تفسير إنجيل متى 28 للقمص أنطونيوس فكري

قيامة السيد المسيح

الصورة التي يظهر بها المسيح

المسيح ظهر بعدة هيئات

1- ما قبل التجسد:- ظهر المسيح عدة مرات لأشخاص في العهد القديم مثل إبراهيم (تك 1:18، 2) وليشوع (يش 13:5-15 +يش2:6). وهذا الظهور هو مجرد ظهور فقط، أي لم يكن للرب جسد حقيقي مثلنا.

2- التجسد:- نقول في قانون الإيمان عن المسيح أنه تجسد وتأنس أي صار مثلنا، وشابهنا في كل شيء، جاع وعطش وتألم وبكي. كان هذا في أثناء حياة المسيح علي الأرض قبل صلبه وموته. وكان هو “الله ظهر في الجسد” (1تي16:3). في فترة التجسد هذه كان المسيح الابن قد أخلي ذاته آخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس (في7:2) ولكن بدون خطية. وفي فترة وجوده بالجسد كان ظاهرًا لكل إنسان، ظاهرًا بجسده الذي يشبه جسدنا، يستطيع أي إنسان أن يراه ويلمسه، إلاّ في الأوقات التي كان يريد هو أن يختفي فيها (يو59:8 + لو29:4، 30) أو يظهر مجده (التجلي).

3- ما بعد القيامة وقبل الصعود:- صار الوضع معكوسًا. لقد صار المسيح مختفيًا بجسده إلاّ في الأوقات التي يريد أن يظهر فيها بتنازل منه. فالمسيح قام بجسد ممجد لا يستطيع أحد من البشر أن يعاينه ويتطلع إليه. ولكن في هذه الفترة لم يظهر مجد المسيح، لم يظهر هذا المجد ولكن لم يكن كل إنسان قادرًا أن يرى المسيح وذلك بسبب خطايا البشر. كان هناك شروط ليرى أحد المسيح. ما عاد أحد يستطيع أن يراه إلاّ بالقدر الذي يسمح به هو. فالخطية جعلت إمكانياتنا الجسدية ضعيفة. وهذا ما نفهمه من قول الله “لا يراني الإنسان ويعيش” (خر20:33). في هذه المرحلة بعد القيامة كان لا بُد أن تتوافر شروط فيمن يراه وهذه الشروط هي الإيمان والمحبة والقداسة والرجاء وهذا ليكون للشخص بصيرة روحية يراه بها، وما يساعد علي وجود هذه البصيرة التناول من جسد الرب ودمه كما حدث مع تلميذيّ عمواس، وهذه البصيرة تعطي أن نعرفه لا كشخص عادي، بل كإله، كما صرخ توما “ربي والهي” وهناك درجات لرؤية المسيح فيما بعد القيامة.

1) لا يرُى      2) يراه أحد ولا يعرفه  3) يراه أحد ويعرفه    

فالمرات التي ظهر فيها المسيح لتلاميذه كانت قليلة وبقية الوقت كان لا يراه أحد. وتلميذيّ عمواس رأوه ولم يعرفوه وبعد كسر الخبز عرفوه، والمجدلية رأته ولم تعرفه ثم عرفته.

وهنا نجيب عن سؤال يُسأل كثيرًا.. لماذا لم يظهر المسيح لليهود ولرؤساء الكهنة فيؤمنوا به؟ والإجابة أن هؤلاء كانوا بلا إيمان وبلا قداسة. والقداسة بدونها لا يرى أحد الرب (عب14:12). فالمسيح لا يريد أن يستعرض قوته وإمكانيات نصرته على الموت أمام أحد.. بل هو يطلب تغيير القلب والذهن وبهذا يمكن للإنسان أن يعاينه.           

فالفرق بين ما قبل الصليب وما بعد القيامة، أنه قبل الصليب كان يمكن لكل إنسان أن يراه، وكان يمكنه الاختفاء ليس خوفًا إنما ليكمل رسالته. أما بعد القيامة فكان مختفيًا عادة لا يظهر إلاّ في بعض الأوقات وبشروط.

1-    ما بعد الصعود:- نقول في قانون الإيمان “وقام من بين الأموات وصعد إلى السموات وجلس عن يمين أبيه والآب قطعًا ليس له يمين ولا يسار فهو غير محدود. ولكن المقصود باليمين القوه والمجد. أي أن المسيح بجسده صار له صورة المجد الذي لأبيه والذي كان له من قبل بلاهوته، ما كان بلاهوته من قبل صار له بناسوته الآن، وهذه كانت طلبة المسيح في (يو 17: 5). هذا ما جعل يوحنا يسقط أمامه كميت إذ رآه في مجده (رؤ16:1، 17). حين نقول جلس عن يمين أبيه فهذه عكس أخلى ذاته. لذلك قيل عند صعوده أن سحابه قد حجبته (أع9:1) لأن التلاميذ ما كانوا قادرين على معاينة هذا المجد.

ماذا فعل المسيح خلال الأربعين يومًا؟

  1. كان يؤسس كنيسته على أساس القيامة. لذلك سمعنا “هاهو يسبقكم إلى الجليل.. هناك ترونه” (مت7:28 + مر7:16) فلماذا الذهاب إلى الجليل؟ لقد اختار المسيح تلاميذه هناك، وهناك عرفوه على مستوى الجسد. ولذلك شكوا فيه. والآن فالمسيح يريد أن يرسلهم للعالم كله بعد أن عرفوا حقيقته وبعد أن أعلن لهم ذاته. والمسيح يأخذهم إلى الجليل ليجدد العهد معهم على أساس القيامة. وفي الناصرة التي في الجليل نشأ المسيح وعاش، وبهذا فهو يربط تأنسه وحياته بقيامته، بل أن قيامته أكدت تأنسه وتجسده وأظهرت سبب التجسد.

وكلمة ترونه مقصود بها ليس المعرفة الظاهرية بل المعرفة الحقيقية.

  1. نلاحظ وجود أسرار الكنيسة وتسليم المسيح إياها للرسل خلال هذه المدة:    

أ – المعمودية:- اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم بإسم.. (مت19:28)     

ب_ الميرون:- ها أنا أرسل إليكم موعد أبى.. فأقيموا في أورشليم.. ( لو49:24)

ج_ التوبة والاعتراف:- أن يُكرز باسمه للتوبة ومغفرة الخطايا ..(لو47:24)   

                          + من غفرتم خطاياه تغفر له ومن أمسكتم.. (يو23:20)

د _ التناول:- أخذ خبزًا وبارك وكسر وناولهما فانفتحت أعينهما.. (لو30:24، 31)   

هـ الكهنوت:- ولما قال هذا نفخ وقال لهم إقبلوا الروح القدس.. (يو22:20)   

و_ مسحة المرضى:- هذه الآيات تتبع المؤمنين.. يضعون أيديهم على المرضى (مر17:16، 18)

  1. تشديد إيمان التلاميذ وتثبيت فكر القيامة عندهم، ومحو أي شكوك تكون قد تكونت عندهم (مثال لذلك توما) بل وبخ عدم إيمانهم (مر14:16).
  2. إرسال التلاميذ للكرازة وتلمذة الأمم واليهود (مت19:28) وأن يعلموا الأمم حفظ الوصايا التي علمها لهم السيد (مت20:28). وأن يرعوا شعبه كما يرعى الراعي قطيعه (يو15:21-17). وقطيع المسيح أي كنيسته مؤسسة على الأسرار التي هي استحقاقات موته وقيامته.
  3. لأن المسيح حي وقد قام من الأموات فسيكون دائمًا في كنيسته “ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر آمين” (مت20:28) فخرجوا وكرزوا في كل مكان والرب يعمل معهم ويثبت الكلام بالآيات التابعة آمين” (مر20:16).
  4. نرى خلال مدة الأربعين يومًا المسيح الشافى:-

                    أ‌-        فهو يشفى إيمان تلميذيّ عمواس والمجدلية.

                 ب‌-     هو المُعلم الذي علم تلميذيّ عمواس تفسير نبوات العهد القديم.

     ت‌-  هو الذي شفى شكوك توما وهو الذي يشفى أي تساؤلات عقلية ممكن أن تشككنا فهذه إحدى حروب الشيطان.

                 ث‌-     رأينا في معجزة صيد السمك الكثير أنه هو الرازق وأيضًا هو الذي يملأ الكنيسة.

                  ج‌-     هو الذي قام بشفاء محبة بطرس (راجع إنجيل يوحنا إصحاح 21).

                  ح‌-     هو الذي شفى محبة المجدلية غير الناضجة إذ كانت محبتها له كإنسان وليس كإله.

     خ‌-  هو الذي أعطى الرجاء لبطرس أي شفى رجاءه. وهذا رأيناه في قول الملاك للمريمات اذهبا قولا للتلاميذ ولبطرس. ثم قول المسيح نفسه لبطرس إرعى غنمى ثلاث مرات.

     د‌-  والمسيح له وسائل متعددة للشفاء قد تكون بأن يفيض من بركاته كما في معجزة صيد السمك وقد تكون بأحداث مخيفة كالزلزلة التي جعلت قائد المئة يؤمن.

                   ذ‌-       شفاء عبيده من الخوف ونرى كم تكررت كلمة سلام لكم.

     ر‌-  أخيرًا يكون الشفاء النهائي بأن نلبس الجسد الممجد وهذا معنى صعوده بجسده إلى السماء. وهو ذهب ليعد لنا مكانًا(يو 14: 2)

لمن ظهر المسيح أولًا؟

يقول القديس مرقس “وبعد ما قام باكرًا ظهر أولًا لمريم المجدلية التي كان قد أخرج منها سبعة شياطين” (مر9:16) وهكذا يؤكد القديس متى (9:28، 10) والقديس يوحنا (1:20). أمّا القديس لوقا فيذكر أن عدد من المريمات ذهبن للقبر أولًا ورأوا الملائكة وعرفوا حقيقة القيامة. ثم يؤكد القديس لوقا أن مريم المجدلية ومعها أخريات أخبرن الرسل وبشروهم بالقيامة.                  

 بينما أن بولس الرسول لم يذكر المريمات ولا المجدلية في (1كو5:15-9) بل قال إن المسيح ظهر لصفا ثم للإثنى عشر وبعد ذلك لأكثر من خمسمائة أخ وبعد ذلك ليعقوب ثم لبولس نفسه. فهل يوجد اختلاف أو تضاد بين الروايات المختلفة؟

1- بالنسبة للأناجيل الأربعة إتفقوا على أن النساء سبقن الرسل في معرفة حقيقة القيامة، بل صرن كارزات بالقيامة للرسل أنفسهم. والأربعة بشائر تذكر اسم المجدلية كشاهد للقيامة ولأنها رأت المسيح وصارت كارزة. وهي التي كان بها سبعة شياطين. وهذا هو هدف الأناجيل الأربعة أن كل خاطئ بقوة القيامة قادر أن يتحول لكارز رأى المسيح. ونلاحظ أن المرأة في العهد القديم كانت هي سبب سقوط آدم. والآن صارت المرأة بعد القيامة كارزة وشاهدة للقيامة. هذا التحول العجيب هو الخلاص، وهذه هي بشارة الأناجيل المفرحة.

2- أمّا بولس فعلى عادة الناموس ذكر صفا أولًا ثم الرسل ثم 500 أخ ثم بولس نفسه. فصفا (بطرس) ويعقوب من الأعمدة (غل9:2). ثم الرسل وهم الذين ائتمنهم المسيح على الكرازة والـ500 أخ هم عدد من الشهود لا يشك أحد في أنهم كلهم كانوا في وهم.  وإذا لم يرى الكل حقيقة القيامة فقد رآها بولس وهذا ما قصده بولس تأكيد حقيقة القيامة بشهود عاينوا القيامة. وكعادة اليهود فهم يعتمدون شهادة الرجال. والناموس يحدد أن تكون الشهادة على فم أكثر من شاهد (عد30:35 + تث15:19) لذلك لم يرد في كلمات بولس الرسول ذكر للنساء.

ملحوظة:- في هذه الظهورات كان يسوع بإرادته يظهر ذاته، وإن لم يظهر ذاته لا يراه أحد وظهوره هذا يعنى أنه يعلن ذاته.

بعض تأملات لشرح مواقف القيامة في إنجيل متى:

– نلاحظ أن الملاك الذي أرعب الحراس، هو الذي إستقبل المرأتين وبشرهما بالقيامة وقال لهما أن لا تخافا. والله قد يستعمل طريقة الخوف ليجذب غير المؤمن للإيمان، ونرى الجندي الوثني يعترف “بالحقيقة كان هذا ابن الله” حين ارتعب من الأحداث المصاحبة للصلب. أماّ‍ للمؤمنين فعطية الله لهم هي السلام “والمحبة تطرح الخوف خارجًا” (1يو18:4).

2- تمت القيامة والحجر موضوع والحراس قائمون للحراسة، وخرج الرب من القبر وهو مغلق كما خرج من بطن العذراء وبقيت عذراء كما تنبأ حزقيال (1:44، 2) أمّا دحرجة الحجر فهي لإعلان القيامة (2:28)

3- ولاحظ أن من ذهبتا باكرًا جدًا من محبتهم

1- نلاحظ أن الملاك الذي أرعب الحراس، هو الذي إستقبل المرأتين وبشرهما بالقيامة وقال لهما أن لا تخافا. والله قد يستعمل طريقة الخوف ليجذب غير المؤمن للإيمان، ونرى الجندي الوثني يعترف “بالحقيقة كان هذا ابن الله” حين ارتعب من الأحداث المصاحبة للصلب. أمّا للمؤمنين فعطية الله لهم هي السلام “والمحبة تطرح الخوف خارجًا” (1يو18:4).

2- تمت القيامة والحجر موضوع والحراس قائمون للحراسة، وخرج الرب من القبر وهو مغلق كما خرج من بطن العذراء وبقيت عذراء كما تنبأ حزقيال (1:44، 2) أمّا دحرجة الحجر فهي لإعلان القيامة (2:28)

3- ولاحظ أن من ذهبتا باكرًا جدًا من محبتهما، تمتعتا برؤية القيامة “الذين يبكرون إلى يجدوني” (أم17:8)

4- الملاك علي الحجر شاهد علي قيامة المسيح التي صارت لنا شجرة حياة، بعد أن كان هناك ملاك بسيف ناري يقف أمام الجنة ليمنعنا من شجرة الحياة. والحجر يعنى باب القبر، ختم الموت، وجلوس الملاك علي الحجر بعد إزاحته هو بشرى بانتصار المسيح علي الموت (2:28).

5- نلاحظ أن الملاك يقول يسوع المصلوب بينما هو قد قام. فالصلب صار سمة لعمل المسيح الخلاصي، والصليب صار تاج، لذلك رأى يوحنا المسيح في سفر الرؤيا “خروف قائم كأنه مذبوح” (رؤ6:5)، فبالصليب تفتخر السماء والأرض. ولذلك احتفظ المسيح بجراحاته وأراها لتلاميذه.

6- اذهبا قولا: نرى هنا الخاطئة تتحول لكارزة. والمسيح قابلها لتأكيد خبر القيامة.

7- نرى زلزلة مع موت المسيح وزلزلة مع قيامته فالذي مات هو الذي قام. هو قوى لا يضعف سواء بموته أو قيامته. هو الذي يزلزل الأرض.

8- في آية (11) نجد الحراس الوثنيين يبشرون الكهنة ورؤساءهم بالقيامة والكهنة لعماهم يرفضون.

9- دفع إلى كل سلطان: يسجد للمسيح كل من في السماء وعلي الأرض وتحت الأرض (في10:2). المسيح هنا يعلن لتلاميذه سلطانه اللاهوتي كإله، بعد ما رأوا ضعف جسده وصلبه وموته.

10- أنا معكم: حتى لا يخوروا في الضيقات الآتية.

11- تعليق على قصة سرقة جسد المسيح.. كيف يمكن للتلاميذ الخائفين الهاربين أن يتغلبوا على الحراس الرومان الأشداء الأقوياء؟!!

فاصل

إنجيل معلمنا متى : 12345678 910111213141516171819202122232425262728 

تفسير إنجيل معلمنا متى : مقدمة – 12345678910111213141516171819202122232425262728 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى