الكنعانيين
+ «وكان بعد موت يشوع أن بني إسرائيل سألوا الرب قائلين من منا يصعد إلى الكنعانيين أولاً لمحاربتهم، فقال الرب يهوذا يصعد . هوذا قد دفعت الأرض ليده … فصعد يهوذا ودفع الرب الكنعانيين والفرزيين بيدهم، فضربوا منهم في بازق عشرة آلاف رجل … وبعد ذلك نزل بنو يهوذا لمحاربة الكنعانيين سكان الجبل والجنوب والسهل، وسار يهوذا على الكنعانيين الساكنين في حبرون، … ، وسار من هناك على سكان “دبير” واسم دبير قبلاً قرية سفر .
وذهب يهوذا مع شمعون أخيه وضربوا الكنعانيين سكان “صفاه” وحرموها ودعوا اسـم المدينة “حرمة .” وأخذ يهوذا “ ”غزة وتخومها و“أشقلون” وتخومها و “عقرون” وتخومها، وكان الرب مع يهوذا فملك الجبل ولكن لم يطرد سكان الوادي لأن لهم مركبات حديد.» (قض ١:١-١٩)
من هذا يتضح غاية الوضوح أن الفلسطينيين لم يكونوا بعد قد نزحوا مـن مواطنـهم الأُولى إلى أرض كنعان، ولم يكن منهم أحد في هذه البلاد التي كان يقطنها ويمتلكها الكنعانيون فقط . كذلك يُلاحظ أن الكنعانيين سكان السهل كانوا يمتلكون مركبات حديد وهي التي قلدها الفلسطينيون بعدما غزوا البلاد.
+ «وكان لمَّا تشدّد إسرائيل أنه وضع الكنعانيين تحت الجزية ولم يطردهم طرداً، وأفرايم لم يطرد الكنعانيين الساكنين في جازر فسكن الكنعانيون في وسط جازر … فسكن الأشـيريون في وسط الكنعانيين سكان الأرض لأنهم لم يطردوهم.» (قض ١: و٢٨ و٢٩و٣٢).
ومن هذه الآيات يتضح أن الكنعانيين كانوا هم سكان الأرض، وكان الأشيريون يسكنون بينهم كغرباء، وهكذا عقد إسرائيل عن أن يتخلَّص من سكان البلاد الأصليين الذين ظلـوا قـوة تهـدّد وجودهم وتنغّص حياتهم كل الأيام. ولعل ذلك بسبب عدم أمانتهم في عبادة االله وطاعة وصاياه فتخلَّى عنهم .
واضح أن الكنعانيين هم سكان الأرض أصلاً، وقد استقروا في الشواطئ الشرقية للبحر الأبـيض المتوسط منذ القديم، وكان يصعب التفرقة بينهم وبين الأموريين (سكان شمال ما بين النهرين )، وقد اشتدت كثافة السكان الكنعانيين في الأقسام الغربية لفلسطين وسهل الأُردن دون العبور إلى الشرق .
وفي السواحل الغربية على البحر الأبيض في سهول اسدرايلون (يزرعيل)، وتخف كثافتهم على مناطق الجبـــال. وقد كوَّن الكنعــــانيون مــــا يـــشبه المقاطعـــات أو الأقاليم وكان يحكمها ملوك قبل غزو إسرائيل . كذلك كان قد استوطن فلسطين أجناس أخـرى كثيرة نازحة من الشرق والشرق الأدنى (هندوأريان) وشمال ما بين النهرين. أسماء عديدة نقابلـها في التوراة منها الحثيين Hittite الذين اشترى منهم إبراهيم “مقدار قبر ” لدفن امرأته سارة عند حبرون . والحويين Hivites والحـوريين Horites واليبوسـيين Jebusites والجرجاشـيين Girgashites والفرزيين Perizzites … إلخ. وهؤلاء الأقوام كلهم لا يمثلون العنصر السامي Semites نسبة إلى سام ابن نوح.
على أن الحوريين في القديم كانوا أشد كثافة في فلسطين من بقية الأجناس الأخرى بعد الكنعـانيين، حتى لقد أطلق المصر يون على فلسطين اسم “: حورو Huru . ” ولكن في عصر التوراة انحـصر هـذا الجنس في أدوم: «والحوريين في جبلهم سعير إلى بطمة فاران التي عند البرية» ولكن يشير الكتاب إلى
تواجدهم في جبعون (يش ٩) وفي شكيم (تك ٢:٣٤) وفي لبنان (يش ٣:١١) ( قض ٣:٣ ).
أمَّا الحثيون فقد كانوا مستوطنين حول حبرون (تك١٠:٢٣ ، ٩:٢٥). ولكن الحثـيين كـانوا موجودين أصلاً وبغزارة جنوب سوريا، بل وحكموا بعض الأقاليم هناك . ولكن جميع هذه الأجناس اختلطت بالكنعانيين وأخذوا عنهم كل عوايدهم وثقافتهم، حتى لم يعد يمكن التفريق بين الكنعـاني وأي مستوطن آخر في أرض فلسطين.
والكنعانيون لهم ثقافة وحضارة منذ القديم، ولكنها انحدرت إلى الضعف بعـد حكـم مـصر لفلسطين أيام الهكسوس وزيادة رسوم الجزية وغلظة المعاملة . وتظهر آثار ثقافتهم في الحفائر للمـدن الــــــتي خربها الإسرائيليون إذ وُجِـد بها وسائل حفر للمجاري على مستوى صحي عالٍ، و وسائل رفع المياه من العيـون والآبـار لتـدخل المساكن، كما وجد في أُورشليم وبقية المدن، وذلك اتقاءً للمجاعة أثناء الحصار.
وكان الكنعانيون تجاراً ممتازين على أرفع مستوى، يصدرون الأخشاب والمنـسوجات الغاليـة، ويتقنون صباغة الأقمشة الثمينة . وكانت لهم معاملات تجارية مع مصر وما بين النـهرين وسـوريا وجزر بحر إيجه في اليونان وجزيرة كريت (كفتور). كما مهروا في صناعة الخزف الملون حـتى إلى القرن الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد أي قبل الغزو الإسرائيلي.
ولم تقف الثقافة عند حد عمل اليدين، بل قد مهر الكنعانيون في الكتابـة، فـسكان بيبلـوس الكنعانيون استنبطوا حروفاً ومقاطع على أساس نموذج الخط المصري الفرعوني، وقد مهروا بعد ذلك في الكتابة والنساخة ليس بلغتهم المتطورة بل بلغة المصريين وخطهم وبلغة الأكاديين Akkadian . وهذه الكتابة التي استنبطوها على طريقة مصر وطوَّرها الكنعانيون تسرَّبت إلى لبنـان واليونـان وصارت هي أم اللغات الأوروبية.
علماً بأن الكتابة الكنعانية المستحدثة والمتطورة وُجِد لها جذور في شبه جزيرة سيناء حـول منطقـة سرابيت الخادم . وقد عثر الأثريون على تمثال على هيئة أبي الهول وعليه كتابة بهذه الحروف عينها، وزمنها ١٥٥٠-١٤٥٠ ق.م.
كما وُجِدت اللغة الكنعانية مكتوبة بالخط المسماري المعقَّد على مدونات أثرية، عثر عليهـا في رأس شمرا في الشمال من قبل القرن الرابع عشر قبل الميلاد، في مخطوطة شعرية فائقة الجمال، تسجل قصص كنعان البطولية موزونة على أساس الوزن العبري القديم، وهي تشر ح أيضاً عبادة الكنعـانيين وطقوسهم.
وهنا يجدر بنا الإشارة إلى أن غزو إسرائيل لفلسطين واكب نهضة أدبية وثقافيـة عاليـة عنـد الكنعانيين.
ولكن كان مستوى عبادة الكنعانيين منحطاً، يعبدون البعل ويسمونه السيد Lord وهو الاسـم الحديث للإله هدد Hadad القديم، وهو إله العاصفة الذي كان يحكم على كـل الآلهـة حـسب الأسطورة، وكان يقطن في المرتفعات فقط . كذلك كان لهم الإلاهة الأنثى عـشتاروت والإلاهـة الأنثى عناة – ذُكرت في الكتاب المقدس مضافة إلى اسم مدينة : مدينة بيت عنـاة – وهـي إلهـة الخصوبة وترسم بصورة إلهة حرب متعطِّشة للدماء. وكل هذه العبادات لها طقوس نجسة شنيعة تدور حول الغرائز السفلى.
أمَّا من الجهة السياسية فلم يكن لهم صورة دولة أو حكم، وخاصة بعد أن وقعت أرضهم تحـت الجزية لفرعون مصر، فقد تفرق شملهم السياسي . ولكن كان لهم ملوك ضعفا ء يملكون على المـدن وهم الذين يضطلعون بجمع الجزية، فكانت لهم بالطبع جنود وقوات للحراسة ولجمع الأموال . وكان عاهل مصر يرهقهم بالجزية وكأنه يحلب البلاد حتى ضعفت وافتقرت وانحدرت انحداراً شديداً نحو الفقر والفاقة، وانقسمت إلى مقاطعات صغيرة، ولم يبق فيها قوة إلاَّ في بعض المدن الكبرى.
وبذلك كانت بلاد كنعان في حال مستهدف للغزو والإطاحة بها بكـل سـهولة مـن قبـل الإسرائيليين.
يشوع بن نون | تاريخ العهد القديم | الفلسطينيون | |
الخروج | |||
تاريخ الكنيسة |