تفسير سفر إرميا ٧ للقمص أنطونيوس فكري

تفسير إرميا – الأصحاح السابع

 

الآيات 1-15:

– الكلمة التي صارت إلى إرميا من قبل الرب قائلا. قف في باب بيت الرب وناد هناك بهذه الكلمة وقل اسمعوا كلمة الرب يا جميع يهوذا الداخلين في هذه الابواب لتسجدوا للرب. هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل اصلحوا طرقكم وأعمالكم فاسكنكم في هذا الموضع. لا تتكلوا على كلام الكذب قائلين هيكل الرب هيكل الرب هيكل الرب هو. لانكم أن اصلحتم اصلاحا طرقكم و أعمالكم أن اجريتم عدلا بين الإنسان وصاحبه. أن لم تظلموا الغريب واليتيم و الارملة ولم تسفكوا دما زكيا في هذا الموضع ولم تسيروا وراء آلهة أخرى لاذائكم. فاني اسكنكم في هذا الموضع في الأرض التي اعطيت لابائكم من الازل و إلى الأبد.  ها انكم متكلون على كلام الكذب الذي لا ينفع. اتسرقون و تقتلون وتزنون وتحلفون كذبا وتبخرون للبعل وتسيرون وراء آلهة أخرى لم تعرفوها. ثم تاتون وتقفون امامي في هذا البيت الذي دعي باسمي عليه و تقولون قد انقذنا حتى تعملوا كل هذه الرجاسات. هل صار هذا البيت الذي دعي باسمي عليه مغارة لصوص في اعينكم هانذا أيضًا قد رأيت يقول الرب. لكن اذهبوا إلى موضعي الذي في شيلوه الذي اسكنت فيه اسمي أولًا وانظروا ما صنعت به من أجل شر شعبي إسرائيل. والان من أجل عملكم هذه الأعمال يقول الرب وقد كلمتكم مبكرا ومكلما فلم تسمعوا ودعوتكم فلم تجيبوا. اصنع بالبيت الذي دعي باسمي عليه الذي انتم متكلون عليه وبالموضع الذي اعطيتكم واباءكم اياه كما صنعت بشيلو. واطرحكم من امامي كما طرحت كل اخوتكم كل نسل افرايم.

غالبًا الإصحاحات (7-10) هي عظة واحدة قالها إرمياء النبي في الهيكل في مناسبة عيد حيث يجتمع كثيرين من الشعب. وهو بأقواله هنا سوف يثير الكهنة ولكن عليه أن لا يخافهم. ولنلاحظ أن في قولهم هيكل الرب حماية لنا، نوع من الإستخفاف فهل الله القدوس يرضى بالخطية!! حاشا بل هو يدينها. لقد رأينا في الإصحاح السابق أن الكهنة والأنبياء الكذبة يشفون الجرح على عثم أي يعطون وعودا بالسلام بدون أن يدعوا الشعب للتوبة، لكن إرمياء لم يصنع هكذا. ومن يظن أنه يحتمى بالكنيسة وهو شرير فليقل لنا أين السبع الكنائس التي تحدث إليها يوحنا في سفر الرؤيا (إصحاحى 3،2) وهذا ما يشير إليه هنا بقوله “لكن إذهبوا إلى موضعى الذي في شيلوه” (مزمور60:78) حيث كانت خيمة الأجتماع أيام عالى الكاهن ولكن لأن أولاده نجسوا المكان إستولى الفلسطينيون على تابوت العهد. فلماذا لا يحدث هذا للهيكل ولأى كنيسة يكون في وسطها شر. إذًا المطلوب التوبة عن الخطايا، فالخطايا أو مخالفة وصايا الله تحمل في طياتها موتًا. بل في أيام إرمياء كان الأشوريون قد دمروا شيلوه تدميرًا نهائيًا فالله لا يقبل شعبه وهم في خطاياهم. وهذا نفس خطأ الشعب أيام عالى فقد ظنوا أن وجود تابوت العهد معهم حماية لهم، ويمكنهم الاستمرار في خطاياهم وفي (11) من يصنع الخطية ويذهب بلا خجل لبيت الرب يجعله مغارة للصوص وهذه الآية إستعملها السيد المسيح عندما طهر الهيكل. وفي (15) أطرحهم من أمامى = هي آية مخيفة فلو طرحنا في أي مكان وكان الله معنا لإحتملنا ولكن أن نطرح والله يرفضنا فهذا هو غير المحتمل.

 

الآيات 16-20:

– وانت فلا تصل لأجل هذا الشعب ولا ترفع لاجلهم دعاء و لا صلاة ولا تلح علي لأني لا اسمعك. أما ترى ماذا يعملون في مدن يهوذا و في شوارع أورشليم. الابناء يلتقطون حطبا والاباء يوقدون النار والنساء يعجن العجين ليصنعن كعكا لملكة السماوات ولسكب سكائب لالهة أخرى لكي يغيظوني. افاياي يغيظون يقول الرب اليس أنفسهم لأجل خزي وجوههم. لذلك هكذا قال السيد الرب ها غضبي وغيظي ينسكبان على هذا الموضع على الناس وعلى البهائم وعلى شجر الحقل وعلى ثمر الأرض فيتقدان ولا ينطفئان.

كان أرمياء نبيًا مصليًا عن شعبه. وكان لهذا الشعب أمل في شفاعته سابقًا ولكن ابتداء من آية (16) فقد الشعب هذا الرجاء. وعجيب هو إرمياء في محبته فبالرغم من كل أذيتهم لهُ كان دائم الصلاة لأجلهم. وهذه خطورة من يصلى ويتشفع بالقديسين وهو باقٍ في خطيته لا يريد أن يتوب. والسبب في هذا قساوة قلوبهم فأصبحت صلاة النبي بلا فائدة لهم. وفي (18،17) الله يشرح لهُ السبب فالكل يشتركون في العبادة لملكة السمواتوتسمى عشتاروث وأيضًا سكبوا لآلهة أخرى كثيرة أي عبدوها. ومن يترك الله الحقيقي يضل وراء آلهة كثيرة وشهوات كثيرة. وفي (19) أكيد أن الله لن ينقص ولن يتأثر بهذا بل أن الذين ذهبوا وراء هذه الآلهة هم الذين سيخجلون. فمن يذهب للشيطان يستعبده الشيطان ويبتعد عنهُ الله، وينسكب غضب الله على هذا المكان فهو سيسلمه لإبليس الشرير فيحرقه (20) فلنخجل نحن من اهتمام هؤلاء بآلهتهم وعدم اهتمامنا نحن بإلهنا ولنشعر بفخر إذا قدمنا لهُ خدمة وعبادة فهو الذي يعطينا من إحساناته ونلاحظ أن غضب الله ينصب على البهائم والشجر أيضًا فالإنسان إما أن يكون سبب بركة أو لعنة للأرض (راجع تفسير معنى الكاروبيم حز1).

 

الآيات 21-28:

– هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل ضموا محرقاتكم إلى ذبائحكم وكلوا لحما. لأني لم اكلم اباءكم ولا اوصيتهم يوم اخرجتهم من ارض مصر من جهة محرقة وذبيحة. بل انما اوصيتهم بهذا الأمر قائلًا اسمعوا صوتي فاكون لكم الها وانتم تكونون لي شعبا وسيروا في كل الطريق الذي اوصيكم به ليحسن إليكم. فلم يسمعوا ولم يميلوا اذنهم بل ساروا في مشورات وعناد قلبهم الشرير واعطوا القفا لا الوجه. فمن اليوم الذي خرج فيه اباؤكم من ارض مصر إلى هذا اليوم ارسلت إليكم كل عبيدي الانبياء مبكرا كل يوم و مرسلا.  فلم يسمعوا لي ولم يميلوا اذنهم بل صلبوا رقابهم اساءوا أكثر من ابائهم. فتكلمهم بكل هذه الكلمات ولا يسمعون لك وتدعوهم ولا يجيبونك. فتقول لهم هذه هي الامة التي لم تسمع لصوت الرب الهها ولم تقبل تاديبا باد الحق وقطع عن أفواههم.

كما أن الهيكل لن يحميهم هكذا الذبائح لن تكفر عنهم. وليس معنى (22) أن الله لم يطلب ذبائح فهو الذي أوصاهم بهذا، بل أن الله كان يطلب أولًا الطاعة. أي النفس التي تقف أمامه كذبيحة خاضعة لوصاياه ولكن لأنهم إكتفوا بالشكليات فالله هنا يتكلم عن ذبائحهم بإزدراء. وذبيحة المحرقة كانت كلها تقدم على المذبح لا يأكل منها إنسان. كلها لله. أما ذبائح السلامة = فكان جزء منها يحرق على المذبح، هو لله، وجزء للكهنة وجزء يأكله مُقدِّم الذبيحة ولذلك يبدو أنهم كانوا يفضلون هذا النوع ليحصلوا على نصيبهم من الذبيحة. وكانت ذبيحة المحرقة هي لإرضاء الله، كلها لله. وهنا يسخر الله من ذبائحهم قائلًا كلوا من لحم ذبيحة المحرقة كما من ذبيحة السلامة فأنا لن أرضى بذبائحكم ولا فائدة منها وإشبعوا =وكلوا لحمًا. فأنتم لأني غير راضٍ عنكم فلن تستفيدوا من الذبيحة سوى ما تأكلونه منها. الذبيحة تقدم لإرضاء الله فإن كان الله لن يرضي عليهم، تصير الذبيحة لا قيمة لها سوى أنهم يشبعون لحما. وهم لم يسمعوا لله ولن يسمعوا للنبى أيضًا فباد الحق وقُطِعَ من أفواههم.

أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ كُلَّ عَبِيدِي… مبكرًا (25)= في المقدمة قلنا أن سفر إرمياء يسمى سفر الإنذار المبكر، فالله ينذر قبل أن تأتى ضرباته.

 

الآيات 29-34:

– جزي شعرك واطرحيه وارفعي على الهضاب مرثاة لأن الرب قد رفض ورذل جيل رجزه. لأن بني يهوذا قد عملوا الشر في عيني يقول الرب وضعوا مكرهاتهم في البيت الذي دعي باسمي لينجسوه. وبنو مرتفعات توفة التي في وادي ابن هنوم ليحرقوا بنيهم وبناتهم بالنار الذي لم امر به ولا صعد على قلبي. لذلك ها هي أيام تاتي يقول الرب ولا يسمى بعد توفة ولا وادي ابن هنوم بل وادي القتل ويدفنون في توفة حتى لا يكون موضع. وتصير جثث هذا الشعب اكلا لطيور السماء ولوحوش الأرض ولا مزعج. وابطل من مدن يهوذا و من شوارع أورشليم صوت الطرب وصوت الفرح صوت العريس وصوت العروس لأن الأرض تصير خرابا.

في (29) إنذار آخر لأورشليم لعلها تتوب أو تحزن على ما سيحل عليها من كوارث ويقول لها جزى شعرك = وهذه علامة مناحة على ما سيحدث معهم ولها معنى آخر فالنذير كان يربى شعره ولا يحلقه (مثل شمشون) وشعره يعتبر إكليلًا لهُ وأورشليم هي نذير للرب، ولأنها الآن أصبحت مرفوضة فعليها أن تقص شعرها لأنها لم تعد مقدسة للرب. وفي (30)وضع المكرهات أي أوثانهم في بيت الله= هذا يساوى اليوم حفظ الخطية في القلب فالمسيحي صار بعد المعمودية والميرون مكرسا لله إذ سكن فيه الروحالقدس . وفي (31) مرتفعات توفة = حيث يوجد تمثال مولوك في وادى ابن هنوم وهو بجوار أورشليم. وهناك كان تمثال مولوك النحاسى الذي يشعلونه حتى يحمر لونه ثم يرمون أطفالهم عليه كذبائح وهم أحياء. وكانت توفة مكانًا لقبر جيش أشور يوم الـ(185000) والآن ستصير قبورًا لهم بسبب خطيتهم ولذلك ستسمى وادى القتل (32). وإسم الوادى هنوم أو أرض هنوم وبسبب الحرائق التي إشتعلت فيها ثم القتلى فيها أخذت منه لفظة جهنم في اليونانية فلفظة جى = أرض في اليونانية. ولكن في أيام المسيح كان هذا المكان قد صار مزبلة أورشليم حيث يحرقون النفايات ، ويرعى الدود في الفضلات. ومن هذا المنظر أخذ السيد المسيح تشبيه جهنم بالنار التي لا تطفئ والدود الذي لا يموت. وكان يوشيا الملك الصالح هو من حوَّلَ هذا المكان إلى مزبلة ليبطل العبادة الوثنية فيه. ومن أيام يوشيا صار هذا المكان مزبلة أورشليم.وفي (34) لن تكون هناك أفراح بسبب السبي والموت والخراب. فمن لم يشفوا من أفراحهم العالمية سيأتي يوم يحرموا فيه من كل فرح. وهذه الأوصاف تناسب آخر الأيام.

تعليق على الإصحاح السابع

في الإصحاحات (2-6) كان عتاب الله للشعب سرًا (إر 2:2)، ولكنهم لم يسمعوا.لذلك ها هو هنا يعاتب علنيًا وفي الهيكل على فم إرمياء (2:7) قف في باب بيت الرب. فالله يبدأ يعاتبنا سرًا في داخل قلوبنا وإن لم نسمع صوت تبكيت الروح القدس الهادىء، يسمعنا الله التوبيخ علنًا. ويبدو أنهم كانوا يرنمون ترنيمة يقولون فيها “هيكل الرب هيكل الرب هيكل الرب هو” ويقصدون أن فيه الحماية، أي وجود الهيكل وسطهم فيه حماية لهم = قد أنقذنا ولكن إرمياء يقول لا.. فإن لم يكن الإصلاح داخليًا في القلب فلا حماية، والخراب لا بُد سيأتي. ولنلاحظ قول بولس الرسول أننا هيكل الله، ولكن “من يفسد هيكل الله يفسده الله” (1كو17،16:3). وهم أفسدوا أورشليم والهيكل بإجرامهم وخطاياهم، حتى أن الله يقول عن الهيكل أنه صار مغارة لصوص، وهذا إشارة لدمويتهم وعنفهم وإجرامهم. ولنلاحظ أن كل خطية عقوبتها فيها = أفإياى يغيظون ، أليس أنفسهم (19) فمن يتصور أنه يتحرر عن الله ويسلك ضد وصاياه، فهو يجلب على نفسه أهوالًا، كان لا يدريها، فالله أعطانا الوصايا لصالحنا. وعقوبة الخطية فيها (الإيدز والزهرى مثلًا…) ولا يصيب المخطىء سوى الخزى.

آيات 23، 22:-

المعنى أن الله لم يأمرهم بأن يقدموا ذبائح ومحرقات حين أراد أن يخرجهم من مصر، بل أنهم استمروا فترة طويلة في البرية دون أن يعطيهم الرب شريعة الذبائح (كرمز للصليب). ومع هذا اعتبرهم الله شعبه وابنه البكر بدون أن يقدموا ذبائح. لكن كان طلب الله منهم أن يحفظوا وصاياه، فالله أعطاهم الوصايا قبل الذبائح والمعنى أن حفظ الوصايا مقدم على الذبائح. وهذا ما فهمه داود فقال “لا تسر بالمحرقات فالذبيحة لله روح منسحق”. أما تقديم ذبيحة مع قلب نجس فالله لن يقبلها، ولا تعود سوى لحم، إذًا ليأكلوها هم طالما أن الله لن يقبلها. والله أعطاهم شريعة الذبائح بعد أن أعطاهم الوصايا بمدة طويلة.

الله لا يفرح بذبائح هي لحوم حيوانات محترقة بنار المذبح، لكنه يفرح بقلب شاعر بأنه أخطأ ويأتي لله نادمًا وينوى في قلبه أن يحكم على شهواته الخاطئة بالحرق.

فاصل

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى