تفسير رسالة يوحنا الأولى أصحاح ١ للقمص تادرس يعقوب ملطي
الأصحاح الأول
التجسد الإلهي
يتحدث الرسول في هذا الأصحاح عن:
1. تجسد اللَّه الكلمة واهب الحياة 1
“الذي كان من البدء،
الذي سمعناه،
الذي رأيناه بعيوننا،
الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة” [1].
لاق بالرسول يوحنا أن يبدأ رسالته بهذه الشهادة القوية، لأنه كان أكثر التلاميذ والرسل دالة عند ربنا. انفرد باتكائه على صدره (يو 13: 23)، فتشرّب منه أسرارًا عميقة، وعاين مع يعقوب وبطرس أمجاد الابن على جبل تابور (مت 17: 1)، ورافق ربنا في خدمته حتى الصليب، متسلمًا منه الأم الحنون العذراء مريم أمًا له (يو 19: 25-27)، ونظر ولمس مع التلاميذ آثار جراحات ربنا القائم من بين الأموات (لو 24: 39).
ولعل القديس يوحنا كان في ذلك الوقت الرسول الوحيد الذي كشاهد عيان للرب لم ينتقل بعد، لذلك قال “الذي كان من البدء“، أي الأزلي غير المنظور، هذا صار جسدًا. أخذ ناسوتًا حقيقيًا هذا “الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا“، أي جاء الابن متأنسًا، فسمعناه ورأيناه ولمسناه، فأدركته قلوبنا “من جهة كلمة الحياة“. جاءنا لكي نراه من جهة الناسوت، فتتلامس معه أرواحنا، وتحيا به، إذ هو الإله الحي مصدر الحياة (يو 1: 1، 3).
وكما يقول القديس أغسطينوس: [من كان يستطيع أن يلمس اللَّه الكلمة لو لم يكن الكلمة قد صار جسدًا وحلَّ بيننا؟! لقد أخذ الكلمة المتجسد بداية ناسوته من مريم العذراء، لكن ليست هذه هي بداية الكلمة، إذ يقول الرسول: “الذي كان من البدء”، شريك الآب في الأزلية.]
جاء الكلمة متجسدًا لكي يعلن للبشر محبته لهم. فهو لا يريد أن يكون غريبًا عنهم بل قريبًا إليهم، يسمعون صوته في داخل نفوسهم ويرونه بقلوبهم، وتلمسه حياتهم الداخلية. وبهذا يتمتعون بكلمة الحياة، إذ يقول الرسول: “لا تقل في قلبك من يصعد إلى السماء، أي ليحدر المسيح. أو من يهبط إلى الهاوية، أي ليصعد المسيح من الأموات. لكن ماذا يقول؟ الكلمة قريبة منك في فمك وفي قلبك” (رو ١٠: ٦-٨).
ويعلق العلامة ترتليان على هذا النص فيقول: بأن اللَّه لا يراه أحد ويعيش (خر 33: 20؛ يو 1: 18). فالآب غير منظور، والابن غير منظور، لكنه أخذ جسدًا فصار منظورًا. هذا الابن، الذي وحده له عدم الموت، “ساكنًا في نورٍ لا يُدنى منه” (1 تي 6: ٦) أخذ جسدًا فمات عنا (1 كو 15: ٣) وصار منظورًا (1 كو 15: 8). لكن عندما رآه الرسول لم يكن قادرًا أن يبصره من أجل بهائه (أع ٢٢: ١١)، ولم يستطع بطرس ويعقوب ويوحنا أن يحتملوه (مت ١٧: ٦؛ مر ٩: ٦).
إذن جاء الابن الكلمة متجسدًا حتى تسمعه مع يوحنا وبقية التلاميذ ينادي الخطاة والعشارين بأسمائهم مترفقًا بهم بلا عتاب أو توبيخ. تسمعه بأذنين نقيتين يغفر لك خطاياك، مصالحًا إياك مع أبيه، دافعًا ثمن المصالحة: دمه الثمين.
وتشاهده يبحث عنك كراعٍ صالحٍ وأبٍ حقيقيٍّ. يذهب بإرادته إلى الصليب ويفتح جنبه حصنًا وسترًا لك، ترى فيه الأحشاء الملتهبة حبًا لك. تراه قائمًا من بين الأموات، صاعدًا إلى السماوات، فيرتفع قلبك به ومعه ويستقر فيه، لتكون حيث هو جالس.
تلمسه مع أمه العذراء مريم فتشتاق إليه، مقدمًا نفسك عروسًا بتولاً عذراء نقية له، وتلمسه مع تومًا معترفًا بألوهيته وربوبيته. تلمس قدميه مع المرأة الزانية، وتغسلهما بدموعك. فلا يستنكف منك بل يطوِّبك ويباركك. لا يرفض لمسات يدك ولا يستخف بدموعك، بل يحرص عليها كجواهرٍ ثمينةٍ لديه.
لأجلي ولأجلك جاء ربنا متجسدًا حتى تتمتع بالحياة التي أظهرها لنا “فإن الحياة أظهرت” [2]. وكما يقول القديس أغسطينوس: [لقد ظهر المسيح… كلمة الحياة بالجسد للبشر. في البدء ظهر للملائكة لا للناس، فعاينوه واقتاتوا به كخبز لهم. والآن صار خبزًا لنا إذ يقول الكتاب: “أكل الإنسان خبز الملائكة” (مز 78: 25).]
كما يقول: [لقد أُظهرت الحياة في الجسد، حتى أن من يمكن رؤيته بواسطة القلب وحده يُرى أيضًا بالعينين، حتى تُشفى القلوب.]
ويقول العلامة ترتليان: [لقد جاء المسيح لكي يظهر ذاته كحياة للنفس البشرية، مخلصًا الإنسان من موته الروحي، وليس بقصد الكشف لنا عن أسرار النفس.]
هذا هو غاية تجسد الكلمة. هذا هو ما رآه التلاميذ وشهدوا به.
v عندما يقول: “الذي كان من البدء” يشير إلى ميلاد الابن الذي بلا بداية، إذ هو موجود أزليًا مع الآب. ففعل “كان” هنا يعني “الأزلية”، بكونه الكلمة نفسه، أي الابن الذي هو واحد مع الآب، ومساوي معه في الجوهر، أزلي غير مخلوق. وعندما يقول: “لمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة” لا يعني جسد الابن مجردًا بل قوته أيضًا.
v يظن كثيرون أن هذه الكلمات تنطبق على ظهورات يسوع بعد القيامة. يقولون بأن يوحنا يتحدث عن نفسه وعن التلاميذ الآخرين، الذين سمعوا أولاً أن الرب قد قام، وبعد ذلك رأوه بأعينهم، لدرجة أنهم لمسوا قدميه ويديه وجنبه، وتحسسوا آثار المسامير. فإنه إن كان توما هو الوحيد الذي تلامس معه بالفعل جسديًا، فقد كان ممثلاً للآخرين. فقد طلب منهم المخلص أن يلمسوه ويروا ذلك بأنفسهم (لو 24: 39).
لكن آخرين رأوا في هذه الكلمات معنى أعمق، مدركين أنهم لم يتحدثوا على مجرد اللمس، بل أيضًا عن تدبير “كلمة الحياة الذي من البدء”. فإلى من يشير هذا إلا إلى الذي قال: “أنا هو الذي هو” (خر 3: 14).
يوجد تفسير آخر وهو أننا نرى علانية بأعيننا ذاك الذي كان من البدء، الذي تحدث عن الناموس والأنبياء أنه سيجيء. لقد جاء حقًا ونُظر في الجسد، وبعد معالجة ضخمة للنصوص الكتابية التي تشهد له. هذا ما نؤمن به بخصوص كلمة الحياة.
“وقد رأينا ونشهد” [2].
يقول القديس أغسطينوس: [إن كلمة “نشهد” تعني “صرنا شهداء”. فعندما نقول “رأينا ونشهد” كأنما نقول “رأينا وصرنا شهداء”، لأن الشهداء احتملوا العذابات بسبب شهادتهم الحقة لما رأوه وسمعوه عنه من الذين شاهدوا. هذه الشهادة أغضبت من جاءت ضدهم، فصار الشهود شهداء. وهذه هي مسرة اللَّه أن يشهد الناس له، ليشهد هو أيضًا لهم.]
إذن لنرى ربنا في حياتنا، ونشهد له بتجاوبنا مع عمله، حاملين سماته في حياتنا، مذبوحين كل يوم من أجله.
2. غاية التجسد
أ. أن يكون لنا شركة وتمتع بالحياة والفرح 2-4
“ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا.
الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به” [2].
تتلخص رسالة ربنا يسوع في تقديم نفسه للبشرية لكي يقبلوه رأسًا غير منفصلٍ عنهم ولا هم عنه، بل يصيرون من لحمه وعظامه (أف ٥: ٣٠)، أعضاء حية في جسده السري.
لقد أماتت الخطية النفس البشرية إذ حجبتها عن اللَّه مصدر حياتها، فجاء الابن الكلمة متجسدًا. واهب الحياة نفسه نزل إلينا ومات عنا وقام وصعد بقوة سلطانه، حاملاً إيانا على كتفيه كغنائم حية كسبها المنتصر الغالب الموت والظلمة، داخلاً بمجد عظيم، لا بمفرده بل حاملاً المفديين، لنكون معه ونتمتع به في السماويات.
وكما يقول القديس مقاريوس الكبير: [لقد تنازل اللَّه غير المنحصر، الجائز كل إدراك، صلاحًا منه ولبس أعضاء هذا الجسد، وتخلى عن المجد الذي لا يمكن الدنو منه… صار جسدًا واتحد به ليأخذ إليه النفوس المقدسة المقبولة الأمينة، ويصير معها روحًا واحدًا كقول الرسول بولس (١ كو ٦: ١٧)… لتعيش النفس باتفاق تام، وتتذوق الحياة الخالدة وتصير شريكة في المجد الذي لا يفسد.]
ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [والآن نحن الذين قبلاً حُسبنا غير مستأهلين البقاء في الأرض (تك 6: 7) رُفعنا إلى السماوات. نحن الذين كنا قبلاً غير مستحقين للمجد الأرضي، نصعد إلى ملكوت السماوات وندخل السماوات ونأخذ مكاننا أمام العرش الإلهي.]
هذا ما رآه التلاميذ وسمعوه يخبروننا به، فهل نحن لا نتمتع مثلهم؟ لهذا أضاف الرسول:
“لكي يكون لكم أيضًا شركة معنا” [3].
نحن شركاؤهم في الإيمان وفي الحياة الأبدية. إذ لمسه توما، قائلاً: “ربي وإلهي” لمسته أيدي البشرية كلها. لأننا وإن كنا لم نلمس بأيدٍ جسدية، لكننا نسمع ذلك التطويب الصادر من الفم الإلهي: “لأنك رأيتني آمنت. طوبى للذين آمنوا ولم يروا”.
لقد قام المسيح وتأكدنا من قيامته، وصارت لنا القيامة فيه. وبهذا اشتركنا مع التلاميذ في إيمانهم وتمتعنا معهم بالقيامة معه والحياة به.
v شركتنا هي في وحدة إيماننا هنا على الأرض، وفي مسكن اللَّه الأبدي في السماء.
هيلاري أسقف آرل
“وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح.
نكتب إليكم هذا لكي يكون فرحكم كاملاً” [3-4].
لمسه التلاميذ كشهود عيان بالحواس الخارجية، وأدركوه بالحواس الداخلية. وسلموا هذه الشهادة للأجيال التالية، فيتسلم كل جيل من سلفه بفرح “الإيمان المسّلم مرة للقديسين” (يه ٣).
وإذ يكون لنا هذا الإيمان الرسولي، الإيمان الواحد عبر كل الأجيال للكنيسة الواحدة نستطيع خلال الكنيسة وليس خارجها أن نتمتع بالشركة مع الآب والابن عريس الكنيسة، وبهذا يتحقق لنا الفرح الكامل من أجل الشركة والحب والوحدة الحقيقية، متمتعين هنا بعربون الحياة الأبدية.
وليس بالأمر العجيب ألا يذكر الرسول شركتنا مع الآب والابن إلاَ بعد قوله: “يكون لكم شركة معنا“، لأنه ليس لنا شركة إلاَ معهم، أي مع كل الرسل في داخل الكنيسة كأعضاء حية في جسد المسيح، مرتبطين بالإيمان الواحد للكنيسة مستقيمة الرأي.
v يحل كمال الفرح عندما نكون في شركة مع الرسل، كما مع الآب والابن والروح القدس.
هيلاري أسقف آرل
ب. أن نتبع اللَّه ونسلك في النور 5-7
غاية التجسد أن نتعرف على ربنا مخلصنا ونقبل الشركة معه، مقدمًا رأسمالها كله أي النور، وأما مساهمتنا نحن الذين في الظلمة والضعف، فباتحادنا مع النور تزول ظلمتنا لنسلك في النور.
يقول القديس أغسطينوس:
[“وهذا الخبر الذي سمعناه ونخبركم به“، ما هو الخبر الذي سمعوه ولمسوه بأيديهم؟… “أن اللَّه نور وليس فيه ظلمة البتة” [5].
هذا ما ينبغي أن نعلنه. فمن يجرؤ ويقول أن اللَّه فيه ظلمة؟!
ما هو النور؟ وما هي الظلمة؟ فربما يقصد الرسول مفهومهما العام.
“اللَّه نور“. يقول البعض أن الشمس نور والقمر نور والشمعة نور. إذن لابد أن يكون دلك النور أعظم بكثير من هذا كله. بل وأكثر سموًا وعلوًا. فما أبعد اللَّه عن المخلوق!!
يمكننا أن نقترب من هذا النور إن عرفناه، وسلمنا له نفوسنا لتستنير به. فنحن بأنفسنا ظلمة، ولا نصير نورًا إلاَ إذا استنرنا به هو وحده!
وإذ نحن متعثرون بذواتنا ينبغي ألا نتعثر به. ومن ذا الذي يتعثر به إلاَ الذي لا يدرك أنه خاطئ؟!
وماذا تعني الاستنارة به سوى أن يعرف الإنسان أن نفسه قد أظلمت بالخطية. ويرغب في الاستنارة بالنور فيقترب منه. وكما يقول المزمور: “اقتربوا إلى الرب واستنيروا، ووجوهكم لا تخزى” (مز 3٤: ٥). فإنك لن تخجل من هذا النور عندما يكشف لك ذاتك، ويعرفك أنك شرير. فتحزن على شرَّك، وعندئذ تدرك جمال النور.]
ويقول العلامة أوريجينوس: [حقًا إن اللَّه هو النور الذي يضيء أفهام القادرين على تقبل الحق، كما قيل في المزمور 36 “بنورك نعاين النور“. أي نور به نعاين النور، سوي اللَّه الذي يضيء الإنسان فيجعله يرى الحق في كل شيء، ويأتي به إلى معرفة اللَّه ذاته الذي يدعى “الحق”. فبقوله “بنورك يا رب نعاين النور” يعني أنه بكلمتك وحكمتك أي بابنك نرى فيه الآب.]
v لا يعرِّف يوحنا جوهر اللَّه… بولس أيضًا يدعو اللَّه “نور لا يُدنى منه” (1تي 16: 6).
عندما يقول يوحنا أنه لا توجد ظلمة في نور اللَّه يؤكد أن كل أنوار الآخرين يشوبها بعض العيوب.
v اللَّه هو نور الأذهان الطاهرة، وليس نور الأعين الجسدية. هناك (في السماء) سيكون الذهن قادرًا على معاينة هذا النور، الذي حتى الآن لا تقدر أن تعاينه.
“إن قلنا أن لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة نكذب
ولسنا نعمل الحق” [6].
جاء النور الحقيقي ليضيء لكل إنسان. “وهذه هي الدينونة، أن النور قد جاء إلى العالم وأحب الناس الظلمة أكثر من النور، لأن أعمالهم كانت شريرة” (يو ٣: 19). فمن يرفض السلوك في النور لا تكون له شركة مع اللَّه بل يكون مخادعًا غير سالك في الحق.
v ليس للكذب شركة مع الحق، كما ليس للنور شركة مع الظلمة. فإن وجود الواحد يستبعد الآخر.
القديس إيريناؤس
v الحق هو نور، فإن لم نُسر حسب الحق فنحن في الظلمة.
هيلاري أسقف آرل
“ولكن إن سلكنا في النور كما هو في النور،
فلنا شركة بعضنا مع بعض،
ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية” [7].
هذه هي علامة الشركة مع اللَّه: السلوك في النور. وهذه هي علامة السلوك في النور أن يكون لنا شركة مع بعضنا البعض، أي لنا الحب والوحدة القائمة على ارتباطنا جميعًا بإيمان واحدٍ مستقيم كأعضاء في الجسد الواحد. وأن يكون لنا تمتع مستمر بالتطهر من كل خطية خلال التوبة والاعتراف وذلك باستحقاق دم المسيح.
لقد وضع الرسول شركتنا مع بعضنا البعض، أي وحدتنا الإيمانية المملوءة حبًا ككنيسة واحدة قبل أن يقول: “ودم يسوع المسيح يطهر”، لأنه لا يستطيع إنسان أن يتمتع بدم المسيح خارج هذه الكنيسة الواحدة.
v كان دم الذبائح الحيوانية كافيًا لغسل الشعب من خطايا معينة ارتكبوها،، أما دم المسيح ففيه الكفاية في تطهير الذين يسلكون بالحب من كل الخطايا.
هيلاري أسقف آرل
ج. أن نعترف بخطايانا 8-10
“إن قلنا أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا.
إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل
حتى يغفر لنا خطايانا، ويطهرنا من كل إثم.
إن قلنا أننا لم نخطئ نجعله كاذبًا وكلمته ليست فينا” [8-10].
v من يظن أنه يعيش بدون خطية فهو بهذا لا ينزع عنه خطيته، بل يفقد الغفران.]
v قد يقول قائل: ماذا أفعل؟ كيف أكون نورًا وها أنا أعيش في الشرور والآثام؟! وبهذا يتطرق إليه اليأس والحزن، إذ ليس لنا خلاص بدون الشركة مع اللَّه، واللَّه نور وليس فيه ظلمة البتة، والخطية ظلمة، فكيف أتطهر منها؟! يكمل الرسول قائلاً: “ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية“. يا لعظم هذا الضمان الذي وهبه لنا! إننا بحكم وجودنا في هذا العالم وسط التجارب قد يتعثر الإنسان بعدما غفرت له خطاياه في المعمودية، لذلك يجب علينا أن نبذل ما في وسعنا معترفين بحالنا كما هو حتى يشفينا السيد المسيح بدمه.
v أي أحدٍ يسلك في ظلمة الخطية ويدّعي أن ذهنه لم يظلم، وأن له علاقة مع اللَّه فهو كاذب.
لكن قد يسأل سائل: هل من حاجة للاعتراف أمام أب الاعتراف؟
لكننا نسأل مع أغسطينوس قائلين: ولماذا تهرب من الاعتراف؟ هل بدافع الخجل؟ أم بسبب الكبرياء؟
v هل يمكن للرب أن ينطق بكلامٍ لغوٍ حينما أعطى التلاميذ سلطان الحل (يو٢٠ :22؛ مت 18: 18)؟!
v يخبرنا سفر الأعمال: “وكان كثيرون من الذين آمنوا يأتون مقرين ومخبرين بأفعالهم” (أع ١٩: ١٨).
v يقول القديس أغسطينوس: [أقام الرب لعازر، والذين حوله (التلاميذ) حلوه من الأربطة. ألم يكن قادرًا الذي وهب الحياة أن يحل الأربطة؟!]
v تقابل شاول مع الرب مباشرة، والرب حوّله إلى حنانيا.
v عاشت الكنيسة منذ القرن الأول على الاعتراف لدى الكاهن، فيقول الآباء:
أ. كما أن المعمد يستنير بنعمة الروح القدس هكذا بواسطة الكاهن ينال التائب الغفران بنعمة المسيح (البابا أثناسيوس الرسولي).
ب. إن سلطان حل الخطاة أعطى للرسل والكنائس التي هم أسسوها إذ أرسلوا من اللَّه، وللأساقفة الذين خلفوهم. (الشهيد كبريانوس).
ج. اسكبوا قدامي دموعًا حارة وغزيرة وأنا أعمل معكم هذا العمل عينه. خذوا خادم الكنيسة شريكًا أمينًا لكم في حزنكم وأبًا روحيًا، واكشفوا له أسراركم بجسارة اكشفوا له أسرار نفوسكم كما يكشف المريض جراحه الخفية للطبيب فينال الشفاء (غريغوريوس أسقف نيصص).
أما الذي يظن أنه ليس في حاجة للتوبة والاعتراف أي يحسب نفسه بارًا فهذا:
1. يضل نفسه [٨]، إذ يتجاهل حقيقة ضعفه وامكان سقوطه في أية لحظة.
2. ليس الحق فيه [٨]، لأن الحق نور، فيكشف للإنسان حقيقته.
3. يجعله كاذبًا [١٠]، أي يتهم اللَّه نفسه الذي يؤكد إنه لا صلاح للإنسان في ذاته، وأنه مهما بلغ من درجات القداسة يمكن أن يسقط إن تكبر أو تراخى في الجهاد.
4. وكلمته ليست فيه [١٠]، لأن هذه هي كلمة اللَّه ووصيته أن نطلب في كل يوم قائلين: “اغفر لنا ذنوبنا”.
أن نقبل ربنا شفيعًا كفاريًا (1 يو 2: 1).
مقدمة | تفسير رسالة يوحنا الأولى القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير رسالة يوحنا الأولى 2 |
تفسير العهد الجديد |