تفسير سفر إشعياء ١٣ للقمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الثالث عشر

هذا الإصحاح بداءة قسم آخر من نبوءات إشعياء يمتد من ص (13 حتي ص 23) وموضوعه الويلات علي الأمم التي ضايقت اليهود، فالله يملك علي الجميع وقد يسمع، بل هم سمعوا، هؤلاء الأمم هذه النبوات فيقدمون توبة. وأول نبوة في هذا الإصحاح وما يليه (13 : 1- 23:14) تتكلم عن بابل. وكتبت هذه النبوة سنة 739 أي قبل 133 سنة من نشأة أو قيام بابل كدولة كبيرة في التاريخ، إذ أن بابل قامت سنة 606 ق. م. وخربت سنة 538 بل أن هذا الإصحاح يتحدث عن الدولة التي ستخربها وهي مادي. ومعروف أن تحالف مادي وفارس هو الذي أسقطها سنة 538 ق.م. ولم تكن مادي سوي أمة بربرية وقتئذ، ولم تظهر كدولة إلا بعد النبوة بحوالي 100 سنة ونلاحظ أن الله يتكلم عن حمايته لشعبه من أمة لم تقم بعد فالله يحمي أولاده من الأعداء الخفيين والظاهرين، الحاليين والمستقبليين، ممن نعرفهم وممن لا نعرفهم. ولقد تحدث النبي قبل هذا الإصحاح عن مجيء السيد المسيح وخلاصه ولكن قبل مجيئه ستقوم بابل ثم تنتهي كدولة. وهذا موضوع هذا الإصحاح وبابل في الكتاب المقدس رمز لمملكة الشيطان فشعب بابل تحدوا الله وتكبروا عليه وعبدوا الأوثان ولكن الله أستخدمهم كأداة تأديب ضد شعبه.  وقبل مجيء السيد المسيح الثاني ستقوم دولة الدجال (بابل الرمزية) ليبيدها المسيح بنفخة فمه كما ستباد بابل الأولي قبل مجيء المسيح الأول (هذا الإصحاح والإصحاح التالي 14). ولأن بابل رمز لمملكة الشر علينا أن نهرب من بابل أي مملكة الشر حتى لا يأتي علينا من ضرباتها.

 

آية (1، 2) وحي من جهة بابل رآه اشعياء بن أموص.أقيموا رآية على جبل اقرع ارفعوا صوتا إليهم أشيروا باليد ليدخلوا أبواب العتاة.

وحي = تترجم ثقل أو حمل. لصعوبة ما في هذه النبوة من آلام ومرارة تحل بالأمم. وقوله رآه= هو لم يسمع به فقط بل رآه، هذا تأكيد لوقوعه. أقيموا رآية = ليراها كل أحد. هو نداء لرؤساء الأمم ليزحفوا إلي بابل. جبل أقرع = أي لا يستره شيء من الشجر حتى يري كل واحد الرآية المرفوعة.

أرفعوا صوتاً إليهم = بالأبواق نادوا علي مادي وفارس. العتاة = البابليين.

 

آية (3) أنا أوصيت مقدسي و دعوت أبطالي لأجل غضبي مفتخري عظمتي.

مقدسى = المقدس هو المفرز لعمل ما. إذا الله هو الذي اختار كورش لإجراء غضبه علي بابل. ونحن مقدس الله مدعوون لقتال إبليس ومملكته لتتقدس أعماقنا وبهذا نصير أبطال لله.

مفتخري عظمتي = هم جنود كورش الذين يحققون مجد اسم الله العظيم. وتترجم أيضاً هؤلاء المفتخرين بعظمتي أو المبتهجين بعظمتي. فالله هو الذي أعطاهم هذه القوة. والله أعطي للمؤمنين قوة علي إبليس وجنوده وحيمنا ينتصرون علي حيله ومكايده يفرحون بعظمة الله الذي أعطاهم هذه القوة.

 

آيات (5،4) صوت جمهور على الجبال شبه قوم كثيرين صوت ضجيج ممالك أمم مجتمعة رب الجنود يعرض جيش الحرب. يأتون من ارض بعيدة من أقصى السماوات الرب و أدوات سخطه ليخرب كل الأرض.

كل هذا الجمهور أتي به الرب ويستعرضه بل أتي معهم = الرب وأدوات سخطه. فأدوات سخطه هم جنود مادي وفارس. ومادي وفارس أخر البلاد المعروفة لذلك قال = من أقصي السموات. ولأنهم جمهور كثير يذكر هنا ضجيجهم. وضجيج مادي وفارس مزعج جداً لبابل المحاصرة منهم. وهكذا تسبيح وصلوات المؤمنين في الكنيسة مرهبة جداً لإبليس وجنوده. صوت جمهور علي الجبال = إذا فهمناها علي مادي وفارس فهم علي الجبال يحيطون بابل وإذا فهمناها علي الكنيسة فهو شعب الله الذي يحيا في السماويات مرنما مهللا  ليخرب كل الأرض = أي مملكة بابل. الله هنا يستعرض قواته التي أعدها.

 

آيات (6 ، 7) ولولوا لان يوم الرب قريب قادم كخراب من القادر على كل شيء. لذلك ترتخي كل الأيادي و يذوب كل قلب إنسان.

يوم الرب قريب = وكان هذا بعد النبوة بحوالي 200 سنة. ولولوا هذه لأهل بابل. ترتخي كل الأيدي = بعد الضربة. يذوب قلب كل إنسان = السبب هو عدم خوف الله فمن يخاف الله لا يخاف إنسان. “رأس الحكمة مخافة الله”.

 

آيات (9،8)  فيرتاعون تأخذهم أوجاع و مخاض يتلوون كوالدة يبهتون بعضهم إلى بعض وجوههم وجوه لهيب.هوذا يوم الرب قادم قاسيا بسخط و حمو غضب ليجعل الأرض خرابا و يبيد منها خطاتها.

يبهتون = كل واحد ينظر للآخر يطلب مشورته، ولا يجد عنده رأي أو حل فالكل في نفس الأتون. خطاتها  = إذاً سبب سقوطهم هو خطاياهم. يتلوون كوالدة = فهم حاملين داخلهم ثمار شرورهم. وجوه لهيب = الخجل بسبب إنكسارهم الشديد، وربما انعكاس حمرة نيران المعركة علي وجوههم.

 

آية (10) فان نجوم السماوات و جبابرتها لا تبرز نورها تظلم الشمس عند طلوعها و القمر لا يلمع بضوئه.

جبابرتها = مجموعة نجوم في السماء تسمي الجبار. وهذه الأقوال قد تكون مجازية كمن يقول “الأرض بتلف بيَ” إشارة لإحساسه هو بالدوار فهؤلاء في ظلام تام كأنهم بلا سماء ولا شمس ولا قمر ولا نجوم، هم فقدوا الرؤية، هم في ظلمة الجهل بسبب مقاومتهم لله، لا يرون شمس البر (المسيح) ولا القديسين (الكواكب) ولا يتمتعون بالحياة الكنسية في الكنيسة (القمر.) ودينونه بابل هذه رمزاً لدينونة اليوم الأخير (مت 24 : 29).

 

آية (11) و أعاقب المسكونة على شرها و المنافقين على أثمهم و أبطل تعظم المستكبرين و أضع تجبر العتاة.

أعاقب المسكونة = أي أعاقب بابل. فبابل كانت تحكم المسكونة وقتها، ولكن هذه تشير لدينونة اليوم الأخير حيت تكون بابل الأخيرة أي دولة الشر تحكم المسكونة كلها.

 

آيات (12، 13) و اجعل الرجل اعز من الذهب الإبريز والإنسان اعز من ذهب أوفير لذلك أزلزل السماوات

 و تتزعزع الأرض من مكانها في سخط رب الجنود و في يوم حمو غضبه.

بابل إستقدمت ألاف من البشر لبنائها وبناء أسوارها الرهيبة وكانت تموج بالبشر من شعبها أو من المسبيين. ولكن في يوم العقاب يقل الرجال من الضربات في الحروب حتى يصيروا أعز من الذهب الإبريز = أي الخالص، بعد أن كانوا كثيرين وبلا ثمن. أوفير = جنوب بلاد العرب علي المحيط الهندي.

 

آيات (14 – 16) و يكونون كظبي طريد و كغنم بلا من يجمعها يلتفتون كل واحد إلى شعبه و يهربون كل واحد إلى أرضه. كل من وجد يطعن و كل من إنحاش يسقط بالسيف. و تحطم أطفالهم أمام عيونهم و تنهب بيوتهم و تفضح نسائهم.

كل واحد إلي شعبه = لأن جيش بابل كان مكون من كل الشعوب، ولم يكن قلبهم علي بابل، فحينما جاءت الضربة تركوها وهربوا. وتأمل فالضربات للجميع حتى الأولاد والنساء. وهكذا عقاب الخطية ونتائجها المرة.

 

آية (17) هاأنذا أهيج عليهم الماديين الذين لا يعتدون بالفضة و لا يسرون بالذهب.

الماديين = هنا نبوة واضحة بالشعب الذي يكسر بابل أي مادي وفارس ولكن اشتهرت الدولة بعد ذلك باسم فارس ولم يكونوا مهتمين بالذهب والفضة بل هم في وحشيتهم حطموا بابل في قسوة، هكذا ستدان بابل في نهآية الأيام. وَوُجِد في كتابة لكورش لجنوده “أنا أعرف أنكم ما جئتم للحرب رغبة في الفضة” إلا أن كورش نفسه كان رقيقاً وإنساناً مهذبا.

 

آية (18) فتحطم القسي الفتيان و لا يرحمون ثمرة البطن لا تشفق عيونهم على الأولاد.

اشتهر الفرس بحرب القسي والقوس. والقسي هي السهام التي تستخدم في القوس.

 

آية (19) و تصير بابل بهاء الممالك و زينة فخر الكلدانيين كتقليب الله سدوم و عمورة.

بابل بهاء الممالك = هي كذلك لقِدَمِها وعلومها وغناها وتجارتها ومبانيها. الكلدانيين = إسم قبيلة من مملكة بابل منها خرج الكهنة ورجال الدين والسحرة ثم أطلق أسم الكلدانيين علي كل بابل، كما أطلق أسم الفراعنة علي كل مصر.

 

آية (20) لا تعمر إلى الأبد و لا تسكن إلى دور فدور و لا يخيم هناك إعرابي و لا يربض هناك رعاة.

لا تعمر إلي الأبد = اندثرت كل أثارها وكان ملوك الفرس يمارسون الصيد في خرائبها. ولا تسكن = خربت كل أراضيها الزراعية. ولا يخيم هناك إعرابي = توهم العرب أن الجن يسكن في خرائبها فكانوا لا يبيتون فيها. والنفس الخربة يسكن داخلها الشياطين المتوحشة والبوم (اليأس) والنجاسة والتشاؤم وصوت البوم (أي لا فرح).

 

آيات (21، 22) بل تربض هناك وحوش القفر و يملا البوم بيوتهم و تسكن هناك بنات النعام و ترقص هناك معز الوحش. و تصيح بنات أوى في قصورهم و الذئاب في هياكل التنعم و وقتها قريب المجيء و أيامها لا تطول.

هذا رمز لسكني الشيطان. ولكن هذا ما حدث فعلاً فهياكل أوثانها سكنتها الوحوش (لاحظ نتائج الخطية ) وأن وراء المنظر البهي في أرض الخطية خراب وبوم. بابل هي رمز لكل نفس متكبرة عاصية (رؤ 18 :10).

فاصل

فاصل

تفسير إشعياء 12 تفسير سفر إشعياء
القمص أنطونيوس فكري
تفسير إشعياء 14
تفسير العهد القديم

 

زر الذهاب إلى الأعلى