تفسير سفر باروخ ٦ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح السادس
“1 انه لأجل الخطايا التي خطئتم أمام الله يسوقكم نبوكد نصر ملك بابل في الجلاء إلى بابل. 2 فإذا دخلتم بابل فستكونون هناك سنين كثيرة وزمانا طويلا إلى سبعة أجيال وبعد ذلك أخرجكم من هناك بسلام. 3 والآن رأيت سترون في بابل آلهة من الفضة والذهب والخشب تحمل على المناكب وتلقي الرهبة على الأمم. 4 فاحترزوا أن تتشبهوا بالغرباء وتأخذكم منها رهبة. 5 وإذا رأيتم الجموع أمامها ووراءها يسجدون لها فقولوا في قلوبكم لك يا رب ينبغي السجود. 6 فان ملاكي معكم وهو يطالب بأنفسكم. 7 أما تلك فان لها السنة قد نحتها النجار وهي مغشاة بالذهب والفضة لكنها آلهة زور لا تستطيع نطقا. 8 يأخذ الناس لها ذهبا كما يؤخذ لعذراء تحب الزينة. 9فيصوغون أكاليل يجعلونها على رؤوس آلهتهم وربما سرق الكهنة من آلهتهم الذهب والفضة لمنفعة أنفسهم. 10 وقد يبذلون منهما للزواني اللاتي في البيت يزينون الآلهة بالملابس كالبشر وهي من الفضة والذهب والخشب. 11 فهي لا تسلم من الصدأ والسوس وان كانت تلبس الأرجوان. 12 ويمسحون وجوهها من غبار البيت المتراكم عليها. 13 وفي يد كل منها صولجان كالحاكم على بلد لكنه لا يقتل من يجرم إليه. 14وفي يمينه سيف وفاس لكنه لا ينجي نفسه من الحرب واللصوص فحق بذلك إنها ليست بآلهة. 15 فلا تخافوها فانه كما أن الإناء المكسور لا ينفع صاحبه كذلك آلهتهم. 16 إذا نصبت في البيوت فعيونها تمتلئ غبارا من أقدام الداخلين. 17 يحظر عليها في الديار كما يحظر على من أجرم إلى الملك وكهنتها يحصنون بيوتها بأبواب وأقفال ومزاليج كما يفعل بمن حكم عليه بالموت لئلا تسلبها اللصوص. 18 يوقدون لها من السرج اكثر مما يوقدون لأنفسهم وهي لا تستطيع أن ترى منها شيئا. 19 إنما هي كجوائز البيت وقد ذكر أن حشرات الأرض تنهش قلوبها فتؤكل هي وثيابها ولا تشعر. 20 تسود وجوهها من الدخان الذي في البيت. 21 على أبدانها ورؤوسها يثب البوم والخطاف وسائر الطيور والسنانير. 22 فاعلموا من ذلك إنها ليست بآلهة فلا تخافوها.23 والذهب الذي يغشيها للزينة أن لم يمسح صداه لم يكن لها رونق كما إنها إذ صيغ عليها لم تشعر. 24 تبتاع بكل ثمن وان لم يكن فيها روح. 25 ليس لها أرجل فتحمل على المناكب وبذلك تبدي للناس هوانها والذين يعبدونها هم أيضا يخزون. 26 لأنها إذا سقطت على الأرض لا تقوم من نفسها ولا إذا نصبها أحد تتحرك من نفسها ولا إذا أميلت تستقيم بل تقدم إليها الهدايا كما تقدم إلى أموات. 27 وكهنتها يبيعون ذبائحها لمنفعة أنفسهم وكذلك نساؤهم يملحن ما بقي منها ولا يجعلن فيها حظا لمسكين ولا سقيم. 28 الطامث والنفساء تلمسان ذبائحها فإذ قد علمتم من ذلك إنها ليست بآلهة فلا تخافوها. 29 لماذا تسمى آلهة لان النساء يقدمن الهدايا لهذه الآلهة التي هي من الفضة والذهب والخشب. 30 ولان الكهنة يجلسون في بيوتها باقمصة ممزقة وهم محلوقو الرؤوس واللحى ورؤوسهم مكشوفة. 31 ويعجون صائحين أمام آلهتهم كالجالسين على مأدبة الميت. 32 الكهنة ينزعون من ثيابها ما يكسون نساءهم وأولادهم. 33 وإذا أساء إليها أحد أو احسن فلا تستطيع المكافأة ولا في وسعها أن تقيم ملكا أو تخلعه. 34 ولا تقدر أن تهب عرضا ولا نقدا وإذا نذر أحد نذرا ولم يقضه فلا تطالب. 35 لا تنجي أحدا من الموت ولا تنقذ الضعيف من يد القوي. 36 لا ترد البصر للأعمى ولا تفرج عن ذي شدة. 37 لا ترحم أرملة ولا تحسن إلى يتيم. 38 فهذه الآلهة التي هي من الخشب مغشاة بالذهب والفضة تماثل حجارة من الجبل والذين يعبدونها يخزون. 39 فكيف يسوغ أن تحسب أو تسمى آلهة. 40 بل الكلدانيون أنفسهم يزدرونها فانهم إذا رأوا ابكم لا ينطق يقدمونه إلى بال ويطلبون منه النطق كأنه يشعر. 41 ومع اختبارهم لها لا يتركون عبادتها لأنكم لا يشعرون. 42 والنساء يقعدن على الطرق متحزمات بالحبال يبخرن بالنخالة. 43 فإذا اجتذب مجتاز واحدة منهن وضاجعها عيرت صاحبتها بأنها لم تحظ مثلها ولم يقطع حبلها. 44 وكل ما يصنع لهذه الآلهة إنما هو زور فكيف يسوغ أن تحسب أو تسمى آلهة. 45 هي صنعة النجار والصائغ فلا تكون إلا ما يريد صانعها.46 والذين صنعوها قصير وبقاء فكيف يكون ما صنعوه. 47 انهم تركوا لمن يليهم زورا وعارا. 48 وإذا أتى عليها حرب وشر يأتمر الكهنة فيما بينهم أين يختبئون بها. 49فكيف لا يشعر إنها ليست بآلهة وهي لا تخلص أنفسها من الحرب والشر. 50 وبما إنها من الخشب مغشاة بالذهب والفضة فسيعلم فيما بعد إنها زور ويتبين لجميع الأمم والملوك إنها ليست آلهة بل صنعة أيدي الناس ولا شيء فيها من صنعة الله. 51 فهل من حاجة إلى التنبيه على إنها ليست بآلهة. 52 فإنها لا تقيم ملكا على بلد ولا تعطي الناس مطرا. 53 ولا تخاصم حتى لخصومة أنفسها ولا تنقذ أحدا من مظلمة إذ لا تستطيع شيئا وإنما هي كالغربان التي بين السماء والأرض. 54 وإذا وقعت نار في بيت هذه الآلهة المصنوعة من الخشب المغشاة بالذهب أو الفضة فكهنتها يفرون وينجون أما هي فتحترق كجوائز البيت. 55 إنها لا تقاوم ملكا ولا عدوا فكيف يسوغ أن تحسب أو تعد آلهة. 56 وهذه الآلهة المصنوعة من الخشب المغشاة بالفضة والذهب لا تنجي أنفسها من السراق ولا اللصوص. 57 والذين يستولون عليها ينزعون عنها الذهب والفضة والثياب التي عليها ويذهبون بها وهي لا تدافع عن أنفسها. 58 لا جرم أن ملكا من ذوي البأس أو إناء نافعا في البيت يستخدمه مالكه خير من آلهة الزور وبابا في البيت يحفظ ما فيه خير من آلهة الزور وعمودا من الخشب في قصر خير من آلهة الزور. 59 أن الشمس والقمر والنجوم تضيء وترسل لمنفعة الخلق وتطيع مرسلها.60 وكذلك البرق إذا لمع يروق العين والريح تهب في كل ناحية. 61 والسحب يأمرها الله أن تمر على كل المسكونة فتقضي ما أمرت به. 62 والنار المرسلة من فوق لتفني الجبال والغاب تفعل ما أوصيت به أما تلك فلا تعدل بهذه منظرا ولا قوة. 63 فلا يسوغ أن تحسب أو تسمى آلهة إذ لا تستطيع أن تجري حكما أو تصنع إحسانا. 64 فإذ قد علمتم إنها ليست بآلهة فلا تخافوها. 65 فإنها لا تلعن الملوك ولا تباركهم. 66 ولا تبدي آيات في الأمم ولا في السماء ولا تنير كالشمس ولا تضيء كالقمر. 67 الوحوش خير منها لان في طاقتها أن تهرب إلى ملجأ وتنفع أنفسها. 68 وبالجملة فلا يتبين لنا بوجه من الوجوه إنها آلهة فلا تخافوها. 69 مثل آلهتهم المصنوعة من الخشب المغشاة بالذهب والفضة مثل شخص منصوب في مقثأة لا يحرس شيئا. 70 وأيضا مثل آلهتهم المصنوعة من الخشب المغشاة بالذهب والفضة مثل عوسج في بستان يقع عليه كل طير أو مثل ميت مطروح في الظلمة. 71 ومن الأرجوان والقرمز اللذين يأكلهما العث عليها يعلم إنها ليست بآلهة وفي آخر الأمر هي أيضا تؤكل وتصير عارا في الآفاق. 72 أن الرجل الصديق الذي لا صنم له افضل لأنه بمعزل عن العار.”
هو رسالة من إرمياء إلى شعب اليهود بيد باروخ، الذين أزمع ملك بابل أن يسبيهم ويسوقهم نظير إخوتهم إلى بابل. وفيها يوضح النبي فساد عبادة الأوثان ويحذرهم من السجود للأصنام التي ليس لها نطق ولا حركة ولا روح قائلاً لهم عنها إنها ليست بآلهة (14). وهذا التحذير من إرمياء أهميته أن الشعب حين يذهبون إلى بابل سيجدون الشعب البابلي الوثني يعبدون هذه الآلهة بوقار شديد مع طقوس جذابة وموسيقى صاخبة وما يصاحبها من زنى يجذب المنحرفين وهم ينسبون لآلهتهم كذباً أشياء لم تحدث ليعظموها، فعليهم أن لا ينخدعوا. وفي الرسالة أيضاً يتنبأ إرمياء عن أن السبي في بابل سوف يستمر سبعة أجيال (2) أي سبعين سنة. وإرمياء سبق وقال هذا في (إر12:25+10:29) وربما هو يذكرهم بها، ففي النبوة (إر12:25) يقول صراحة أن بابل ستخرب وقطعاً فهذا يعني ضمناً سقوط آلهتها. وأن آلهتها لن تستطيع أن تحميها. وهناك من يعترض على قول إرمياء سبعة أجيال وأنها تساوي 70سنة، بأن الجيل= 40سنة. ولكن كلمة جيل لا تأتي دائماً مشيرة إلى مدة 40سنة. فكلمة جيل التي يقولون عنها أنها 40سنة (عد13:32) لا تعني أن الجيل= 40سنة “فحمى غضب الرب على إسرائيل وأتاههم في البرية أربعين سنة حتى فنى كل الجيل الذي فعل الشر في عيني الرب” والمقصود بكلمة جيل هنا هو البشر الذين خرجوا من مصر وعاشوا تحت العبودية وتعودوا عليها. وقارن (تك13:15) “فيذلونهم أربع مئة سنة” مع (تك16:15) “وفي الجيل الرابع يرجعون إلى ههنا”. وبهذا يكون الجيل 100سنة. ولكن بالحساب الدقيق يتضح أن مدة بقاء اليهود في مصر حوالي 200سنة فيكون الجيل 50سنة. إذاً لا دليل على أن الجيل يعني عدد معين من السنوات. وبالتالي فحين يقول إرمياء هنا 7أجيال فلا معنى للإعتراض.
ومن ضعف هذه الآلهة يسرق كهنتها بعض من الذهب الذي يزينونها به (9) ولاحظ أن كهنة هذه الآلهة هم لصوص. ولاحظ أن الزنى يمارس كجزء من العبادة (10،43). والله يحذرهم بأنه يراهم وملاكه يراقبهم إن هم سجدوا لهذه الآلهة (6). ونحن نعلم أن الله هو فاحص القلوب والكلى.
آلهة زور (7)= هي آلهة باطلة كلها غش فهي لا تتكلم مع أن لها ألسنة، فألسنتها جماد. وهم يزينونها لتبدو جميلة كما تزين عذراء نفسها لتجد لها عريساً (8) فهم يزينونها لتجذب لها أناساً يعبدونها. وهم يسرقون ما عليها بعد ذلك ليدفعوا أجر الزواني الذين في الهيكل (10). فهي بلا نفع كإناء مكسور (15). بل هي محبوسة ويغلقون عليها كمن في سجن (17) لأنها لو تركوها لسرقها اللصوص. وهي مثل الخشب الذي تصنع منه أعمدة البيوت وعوارضها (19)= جوائز. وينبه إرمياء الشعب لا تخافوها (28) لأنه كما قلنا أن الطقوس المصاحبة للعبادة الوثنية من صراخ وموسيقى يمكن أن تلقي الرعب في قلوب البسطاء مع خداع الشياطين. ومن وسائل الخداع أن الكهنة يجلسون في بيوتها بأقمصة ممزقة وهم محلوقو الرؤوس (30) كأنهم مرعوبين من غضب هذه الآلهة. كهنتها يقدمون لها المرضى طالبين الشفاء وتقف هي عاجزة ومع هذا فهم لا يفهمون أنها لا شئ (40،41″). صانعوها من البشر عمرهم محدود فكم بالأولى الآلهة التي صنعوها (46). كل الخليقة حتى الجامدة لها نفع أما هذه فبلا نفع (59-62). وهي مثل شخص منصوب في مقثأة لا يحرس شيئاً (69)= يقصد به خيال المآتة وهو عصا يضعون عليها ثياب لتخاف منها العصافير فلا تلتقط الحبوب من الحقل.
أسلوب إرمياء في هذا الإصحاح مماثل تماماً لأسلوب إشعياء (19:40،20+5:41-7+9:44-21).