوكي – يتوقون أن يسعدوا بمُلك الله على الشعوب كلها… وبهذا تتحقق غاية التاريخ في قبضة الله، خاضعًا له!
- التفسير الانقضائي (الأخروي): يتطلع البعض إلى هذا المزمور كمزمور يمس يوم الرب العظيم حيث تبلغ الخليقة غايتها، حين تسقط مملكة إبليس تمامًا بلا رجعة، ويملك الرب إلى الأبد.
- التفسير المسياني: قبله كثير من المفسرين اليهود؛ ونادى به أغلب آباء الكنيسة الأولى، حيث يرون في السيد المسيح ملك الملوك الذي حقق بالصليب ملكوته الروحي.
- التفسير التعبدي: الذي يفترض أن المزمور يمثل جزءًا من ليتورجية الاحتفال بتجليس الله ملكًا على شعبه[914].
الإطار العام:
العنوان:
“لإمام المغنين، لبني قورح، مزمور”؛ وفي الترجمة السبعينية: “للتمام لبني قورح”.
- يليق بهذا المزمور أن يحمل عنوان “للتمام” أو “إلى النهاية”، لأنه يمثل غاية الناموس أن يملك السيد المسيح على الشعوب روحيًا؛ وربما لأن المزمور يحمل طابعًا أخرويًا أو انقضائيًا، فإن غاية وجودنا وتاريخنا البشري كله أن يأتي رب المجد ويحملنا إلى ملكوته الأبدي.
- سبق أن رأينا معنى “قورح”، وكيف تشير الكلمة إلى “الجلجثة”، فإنه لن يُدرك السيد المسيح كملك الملوك الذي يملك على حياة الإنسان إلا ذاك الذي صار ابنًا للمصلوب، يرتمي بروح البساطة على صدره كطفل فيقيمه المصلوب ملكًا (رؤ 1: 6)!
v أبناء قورح Core، من هم؟… إنهم أبناء العريس؛ لأن العريس قد صلب في موضع الكفارة Calvary…
وُضعت الطفولة أمامنا لنقتدي بالاتضاع، كما وُضعت لكي نحذر الجهالة…
يُسبح المزمور لبني قورح، أي للمسيحيين. لننصت إليه بكوننا أبناء العريس الذي صلبه الأطفال القساة في موضع الكفارة Calvary.
القديس أغسطينوس
- التنبوء بمُلك الله الجامع:
“يا جميع الأمم صفقوا بأيديكم؛
هللوا لله بصوت الابتهاج” [1].
- لغة هذا المزمور مستعارة من نصرات الملك على أعدائه، ولكن بروح النبوة، حيث يرى المرتل المسيا الملك يدخل معركة حاسمة ليُحطم مملكة إبليس العدو الحقيق، ويقيم مملكته. لقد رأى بعينيه الداخلتين الملك الأعظم والمعركة الأخطر والنصرة الفائقة التي انتهت بقيامة السيد المسيح الذي حطم “الموت” كآخر عدو للبشرية، وانطلق إلى سمواته ليحمل مؤمنيه إلى حيث هو جالس، وبصعوده انتشرت الكرازة به، وملك البرّ على الأمم[915]، وتحولت حياة المؤمنين إلى ملكوت الفرح والبهجة.
إذن هذا المزمور هو “نشيد عسكري”، فإلى يومنا هذا يستخدم التصفيق بالأيدي والهتاف في الجو العسكري والسياسي (عد 23: 21؛ يش 6: 16، 20؛ 1 صم 10: 24، عز 3: 12).
- يُطالبنا المرتل أن نحتفل بمُلك المسيا بتصفيق الأيادي مع أصوات الابتهاج أو هتاف الفرح. ليرتبط عمل الأيادي بعمل الحنجرة والفم، فإن التصفيق بالأيادي إنما يُشير إلى إعلان ملكوت المسيا على جميع الأمم خلال كرازتنا للغير بالسلوك العملي… يرون المسيا ملكًا على قلوبنا وأعضاء جسدنا وكل إمكانياتنا، هذه جميعها التي تُفرَز لحساب ملكوته بحبنا إن أمكن لكل إنسان في العالم. أما عمل الحنجرة أو الفم واللسان فهو الشهادة لملكوته… حيث تلتحم شهادة العمل بشهادة الكلمة.
بمعنى آخر لنسبح للملك الغالب، معلنين فرحنا بالحياة العملية كما بكلمتنا!
- يردد هذا المزمور كلمة “هللويا”، وهي تعني “سبحو ليهوه”، وتحمل روح الفرح المرتبط بالغلبة أو النصرة، فالمؤمن يرى في إلهه الساكن في أعماقه الغالب الذي خرج غالبًا ولكي يغلب (رؤ 6: 2).
v لا تبتهجوا بالفم بينما تكون الأيادي عاطلة؛ إن ابتهجتم “صفقوا بالأيادي”.
ما هي أيدي الأمم؟ إنها سلوكهم بالأعمال الصالحة.
v (لتبتهجوا) بالصوت كما بالأيادي. إن كان بالصوت وحده، هذا ليس حسنًا، لأن الأيدي متراخية! إن كانت بالأيدي وحدها، هذا أيضًا ليس حسنًا، لأن اللسان أخرس! لتتفق الأيدي مع اللسان. ليكن هكذا الاعتراف مع العمل! “اصرخوا لله بصوت النصرة”.
القديس أغسطينوس
v يُعلمنا الكتاب أن نرنم للرب، وأن نرقص بحكمة كقول الرب لحزقيال أن يضرب بيده ويخبط برجليه (حز 6: 11). لا يطالب الله بحركات مضحكة يقوم بها جسد ثائر، ولا يطلب تصفيق النساء… إنما يوجد رقص وقور، حيث ترقص الروح بسمو الجسد بالأعمال الصالح، عندما نعلق قيثارتنا على الصفصاف[916].
القديس أمبروسيوس
v حيث أن بشارة الإيمان بالمسيح قد انتشرت في العالم كله حتى آمن أناس من كافة الأمم، لهذا تدعو النبوة كافة الأمم جملةً وإجماعًا إلى التسبيح لله بفرح وسرور.
يقول النبي صفقوا بأيديكم التي تنجست بذبائح الأصنام، والآن قد تطهرت بالمعمودية، أي اصنعوا أعمالاً مرضية لله تبهج الملائكة وتحزن الشياطين فتكون مثل تصفيق الغالبين الذي يُسر الأصدقاء ويحزن المغلوبين.
أصواتكم التي كانت قبلاً مجدفة، صارت الآن صلوات وتسابيح مبهجة؛ هللوا بها لله، أي لربنا يسوع المسيح الذي هو عالٍ مع أنه اتضع بتجسده إنه مهوب ولو أنه قبِل الاهانة باختياره.
أنثيموس أسقف أورشليم
“لأن الرب عالٍ ومرهوب،
ملكُ كبير على كافة الأرض” [2].
هذه اللغة لا تناسب إلا مُلك المسيح، الذي يُدعى ملكًا عاليًا ومهوبًا (عب 12: 28، 29؛ تث 4: 24؛ 9: 3؛ 10: 17-21؛ نح 1: 5؛ صف 2: 11). مسيحنا إله محب البشر، يبذل ذاته من أجل كل أحد، يترفق بالخطاة، ويهتم بخلاصهم دون أن يجرح مشاعرهم، وفي حبه هو أيضًا إله مهوب، قدوس لا يقبل الشركة مع الفساد؛ هو نور لا يطيق الظلمة، وهو الحق الذي لا يشترك مع الباطل، والطريق الملوكي الذي لا يعرف الاعوجاج. لنحبه ونخفه في نفس الوقت، فإن محبتنا له دون الخضوع لإرادته والطاعة لوصيته هو استهتار واستخفاف. لنعبده بالحب مع خوف ورعدة!
لقد ملك الرب على خشبة الصليب، حيث سجل محبته لنا في كمالها بدمه المبذول، وأعلن مهابته وعدله، محطمًا بصليبه قوات الظلمة… بهذا يعلن الصليب أنه “ملك كبير على كافة الأرض“، وليس على أمة واحدة؛ وكما يقول القديس أغسطينوس: [لا يكفيه أن تخضع أمة واحدة له، ولهذا دفع ثمنًا عظيمًا، قدَّمه من جنبه، ليقتني العالم كله].
“أخضع الشعوب لنا،
والأمم تحت أقدامنا” [3].
كلمة “أخضع” هنا تعني قبول كلمة الرسل ليدخلوا في قطيع المسيح الوديع، حيث يترك الأمم روح الغطرسة والكبرياء ومقاومة الكنيسة لينحنوا ويحملوا صليب مسيحها بفرح وابتهاج. لهذا يرى بعض الآباء أن العبارة تعني خضوع الشياطين والخطايا التي كانت تسيطر على الأمم الوثنية، وسقوطها تحت أقدام الصليب. فمع خضوع الأمم بالإيمان بروح الحب والطاعة انهار شرهم وانسحق تحت قدميْ الكنيسة.
المتحدثون هنا هم الرسل الذين لا يتكلمون بروح التشامخ والكبرياء، وإنما في دهشة عجيبة لعمل صليب المسيح في حياة الوثنيين. فبينما هم يقاومونه إذا به يجتذبهم إلى روح الخضوع الكامل للكارزين ليصيروا كأنهم عند أقدامهم؛ ويفرح الرسل لأنهم يحملونهم معهم ليخضع الكل عند قدميْ المصلوب.
v نجد القديسين، بصوت المرتل، يرتفعون مقدمين تسابيح الشكر صاعدة إلى المسيح الذي يكللهم، قائلين: “أخضعَ الأمم لنا والشعوب تحت أقدامنا”! إن مسعى القديسين وغايتهم الجادة أن يجعلوا الذين يتعلمون على أيديهم شركاء النعمة المعطاة لهم بواسطة المسيح. ويمكن لأي أحد أن يتعلم من الرسالة التي بعث بها الطوباوي بولس إلى البعض، قائلاً: “مشاق أن أراكم لكي أمنحكم هبةً روحية لثباتكم” (رو 1: 11)[917].
القديس كيرلس الإسكندري
“اختارنا ميراثًا له،
جمال يعقوب الذي أحبه” [4].
في النص العبري: “يختار لنا نصيبنا، فخر يعقوب الذي أحبه. سلاه”… إن كنا نفرح لأن الله قد اجتذب بصليبه الأمم ليصيروا أعضاء في كنيسته المقدسة، خاضعين للرسل… فإن سرّ فرحنا الحقيقي هو “عمل الله”، فقد خطط تدبير خلاصنا، وأعطانا ذاته نصيبًا له، وقبلنا نحن نصيبه وميراثه!
في الترجمة السبعينية: “اختارنا ميراثًا له”… فإن كان الأمم يخضعون للكنيسة بالإيمان بعريسها، فإنه لا فضل للداخليل في الإيمان في شيء، لأن الروح القدس هو الذي يجتذبهم والرب يختارهم… هو اختارنا، وهو الذي أحبنا أولاً، وهو الذي عكس جماله علينا، وأعطانا بركةً أن نُحسب ميراثًا له!
- العبادة العامة لله الملك:
جاء مسيحنا ليفتح أبواب الإيمان أمام كل الأمم والشعوب، مقدمًا حياته مبذولة عن الجميع، وبصعوده إلى سموات فتح الأبواب أمام الكل… لهذا تبقى الكنيسة الجامعة تتعبد له متهللة بعمله معها مادامت على الأرض حتى تلتقي بمسيحها الصاعد إلى السماء في يوم مجيئه الأخير.
“صعد الله بتهليل،
والرب بصوت البوق” [5].
يقول المرتل إن الرب قد صعد بتهليل وبصوت البوق، لماذا؟
- بتهليل علامة العبادة بفرح شديد، إذ يقول الإنجيلي: “وأُصعد إلى السماء، فسجدوا له ورجعوا إلى أورشليم بفرح عظيم، وكانوا كل حين في الهيكل يسبحون ويباركون الله” (لو 24: 51-53). صعوده لم يدخل بهم إلى حزن وحرمان، بل إلى فرح عظيم وسجود وتسبيح وشكر لله… لأنهم رأوا في صعوده صعودًا لهم. ما صنعه الرب إنما لحسابهم وباسمهم. صعوده حوّل الكنيسة إلى سماءً متهللة متعبدة، تُشارك السمائيين تسابيحهم وفرحهم!
- أما عن صوت البوق فلم نسمع في العهد الجديد عن سماع التلاميذ لأصوات بوق، لكننا ندرك أنهم رأوه الملك الغالب المنتصر، انطلق إلى السماء لتبّوق السماء معلنة نصرة مليكها. بصعوده تهللت الأرض لأنها اتحد مع السماء، وأعلنت أبواق السماء نصرة مليكها. ولهذا فعند مجيئه الأخير سيضرب الملائكة صوت بوق (1كو 15: 52، 1 تس 4: 16).
v التهليل هو صوت الغالبين الفرحين، والبوق هو علامة المُلك وإشهاره.
إذن قوله: “صعد الله بتهليل” معناه أنه بعد قهر الموت، وصرع الخطية، وقمع الشياطين، ونزع الضلالة، وحوّل الأشياء إلى ما هو أفضل، صعد راجعًا إلى السماء، وهو لم يكن مفارقًا للسماء ولا للعالم عند تجسده (إذ يملأ لاهوته السماء والأرض).
لم يكن صعوده بقوة غريبة عنه مثل ارتفاع إيليا النبي، وإنما كان ذلك بقدرته وحده…
ويقال أيضًا: “بوق” عن تسابيح الملائكة الذين كانوا يشيرون إلى بعضهم البعض بفتح الأبواب السماوية واستقبال ملك المجد (مز 24: 7-10). كما يُقال أيضًا عن أفواه الرسل وكرازتهم في العالم بصعود بربنا، إذ كانت كما من بوقٍ… فقد بلغت شهرة صعود ربنا أن يُنادي بها علانية من جيل إلى جيل.
لم يقل النبي “بصوت الأبواق”، بل “بصوت البوق”، ذلك لأجل اتفاق رأي الرسل والملائكة باتحاد واحد.
الأب أثيموس أسقف أورشليم
v ما هو التهليل إلا دهشة الفرح التي لا تُعبر عنها كلمات؟! فقد دُهش التلاميذ فرحين، إذ رأوا ذاك الذي حزنوا عليه لموته يدخل السماء. حقًا لم تكن الكلمات تكفي للتعبير عن الفرح، لذا بقى التهليل يعبر عما عجزت عنه الكلمات.
وُجد أيضًا صوت بوق، أي صوت الملائكة… فقد بشر الملائكة بصعود الرب… “أيها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء، إن يسوع…” (أع 1: 11)…
لقد اختفى الجسد من أمام أعينكم لكن الله لا يترك قلوبكم.
تطلعوا إليه صاعدًا، آمنوا به غالبًا، ترجّوا مجيئه، ولكن خلال رحمته الخفية اشعروا بحضرته. فإن الذي صعد إلى السماء وانحجب عن أعينكم، وعدكم، قائلاً: “ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء العالم” (مت 28: 20).
بعد يُخاطبنا الرسول، قائلاً: “الرب قريب، لا تهتموا بشيء”.
يجلس المسيح فوق السموات، والسموات بعيدة جدًا، أما الجالس هناك فهو قريب…
القديس أغسطينوس
إن كان السيد المسيح قد صعد إلى السموات ليجعلها قريبة جدًا منا، فإنه ليس من عمل تقوم به الكنيسة مثل التسبيح المستمر بكونه العرش الذي يتربع عليه عريسها الملك، لهذا ففي عدد واحد يُكرر المرتل كلمة “رتلوا” أربع مرات:
“رتلوا لإلهنا رتلوا،
رتلوا لمليكنا رتلوا” [6].
لم يقل “رتلوا لله” أو “رتلوا للملك” بل “لإلهنا” و “لمليكنا”، فإن الله هو إله العالم كله والملك على كافة الأرض، لكن لا يستطيع أحد أن يُرتل له بفرح ما لم يشعر بأنه قد خصه هو… فهو إلهنا وملكنا.
لقد كرر الكلمة أربع مرات، لأن المرتل يدعو الكنيسة الممتدة في أربع جهات المسكونة: المشارق والمغارب والشمال والجنوب ألا تنشغل بشيء إلا بالتسبيح له، فتتهيأ كمركبة يجلس عليها الملك!
إنه يطالبنا أن نمجده ونتعبد له بفهم كما بالروح أيضًا (1 كو 14: 15):
“لأن الرب هو ملك الأرض كلها؛
رتلوا بفهم” [7].
v إنه يعلمنا وينصحنا أن نرتل بفهم، لا أن نطلب الصوت للأذن بل النور للقلب.
القديس أغسطينوس
v لنرفع أيضًا أصواتنا بالترنم الصلاة في الكنيسة حتى يرحل خصمنا الشيطان مرتبكًا عند سماعه الصوت المقدس. إن لم يكن (التسبيح) بالعمل فيلزم التأكد أن يكون بالفكر أو الكلام؛ فإن الشيطان عادة يزحف نحو الصامتين أو الناطقين بأمور دنيئة باطلة، ولا يخدع الذين يرتلوا أو يصلون، هؤلاء الذين يراهم منشغلين عقليًا أو بأصواتهم بتسابيح الله[918].
الأب قيصريوس أسقف آرل
- مجد الله الملك:
بعد أن أعلن جامعية مُلك الله الذي يفتح باب الإيمان أمام كل الشعوب، والتزام الكنيسة الجامعة بالترنم له بفهم، يختم المزمور بالحديث عن مجد الله الملك المُعلن بقبول الأمم الإيمان وما يناله المؤمنون من بركات:
“فإن الرب مَلكَ على جميع الأمم.
الله جلس على كرسيه المقدس.
رؤساء الشعوب اجتمعوا مع إله إبراهيم.
لأن أعزاء الله قد ارتفعوا في الأرض جدًا. هللويا” [8-9].
يظهر مجد الله في الآتي:
- يملك الله على جميع الأمم حيث تتحقق وعود الله لإبراهيم: “بنسلك تتبارك جميع الأمم”… ما نناله في العهد الجديد من بركات كانت في خطة الله التي كشفها لصديقه إبراهيم. لهذا يقول المرتل: “رؤساء الشعوب اجتمعوا مع إله إبراهيم” [9].
v ذكر النبي إبراهيم لأن الله قد وعده أن بنسله تتبارك جميع قبائل الأرض. فلما ترك الأمم آلهة آبائهم اجتمعوا مع إبراهيم، وصاروا جماعة واحدة.
الأب أنثيموس أسقف أورشليم
- تمجد الله بجلوسه على كرسيه [8]، الذي هو جماعة المؤمنين.
v كرسي الله هم الصديقون الذين لأجل طهارتهم يستريح الله فيهم.
الأب أنثيموس الأورشليم
v تطيع النفس الله الجالس فيها، وتقوم النفس بإصدار أوامر لأعضاء الجسم… فتتحرك القدم واليد والعين والأذن. إنها تأمر الأعضاء كخدم لها، وهي تخدم ربها الجالس فيها.
القديس أغسطينوس
- إذ يملك الرب على إنسان، يهبه قوة ومجدًا، فيُحسب من أقوياء الرب أو من أعزائه. “لأن أعزاء (أقٌوياء) الله قد ارتفعوا في الأرض جدًا” [9].
v من هم أقوياء الله؟ الرسل وكل المؤمنين. إنهم أقوياء لأنهم واجهوا العالم كله وغلبوه، ولم ينهزموا قط[919].
القديس يوحنا الذهبي الفم
يتمجد الله في كنيسته التي يجعل منها جيشًا روحيًا بألوية، فيقيم من الضعفاء أقوياء، ويخرج من الآكل أكلاً!
لتملك… ولتتمجد!
v كوعدك الصادق مع أبينا إبراهيم،
فتحت لنا أبواب بيتك،
وباركتنا فيك! وملكت في قلوبنا!
v لتملك يارب على جميع الأمم،
ولتضبط كل حياتي،
ولتقدس كل إمكانياتي لحسابك!
ولتجعل من نفسي كرسيًا لك!
v أشكرك، لأنك قبلتني ميراثًا لك!
هب لي أن تكون أنت هو ميراثي!
v علمني كيف أسّبحك بفمي كما بيدَّي!
أشهد لك بفرح قلبي وبممارسة الحب العملي!
v ارفع قلبي إلى سمواتك،
يا من صعدت إليها!
هب لي ألا أبّوق هنا لأنال مجدًا زمنيًا،
بل انتظر يوم مجيئك،
أفرح حين أسمع صوت بوق ملائكتك!
v أشكرك يا ملك الأرض كلها،
فإنك ملكت في حياتي،
لكي تجعلني من أقويائك،
وتسكب مجدك عليّ!
تَمجّد أيها القدوس فيّ!