تأملات في سفر حجي 2 – أ/ بولين تدري

 

“فى الشهر السابع في الحادى والعشرين مِن الشهر كانت كلمة الرب عنْ يد حجي النبي قائلًا كلٍم زربابل بن شالتئيل والى يهوذا ويهوشع بن يهوصادق الكاهن العظيم وبقية الشعب قائلًامَن الباقى فيكم الذي رأى هذا البيت في مجده الأول. وكيف تنظرونه  الآن. أما هو في أعينكم كلا شئ. فلآن تشدًد يا زربابل يقول الرب وتشدًد يا يهوشع بن يهوصادق الكاهن العظيم وتشدًدوا يا جميع شعب الأرض يقول الرب وإعملوا فإنى معكم يقول رب الجنود. حسب الكلام الذي عاهدتكم به عند خروجكم مِن مصر وروحى قائم في وسطكم. لا تخافوا. لأنه هكذا قال رب الجنود. هي مرة بعد قليل فأزلزل السموات والأرض والبحر واليابسة. وأُزلزل كُل الأمم ويأتي مُشتهى كُل الأمم فأملأ هذا البيت مجدًا قال رب الجنود. لى الفضة ولى الذهب يقول رب الجنود. مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم مِن مجد الأول قال رب الجنود. وفى هذا المكان أُعطى السلام يقول رب الجنود” (حجى2: 1-9).

تعزية الشعب مِن أجل قلة فخامة البيت:

أخذ الشعب يعمل قرابة شهر في بناء الهيكل، تكبدوا فيه متاعب كثيرة، وأكثر شيء أثار حزنهم، أن البقية منهم الذين رأوا الهيكل القديم بفخامته، ونظروا إلى هذا الهيكل شعروا بالفرق، فأرسل لهم الرب هذه الرسالة على يد حجي النبي ليُعزيهم.

أخذوا يعملون قُرابة شهر، لذلك استحقوا تعزيات في وسط الطريق، فيرجع الرب ويعدهم ثانية “إنى معكم”، “روحي قائم في وسطكم”، “تشدًد يا زربابل، تشدًد يا يهوشع، تشدًدوا يا بقية الشعب”.

ونحن أيضًا إذا استمر جهادنا، لا يدعنا الرب وحدنا، بل “لم تصبكم تجربة إلا بشرية. ولكن الله أمين الذي لا يدعكم تُجربون فوق ما تستطيعون بل سيجعل مع التجربة أيضًا المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا” (1كو10: 13).

إن تعزيات الرب لنا وقت الجهاد والمحن هي عون عظيم للنفس، لذلك يقول داود النبي:” إذ قُلت قد زلت قدمى فرحمتك يا رب تُعضدنى.عند كثرة همومى في داخلي تعزياتك تُلذٍذ نفسى” (مز94: 8، 19). ويقول أيضًا “طوبى للحزانى الآن لأنهم يتعزون” (مت5: 4). ويُقدم لنا أشعياء النبي وعد الرب الأمين: “ومفديو الرب يرجعون ويأتون إلى صهيون بالترنم وعلى رؤوسهم فرح أبدى. إبتهاج وفرح يُدركانهم. يهرب الحزن والتنهد. أنا أنا هو مُعزيكم. منْ انتِ حتى تخافى مِن إنسان يموت ومِن ابن الإنسان الذي يُجعَل كالعُشب. وتنسى الرب صانعك باسط السموات والأرض وتفزع دائمًا كُل يوم مِن غضب المُضايق عندما هيأ للإهلاك. وأين غضب المُضايق. سريعًا يُطلق المُنحنى ولا يموت في الجُب ولا يُعدم خُبزه” (أش51: 11-14).

-وأكثر مِن ذلك فإن الرب يرى أن مجد هذا البيت الأقل فخامة أكثر مِن مجد البيت الأول، ولك أمثلة كثيرة على هذا:

1 بطرس الرسول الذي خاف وأنكر، عندما رجع سلًمه الرب رعيته وقال له: “يا سمعان بن يونا أتُحبني أكثر مِن هؤلاء….. إرعى خرافي” (يو21: 15-17).

2 التلاميذ الذين هربوا بسبب الخوف مِن اليهود، دعاهم بعد قيامته وأرسلهم ليكرزوا لكُل المسكونة (مر16: 15).

3 توما الرسول شك في قيامة الرب، فجاء المسيح بنفسه إليه وبدًد شكوكه وأرسله للكرازة باسمه (يو20: 24-29).

4 شاول الطرسوسي هدًد كنيسته وقتل مؤمنيه، ولكنه بمحبة ظهر له وعلًمه كمْ ينبغي أن يتألم مِن أجل اسمه (أع9: 1-22).

** الآيات أيضًا مِن عدد 6-9 هي نبوة عن قُرب مجيء المسيح في الجسد، البهاء الحقيقي للهيكل. ومجيء المسيح تسبقه زلزلة ثم يأتي مُشتهى كُل الأمم. فمجيء المسيح تصحبه سعادة، لأنه “مُشتهى كُل الأمم”، فهل هو شهوتي ومصدر فرحى؟ هل إذا جاء يجد له مكانًا في داخلي ويجد موضع راحة له؟ أم يجد شهوات ومحبات كثيرة تملأ القلب؟ إن سُكنى الرب في القلب يُعطى بهاءًا ومجدًا للنفس لا يُضاهيه بهاء أو مجد.

ومجيء المسيح يصحبه سلام، لأنه إله السلام، وهكذا سبحت الملائكة “وظهر بغتة مع الملاك جمهور مِن الجند السماوي مُسبحين الله وقائلين. المجد لله في الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة” (لو2: 13، 14). فإله السلام ينتهر الرياح مِن حولنا، وهو الذي بدًد مخاوف التلاميذ بظهوره وسطهم بعد قيامته. ونحن أحيانًا نرتبك بسبب شرور الناس ومؤامراتهم ضدنا، ولكن في وسط كُل هذا نسمعه يقول: “الساكن في ستر العلى في ظل القدير يبيت. أقول للرب ملجأى وحصنى إلهى فأتكل عليه. لأنه يُنجيك مِن فخ الصياد ومِن الوبأ الخطر. بخوافيه يُظللك وتحت أجنحته تحتمى…. لا تخشى مِن خوف الليل ولا مِن سهم يطير في النهار….. يسقط عنْ جانبك ألف وعنْ يمينك ربوات. إليك لا يقرُب. إنما بعينيك تنظر وترى مُجازاة الأشرار” (مز91: 1-8).

كانت قد مضت خمس حِقب في تاريخ شعب الله: مِن آدم إلى نوح، ومِن نوح إلى إبراهيم، ومِن إبراهيم إلى موسى، ومِن موسى إلى هيكل سُليمان، ومِن هيكل سُليمان إلى السبي، وبقيت حقبة واحدة هي مجيء المسيح في الجسد، الذي هو “مُشتهى كُل الأمم”.

ومجيء المسيح تصحبه زلزلة، لأنه يأتي ليدين العالم، بعد أن كان نائمًا في إثمه ولا يدرى. ومجيئه يُزلزل كيان الأسرة الواحدة، لأن واحدًا في الأسرة يؤمن به والآخر لا يؤمن، كما قال: “فإنى جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه. والإبنة ضد أُمها والكنة ضد حماتها. وأعداء الإنسان أهل بيته” (مت10: 35، 36). والزلزلة أيضًا لأنه جاء لقيام وسقوط كثيرين، كما قال سمعان الشيخ للعذراء: “هذا قد وُضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل ولعلامة تُقاوم” (لو2: 34). وربما يُقصد بها الزلزلة التي حدثت عند قيامة الرب مِن الأموات “وإذا زلزلة عظيمة قد حدثت. لأن ملاك الرب نزل مِن السماء وجاء ودحرج الحجر عنْ الباب وجلس عليه” (مت28: 2). وأيضًا قد تكون الزلزلة التي حدثت عند موت الرب على الصليب، “فصرخ يسوع بصوت عظيم وأسلم الروح. وإذا حجاب الهيكل قد إنشق إلى إثنين مِن فوق إلى أسفل. والأرض تزلزلت والصخور تشققت. والقبور تفتحت وقام كثير مِن أجساد القديسين الراقدين. وخرجوا مِن القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين” (مت27: 50-53).

“مجد الأخير يكون أعظم مِن مجد الأول”، ربما الهيكل الأول كانت تُمارس فيه كُل الطقوس جيدًا، أما الأخير فيه رجع الشعب بكُل قلبه.

فالكتاب المقدس يقول الكثير في ذلك: “منْ يُحوٍل أُذنه عن سماع الشريعة فصلاته أيضًا مكروهة” (أم28: 9). ويقول على لسان أشعياء النبي: “لماذا لى كثرة ذبائحكم يقول الرب. إتخمت مِن مُحرقات كباش وشحم مُسمنات. وبدم عجول وخرفان وتيوس ما أُسر. حينما تأتون لتظهروا أمامى مَنْ طلب هذا مِن أيديكم أن تدوسوا دورى. لا تعودوا تأتون بتقدمة باطلة. البخور هو مكرهة لى. رأس الشهر والسبت ونداء المحفل. لست أطيق الإثم والإعتكاف. رؤوس شهوركم وأعيادكم بَغَضتها نفسى. صارت علىً ثقلًا. مللت حملها. فحين تبسطون أيديكم أستر عينى عنكم وإن كثرتم الصلاة لا أسمع. أيديكم ملآنة دمًا. إغتسلوا تنقوا إعزلوا شر أفعالكم مِن أمام عينىً كُفوا عنْ فعل الشر تعلموا فعل الخير. أطلبوا الحق أنصفوا المظلوم إقضوا لليتيم حاموا عنْ الأرملة. هلُم نتحاجج يقول الرب. إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج. إن كانت حمراء كالدودى تصير كالصوف. إن شئتم وسمعتم تأكلون خير الأرض. وإن أبيتم وتمردتم تؤكلون بالسيف لأن فم الرب تكلم” (أش1: 10-20) إن الرب يُريد قلب نقى، وأعمال صالحة، ولا يُريد مُمارسات كثيرة جافة كما لقوم عادة.

“فى الرابع والعشرين مِن الشهر التاسع في السنة الثانية لداريوس كانت كلمة الرب عنْ يد حجي النبي قائلًا: هكذا قال رب الجنود. إسأل الكهنة عنْ الشريعة قائلًا إن حمل إنسان لحمًا مُقدسًا في طرف ثوبه ومسً بطرفه خُبزًا أو طبيخًا أو خمرًا أو زيتًا أو طعامًا مًا فهل يتقدس. فأجاب الكهنة وقالوا لا. فقال حجي إن كان المُنجس بميت يمس شيئًا مِن هذه فهل يتنجس. فأجاب الكهنة وقالوا يتنجس. فأجاب حجي وقال هكذا هذا الشعب وهكذا هذه الأمة قُدامى يقول الرب وهكذا كُل عمل أيديهم وما يُقربونه هناك هو نجس. والآن فإجعلوا قلبكم مِن هذا اليم فراجعًا قبل وضع حجر على حجر في هيكل الرب. مُذ تلك الأيام كان أحدكم يأتي إلى عَرَمَة عِشرين فكانت عشرة. أتى إلى حوض المعصرة ليغرف خمسين فورة فكانت عشرين. قد ضربتكم باللفح وباليرقان وبالبرد في كُل عمل أيديكم وما رجعتم إلىً يقول الرب. فإجعلوا قلبكم مِن هذا اليوم فصاعدًا مِن اليوم الرابع والعشرين مِن الشهر التاسع مِن اليوم الذي فيه تأسس هيكل الرب إجعلوا قلبكم. هل البذر في الأهراء بعد. والكرم والتين والرمان والزيتون لم يَحمل بعد. فمن هذا اليوم أُبارك” (حجى2: 10-19).

نسيان الله لتكاسلهم، ومُباركته لهم:

** طلب الرب مِن حجي النبي أن يسأل الكهنة على الشريعة: حجي عمله التنبؤ، أما الكهنة فهم الذين عليهم أن يُعلموا الشعب الشريعة.

فلكُل واحد في بيت الرب عمله وموهبته، كما قال الرسول: “فإنى أقول بالنعمة المُعطاة لى لكُل مَنْ هو بينكم أن لا يرتئى فوق ما ينبغي أن يرتأى بل يرتأى إلى التعقُل كما قسًم الله لكُل واحد مقدارًا مِن الإيمان. فإنه كما في جسد واحد لنا أعضاء كثيرة ولكن ليس جميع الأعضاء لها عمل واحد. هكذا نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح وأعضاء بعضًا لبعض كُل واحد للآخر. ولكن لنا مواهب مُختلفة بحسب النعمة المُعطاة لنا. أنبوة فبالنسبة إلى الإيمان. أم خدمة ففى الخدمة. أم المُعلم ففى التعليم. أم الواعظ ففى الوعظ. المُعطى فبسخاء. المُدبر فبإجتهاد. الراحم فبسرور” (رو12: 3-8). ويقول أيضًا: “أنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد. وأنواع خِدم موجودة ولكن الرب واحد. وأنواع أعمال موجودة ولكن الله واحد الذي يعمل الكُل في الكُل. ولكنه لكُل واحد يُعطى إظهار الروح للمنفعة. فإنه لواحد يُعطى بالروح كلام حكمة. ولآخر كلام عِلم بحسب الوح الواحد. ولآخر إيمان بالروح الواحد. ولآخر مواهب شفاء بالروح الواحد. ولآخر عمل قُوًات ولآخر نبوة ولآخر تمييز الأرواح. ولآخر أنواع ألسنة. ولآخر ترجمة ألسنة. ولكن هذه كُلها يعملها الروح الواحد بعينه قاسمًا لكُل واحد بمفرده كما يشاء. لأنه كما أن الجسد هو واحد وله أعضاء كثيرة وكُل أعضاء الجسد الواحد إذا كانت كثيرة هي جسد واحد كذلك المسيح أيضًا. لأننا جميعنا بروح واحد أيضًا اعتمدنا إلى جسد واحد يهودًا كُنًا أم يونانيين عبيدًا أم أحرارًا وجميعنا سُقينا روحًا واحدًا….. فوضع الله أناسًا في الكنيسة أولًا رُسلًا ثانيًا أنبياء ثالثًا مُعلمين ثم قوات وبعد ذلك مواهب شفاء أعوانًا تدابير وأنواع ألسنة” (1كو12: 4-28).

المُهم أن يكتشف كُل واحد موهبته التي ائتمنه الله عليها لكي يستثمرها، ولا يتعالى على الآخرين، بل ويُفسح المجال لغيره لكي يُقدموا مواهبهم أيضًا. ولا يظن أحد أنه يملك جميع المواهب.

 

 الشعب تنًجس بتكاسله:

لقد سأل الرب سؤال: هل الإنسان إذا حمل شيء مُقدس ولمس أي شيء آخر، يتقدس هذا الآخر؟ وكانت الإجابة لا. وسأل سؤال آخر: هل الإنسان إذا تنجس بمسّ جسد ميت ولمس أي شيء آخر، يتنجس هذا الشيء الآخر؟ وجاءت الإجابة بنعم يتنجس. ونفهم مِن هذين السؤالين، أن النجاسة تنتقل بكيفية أسهل مِن القداسة، كما يقول الكتاب: “لا تضلوا. فإن المُعاشرات الردية تُفسد الأخلاق الجيدة” (1كو15: 33).

ويُريد الرب مِن توجيه هذين السؤالين أن يقول للشعب، إن تقديمكم الذبائح على المذبح بدون الاهتمام ببنيان بيت الرب، لنْ يُقدسكم، بل بالعكس، أعمالكم كُلها تنجست بإهمالكم وتكاسلكم، حتى ذبائحكم التي تُقدموها على المذبح تنجست. والرب لا يُريد عبادة شكلية ، بل يطلب عبادة مِن كُل القلب. إنهم بتقديمهم الذبائح كانوا يظنون أنهم في جو مُقدس يحميهم مِن تكاسلهم. وكثير مِن الناس يظنون أن حياتهم وسط الصالحين يجعلهم مقبولين أمام الله، مع أن الله يعرف كُل واحد على حقيقته، ويُريد أن يتعامل معه على إنفراد.

وقد قال يومًا عنْ شعبه: “يا مراؤون حسنًا تنبأ عنكم أشعياء قائلًا. يقترب إلى هذا الشعب بفمه ويُكرمنى بشفتيه وأما قلبه فمُبتعد عنى بعيدًا. وباطلًا يعبدوننى وهم يُعلمون تعاليم هي وصايا الناس” (مت15: 7-9 ، أش29: 3).

ويقول بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس مُحذرًا: “إعلم هذا أنه في   الأيام الأخيرة ستأتى أزمنة صعبة. لأن الناس يكونون مُحبين لأنفسهم مُحبين للمال مُتعظمين مُستكبرين مُجدفين غير طائعين لوالديهم غير شاكرين دنسين بلا حُنو بلا رضى ثالبين عديمى النزاهة شرسين غير مُحبين للصلاح خائنين مُقتحمين مُتصلفين مُحبين للذات دون محبة لله. لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها. فأعرض عن هؤلاء” (2تى3: 1-5).

وأعطانا السيد المسيح نفسه مثل الفريسي والعشار، عن اثنين صعدوا إلى الهيكل ليصلوا، ولكن قُبلت صلاة واحد ورُفضت صلاة الثاني (لو18: 9-14)، وذلك لأن كُل منْ يرفع نفسه يتضع ومنْ يضع نفسه يرتفع.

اليهود كانوا يعتبرون أنفسهم أصحاب المواعيد لأنهم أبناء إبراهيم بالجسد، ولكن الرب قال لهم أنه قادر أن يُقيم مِن هذه الحجارة أولادًا لإبراهيم. ويقصد بالطبع أولادًا يخدمونه بالروح والحق.

والله قال عنْ نفسه: “أنا هو الألف والياء البداية والنهاية يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي القادر على كُل شيء” (رؤ1: 8). فهو يُريد أن يكون الأول والآخر في حياتنا، ولا يقبل الفضلات بل يُريد أن نُعطيه مِن إعوازنا، يُريد البكور وليس النفايات، بكور وقتك وعواطفك واهتماماتك.

الرب يُكرر عليهم أخطاؤهم:

يُريد الرب أن يُذكرهم أنه وقت إهمالهم لبيت الرب، كانت البركات المادية غير موجودة. الرب يُذكرهم لأن الإنسان كثير النسيان، وحينما يأتي الفرج، يُنسى الألم.

ويُذكرًهم أيضًا بأيام القحط وعدم الخير بسبب تكاسلهم، لكي يُقارنوا حالهم ساعتها بالخير الذي أنعم به عليهم حينما تابوا، فيحرصوا على الاحتفاظ بهذه البركة.

يُذكرهم أيضًا لكي يعرفوا أن ما أتى عليهم مِن ضيقات كان بسبب تهاونهم وليس لأن الرب إله قاسِ.

 

ويُباركهم:

“اعلموا أنه مِن هذا اليوم الذي وضعتم في قلبكم أن تبنوا بيت الرب. فمن هذا اليوم أُبارك”.

فبالحقيقة: “بركة الرب هي تُغنى ولا يزيد معها تعبًا” (أم10: 22).

وكما دعا الرب إبراهيم أب الآباء وقال له: “أخرج مِن أرضك ومِن عشيرتك ومِن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك. فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأُعظم اسمك. وتكون بركة. وأُبارك مُباركيك ولاعنك ألعنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض” (تك12: 1-3)، هذه البركة هي لكُل إنسان على إيمان إبراهيم.

ويشهد داود قائلًا: “طوبى لكُل منْ يتقى الرب ويسلك في طُرقه. لأنك تأكل تعب يديك. طوباك وخير لك. امرأتك مثل كرمة مُثمرة في جوانب بيتك. بنوك مثل غروس الزيتون حول مائدتك. هكذا يُبَارَكُ الرًجُل المُتقى الرب. يُباركك الرب مِن صهيون وتُبصر خير أورشليم كُل أيام حياتك. وترى بنى بنيك. سلام على إسرائيل” (مز128).

مُكافأة زربابل على حماسه:

“وصارت كلمة الرب ثانية إلى حجي في الرابع والعشرين مِن الشهر قائلًا كلِم زربابل والى يهوذا قائلًا. إنى أُزلزل السموات والأرض وأقلب كُرسى الممالك وأُبيد قوة ممالك الأمم وأقلب المركبات والراكبين فيها وينحط الخيل وراكبوها كُلُ منها بسيف أخيه. في ذلك اليوم آخذك يا زربابل عبدى ابن شالتئيل يقول الرب وأجعلك كخاتم لأني قد إخترتك يقول رب الجنود” (حجى2: 20-23).

“كلِم زربابل”، إن الرب في الآيات السابقة (حجى2: 10-19) طمئن الشعب عن ما يخصُهم مِن خيرات حياتهم اليومية مِن أكل ولبس ودفء.

أما زربابل الوالي فتهمه الأمور على أوسع نطاق، فأرسل له الرب حجي النبي برسالة خاصة مُفادها، أنه ستأتي أيام صعبة على اليهود، ولكن سوف “أقلب كُرسى الممالك”، ربما يقصد الأحداث التي حدثت قبل مجيء السيد المسيح بالجسد، انقلاب اليونانيين على الفرس، والرومانيين على اليونانيين، وتموت مملكة يهوذا، (حيث خُربت بالفعل سنة 70 ميلادية)، ولكن في هذا الوقت سوف أحميك يا زربابل إذ أجعلك خاتم، لأني قد اخترتك وحفظت لك أمانتك وغيرتك على بيت الرب.

وقد تكون هذه الآيات ترمز أيضًا إلى الانقلابات الكثيرة التي تسبق المجيء الثاني للسيد المسيح في آخر الأيام، وذلك عندما تخضع جميع ممالك العالم لربنا ومسيحه. كما قال دانيال النبي: “وفى أيام هؤلاء الملوك يُقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبدًا ومَلكها لا يُترك لشعب آخر وتسحق وتفنى كُل هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد” (دا2: 44). وفى سفر الرؤيا يقول: “ثم بوًق الملاك السابع فحدثت أصوات عظيمة في السماء قائلة قد صارت ممالك العالم لربنا ومسيحه فسيملك إلى أبد الآبدين” (رؤ11: 15).

هذا هو الرب الحنون، الذي يفتقدنا في أوقات ضيقاتنا بتعزياته، بل أيضًا يستسمن أعمالنا الطيبة التي سبق وقدمناها، كما يقول المزمور:

 “يستجيب لك الرب في يوم الضيق. ليرفعك اسم إله يعقوب. ليُرسل لك عونًا مِن قُدسه ومِن صهيون ليُعضدك. ليذكر كُل تقدماتك ويستسمن مُحرقاتك. ليُعطك حسب قلبك ويُتمًم كُل رأيك. نترنم بخلاصك وبإسم إلهنا نرفع رايتنا. ليُكمل الرب كُل سؤلك.

الآن عرفت أن الرب مُخلص مسيحه يستجيبه مِن سماء قُدسه بجبروت خلاص يمينه. هؤلاء بالمركبات وهؤلاء بالخيل. أما نحن فإسم الرب إلهنا نذكُر. هم جثوا وسقطوا أما نحن فقمنا وإنتصبنا. يا رب خلصٍ. يستجيب لنا الملك في يوم دُعائنا” (مز20).

“وأجعلك خاتم”، معناها أن زربابل صار موضوع مسرة لله، وأيضًا تنُم على السُلطان الذي منحه الله إياه.

وقد كان حماس زربابل لبناء الهيكل الذي سُمى باسمه، داعيًا لحجي النبي لكي يرى فيه شخصية المسيا المُنتظر. فبالفعل كما صار زربابل موضوع مسرة الله، كان السيد المسيح موضوع مسرة أبيه، حيث جاء الصوت مِن السماء وقت عماده قائلًا: “هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت” (مت3: 17).

وأيضًا قد قيل عنْ السيد المسيح “قد اخترتك” كما جاء فى: “هوذا عبدي الذي أُعضده مُختاري الذي سُرت به نفسى. وضعت روحى عليه فيُخرج الحق للأمم” (أش42: 1). وقال أيضًا: “هنذا أضع في صهيون حجر زاوية مُختارًا كريمًا والذي يؤمن به لا يُخزى” (1بط2: 6).

وأيضًا يرمز للسيد المسيح، الذي لا تقوى عليه كُل قوى الشر وسُلطان الظلمة.

فاصل

فاصل

تفسير سفر حجي 1

تفسير سفر حجي
أ/ بولين تدري
فهرس
تفسير العهد القديم

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى