تفسير رسالة كورنثوس الأولى ١٥ للقس أنطونيوس فكري
شرح كورنثوس الأولى – الإصحاح الخامس عشر
مقدمة
قبل الإيمان بالمسيحية إنتشرت في كورنثوس المبادئ الفلسفية اليونانية التي رفضت فكرة القيامة، بل حتى الصدوقيون من اليهود الذين كان في أيديهم الكتاب المقدس رفضوا فكرة القيامة، ولم يفهموها. فكانت هناك 3 مدارس نادت بعدم وجود قيامة.
1) الصدوقيون (أي طغمة الكهنوت عند اليهود) + الآبيقوريون الوثنيون :- وقال كلاهما أن الإنسان ينقطع وجوده بعد الموت بالكلية، وأن أي فكر آخر ليس سوى نتاج غرور الإنسان ورغبته في تخليد نفسه.
2) الرواقيون :- قالوا أن النفس أو الروح تذوب في محيط الألوهية الذي خرجت منه مثل إبتلاع قطرة مياه في المحيط الكبير، وهكذا تنتهى ذاتية الفرد ويفنى.
3) تلاميذ أفلاطون : نادوا بدوام الذاتية وخلود الروح ولكنهم كانوا يرون في المادة أساس الشر، والعائق الوحيد بين النفس والصلاح المطلق، وعلى ذلك فلا خلود حقيقي إلاّ بالتحررالكامل من ربط المادة، فحينما تتحرر النفس من هذا الجسد الخبيث ومن تأثيره القاسي المفسد كسجن معطل، يكون هذا هو الخلود بعينه.
لذلك كانت عقيدة القيامة عقبة كبيرة في سبيل إنتشار الإنجيل في بداية المسيحية (أع 1:4، 2 + 17:5 +32:17 + 6:23 –9 + 1 كو 12:15). لذلك حين علم التلاميذ بفكرة القيامة في البداية واجهوا رفضاً شديداً.
وبعد أن آمن أهل كورنثوس بالمسيحية وبالقيامة نجدهم عادوا للشك في عقيدة القيامة، كما شكت المجدلية في القيامة بعد أن رأت الرب يسوع. ولكن كان شك أهل كورنثوس في عقيدة القيامة وإستجابتهم لأراء الفلاسفة اليونانيون، كان سببه شهوتهم للإرتداد للخطية، فمبدأ الوثنيون، أنه طالما لا حياة بعد هذه الحياة فلنتلذذ بقدر إمكاننا في هذه الحياة ” لنأكل ونشرب لأننا غداً نموت “. لذلك قال لهم الرسول ” أن المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة آية 33 “. وفى هذا الإصحاح نجد الرسول يتحدث عن قيامة الرب يسوع ثم قيامتنا كلنا ونجده يقدم لأهل كورنثوس عدة براهين على صحة هذه العقيدة :-
1) سابق أيمانهم “وهكذا آمنتم آية 11 “.
2) قيامتهم من موت الخطية و التغيير الذي حدث في حياتهم …. وتقومون فيه آية 1
3) شهادة العهد القديم من النبوات آيات 3، 4
4) شهادة التلاميذ وغيرهم ممن رأوا الرب بعد قيامته آيات 5 – 7
5) الظهور الذي كان لبولس نفسه في الطريق آية 8
6) التغيير الذي حدث لبولس نفسه من مضطهد للكنيسة إلى رسول آية 9
7) أستشهد بولس بعادة كانوا يمارسونها في كورنثوس آية 29
8) تعريض بولس نفسه للخطر وللموت بسبب إيمانه بالقيامة آية 30
9) إثبات صحة القيامة من الطبيعة، فالنبات لا ينبت إلاّ بعد دفن البذرة آية 36
و القيامة لها مركز عجيب بالنسبة للمسيح نفسه وبالنسبة لنا كمؤمنين، هي حجر أساس الإيمان المسيحي، وهى التي تبلور قضية الفداء، فبعد أن سادت الخطية والموت وفسدت الطبيعة. كانت القيامة التي هي كل شئ للإيمان المسيحي (1بط 3:1،4).لأنها خلصت البشرية من حكم إبليس والخطية والموت. وصار للخطاة حق الحياة مرة أخرى، فأجرة الخطية موت، وإن كانت الخطية موت، فالتوبة بالضرورة تكون قيامة. لذلك نقول أن هناك قيامتان. الأولى هي قيامة الخاطئ من موت الخطية (يو 25:5). ومن لهُ نصيب في هذه القيامة الأولى، سيكون له نصيب في القيامة الثانية في الأبدية (يو 28:5، 29 + رؤ 6:20). فمن إستمع لصوت الرب يسوع وقَدَّم توبة و آمن بالمسيح، يقوم من موت الخطية وتتغير طبيعته الفاسدة التي شوهتها الخطية، وتصير له حياة مقامة من بين الأموات، يصير خليقة جديدة لا تشتهى الأرض والماديات، بل تشتهى السماء. مثل هذا يختلف شكله عن العالم في لغته ومبادئه. وهذا التغيير هو أكبر دليل على حقيقة القيامة، أما من لايزال يحب العالم والخطية نجده غير قادر على فهم قوة القيامة. فالقيامة ليست نظرية، وليست قصة تاريخية أن المسيح قام بعد أن صلبوه من 2000 سنة، بل أن القيامة هي أن المسيح قام ليعطينا حياته المقامة من الأموات، لنحيا بها منتصرين على الخطية.
الآيات 1 – 34
آية 1 :- و اعرفكم ايها الاخوة بالانجيل الذي بشرتكم به وقبلتموه وتقومون فيه.
أعرفكم = أي أذكركم بما سبق وبشرتكم به. الإنجيل = بشارة مفرحة هي القيامة، وتعاليم الخلاص و أهمها القيامة. وتقومون فيه = أي تعيشون حياة القيامة أي النصرة على الخطية إذ قمتم مع المسيح. وأنتم يا أهل كورنثوس قد تغيرت حياتكم من حياة فساد لحياة قداسة وصارت لكم مواهب. فكيف حدث هذا إن لم تكن هناك قيامة. وأتت تقومون بصيغة الفاعل المستمر فموضوع قيامتنا وخلاصنا هو موضوع جهاد الكنيسة كل وقت. لأننا عرضة للخطية والموت، وأصبحنا في حاجة للقيامة التي تعنى بدورها التوبة المستمرة، إستعداداً للقيامة من الأموات في اليوم الأخير.
آية 2:- و به ايضا تخلصون ان كنتم تذكرون اي كلام بشرتكم به الا اذا كنتم قد امنتم عبثا.
مخلصون = إذاً الخلاص عملية مستمرة في حياتنا تتم وتكمل بدخولنا إلى الأبدية، الخلاص يبدأ بالنجاة من الخطية ثم بالنجاة من عقابها.
وبه = وبهذا الإنجيل أي البشارة المفرحة التي سلمتكم إياها وقبلتموها وعلى أساسها تقومون كمسيحيين، هذه البشارة تتضمن القيامة كموضوع أساسي فيها. بهذه البشارة تخلصون إذا تمسكتم بتعاليمها في ثبات وقوة.
إلا إذا كنتم قد آمنتم عبثاً = إلاّ إذا كان أيمانكم سطحياً غير مثمر، أي باطلاً، أي إستمرت حياتهم بعد الإيمان في نفس الخطايا السابقة.
آية 3 :- فانني سلمت اليكم في الاول ما قبلته انا ايضا ان المسيح مات من اجل خطايانا حسب الكتب.
سلمت إليكم = فى تعاليمى و كرازتى الشفوية. ما قبلته = ما قبله كان بإعلان (غل 12:1) بالإضافة لما تسلمه من الكنيسة كتقاليد. حسب الكتب = هنا يلجا لشهادة العهد القديم و النبوات (راجع (مز 22 + أش 53 + دا 9 : 26 + زك 10:12) وقصة يونان وذبح اسحق كرموز). وإنه لمما يدل على صدق إيماننا أن تتطابق حقائق الإيمان مع نبوات العهد القديم.
آية 4 :- وانه دفن وانه قام في اليوم الثالث حسب الكتب.
التعليم بموت المسيح و قيامته هو أساس وجوهر الديانة المسيحية و راجع (مز 10:16 +أش 53 : 10+ هو 2:6). وهناك شهود رأوا دفنه ثم رأوا قيامته، قيامته التى يتأسس عليها كل رجاؤنا.
آيات 5-8 :- وانه ظهر لصفا ثم للاثني عشر. وبعد ذلك ظهر دفعة واحدة لاكثر من خمس مئة اخ اكثرهم باق الى الان ولكن بعضهم قد رقدوا. وبعد ذلك ظهر ليعقوب ثم للرسل اجمعين. واخر الكل كانه للسقط ظهر لي انا.
حدث القيامة حدث غير عادى. فالمسيح ظهر لكثيرين، ومهما حاول اليهود إخفاء الحقيقة فلقد ظهرت حقيقة القيامة. ولقد سلم من رأى لمن لم يرى، ثم تسلمته الكنيسة كلها. والرسول هنا يلجا لشهادة رجال موثوق فيهم كالتلاميذ، ولم يلجأ لشهادة المريمات فأهل كورنثوس لا يعرفون شيئاً عنهم (أمّا الأناجيل الأربعة فإهتمت بشهادة مريم المجدلية، فهذا هدف الأناجيل، أن تتحول المجدلية التى سكن فيها شياطين إلى كارزة)
للإثنى عشر = وقت القيامة كانوا قد صاروا أحد عشر بعد إنتحار يهوذا وتسميتهم إثنى عشر ترجع إمّا
1) أنه صار إسم شهرة لهم وهذا هو الأرجح
2) أن الرب ظهر لهم بعد إختيار متياس الرسول ال 12.
لصفا = ربما عرف بولس أن المسيح ظهر له من بطرس نفسه حين أقام عنده (غل 18:1) أمّا ظهور المسيح ليعقوب فلم يذكر سوى فى هذا المكان. وظهور الرب للخمسمائه أخ فربما كان ذلك فى الجليل فى الجبل (مت 16:28-20). وبولس الرسول يلجأ لشهادة ال 500 أخ حتى لا يقول أحد أن التلاميذ لشدة تعلقهم بالمسيح تخيلوا قيامته. للرسل أجمعين = ال 70 رسولاً. بعضهم قد رقدوا = ولم يقل ماتوا وهكذا يؤكد حقيقة القيامة وإنها كاستيقاظ من النوم. بينما نجده يقول فى آية 3 عن المسيح أنه مات ليؤكد حقيقة ألامه وصلبه و موته. كأنه للسقط ظهر لى أنا = فأحد شهود القيامة هو بولس نفسه الذى رأى المسيح وهو في طريقة لدمشق، وحولته القيامة من مضطهد للكنيسة إلى رسول صانع للمعجزات. السقط = هو الولد الذى يسقط من بطن أمه ميتاً قبل تمامه. وبولس سمى نفسه سقطاً، فالسقط لا يعيش، وبولس بسبب إضطهاده للكنيسة ما كان يحق له الحياة، لولا أن أدركته رحمة الله. هو يرى نفسه سقطاً لتأخره فى قبول الإيمان وهو الفيلسوف الدارس للعهد القديم وعارف بنبواته. وكان المفروض أن يكون في مقدمة المؤمنين. والمقصود أننى أنا بولس لست أهلاً أن أكون رسولاً كما أن السقط ليس أهلاً أن يكون إنساناً، بل هو يموت ولا يستطيع أن يحيا كذلك أنا، فأنا لا أستحق سوى الموت لأننى إضطهدت كنيسة المسيح. كان من المفروض أن أُولد مع الكنيسة يوم ميلادها ولكننى بسبب خطاياى لم أُولد، بل صرت مضطهداً للكنيسة، لذلك كنت غير مستحق للحياة ولا أن أبقى رسولاً. لكن نعمة الله أعطتنى أن أحيا. المسيح القائم أعطانى حياته لأحيا بها.
آية 9 :- لأني اصغر الرسل انا الذي لست اهلا لان ادعى رسولا لاني اضطهدت كنيسة الله.
المؤمن الحقيقى والتائب الحقيقى هو من يشعر بالمذلة ويذكر خطاياه السابقة قائلاً مع المرتل ” خطيتي أمامى كل حين ” بل يكره نفسه ويتضع كما تواضع الرسول فى هذه الآية. فهو لا يذكر أنه صار رسولاً عظيماً بل ظل يذكر خطاياه السابقة. وتذكر الخطايا السابقة يعطى إنسحاقاً، والمنسحق لا تستطيع الشياطين أن تخدعه، ويحيا شاكراً الله الذى أدركه برحمته. أما الذى يشعر فى نفسه أنه مستحق، فإبليس يستغل كبريائه ويخدعه. بل أن كل ما يمتلئ الإنسان من الروح تنفتح عينه ويرى قذارة خطاياه فيحتقر نفسه، هو يرى قداسة المسيح، ويرى خطاياه، فيدرك كم هى قذرة خطاياه فينسحق بالأكثر.
آية 10 :- ولكن بنعمة الله انا ما انا ونعمته المعطاة لي لم تكن باطلة بل انا تعبت اكثر منهم جميعهم ولكن لا انا بل نعمة الله التي معي.
هو قال فى إتضاعه أنه أصغر جميع الرسل. ولكن هذه الآية شهادة لعمل نعمة الله معه، أى التى عملت معه. لا بإستحقاقه الشخصى فهو كان مضطهداً لكنيسة المسيح، بل لنعمة الله، وكلما تصور ماضيه تعاظمت فى عينيه نعمة الله التى غيرته إلى رسول فيشكر الله على نعمته. هو لم يكن سوى
إناء صالح إستخدمته نعمة الله. لم تكن باطلة = إذ آمن الكثيرين بكرازتي، و أعطته النعمة أن يتحمل كل أتعاب الكرازة التى كانت فوق ما تحمل كل الرسل. وفى هذه الآية نجد أن النعمة (وهى عطية مجانية) لا تُعطى إلاّ لمن يستحقها = تعبت اكثر منهم جميعهم = فبجهاده إستحق كل هذه النعمة.
آية 11 :- فسواء انا ام اولئك هكذا نكرز وهكذا امنتم.
كلنا. أنا = بولس أم أولئك = الرسل. هكذا نكرز = بالقيامة وأنتم آمنتم بها
آية 12:- و لكن ان كان المسيح يكرز به انه قام من الاموات فكيف يقول قوم بينكم ان ليس قيامة اموات.
كيف تنكرون القيامة مع كل هذه البراهين وكل هؤلاء شهود لها و يكرزون بها وهم محل ثقة. وقد سبق لكم أنكم آمنتم بها وإختبرتم فاعليتها.
آية 13 :- فان لم تكن قيامة اموات فلا يكون المسيح قد قام.
المسيح لم يكن محتاجاً أن يتجسد ويموت و بالتالى يقوم إلاّ من أجلنا، فإن لم تكن هناك قيامة للأموات إذاُ فما الداعى أن يقوم المسيح أو أن يموت أصلاً. فهو تجسد وشاركنا فى جسدنا ليموت ونموت معه ويقوم فنقوم معه، فما قصده المسيح بقيامته هو إقامتنا نحن، فقيامته هى قيامة لنا ولو بقى المسيح فى الجسد أو بقى فى القبر لبقى للموت سلطان علينا.
آية 14 :- وان لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل ايضا ايمانكم.
وان لم يكن المسيح قد قام حقا، فإن كرازتنا لن تكون ذات مضمون روحى، ولا ذات معنى على الإطلاق، فالمسيح أعطانا حياته التى قام بها من بين الأموات فصارت لنا حياة مقدسة بدلاً من الفساد الذى كنا نحيا فيه. وكذلك الأمر بالنسبة لإيمانكم، فلن يكون ذات مضمون جوهرى، طالما أن كرازتنا وإيمانكم، كلاهما مؤسس على حقيقة القيامة من الأموات. فباطلة كرازتنا = عديمة النفع وبلا ثمر من نحو خلاص الإنسان. وباطل أيضاً إيمانكم = عديم الثمر ولا جدوى منه، كلمة (باطل تعنى هنا بلا نفع) وكيف يكون باطلاًً وأنتم على ما أنتم عليه من مواهب وحياة قوية وقارنوا حالكم أيام الوثنية والآن، فمن أين أتت لكم هذه الحياة بعد موت الخطية.
آية 15 :- و نوجد نحن ايضا شهود زور لله لاننا شهدنا من جهة الله انه اقام المسيح وهو لم يقمه ان كان الموتى لا يقومون.
إن لم يكن المسيح قد قام نكون نحن شهود زور لأننا شهدنا بقيامته وهو لم يقم. وكيف نكون شهود زور ونحن قد عملنا وسطكم كل هذه الآيات وأنتم ختم رسالتنا (1 كو 2:9) أى بإيمانكم وحياتكم المقدسة والمواهب التى عندكم قد ظهر صدق رسالتنا وأنها حق. وهل كل هؤلاء الذين شهدوا بأنهم رأوا المسيح بعد قيامته، هم شهود زور.
آية 16 :- لانه ان كان الموتى لا يقومون فلا يكون المسيح قد قام.
راجع تفسير آية 13. ففى الآيتين نجد الرسول لا يضع المسيح فى دائرة والناس فى دائرة أخرى. بل يقرن المسيح بالبشر فهم جسده، وما يحدث للواحد يحدث للآخر.
سبق الرسول فى آية 15 وقال ” إن كان الموتى لا يقومون ” أى بحسب إعتقادكم. فبحسب إعتقادكم هذا نكون شهود زور، لأنه إذا صدق أن الموتى لا يقومون فان المسيح أيضاً بالتبعية لم يقم، فهو أخذ جسدنا. فان كان قد قام بجسده الذى هو جسدنا، فنحن أيضا سنقوم بأجسادنا مثله.
آية 17 :- وان لم يكن المسيح قد قام فباطل ايمانكم انتم بعد في خطاياكم.
هنا نرى شهادة الإيمان. فإنكار قيامة المسيح يستدعى إنكار عمله الخلاصى، وبالتالى بطلان الكرازة به وبطلان الإيمان به. المسيح أتى لا ليصنع صلحاً بيننا وبين الآب فقط، بل ليحررنا من جرم الخطية وسلطانها (رو 11:6-23 + 2:8). وهذا أتمه بتقديم حياته لنا، لقد غلب الخطية فى شخصه، ثم قَدَّمَ للآب ذبيحة حياته النقية المقبولة عنا، بدلاً من حياتنا الملوثة العفنة، وبهذا غُفرت خطايانا. وقام من الأموات ظافراً بالشيطان محرراً أحباءهُ من سلطان الخطية والموت، بإعطاء الحياة الجديدة لكل من يدخل فى عهد معه. هبة الله إلى جميع الناس لتبرير الحياة (رو 15:5-21). ولو لم يقم المسيح من الأموات لما قامت البشرية فيه من قبور خطاياها. ولما كان هناك رجاء بقيامة الموتى من التراب. فكيف، لمن غلبه الموت أن ينقذ الآخرين من موت الخطية الآن و نحن فى الجسد، وبعد ذلك من الموت الأبدى.
أنتم بعد فى خطاياكم =
1) قيامة المسيح هى إعلان عن بره وأنه مات عن خطايانا فهو بلا خطية. إذاً هى إعلان عن قبول الآب لكفارة المسيح. وكون أن المسيح لا يقوم فمعنى هذا أنه مات بسبب خطيته هو ولم تقبل كفارته. وبالتالى فخطايانا تبقى بلا غفران
2) المسيح بقيامته أعطانا حياته الجديدة، وبهذه الحياة ننتصر على الخطية. فإذا لم يكن المسيح قد قام، فمازلنا عبيد للخطية، وأحكموا فى أنفسكم، فهل بعد أن آمنتم و إنتقلتم إلى البر تنكرون قوة القيامة العاملة فيكم
آية 18 :- اذا الذين رقدوا في المسيح ايضا هلكوا.
رقدوا فى المسيح = أى كان لهم إيمان ورجاء فى المسيح، وإعتمدوا. هل هؤلاء هلكوا. هل هذا ما تريدونه لأحبائكم وأقربائكم يا من تصدقون هؤلاء الفلاسفة. أمّا نحن كمسيحيين فإيماننا أن من مات فى المسيح، ومات على الرجاء تصير لهُ المواعيد.
آية 19 :- ان كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح فاننا اشقى جميع الناس.
فى هذه الحياة فقط = هذا إن أنكرنا القيامة. فالمسيح لم يعط وعداً للمؤمنين بأى شئ فى هذا العالم بل بالعكس وَعَدنا بالضيق والألم وكراهية العالم لنا، وأن من يذبحنا يتصور أنه قدم خدمة لله (يو 33:16،2+ يو 18:15 –21). فإن وضعنا رجاءنا فى المسيح فى هذا العالم فقط أى بلا رجاء فى الحياة الأبدية (هذا لمن ينكر أن هناك قيامة) فنحن أشقى جميع الناس. لأنه لا رجاء فى الأبدية، وبلا راحة فى العالم. لكن المؤمنون الحقيقيون (المؤمنون بالقيامة) يحتملون ضيق هذا العالم بل تاركين ملذات العالم، لأن رجاءهم فى مجد أبدى بعد القيامة. هم يضحون بهذا العالم فى سبيل العالم الآخر. فإذا لم يكن هناك عالم آخر، فبئس حال المؤمنين فى الحياة الحاضرة.
آية 20 :- و لكن الان قد قام المسيح من الاموات و صار باكورة الراقدين.
لكن لن نكون كذلك، لن نكون أشقى جميع الناس لان المسيح قد قام وهذه حقيقة وبهذا لن نفقد رجاءنا الذى وضعناه فى المسيح ولن يضيع إيماننا عبثاً.
الباكورة = أشهر أعياد اليهود كان عيد الفصح، ويقدمون فيه خروف الفصح ذبيحة وهذا رمز ليوم الصليب، فالمسيح هو فصحنا (اكو 7:5). وفى ثالث أيام الفصح كانوا يعيدون بعيد الباكورة. وهو أول حصاد القمح. وهذا العيد كان رمزاً ليوم القيامة (ثالث يوم للصليب). وبعد 50 يوماً كان عيد الحصاد (بنتيكوستى) رمزاً ليوم حلول الروح القدس وتأسيس الكنيسة. فكان المسيح بقيامته هو باكورة وسيأتى بعده الحصاد العظيم يوم القيامة. قيامة المسيح صارت عربوناً لقيامة كل الراقدين المؤمنين. المسيح كان حبة الحنطة التى سقطت فى الأرض لتأتى بثمر كثير (يو 24:12). وبدأ هذا بإيمان 3000 نفس يوم الخمسين وسيكمل هذا فى يوم القيامة إذ نقوم على شكل جسد المسيح القائم من بين الأموات. ولماذا سمى المسيح بالباكورة مع أنه قد قام قبله كثيرين ؟ (من أقامهم ايليا واليشع ومن أقامهم المسيح). لان هؤلاء ماتوا ثانية. أمّا المسيح فبعد أن قام لن يموت ثانية، ونحن سنكون مثله. فبعد أن نقوم فى القيامة لن نموت ثانية.
آية 21 :- فانه اذ الموت بانسان بانسان ايضا قيامة الاموات.
لا يجب أن يكون لنا شك فى القيامة، لأنه بآدم دخل الموت لكل العالم، فهكذا أيضاً بواسطة الإنسان دم الأخير أى المسيح، وبواسطة النعمة التى حملها للجنس البشرى تتحقق القيامة من الأموات. هم كانوا غير فاهمين لماذا إذ قام المسيح سنقوم جميعا. ويقول الرسول هنا، أن لهذه الحقيقة شبيه تماماً أمامنا فحين مات آدم متنا كلنا مثله. والسبب أننا جسده، نحن جزء منه. والمسيح أخذ جسدنا، ونحن نصير جزء منه بالمعمودية والتناول من جسده ودمه، ويقول الرب إثبتوا فى وأنا فيكم (يو 4:15) (إى بحياة الطهارة) وهكذا طالما نحن جزء من جسد المسيح، فما يجرى على جسد المسيح يجرى علىَّ. بل يكون مكاني في عرشه (رؤ 21:3)
آية 22 :- لانه كما في ادم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع.
أى كما أنه بسبب علاقة الإتحاد القائمة بين آدم وأحفاده، إذ هم جسده مات جميع نسل آدم، هكذا بسبب علاقة الإتحاد بين المسيح والبشر، يحيا الجميع فى المسيح. آدم فتح طريق الموت والمسيح فتح طريق الحياة. سيُحيا =تعود لهم الرابطة بالله وحياة الشركة معهُ، يحيون هنا حياة روحية، وتكون لهم حياة بجسد ممجد فى السماء، أى يحيى الله أجسادهم من الموت. الجميع = أى الثابتين فيه (المؤمنين المعمدين الذين يموتون وهم في حالة توبة)
آية 23 :- و لكن كل واحد في رتبته المسيح باكورة ثم الذين للمسيح في مجيئه.
كل واحد فى رتبته = ليس الكل لهم نفس المجد فى السماء فليس الكل لهم نفس الجهاد ونفس التعب (1 كو 58:15 +1 كو 8:3). إذاً سيكون هناك رتب، وهذا ما أشار إليه الرسول فيما بعد قائلاً نجماً يمتاز عن نجمٍ في المجد (1 كو 41:15). وهذا لن يكون سبباً فى غيرة وحسد ممن هم أقل فى الرتبة، فالغيرة والحسد من صفات طبيعتنا الساقطة، ولكن طبيعة السماء هى الحب، ومع الحب لا حسد ولا غيرة.
فى مجيئه = متى كملت أيام الحصاد يأتى أوان الجمع.
مقدمة للآيات 24-28
الصورة التى أرادها الله يوم خلق آدم، هى علاقة المحبة بين الله وآدم. وعلامة محبة الله لآدم هى أن الله يفيض عليه من بركاته وخيراته. وعلامة محبة آدم لله هى خضوعه الكامل لثقته فيه. ولما شك آدم فى كلام الله و أكل سقط ومات. بل خضع آدم لسلطان الشيطان وتمرد الإنسان على الله، وصار الإنسان ليس خاضعاً تماماً لله (عب 8:2). وصار الله لا يملك بالكامل على الإنسان.
وكان لا يمكن لله ملك الملوك أن يقبل بإستمرار هذا الوضع من تمرد ضد الله، وهذا يثيره الشيطان فى الإنسان، أن يتمتع الإنسان بالخطية حتى لو ضد إرادة الله. فكان تجسد المسيح ليجمع أولاد الله فيه، ويأتى بالكل خاضعين لله، ويعيد ملك الله الكامل له، هؤلاء أى جسد المسيح سيخضعون عن حب. أما الأشرار فسيضعهم تحت قدميه. أولاد الله يوحدهم فى جسده، وهذه إرادته (يو 20:17-24). ويقدمهم كجسد لهُ، وهو رأس الجسد، خاضعين لله. وهذه الصورة بدأت الآن فينا كمؤمنين خاضعين لله ننفذ وصاياه وهو يبارك فى حياتنا وستكمل الصورة فى الأبدية. على أن الصورة الآن ليست كاملة، إذ مازلنا فى الجسد، والشيطان يستغل ضعف الجسد فنخطئ إلى الله فى بعض الأحيان. ولكن فى الأبدية سيكون الخضوع كاملاً وبهذا يصبح المنظر الأخير فى الأبدية هو الصورة التى أرادها الله منذ البدء وهى أن يملك على كنيسة خاضعة لهُ، يفيض عليها من بركاته فى حب متبادل. وهذا ما تم فى كل العالم … لقد تحولت كورنثوس من الزنا للقداسة، وتحولت روما التى كانت تتلذذ بمنظر الدماء لكنيسة خاضعة لله. لقد بدأت مملكة الله تتكون. وكان رمزاً لهذا فى العهد القديم … داود الملك، الذى أسس مملكة إسرائيل. فقبل داود كان هناك فجور وأشياء مخزية رأيناها تحدث فى سفر القضاة، إذ لم يكن هناك ملك (قض 1:19 + قض 21 : 25). وهذا إشارة لتمرد العالم كله على الله، إذ كان الله لا يملك عليهم. وأتى داود و أسس المملكة. وكان داود كملك يختلف عن كل ملوك العالم، فهو لا يحكم بشريعة وضعها هو، بل يحكم بشريعة الله.هو كان يكافئ البار، ويعاقب الشرير بحسب الشريعة الإلهية ليقدم المملكة لله. فكان داود رمزاً للمسيح الذى صار رأساً للكنيسة ليقدمها خاضعة لله. المسيح بجسده يقدم الخضوع لله الآب. فتكوين المملكة فى العهد القديم بيد داود هو رمز لما عمله المسيح. وماذا عن باقى العالم الذى ليس هو جسد المسيح ؟ هذا يشير له تمثال نبوخذ نصر. هذا التمثال له 4 مراحل، ورقم 4 يشير للعالم كله. فالأربع مراحل تشير للعالم المتمرد على الله. هذا التمثال ضربه حجر (إشارة للمسيح)، وصار هذا الحجر جبلاً كبيراً، إشارة لنمو مملكة المسيح فى كل العالم. أما التمثال نفسه فكان مصيره الفناء هو إشارة للقوى المعادية لله فى كل العالم. الرأس الذهب يشير للفلسفات والأفكار التى تقاوم الله وترفضه، وهذه لها بريق كالذهب، ولقد جذبت كثيرين عبر التاريخ. والصدر الفضة يشير للمال وهذا عبده كثيرون. والبطن تشير للشهوات التى ترك الناس بسببها الله. والقدمين الحديد إشارة للقوى العالمية العسكرية أو قوة الشخص العضلية. هذا كله يقاوم الله، وسيفنى. أمّا الكنيسة فهى الجبل الثابت الراسخ والمرتفع فهى سماوية كرأسها المسيح، هذه ستنمو وتملأ الأرض وتكون خاضعة لله. ويمثلها الكاروبيم ذو الأربع أوجه. فوجه الإنسان يمثل الفكر الذى صار مطيعاً للمسيح ” مستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح (2 كو 5:10). أمّا النسر فيشير للقوى الروحية لو خضعت للروح القدس. والشهوة (العجل) لو تقدست فصارت تشتهى السماء ” لى اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ” (فى 23:1) والأسد يشير للقوى العضلية. لو تقدست كل هذه القوى أى تكرست لحساب الله، لصرنا مركبة كاروبيمية يرتاح الله فينا. ومن يخضع لله ويرتاح الله فيه يحيا للأبد.المسيح الآن يكمل مملكته، ويتعهد هذا الجبل (كنيسته) بالنمو ليقدمه خاضعاً للآب، بينما أن كل قوى الشر فى العلم و التى رفضت الخضوع فمصيرها الهلاك.
والآن و نحن مازلنا فى الجسد فلنا خضوع لله كأبناء لله ثابتين فى المسيح، على أنه طالما كنا فى الجسد، ولضعف الجسد، يكون لنا فى بعض الأوقات تمرد على الله، هذا بسبب نقص الحب والثقة فى الله. وكلما نما الحب تزداد الثقة فى الله. فلا نتمرد على أحكامه، وكلما حدثت الإستنارة نسلم حياتنا لله بالكامل. فما بالكم بما سيحدث فى السماء. هناك سيكون الخضوع كاملاً بسبب الحب الكامل، وهذا سببه الإدراك الكامل لمحبة الله. إذاً القيامة ليست قيامة من الأموات فقط بل هى رجوع للحالة المثالية التى أرادها الله منذ البدء.
آية 24 :- و بعد ذلك النهاية متى سلم الملك لله الاب متى ابطل كل رياسة وكل سلطان وكل قوة.
وبعد ذلك = أى بعد أن يقوم الراقدون تكون النهاية ويبدأ زمان العدل والدينونة الأخيرة. متى سلم الملك لله الآب = الآب هو أصل كل شئ، منه ينبثق الروح ومنه يولد الإبن. والإبن تجسد ليجمع فى جسده كل البشرية التى تمردت وعصيت الآب، ليعيد الطاعة الكاملة للآب مصدر كل شئ. وفى المجئ الثانى يقوم الراقدون بأجساد نورانية على شبه الجسد الذى قام به المسيح له المجد. وإذ يتحررون من ألام اللحم والدم يُبطل سلطان الشيطان وقواته الشريرة على الإنسان. حينئذ يملك الله الآب على الإنسان ملكاً مطلقا.
وكون أن المسيح يسلم الملك للآب لا نفهمها بأن المسيح لن يملك، فالآب والإبن واحد. والآب فى الإبن والإبن فى الآب. وكل ما هو للآب هو للإبن (يو 10:14 + يو 15:16 + يو 10:17، 21، 22) ومن (دا 14:7، 27) نجد أن الإبن سلطانه سلطان أبدى. ولكن المعنى أن الخليقة ستعود للحالة التى يريدها الله لها. إذ ستبطل مقاومة إبليس و تمرده = متى أُبطل كل رياسة وكل سلطان = فإبليس الآن له رياسة على العالم (يو 30:14). ولهُ سلطان على كثيرين من البشر الذين ليسوا فى المسيح. والمسيح كرأس للكنيسة سيقدم خضوعها للآب. أمّا من تبع إبليس و تمرد على الله سيهلك مع إبليس وتنتهى شوكة الطغاة. أبطل = إنتهت كل قوتهم، لذلك فلا توجد حروب روحية فى السماويات فى الأبدية لسببين :-
1) سنكون بجسد ممجد وهذا بلا ضعف 2) تبطل كل قوة الأعداء المقاومين. هذا هو كمال التدبير الإلهى، لهذا جاء المسيح الذى له كل سلطان فى السماء وعلى الأرض (مت 18:28). والمسيح يجمع فيه الآن كل ما للآب ليعيدهم إلى الأحضان الإلهية الأبوية، يفيض عليهم الآب بمحبته وهم فى محبتهم يخضعون له خضوعا كاملا. هذا الحب هو الذى حرمنا منه فى زمن التمرد على الأرض.
والأن فالروح القدس يعمل فينا ليملك المسيح على قلوبنا ونخضع له تماما. والروح يثبتنا الآن فى المسيح، وحين نثبت فى المسيح ويملك المسيح بالكامل على كنيسته سيقدم خضوع الكنيسة كلها للآب. نحن الآن فى معركة يقودها المسيح الذى خرج غالباً و لكى يغلب. المسيح يحارب والروح القدس يعين أن نثبت فى المسيح، فالخضوع الآن للمسيح. وبعد ذلك فى الأبدية ستخضع الكنيسة كلها كجسد للمسيح لله للآب. ملك الله نفهمه بخضوع الكنيسة فى حب لله الآب وهلاك المقاومين وإنكسار شوكتهم أبدياً. ومرة أخرى فملك الآب يعنى أن الملكوت هو للآب والإبن معاً. ولكن بالمسيح صار لنا القدوم لدى الآب (أف 17:2، 18).
آية 25 :- لانه يجب ان يملك حتى يضع جميع الاعداء تحت قدميه.
المُلْكْ سوف يسلم لله الآب بعد أن يكون المسيح قد أخضع كل شئ أى بعد أن يكون قد ملك ملكاً مطلقاً، أى عندما يكون المسيح فى ملكه الأبدى السماوى، ونكون كلنا خاضعين لهُ نتذوق معه نصرتنا الأكيدة على كل قوات الظلمة والشر. المسيح يجب أن يخضع له كل الخليقة ويبطل كل تمرد. ثم يسلم هذه الخليقة التى مَلَكَها لله الآب. المسيح بدأ ملكه بالصليب. وبالصليب بدأ إندحار وإنكسار قوات الظلمة وسيستمر هذا الوضع حتى الأبدية، المسيح يملك ويغلب وذلك عن طريق المؤمنين، حتى اليوم الأخير الذى يملك فيه على كل كنيسته ملكاً تاماً. هنا ينطبق ما قيل فى مزمور 110 أن جميع أعدائه سيصيرون تحت قدميه. وآخر عدو يُبطل هو الموت. وذلك لأن الجميع سيقومون بشبه جسد قيامته، هذا الجسد لا يكون للموت سلطان عليه فيما بعد، أى أن المسيح سيُبْطِلْ الموت بالقيامة بعدما يُبْطِلْ كل الأسباب التى أدت إلى الموت. أى تبطل الخطية و ينتهى إبليس.
آية 26 :- اخر عدو يبطل هو الموت.
الأعداء الآخرين هم الشيطان والخطية. والشيطان أتى بالخطية، والخطية أثمرت الموت، والمسيح أعطانا الإنتصار على الشيطان وعلى الخطية، ويتبقى الموت. إذاً الموت يجب أن يبقى حتى تنتهى الخطية تماماً. وإبطال الموت لن يتحقق فقط بقيامة الأموات بل بالخلود. لابد من بقاء الموت حتى نتخلص من أجسادنا التى سكنت فيها الخطية، ولهذا صرخ الرسول ” ويحى أنا الإنسان الشقى من ينقذنى من جسد هذا الموت ” (رو 17:7 –24) فكلنا لنا خطايانا مهما كانت صغيرة ولكنها تحرمنى من رؤية الله وأمجاد السماء.
آية 27 :- لانه اخضع كل شيء تحت قدميه و لكن حينما يقول ان كل شيء قد اخضع فواضح انه غير الذي اخضع له الكل.
كما ذكر فى المزامير 6:8 أن الله الآب أخضع كل شئ تحت قدمى الإبن، فإذا كان الآب هو الذى أخضع كل شئ، إذاً فالآب نفسه خارج دائرة الخضوع للإبن، فهو الذى أخضع لهُ كل شئ. ولاحظ المحبة فى الثالوث، فالآب يأتى بكل شئ ليخضع تحت قدمى الإبن، والإبن يأتى بكل شئ ليخضع للآب فواضح أنه غير الذى أخضع له الكل
IT IS EVIDENT THAT HE WHO PUT ALL THINGS UNDER HIM IS EXCEPTED
فالإبن سيخضع لهُ كل شئ ماعدا الآب، فالآب هو الذى أخضع لهُ كل شئ
آية 28 :- و متى اخضع له الكل فحينئذ الابن نفسه ايضا سيخضع للذي اخضع له الكل كي يكون الله الكل في الكل.
ومتى أخضع له الكل = متى خضع كل شئ للإبن. فالإبن نفسه أيضاً سيخضع للآب الذى أخضع له الكل = وهذا بكونه إنساناً ورأساً للكنيسة. فالكنيسة هى جسد المسيح، وهو سيقود الجميع فى جسم بشريته إلى طاعة أبيه. إذاً المعنى هو خضوع البشرية للآب. إذاً المسيح لبس جسد الإنسان ليرفع كل أسباب التمرد والمسيح سيخضع للآب بناسوته (بجسده أى الكنيسة) ولكن بلاهوته فهو والآب واحد. فخضوع الإبن لا يعنى تفاوت الأقانيم فى المرتبة. فالأقانيم الثلاثة متساوية فى الجوهر. ونفهم من الآيات التالية أن ملك المسيح هو أيضاً للأبد. فكل ما هو للآب هو للأبن (رؤ15:11 + لو33:1 + دا 14:7، 27 + يو 15:16 + مز 110) وكون أن الآب سيأتى بالكل خاضعين تحت قدمى المسيح (الأبرار عن حب والأشرار عن ذل) والإبن سيأتى بالكل خاضعاً للآب فهذا يعنى تساوى الآب بالإبن.
كى يكون الله الكل فى الكل = يصير الله كل شئ فى الكل. لقد أعطى الله فضيلة الحكمة لسليمان والوداعة لداود والمحبة ليوحنا والغيرة لبولس، ولكن حين يملأنا الله فى السماء سيكون لنا كل الفضائل مجتمعة. لن تكون لى فضيلة واحدة بل كل الفضائل. و سيملأنا الله من الفرح والسلام. هذا عن عطاياه، لكن الله لن يعطينا فقط عطايا بل سيعطينا نفسه، الله سيملأ شعبه ويمتلئ شعبه به ” أنا لحبيبى و حبيبى لى ” (نش 3:6) ويصير الله الكل فى الكل. فالله لن يعطينا فقط فضائل وفرح …. الخ بل سيعطينا نفسه ويكون مصدر حياتنا، بل هو حياتنا وقوتنا وفرحنا وسلامنا وتسبيحنا. هو نهاية كل رغباتنا، فإذا كان يملأنا، فلن يكون فينا مكاناً شاغراً لأى شئ غيره وإذا كان هو فرحنا وسلامنا وحياتنا، فسيكون هو نهاية كل رغباتنا، لن نعود نحتاج لشئ، سنكون مكتفين به عطشي
وجوعى إليه فقط، طالبين الإتساع لنمتلئ منه أكثر وأكثر على الدوام فيزداد فرحنا. سيكون الله عوض كل الأشياء التى كنا نحتاج إليها فى العالم. يكون الله الكل فى الكل = الله مثلث الأقانيم يكون الكل فى الكل أى يصبح الله كل شى لنا، وكل الوجود خاضع له، الكل يقول إلهى هو الكل فى الكل، إلهى هو الكل لى، هذا هو غاية عمل الرب يسوع. يكون الله هو الخير للكل ولا يشغلنا سوى ما هو مختص بالله، هو فرحنا وهو تسبيحنا، وهو إنشغالنا. وهذا هو موضوع تسبيح السمائيين أن المسيح إشترانا لله (رؤ 9:5،10) وفى نفس التسبحة نجدهم يعطوا التسبيح للإبن قائلين لهُ السلطان للأبد (رؤ 13:5). فما هو للآب هو للإبن وما هو للإبن هو للآب. على أن هذه الصورة أن الله الكل فى الكل ليست الآن كاملة ونحن مازلنا فى الجسد على الأرض.
آية 29 :- و الا فماذا يصنع الذين يعتمدون من اجل الاموات ان كان الاموات لا يقومون البتة فلماذا يعتمدون من اجل الاموات.
أن لم تكن هناك قيامة من الأموات فلماذا يعتمدون من أجل الأموات ولكن ما معنى يعتمدون من أجل الأموات ؟ هناك أراء متعددة :-
1) الوثنيون لهم إخوة أو أحباء صاروا مسيحيين، وكان هؤلاء المسيحيين يحثونهم على الإيمان والمعمودية، وحدث أن مات هؤلاء المسيحيين. ولأن الوثنيون كانوا يحبون هؤلاء المسيحيون، ذهب الوثنيون ليعتمدوا ويصيروا مسيحيين مثلهم فيتقابلوا فى الأبدية، ويبدوأن هذا كان يحدث كثيراً فى كورنثوس وإستغله الرسول لإثبات حقيقة القيامة.
2) رأى آخر يقول أنه يقصد من يعتمد بمعمودية الدم أى يقبل الإستشهاد لأنه رأى آخرين من المسيحيين يستشهدون وهم فى حالة من السلام والفرح فأرادوا لأنفسهم نفس نهايتهم.
3) من يذهب للمعمودية تمثلاً بالأموات والشهداء الذين قبلوها من قبلهم واثقين فى القيامة وقد تكللوا بالمجد.
4) كان الوثنيون الذين آمنوا واعتمدوا وصاروا مسيحيين، كان لهم أقارب و أصدقاء ماتوا دون أن يؤمنوا أو يعتمدوا، فكان هؤلاء المسيحيون لأجل محبتهم فى هؤلاء الموتى دون معمودية، يعتمدوا ثانية بالنيابة عنهم. وهذا الرأى هو الأقرب للصحة. وما فعله هؤلاء كان ممارسة خاطئة فالمعمودية لا تكرر. لكن الرسول بالرغم من عدم موافقته على ما يفعل أهل كورنثوس إستغل ما يفعلونه وكأنه يسألهم. هل تفعلون هذا وأنتم لا تؤمنون بالقيامة، فما معنى ما تفعلونه إذاً. هو يريد أن يقول أن حقيقة القيامة فى داخلكم، فأنتم مشفقين على من مات دون معمودية، إذ تعتقدون أنه ليس له نصيب فى الأبدية، فلماذا هذه المحادثات الغبية عن أنه لا توجد قيامة. المقصود إنكم ترددون مثل هذه المناقشات وراء الفلاسفة الوثنيون لا لأنكم تعتقدون فعلاً أنه لا قيامة من الأموات، بل لأ نكم وجدتموها فرصة للإرتداد لشهواتكم الخاطئة ” نأكل ونشرب لأننا غدا نموت “
آية 30 :- و لماذا نخاطر نحن كل ساعة.
إذا لم تكن هناك قيامة للأموات فلماذا نعرض أنفسنا نحن الرسل للمخاطرة والموت كل ساعة (2 كو 17:4)
آية 31 :- اني بافتخاركم الذي لي في يسوع المسيح ربنا اموت كل يوم.
إن ربح الكورنثيين للإيمان لهو سبب فخري أمام الرب يسوع. وهو يقبل أن يموت كل يوم لأجل هذا، لينال هذا الفخر. وهذا القبول للموت دليل على صحة القيامة.
آية 32 :- ان كنت كانسان قد حاربت وحوشا في افسس فما المنفعة لي ان كان الاموات لا يقومون فلناكل ونشرب لاننا غدا نموت.
وحوشاً = لا يقصد أنهم ألقوه للوحوش فعلاً فجنسيته الرومانية كانت تحميه من ذلك، لكنه واجه بشراً كالوحوش. ولقد قال هيرقليتس عن شعب أفسس أنهم وحوش مفترسة. وكان هذا قبل بولس ب 400 سنة. وهم كانوا كوحوش فى هجومهم عليه وعلى المسيحيين. وربما فى هذا إشارة لما حدث فى هيكل ارطاميس (أع 23:19، 24، 28، 29). وهو يشير لما حدث فى أفسس فهو الآن فى أفسس. ومنطق الرسول هنا … إذا لم تكن قيامة وأنا متأكد منها فلماذا أتحمل كل ذلك، بل كنت أسعى وراء اللذات البهيمية قائلاً مع فلاسفة الماديين فلنأكل ونشرب لأننا غدا نموت. وما الداعى أصلاً للتقوى أن لم تكن قيامة ؟ وهذا القول نأكل ونشرب لأننا غدا نموت قاله اليهود أيضاً وأحزنوا قلب الله (أش 13:22) فإشعياء النبى هددهم بحصار أشور لأورشليم داعياً إياهم للتوبة، فقالوا هذا بمعنى أنه طالما سنموت من أشور فلتتلذذ بالدنيا.
آية 33 :- لا تضلوا فان المعاشرات الردية تفسد الاخلاق الجيدة.
معاشرتكم للوثنيين أفسدت أخلاقكم، فأنتم لا تنكرون القيامة لأنكم مقتنعين بهذا بل لأنكم تجرون وراء شهواتكم، لقد أفسد الوثنيون أخلاقكم. معاشرتكم للوثنيين ذوى الأخلاق الفاسدة شككتكم فى حقيقة القيامة.
آية 34 :- اصحوا للبر ولا تخطئوا لان قوما ليست لهم معرفة بالله اقول ذلك لتخجيلكم.
إصحوا للبر = هذه مقابل لا تضلوا آية 33 و المعنى فلتحققوا لأ نفسكم ما هو صالح لكم وما فيه نفعكم، ولا تعرضوا أنفسكم لإرتكاب الخطايا لأن قوما منكم (سواء الوثنيون أو المسيحيون الذين تأثروا بهم وإرتدوا لممارسة شهواتهم) ليست لهم معرفة بالله = أثاروا هذه الإعتقادات بأنه لا قيامة، فهؤلاء إذ تركوا معرفة الله ضلوا. وهؤلاء أنكروا القيامة ليتركوا البر ويعودوا لخطاياهم على مبدأ فلنأكل ونشرب لأننا غدا نموت. إن من يعرف الله يعرف أن الله لا يمكن أن يترك عبيده المؤمنين يقاسون ألام الحياة بدون رجاء، ومن ينكرون القيامة يتنكرون لصلاح الله و عنايته. الله لم يخلق العالم فقط لكنه يدبر أموره.
لتخجيلكم = هل أنتم يامن تدعون الحكمة تنكرون عقيدة القيامة التى تؤمنون بها من أجل شهوات وملذات بهيمية
الآيات 35 – 51
آية 35 :- لكن يقول قائل كيف يقام الاموات وباي جسم ياتون.
إبتداء من هنا يناقش الرسول موضوع جسد القيامة أى الجسد الذى سنقوم به. ويرد على تساؤلات مثل بأى قوة وبأى كيفية يقوم الأموات، وبأى جسم يعود الأموات مرة أخرى إلى الحياة. فالسؤال الأول يردده من ينكر حقيقة القيامة، فيقول ….. أبعد تحلل الجسد يعود مرة ثانية. والسؤال الثانى يردده الذى فى مرحلة الشك … هل نصير كلنا بالجسد القائم من الأموات، بشكل واحد لا يمكن تمييز أحدنا من الآخر.
آية 36 :- يا غبي الذي تزرعه لا يحيا ان لم يمت.
يا غبى = هى كلمة قاسية ولكنها موجهة لمن فى محاولتهم إدعاء الفلسفة أنكروا القيامة. فالفلسفات
التى تنكر الحقائق الإلهية ما هى ألاّ غباوة. والمعنى أنه من الغباء أن يتغافل الإنسان فلا يدرى الأمور الطبيعية حوله، فيتساءل مثل هذا التساؤل. فنحن نلمس كل يوم قدرة الله وكيف يهب الحياة للأشياء الميتة، هنا يرد بولس الإعتراض إلى صاحبه، فالموت لم يصبح عائقا للحياة بل ضرورياً لها. ويضرب الرسول مثلاً محسوساً ليدلل به على إمكانية القيامة بعد الموت، فإن ما نزرعه من بذور لا يمكن أن ينمو ويثمر ما لم يدفن فى الأرض أولاً أى يموت = الذي تزرعه لا يحيا إن لم يَمُتْ. ودفن البذرة يجعلها يَسْوّدْ لونها وتتهرأ قشرتها ويغمرها الطين والمياه، وفى النهاية تختفى البذرة وتظهر الحياة التى كانت فيها. حقاً الحياة موجودة فى البذرة لكن هذه الحياة لا تظهر ما لم تدفن البذرة لتثمر. وجسد القيامة الذى أخذناه موجود الآن تحت ثقل هذا الجسد الترابى الكثيف الذى يصلح فقط للتعامل مع هذا العالم. فالبذور تقابل أجسادنا، وكما أن هناك حياة فى البذور فلقد صارت حياة فى أجسادنا، حياة أخذناها فى المعمودية، هى حياة المسيح القائم من الأموات. ففى المعمودية نحن متنا مع المسيح وقمنا بحياة المسيح فينا (رو 4:6، 5) ولكن هذه الحياة التى أخذناها فى المعمودية مستترة الآن، غير ظاهرة، لكنها تظهر بعد دفن الجسد و موته، كما تظهر الحياة التى فى البذرة بعد دفنها (كو 3 :3)
لأنكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله
بالمعمودية هى مستترة لأننا لا نراها القائم من الأموات
هى حياة المسيح أخذناها
بقيامتنا معه فى المعمودية
وستظهر بعد موتنا وقيامتنا
في أجسادنا الممجدة
فالطبيعة الممجدة مستقرة فينا منذ المعمودية ومنتظرة تكميل الجهاد وفداء الأجساد أى حين نلبس الأجساد الممجدة بعد القيامة العامة.
فالمسيح حل مشكلة الموت، بأن مات وقام، وبالمعمودية نموت ونقوم معه بحياته فنصير بذوراً حية، وحين نُدفن تظهر هذه الحياة التى فينا ونقوم بأجساد ممجدة. أمّا لو إرتد الإنسان للخطية ثانية يكون كبذرة كانت حية وأكلها السوس، فإذا دفنت فى التراب فإنها لا تعطى ثمار، إذ أنها بذرة ميتة. إذاً كما تحيا البذور تقوم أجسادنا وذلك بموجب ما فيهما من عناصر حياة وقال فى (فى 20:3، 21) أن الله يغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده. وإستعلان المجد المستتر فينا أسماه فداء الأجساد (رو 23:8 + أف 14:1)
آية 37 :- و الذي تزرعه لست تزرع الجسم الذي سوف يصير بل حبة مجردة ربما من حنطة او احد البواقي.
يشير الرسول للتغير الذى يحدث للحبة عندما تزرع، فنحن لا نزرع الشجرة أو النبات الذى ننتظره بل نزرع الحبة التى تصير إلى هذا النبات ونلاحظ
1) الحبة لا تنمو إلاّ بعد أن تدفن و تموت، هكذا جسد الإنسان سوف يقوم بعد أن يتعرض للموت والإنحلال. قوة الحياة المخفية فى البذرة لا تظهر إلاّ بعد دفن البذرة فيخرج منها زرع أخضر فيه حياة. وقوة الحياة التى نأخذها فى المعمودية وتكون مستترة تعطى لجسدى بعد موته ودفنه حياة جديدة فى جسد ممجد.
2) تظهر الحبة بعد الإنبات بمظهر مختلف عما كانت عليه أولاً، فقبل الدفن كانت بذرة صغيرة ناشفة، ولكنها بعد الدفن صارت نباتاً أو شجرة خضراء حية. وهذا يشير أيضاً للتغيرات التى سوف تطرأ على الجسد عند قيامته من الأموات. وقارن بين البذرة الناشفة التى بلا جمال (جسدنا الحالى) وبين الشجرة أو النبات الأخضر الذى خرج منها (الجسد الممجد). قارن بين جمال هذا النبات الأخضر وبين البذرة عديمة الجمال. هكذا سيكون جمال جسدنا الممجد.
3) لا يختلف النبت فى جنسه عن جنس الحبة مهما إختلف فى مظهره، وفيما صار إليه هكذا الأمر بالنسبة للجسد المقام فلن يكون مخالفا فى طبيعته و جوهره عن الجسد المائت، على الرغم من أنه سوف تدخل إليه بعض الإمكانيات الجديدة التى لم تكن له أولاً. أنه سيكون هو وليس هو. هو لأن الجوهر واحد وليس هو لأن الثانى أكثر مجداً وسمواً (ذهبي الفم). فالبذرة كانت تحوى النبات بصورة مصغرة (فخصائص النبات موجودة فى البذرة، فلو زرعت بذرة ذرة لابد وستعطيك شجرة ذرة وهكذا). والمسيح كانت صورة موته بلا جمال(أش 2:53،3)، أما بعد القيامة فالتلاميذ ما كانوا يعرفونه بسهولة. وبعد الصعود راجع (رؤ 13:1 –16)
آية 38 :- و لكن الله يعطيها جسما كما اراد و لكل واحد من البزور جسمه.
الله يعطيها جسماً كما أراد ولكل واحد من البذور جسمه = كل بذرة يعطيها الله كما أراد الجسم النباتى الخاص بها والذى يميزها عن بقية النباتات الأخرى.
فالحبة تأخذ إذن عند الإنبات جسماً لم يكن لها أولاً، ولكن الله يعطيها جسماً رتبه لها منذ بدء الخليقة. فشجرة الذرة غير شجرة القمح، كلٌ له شكله المميز ولاحظ أن الله هو الذى يعطيها وليست الطبيعة. وبنفس قوة الله سيعطينا الله أجساماً ممجدة. وكما أن لكل بذرة شجرتها المختلفة فى الشكل عند الإنبات، هكذا سنقوم بأجساد نورانية أشكالها مختلفة ولكنها تحمل نفس الشكل الحالى تقريباً، فالغنى تعرف على الفقير لعازر. وقوله ولكل واحد من البذور جسمه = يشير أننا سنقوم بنفس الأجساد التى كنا نحيا بها قبل الموت. ولكن إمكانيات الجسد الذى سيقوم ستكون جبارة بالنسبة لجسدنا الحالى. فلن نحتاج لأكل أو شرب أو تناسل. فالحياة موجودة فى الجسد. وسيكون ممجداً نورانياً لانعكاس مجد الله و نوره عليه. يحمل سمات الجسد الذى دُفِنَ ولكن له إمكانيات جسد المسيح المقام ” يغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده ” (فى 21:3). إذاً سيكون لكل واحد منا شكله المميز الذى له علاقة بشكله الحالى لكن بشكل ممجد.
آية 39 :- ليس كل جسد جسدا واحدا بل للناس جسد واحد و للبهائم جسد اخر و للسمك اخر وللطير اخر.
ولماذا التعجب من وجود طبيعيتين لأجسادنا، طبيعة نعيش بها الآن على الأرض وطبيعة هى طبيعة الجسد الممجد (إجابة هذا السؤال سبقت في آية 38)
وتعجب آخر هل نختلف عن بعضنا فى الشكل فى القيامة. فلقد تساءل الفلاسفة إذا كان الأبرار والأشرار يموتون ويتحللون فكيف يقوم الأبرار بشكل مختلف عن الأشرار، هل سيكون للأبرار شكل وللأشرار شكل آخر. ويجيب الرسول بأن النبات له شكل وطبيعة غير الطيور وغير الأسماك وهكذا. وكذلك سيكون هناك شكل عام للإنسان البار فى السماء لكن لكل منهم شكله المميز كما أنه فى داخل المملكة النباتية نجد لكل نبات شكله المميز. والأشرار سيكون لهم طبيعة وشكل مميز، ولكن كل واحد منهم سيكون له شكله المميز. فكما أن هناك ممالك نباتية وحيوانية وطيور وأسماك، كذلك هناك سيكون طبيعة للأبرار فى السماء وطبيعة للأشرار في الدينونة. و كلاهما مختلف عن طبيعة الإنسان على الأرض. وسيكون هناك طبيعة للملائكة، وطبيعة أخرى للشياطين. ولكننا داخل كل مملكة أو طبيعة نستطيع أن نميز بين كل فرد فيها. فسنميز بين الملاك ميخائيل والملاك جبرائيل والكاروبيم والسيرافيم. وكما أن كل مملكة (النباتية مثلا) جميعها تشترك فى مكونات واحدة، هكذا سيكون للأبرار فى القيامة مكونات واحدة، ولكن فى تمايز بينهم وبين بعضهم البعض. ولنلاحظ أن ما نكتسبه هنا ينطبع أيضاً هناك، فلنهتم إذاً بسلوكنا هنا فنكون من طبيعة الأبرار.
آية 40 :- واجسام سماوية واجسام ارضية لكن مجد السماويات شيء ومجد الارضيات اخر.
بل إن الإنسان يتغير الآن من طبيعة أرضية جسدانية شهوانية إلى طبيعة روحية يإيمانه وجهاده فيحيا فى محبة وبذل متشبهاً بسيده. فبالأولى تتغير طبيعتنا من طبيعة جسدانية لطبيعة روحانية فى السماء = أجسام سماوية وأجسام أرضية. لكن مجد السماويات شئ ومجد الأرضيات آخر = مهما حَصُلَ الإنسان الروحانى على مجد وهو على الأرض فهو لا يقاس بما سيحصل عليه فى السماء. والمعنى المباشر للآية هو أن هناك فرق بين الأجسام السماوية أى الشمس والنجوم بنورها ولمعانها وبين الأرض غير المنيرة. وبنفس الطريقة فإن هناك فرقاً بين المخلوقات السماوية كالملائكة الذين لهم طبيعة نورانية، والمخلوقات الأرضية كالبشر حالياً والبهائم…. أمّا فى السماء فمن غلب وصارت له طبيعة روحانية وهو على الأرض سيكون له مجد في السماء.
آية 41 :- مجد الشمس شيء ومجد القمر اخر ومجد النجوم اخر لان نجما يمتاز عن نجم في المجد.
يريد الرسول أن يثبت أن الكل فى السماء سيكونون فى مجد لكن سيفترق كل واحد منهم عن الآخر فى مجده. كما أن النجوم تختلف فى لمعانها بحسب كمية ضياؤها. فهناك إختلاف بين الأجسام الأرضية والأجسام السماوية فالسماوية فى مجد لا يقارن بالأرضية. وهناك أيضاً خلاف بين الأجسام السماوية بعضها وبعض، الكل فى مجد فى السماء، لكن لكل واحد درجة مختلفة من المجد. الكل مشترك فى نفس الطبيعة والهيئة، ولكن تتفاوت فى المجد فالشمس حولها نجوم كثيرة، وكل نجم يأخذ كمية من نور الشمس بحسب قربه منها وإستيعابه لكمية من نورها، ولكن الكل يضئ. وما مقدار إستيعابنا لمجد الله، هذا سيظهر فى السماء، ولكن الكل سيضئ. وبسبب طبيعة المحبة التى ستكون لنا لن يكون هناك حسد ولا غيرة بل سنفرح لمن لهم مجد أكثر. حالنا سيكون كمن جلسوا على مائدة، الكل أكل وشبع ولكن كل منهم أخذ كميات متفاوتة من الطعام. وهكذا سيختلف الأشرار فيما بينهم ” سدوم وعمورة ستكون لهما حالة أكثر احتمالا “
آيات 42، 43 :- هكذا ايضا قيامة الاموات يزرع في فساد و يقام في عدم فساد. يزرع في هوان و يقام في مجد يزرع في ضعف و يقام في قوة.
هذا التغيير من الفساد لعدم الفساد يأخذ معنا سنيناً قد تصل لآلاف السنين (فآدم مات منذ آلاف السنين). ولكن مع المسيح إختزلت المدة إلى 3 أيام فقط، ولكن ظهرت إمكانية حدوث القيامة للجسد البشرى. لكن لا يقال عن المسيح أنه مات فى فساد (مزمور 10:16) فجسده حتى بعد موته ظل متحداً بلاهوته، الروح إنفصلت عن الجسد بالموت، ولكن اللاهوت ظل متحداً بروحه وظل متحداً بجسده فحفظه من الفساد. يُزرع = تعبير مبهج المقصود به يُدفن يزرع فى فساد = إشارة لدفن الجسد فى التراب وما يحدث له من نتانة يزرع فى ضعف = من أمراض وشيخوخة. يقام فى عدم فساد/ مجد = فبعد القيامة لافساد مرة أخرى. وهناك لمحات فى الكتاب المقدس لهذا الجسد الممجد :-
1- تغير وجه موسى عند نزوله من الجبل 2- تجلى المسيح
3- تحول وجه إسطفانوس لما يشبه وجه ملاك.
4- إمكانيات المسيح بعد القيامة
يقام فى قوة = (فى 21:3) فالجسد المقام لن يتعرض للإنحلال ثانية. الجسد الميت لا تكون فيه قوة للحركة أما الجسد المقام يقوم ممتلئ قوة وحيوية ويقاوم الفساد.
آية 44 :- يزرع جسما حيوانيا ويقام جسما روحانيا يوجد جسم حيواني ويوجد جسم روحاني.
هذا الجسم الذى نحيا فيه الآن يوجه بواسطة قوى النفس الحيوانية الأدنى مرتبة. أما الجسد المقام فسوف يحيا بقوى النفس الروحية. والآن ونحن على الأرض يوجد جسم حيوانى أى توجهه القوى الحيوانية الشهوانية (أكل / شرب / جنس / نوم / راحة ….) تماماً كالحيوانات. ومثل هذا تقوده غرائزه فيتمرد على الله ليرضى شهوته، ويصطدم بالله ويشتكى الله دائماً. وهناك جسم روحانى أى توجهه القوى الروحية للنفس، تنعدم فيه تأثير القوى النفسية والجسدية ويصير كالملائكة لا يحتاج لأكل أو شرب …. أى متطلبات الحياة الدنيا. هذا يكون خاضعاً تماماً للروح القدس. الآن جزئياً، أما فى السماء فسيكون هذا بالكامل. مثل هذا فرحته تكون بأن يرضى الله ويجلس مع الله. هذا الإنسان الروحانى موجود بدرجة ما على الأرض كالسواح مثلاً، هؤلاء تسودهم الإتجاهات الروحية السماوية. هم تركوا العالم، وتركوا الأكل والشرب …الخ لأ نهم إختبروا أنهم كلما أذلوا الجسد تذوقوا الأفراح السماوية فإن أمكن للسواح أن يعيشوا هكذا وهم على الأرض فماذا سيكون الحال عليه فى السماء. ونلاحظ أن كلمة روحانى لا تعنى أنه روح بلا جسد، بل هو له جسد وروح، ولكنه صَلَبَ جسده كأنه ميت، وصار خاضعاً لسلطان الروح. وكلمة جسدانى أو حيوانى لا تعنى أنه جسد بلا روح بل هو مكون من جسد وروح ولكنه قاوم الروح القدس حتى أحزنه و أطفأه، وصار خاضعاً فقط لسلطان القوى الشهوانية. فلا يوجد من هو روح فقط ولا يوجد من هو جسد فقط. وفى القيامة ستكون لنا أجساد روحانية لا نستطيع أن نصفها فهذا ما لم تره عين، فقط علينا أن ندرك أننا سنكون مثل المسيح (1يو 2:3) وعلى صورة جسد مجده (كو 10:3 + فى 21:3). والمسيح بعد قيامتة أكل ليثبت أنه قام بجسد وأنه لم يكن روحا فقط مع أنه كان فى غير إحتياج للأكل. والإنسان على الأرض مخير أن يرتقى السلم الروحى فيصير روحياً، ويصير روحاً واحداً مع الله (1كو 17:6) أو ينحدر ويصير جسدانياً خاضعاً للشيطان، وله صفاته، أى يفرح بمن يصنع الشر (رو32:1). من يعيش روحانياً على الأرض ستحدث له إستنارة، ويعرف الله، ويحب الله، فيفرح. وكمال الإستنارة وكمال الفرح سيكون فى السماء.
آية 45 :- هكذا مكتوب ايضا صار ادم الانسان الاول نفسا حية و ادم الاخير روحا محييا.
نفسا حية = يشير الرسول إلى ما جاء فى (تك 7:2) فآدم إذن تراب نفخ الله فيه فصار كياناً حياً. فالنفس تعطى الحياة للجسد فى الحياة الحاضرة إذاً جسد آدم حى بالنفس، وهذا هو الجسم الحيوانى أو النفسانى الذى تسيطر عليه قوى النفس الحيوانية. آدم الأخير = هو المسيح وسماه الأخير فلن يأتى بعده رأس آخر للجنس البشرى ليهبه حياة أفضل. والمقارنة التى يعقدها بولس هنا بين آدم والمسيح فهى أن آدم ينجب أولاداً لهم نفس حياته النفسانية الجسدانية، أما المسيح فهو يهب حياة روحانية = روحاً محيياً = فهو حلَّ فيه ملء اللاهوت المتحد بالجوهر بالروح القدس المحيى، لذلك يهب حياة روحية. والآية تشير لأن المسيح واهب حياة للآخرين.
آية 46 :- لكن ليس الروحاني اولا بل الحيواني وبعد ذلك الروحاني.
نولد من آدم جسدانيين ثم حين نُطَعّمْ فى المسيح نتحول إلى روحانيين إذ يعطينا حياته (غل 20:2) وكلما التصقت روح الإنسان بالرب فى الحياة الحاضرة غلب عليه الطابع الروحى فيتحول من طبيعة الجسم الحيواني للجسم الروحانى. ويعيش فى نمو دائم فى الروح. ولكن لن يبلغ تمام الجسم الروحانى الا بعد القيامة حينما تنعدم من جسمه القائم كل قوى النفس الشهوانية. فالجسم الروحانى لم يكن هو الأول بل الحيوانى، ثم يرتقى الإنسان من رتبة إلى رتبة. وآدم لم يخلق إنساناً روحانياً كاملاً. بل كان عليه أن يرتقى وذلك بان يأكل من شجرة الحياة، أى الإتحاد بالمسيح لكنه بخطيته إنفصل عن الله وإنحدر للإنسان الشهوانى. لذلك نسمع أن من يغلب يأكل من شجرة الحياة (رؤ 7:2) وهذا يعنى الإتحاد الكامل بالمسيح، ونصير إنساناً روحانياً بالكامل وهذا الإتحاد الكامل بالطبع لن يكون إلاّ فى السماء.
آية 47 :- الانسان الاول من الارض ترابي الانسان الثاني الرب من السماء.
آدم أعطانا جسداً مائتاً نظيره، أما المسيح فسيعطينا جسداً ممجداً نظيره. فإن كان آدم الأول قد وهبنا جسماً حيوانياً، أفلا يستطيع المسيح الرب المحيى أن يعطينا الجسد الروحانى. المسيح أخذ طبيعتنا الترابية ليرفعنا ويغير طبيعتنا إلى الجسد الروحانى ليمكننا من معايشة السماويات.
الإنسان الثانى الرب من السماء = المسيح سيأتى على السحاب بجسده الممجد والذى سيقيمنا بأجساد ممجدة نظيره.
آية 48 :- كما هو الترابي هكذا الترابيون ايضا و كما هو السماوي هكذا السماويون ايضا.
كما هو الترابى = كان آدم يتسم بالضعف وقابليته للتحلل والفساد.
هكذا الترابيون = نسله. وكما هو السماوى = أى الرب يسوع. هكذا السماويون = كل المولودين من الماء والروح (الذين غلبوا) يصيرون سماويون ويأخذون ما لجسد المسيح المقدس الذى قام من الأموات، سنلبس بالقيامة جسداً على شكل جسد الرب يسوع القائم من الأموات.
آية 49 :- و كما لبسنا صورة الترابي سنلبس ايضا صورة السماوي.
كما لبسنا = أجسادنا كانت كثياب لنا صورة الترابى = وخصائص الجسد الترابى هى الموت والفساد. سنلبس = حين تستعلن الطبيعة الروحانية السماوية التى خلقنا عليها فى المعمودية. صورة السماوي = عدم الفساد والمجد (في 21:3)
آية 50 :- فاقول هذا ايها الاخوة ان لحما و دما لا يقدران ان يرثا ملكوت الله و لا يرث الفساد عدم الفساد.
لحماً ودماً = تعبير يهودي يشير للإنسان في حالته الراهنة، أي الجسد المائت فالجسد الحالى يموت ويفسد بسبب الخطية الساكنة فيه.ومن هنا يتضح أن طبيعة الجسد الممجد مختلفة عن الجسد الحالي. فالحياة لن يكون سببها الدم ولكن حياة المسيح التي فيه، هذه الحياة أخذناها بالمعمودية وهى مستترة الآن وستظهر بعد أن ندفن ونقوم. ” لي الحياة هي المسيح ” (في 21:1) وفى السماء سنصير ثابتين تماماً في المسيح. فما يفصلنا عن المسيح هو الخطية، وليس في السماء خطية. وهذا يشير إلى أننا في الملكوت لن نحيا كما كنا على الأرض بجسد ودم ماديين فملكوت الله ليس أكلاً وشرباً. واللحم والدم أشياء قابلة للفساد فكيف يرث الفاسد والذي يتحلل في عدم الفساد. ولكن الله سيعطينا أولاً جسد له إمكانيات الخلود وعدم الفساد حتى يمكن أن يرث ملكوت السموات.
آية 51 :- هوذا سر اقوله لكم لا نرقد كلنا و لكننا كلنا نتغير.
كان هناك تساؤل …. طالما لابد من الموت لننتقل من حالة الفساد لعدم الفساد. إذاً ماذا سيحدث لو جاء المسيح الآن ؟ سر = حقيقة كانت مجهولة ويعلنها الرسول الآن، إذ أعلنها له روح الله القدوس. فالمسيح في مجيئه الثاني سيتلاقى مع أحياء من البشر كانوا أو سيكونون أحياء وقتها ولم يموتوا، وهؤلاء لن يموتوا أولاً بل هم سيتغيرون لشكل الجسد الممجد في لحظة.
كلنا = كان تصور بولس وغيره في أيام الكنيسة الأولى أن المسيح سيأتي أيامهم ولكن هل أخطأ بولس وهو يوحي إليه من الروح القدس ؟ ! لا لأن هذا درس لنا ولكل زمان. أنه يجب أن نشعر أن المسيح على الأبواب.
الآيات 52 – 54
آية 52 :- في لحظة في طرفة عين عند البوق الاخير فانه سيبوق فيقام الاموات عديمي فساد ونحن نتغير.
يتحدث هنا عن لحظة التغير فهذه سوف تتم عند الإستماع إلى البوق الأخير، والمقصود أن الأمر سيكون جلياً جداً. وقد يكون البوق الأخير بوق حقيقي أو علامة إلهية تدل على لحظة القيامة (مت 31:24) أو هو نهاية أبواق التحذيرات للأمم التي دَوَّتْ عبر أجيال. عموما البوق علامة على حضور الله (خر 16:19 + عد 1:10-10 + أش 13:27 + يؤ 1:2). والبوق هو علامة إنذار بقدوم شخص عظيم، وهنا هو الله. ولحظة مجيء الرب يخطف الأحياء و يغيرهم إلى الأجساد الممجدة في لحظة، ويقوم الأموات أيضا بأجسادهم الممجدة. ويكون الكل بأجسادهم الروحانية الجديدة. ولاحظ قول الرسول ونحن نتغير = هو شعوره بأن المسيح على الأبواب. ومن له هذا الشعور يحيا بروح الإستعداد (ا تس 16:4)
آية 53 :- لان هذا الفاسد لا بد ان يلبس عدم فساد وهذا المائت يلبس عدم موت.
يلبس عدم الفساد = هذا لمن يتغيرون في لحظة، فيأخذوا جسداً روحانيا له خصائص الخلود. وهذا المائت =قد تشير للجسد الحالى القابل للموت أو تشير لمن ماتوا وسيقومون = يلبس عدم موت، هذا الفاسد = أيضاً قد تشير للجسد الحالى القابل للفساد أو للذين سيوجدون أحياء وقت المجيء الثاني. إذاً سواء مات الإنسان أو لم يمت فأنه لابد أن يتغير ليتهيأ لميراث الملكوت.
آية 54 :- ومتى لبس هذا الفاسد عدم فساد ولبس هذا المائت عدم موت فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة ابتلع الموت الى غلبة.
الإقتباس من (أش 8:25) وفيها يتحدث عن الخلاص من موآب كصورة مصغرة للخلاص النهائي من الأعداء الروحيين. ويصور في هذه النبوة موآب كسابح في مزبلة يدوسه أي واحد. وبولس رأى أن هذه نبوة عن إبليس الذي سيرمى في البحيرة المتقدة بالنار. وهذا ما سيحدث بعد القيامة. والمعنى أنه حينما يصبح لأجسادنا خصائص الخلود فلن يعود للموت بعد سلطان علينا، سيبتلع الموت في بحر من الحياة والأمجاد، المسيح الحي سيبتلع الموت تماماً، وهذا بدأ بالصليب. ويغلب الموت نهائياً ولا يعود له وجود للأبد.
الآيات 55 – 58
آية 55 :- اين شوكتك يا موت اين غلبتك يا هاوية.
هنا يردد الرسول قول هوشع (14:13) بمعناها وليس حرفيا. وكان هوشع يقصد قيامة إسرائيل الروحية من موت الخطية فطبقها الرسول على قيامة الأبرار. فسلطان الموت والهاوية إنتهيا للأبد بقيامة المسيح ولم يعد لهما شوكة تؤذى وتهلك وتغلب. شوكة = STING أي حُمَّهَ وهى كيس السم في ذيل العقرب. ومن يلسعه العقرب يموت بسبب هذا السم، ومن آية 56 نفهم أن الشوكة هي الخطية وبسببها دخل الموت إلى العالم. وبعد القيامة لا توجد خطية تسقط الجسد الممجد. أمّا الآن ونحن مازلنا في الجسد فالوضع يشبه بما يعمله بعض الحواة إذ ينزعوا الحُمَّةَ من ذيل العقرب، فلا تقتل، اللدغة تؤلم ولكنها لا تميت. فالموت الآن حقاً هو مؤلم، ولكنه ما عاد موتاً ” ليس موت لعبيدك يارب بل هو إنتقال ” أوشية الراقدين. ولنتأمل موكب لعازر الفقير والملائكة تحمله إلى السماء و موكب الأنبا كاراس. ولاحظ صلاة الكنيسة في قطع صلاة الغروب عندما تصلى للعذراء الأم قائلة ” عند مفارقة نفسي من جسدي أحضري عندي ” فلحظة الموت صارت لحظة نتقابل فيها مع القديسين والملائكة. فالموت ما عاد موتاً بمعنى الإنفصال عن الله، بل هو علاج لحالتنا، به نتخلص من الجسد الحالى الذي يعوقنا عن رؤية الله والعشرة مع الملائكة والقديسين. وهذا ما نردده في القداس الغريغورى ” حولت لي العقوبة خلاصا ” فالموت كان عقوبة وصار وسيلة للخلاص. والمرض والألم كانا عقوبة وصارا وسائل تأديب لإعدادنا للسماء. من يحبه الرب يؤدبه (عب 6:12) أين غلبتك يا هاوية = الهاوية هي الجحيم، مكان إنتظار الأموات قبل المسيح وهذه ما كان يخرج منها أحد، إلى أن أتى المسيح ” ونزل إلى الجحيم من قبل الصليب ” القداس الباسيلى + (أف 8:4-10) وأخرج منه نفوس الأبرار ودخل بها إلى الفردوس
آية 56 :- اما شوكة الموت فهي الخطية و قوة الخطية هي الناموس.
شوكة الموت فهي الخطية = فبالخطية تنغرس فينا شوكة الموت، أي الحُمَّةَ بالخطية تسلط الموت علينا، ودخل الموت إلى العالم. الخطية هي التي ولدت الموت. والحُمَّةَ هي شوكة ذنب العقرب المملوءة سماً، أو لدغة سم الثعبان والسم قاتل، ولكن نفترض أنه وجد دواء لهذا السم، فلن تعود اللدغة قاتلة (هي ستؤلم فقط). هذا ما صنعه دم المسيح، الذي يطهرنا من كل خطية (ا يو 7:1). بل صرنا في عهد النعمة لا سلطان للخطية علينا (رو 14:6) وإن أخطأنا فبالتوبة والإعتراف تمحى ذنوبنا. ما عادت الشوكة تقتل أولاد الله. فالموت هو الإنفصال عن الله الحي، وكان هذا بسبب الخطية، فلا شركة للنور مع الظلمة (2 كو 14:6) و الآن صار دم المسيح بالتوبة يغفر، بل أعطانا المسيح جسده ودمه غفراناً لخطايانا ولنثبت فيه فنحيا
وقوة الخطية هي الناموس = بولس شرح هذا باستفاضة في رسالته إلى رومية، إن ما يفعله الإنسان من خطايا في جهله تصير في ضوء الناموس عصيان سافر ضد الله. بالإضافة لطبيعة العصيان التي صارت فيَّ بعد السقوط، هذه جعلتني أميل لأن أتحدى الله وأتمرد على وصاياه. ولهذا يطلب الناموس الجزاء العادل وهو الموت. وكان هذا هو قصد الله من الناموس أن يدرك الإنسان أن أجرة الخطية هي الموت، وان الخطية خاطئة جداً. لكن في الحياة الأبدية لن تكون هناك خطية ولا معرفة خطية لذلك فالموت لا يكون فيما بعد. وهذا معنى أين شوكتك يا موت.
آية 57 :- ولكن شكرا لله الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح.
الموت قد ساد لسبب خطيئة آدم، لكننا بواسطة المسيح تمكننا من هزيمة الخطية والإنتصار عليها، لذلك علينا أن نشكر الله، على القيامة، وأن الموت صار بلا سلطان علينا، وصار لنا سلطان على الخطية، ودمه يغفر خطايانا.
آية 58 :- اذا يا اخوتي الاحباء كونوا راسخين غير متزعزعين مكثرين في عمل الرب كل حين عالمين ان تعبكم ليس باطلا في الرب
هذا الإصحاح كان بسبب ترديدهم للفلسفات اليونانية التي تنكر عقيدة القيامة، فقالوا معهم فلنعش ونتمتع بملذات الدنيا طالما لا قيامة.
إذاً = بعد أن رأيتم صحة القيامة، عليكم أن لا تتزعزعوا. بل كونوا مكثرين في عمل الرب = فالأعمال الصالحة تزيدكم مجداً في الأبدية.
تعبكم = صلاتكم وصومكم وخدمتكم وأمتناعكم عن الخطية، لها أجرها في حياة ما بعد القيامة. إتعبوا وجدوا فيكون لكم كنز في السماء يفيدكم في زيادة مجدكم ورتبتكم في السماء.
أقرأ أيضاً
تفسير كورنثوس الأولى 14 | تفسير رسالة كورنثوس الأولى | تفسير العهد الجديد |
تفسير كورنثوس الأولى 16 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير رسالة كورنثوس الأولى | تفاسير العهد الجديد |