تفسير رسالة كورنثوس الأولى أصحاح ١٣ للقمص تادرس يعقوب ملطي

الأصحاح الثالث عشر
تسبحة الحب

مقدمة

يعتبر هذا الأصحاح أروع ما كتب عن “المحبة“، حيث يكشف روح الرب عن مفهومها وسموها وممارستها عملياً. وقد جاءت هذه التسبحة الرائعة ما بين الحديث عن “المواهب الروحية” وموهبة التكلم بالألسنة. فإن كان الأصحاح السابق قد كشف عن تمتع كل عضو من أعضاء الكنيسة بموهبة ما أو أكثر، فإنه لا يليق بإنسان أن يفتخر بما ناله من موهبة ولا أن يسَّفه من مواهب الآخرين. كما كشف عن عدم إساءة استخدام المواهب، فلا تكون نوعاً من الاستعراض، ولا للافتخار، وإنما لبنيان الكنيسة وخلاص الناس، وفي تناسق وتناغم من بقية المواهب.

وفي الأصحاح 13 يكشف الروح عن التزام المؤمن بالحب لينتفع بمواهبه. فبدونه ليس فقط تتحطم المواهب، بل يفقد المؤمن حياته، ولا ينفعه حتى الإيمان والرجاء.

هكذا يهيئ هذا الأصحاح لما سيتحدث عنه بخصوص موهبة التكلم بالألسنة التي أساء الكورنثوسيون استخدامها.

الحب هو اتساع القلب ليحمل في داخله اللَّه المحبة (1 يو8:4)، ومن خلاله يحب كل البشرية فوق حدود العواطف والغرائز البشرية وفوق كل الطاقات الطبيعية، إذ ينحنى الإنسان أمام كل أحدٍ ليقدم كل شيء من أجل أخيه.

فالحب ليس استلطافًا بالغير ولا انسجامًا معه ولا اشباعًا ولا تعلقًا به، وإنما هو أسمى من هذا كله. إنه بذل وعطاء بكل إمكانية من أجل كل أحدٍ دون أن ينتظر نفعًا ماديًا أو جسمانيًا أو معنويًا، بل يحب من أجل اللَّه المحبة ذاته.

مادام اللَّه هو “محبة”، والآب والمسيح هما واحد (يو 30:10) يمكننا أن نضع كلمة “المسيح” هنا عوض كلمة “المحبة“. فالحب هو عمل المسيح فينا، وشركتنا معه في سماته. عمل المسيح الإيجابي فينا يشكّلنا لنتشبه به ونتبعه ونشاركه حياته. الحب إيجابيًا يولد طول أناة وترفقًا [4]، وفرحًا بالحق [6]، واحتمالاً لكل شيء، وتصديق كل شيء، والرجاء في كل شيء [7], وديمومة بلا سقوط [8]. أما سلبيًا فالحب فيه رفض لممارسة شهوات الجسد والكبرياء [4] والأنانية والاحتداد وظن السوء [5] والفرح بالإثم [6].

v (في حديثه للمتأهبين لسرّ العماد).

المحبة هى وحدها العلامة المميزة بين أولاد اللَّه وأولاد إبليس.

لنطبع أنفسنا بسمة صليب يسوع المسيح… ولنصطبغ جميعًا بالعمودية.

وليحضر الكل إلى الكنيسة لنبني أسوار الكنيسة، فليس ثمة شيء يميز أولاد اللَّه عن أولاد إبليس إلا المحبة.

القديس أغسطينوس

v (الإنسان الحقيقي) هو الذى بالحق والحكمة يتصور في نفسه تدبير محبة اللَّه الفاضل، وحقيقة ربنا يسوع، ويدوم معه ويلتصق به ويصير معه روحًا واحدًا. هذا هو الإنسان الجديد الذى تعرى من الإنسان العتيق ولبس صورة المسيح (المحبة).

القديس يوحنا التبايسي

v من يحب يتمم الناموس. ومن يتمم الناموس مكرم جدًا , والمُكّرم يتقبل موهبة روحية.

سفيريان أسقف جبالة

v الذين يخدمون الرب ببهجة هم الذين يحبونه فوق الكل, ويظهرون حبًا أخويًا لبعضهم البعض. أية عبودية بكامل الحرية هذه! 

أية خدمة تسمو فوق كل أنواع السلطة.

كاسيدورس

1. الحب ضابط كل المواهب الروحية 1-8.

يسجل لنا الرسول هنا زوايا مختلفة من علامات المحبة الحقيقية للأقرباء.

“إن كنت أتكلم بالسنة الناس والملائكة،

ولكن ليس لي محبة،

فقد صرت نحاسًا يطن،

أو صنجًا يرن” [1].

v لا يفضل الرسول المبارك المحبة عن الخوف والرجاء فحسب بل وفوق كل العطايا التي تُحسب عظيمة ومدهشة… فبعد ما عدد مواهب الروح من الفضائل أراد أن يصف عناصرها فبدأ يقول: “وأيضًا أريكم طريقًا أفضل. إن كنت أتكلَّم بأَلسنة الناس والملائكة ولكن ليس لي محبَّة، فقد صرت نحاسًا يطنُّ أو صنجًا يرن. وإن كانت لي نبَّوة وأعلم جميع الأسرار وكلَّ علمٍ وإن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال ولكن ليس لي محبة فلست شيئًا. وإن أطعمت كلَّ أموالي وإن سلَّمت جسدي حتى احترق ولكن ليس لي محبة فلا أنتفع شيئًا” (1 كو 31:12، 1:13-3). أترون إذن كيف أنه لا يوجد شئ أقيم أو أكمل أو أشرف منها!

الأب شيريمون

v هنا يتحدث عن ألسنة الملائكة، لا ليقدم الملائكة بجسدٍ (يتكلم)، وإنما ما يقصده هنا: “حتى إن كنت أتكلم كما تفعل الملائكة في علاقتهم ببعضهم البعض، فبدون المحبة أنا لا شيء، بل أكون عبئًا وسبب ضجر… هنا لا يعني باللسان أداة جسدية، بل يود أن يشير إلى حوار الواحد مع الآخر بما يناسب معرفتنا كما يحدث بيننا”.

v لكي يكون مقاله مقبولاً لم يقف عند الحديث عن موهبة التكلم بالألسنة بل امتد للحديث عن بقية المواهب؛ وإذ قلل من قيمة كل المواهب في غياب المحبة عندئذ رسم الصورة. ولأنه فضّل أن يقدم البرهان قويًا بدأ بالأقل وصعد إلى ما هو أعظم. فإنه إذ أشار إلى ترتيب المواهب وضع الألسنة في النهاية، أما هنا فيضعها أولاً وذلك حسب الدرجات صاعدًا إلى ما هو أعظم.

v لا عجب إن قال حسنًا بأن كل المواهب بلا نفع عظيم بدون المحبة مادامت مواهبنا ثانوية بالنسبة لطريق حياتنا.

v بمعنى آخر يقول بولس إن كان ليس لى حب ليس فقط أكون بلا نفع بل إيجابيًا أسبب إزعاجًا.

القديس يوحنا الذهبي الفم

v ألسِنة الملائكة هي تلك التي تُدرك بالعقل لا بالأذن.

ثيؤدورت أسقف قورش

v الحب هو رأس الدين ذاته, ومن ليس له رأس فهو ميت.

أمبروسياستر

v يقدم لي الرسول بولس في موضع ما تجميعًا رائعًا لأمورٍ فائقة، يكشفها أمامي، وأنا أقول له: “اكشف لي إن كنت قد وجدت من بينها ثوب العرس. يبدأ يكشف الواحدة تلو الأخرى. ويقول: “إن كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة…”. يا لها من ثياب ثمينة! ومع ذلك لا يوجد بعد ثوب العرس! لماذا تتركنا أيها الرسول في إثارة قلقين؟… “إن كانت ليس لي محبة لا انتفع شيئًا“. 

انظروا ثوب العرس! ارتدوه يا أيها الضيوف فتجلسون في آمان!

القديس أغسطينوس

وإن كانت لي نبوة،

وأعلم جميع الأسرار،

وكل علمٍ.

وإن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال

ولكن ليس لي محبة،

فلست شيئًا” [2].

يرى القديس يوحنا ذهبي الفم أن الرسول إذ يشير إلى النبوة والإيمان [2]. إنما يضم كل المواهب بما فيها صنع العجائب. 

v تنبأ بلعام مع أنه لم يكن نبيًا (عد 22: 38 – 24: 25) , وقيافا أيضًا تنبأ ( يو 11: 49 -51), وهكذا شاول عندما كان في عصيانه مملوء بروحٍ شريرٍ ( 1 صم 16: 14 – 23؛ 19:9 ). 

رافق يهوذا التلاميذ الآخرين، وفهم كل الأسرار ونال المعرفة التي وُهبت لهم, لكنه كعدوٍ للحب خان المخلص ( مت 26: 47 ـ 50 ؛ مر 14: 43 ـ 46؛ لو 22: 47 ـ 48؛ يو 18: 2 ـ 5).

كان كلا من ترتليان ونوفاتيان إنسانين تعليمهما ليس بالقليلٍ, ولكن بسبب كبريائهما فقدا شركة الحب، وسقطا في الانشقاق بالهرطقات لتدميرهما.

أمبروسياستر

وان أطعمت كل أموالي،

وإن سلمت جسدي حتى احترق،

ولكن ليس لي محبة،

فلا أنتفع شيئًا” [3].

يرى القديس يوحنا ذهبي الفم أن الرسول حين يتحدث عن العطاء لم يقل: “إن قدمت نصف أموالي ولا ثلاثة أجزاء وإنما “كل أموالي“، ولم يقل “قدمت” بل “أطعمت” موضحًا أنه يعطي باهتمام ونظام حسن.

v إنه يذكر أكثر أنواع الموت رعبًا وهو الحرق، قائلاً: بأنه حتى هذا بدون محبة ليس بأمرٍ عظيمٍ.

القديس يوحنا ذهبي الفم 

v من يهين الحب فمهما نال من مواهب عظيمة يصير كلا شيء!… من يملك كل هذه الأمور (1 كو 1:13-3) يكون بلا هدف نافع متى لم يكن لديه الأمر الواحد الذي يمكنه به أن يستخدم كل هذه الأمور حسنًا.

v تسليم الإنسان جسده يحترق ليس تصريحًا بالانتحار، بل الوصية هي ألا نُقاوم الألم إن كان البديل له هو الالتزام بممارسة ما هو خطأ.

القديس أغسطينوس

المحبة تتأنى وترفق… [4].

طويل الأناة على الآخرين يتعلم كيف يحب اللَّه والناس عملياً. فإنه من أجل محبة اللَّه لا يبالي بإهانات الآخرين أو تصرفاتهم ضده، وبهذا يسلك طريق الكمال، طريق الحب المقدس.

v المحبة تتأنى وترفق” (1 كو 4:13)

تأمل من أي نقطة بدأ الرسول، وماذا قال كأول مسبب لعظمة المحبة: “إنها طول الأناة“. وطول الأناة أصل كل إنكارٍ للذات. وكما قال أحد الحكماء: “الإنسان الطويل الأناة له فهم عظيم، أما المتهور فعظيم في غبائه”.

v وإذا قارنا طول الأناة بمدينة حصينة وجدناها أكثر حصانة منها. فهي سلاح ماضٍ وقلعة حصينة، يمكن بسهولة أن تقف ضد كل المضايقات. وكما أن الشرارة البسيطة إذا ما سقطت في جب لا تؤذي بل تنطفئ سريعًا. هكذا كل ما يسقط على النفس الطويلة الأناة سرعان ما يتلاشى، وأما النفس فلا تضطرب. لأنه بالحق ليس هناك أقوى من طول الأناة.

v قد تتكلم عن الجيوش والأموال والخيول والحصون والأسلحة أو أي شيء يمكن أن يوجد، هذا كله يمكن للغضب أن يهزمه. ذلك لكن ليس مثل التأني. لأن من ينشغل بهذه الأمور غالبًا ما يغلبه الغضب، ويصير مكتئبًا كطفلٍ تافه، ويمتلئ بالارتباك والهياج، أما المتأني فإنه كمن في ميناء، يتمتع بهدوء مملوء تعقلاً. فإن أحاطت به الخسارة، يكون كالصخرة لا يتحرك، وإن شُتم يكون كالقلعة لا يهتز، وإن ضرب بالعصا فلن يُجرح لأنه أصلب من الماس.

أما بولس فلم يقف عند هذا الحد، بل أضاف أيضًا إحدى خصائص المحبة قائلاً “تترفق“. لأن هناك من يمارسون طول الأناة، ليس إنكارًا لذواتهم، وإنما لمعاقبة من أثاروهم لكي يفجّروا فيهم الغضب، لهذا يقول بأن المحبة لا تقبل هذا الانحطاط، لذلك أضاف “المحبة تترفق“. فهو لا يقصد بطول الأناة إشعال النار فيمن أثاروا الغضب بمعاملتنا لهم بطول الأناة، بل بقصد إخماد الغضب وإبادته. فلسنا نعالج الألم ونشفي جراحات الغضب باحتمالنا الآخرين بنبلٍ، بل احتمالنا لهم بلطف وتعزية.

القديس يوحنا الذهبي الفم

v كيف يقدر أن ينال كمال نقاوة القلب من لا ينفذ الوصايا التي يظهرها الرسول: “احملوا بعضكم أثقال بعضٍ وهكذا تّمموا ناموس المسيح” (غلا 2:6)، ومن ليس لديه فضيلة المحبة التي هي: “لا تُقبِح… ولا تحتدُّ… ولا تظنُّ السوءَ… وتحتمل كلَّ شيءٍ… وتصبر على كل شيءٍ” (1كو 4:13-7)؟! لأن “الصدّيق يراعي نفسه بهيمتهِ، أما مراحم الأشرار فقاسية” (أم 10:12).

الأب شيريمون

v حيث أن الحب الحقيقي هو أن نحب الكل, فإن عرف أحد أنه يبغض لو شخصًا واحدًا يلزمه أن يسرع ويتقيأ هذه اللقمة المرة حتى يتهيأ لقبول عذوبة الحب نفسه.

الأب قيصريوس أسقف آرل

v سأل أخ شيخًا: إني أريد أن أستشهد من أجل اللَّه. فأجابه: “من احتمل أخاه في وقت الشدة، فذاك أصبح داخل أتون الثلاثة فتية”.

القديس بالاديوس

v من احتمل ظلمًا من أجل الرب يعتبر شهيدًا.

القديس الأنبا موسى الأسود

v إن طول الروح هو صبر، والصبر هو الغلبة، والغلبة هي الحياة، والحياة هي الملكوت، والملكوت هو اللَّه. البئر عميقة ولكن ماؤها طيب عذب. الباب ضيق كرب، ولكن المدينة مملوءة فرحًا وسرورًا. البرج شامخ حصين ولكن داخله كنوزًا جليلة.

القديس مقاريوس الكبير 

v إن كان الشخص يغضب بكونه إنسانًا، فأنه يضع حدًا للغضب بكونه مسيحيًا.

القديس ايرونيموس

v أتى أخوة إلى القديس أنطونيوس وقالوا له “يا أبانا قل لنا كيف نخلص؟”

فقال لهم: “هل سمعتم ما يقوله الرب… من لطمك على خدك الأيمن حول له الأيسر؟”

فقالوا له: “ما نطيق ذلك”.

فقال لهم: “إن لم تطيقوا ذلك فاصبروا على اللطمة الأولى”.

قالوا له: “ولا هذه نستطيع”.

فقال لهم: “إن لم تستطيعوا فكافئوا من يظلمكم”.

فقالوا له: “ولا هذا نستطيع”. 

فما كان من القديس إلا أن دعا تلميذه وقال له “اصلح لهم مائدة واصرفهم لأنهم مرضى. إن هذا لا يطيقون، وذاك لا يستطيعون، ووصايا الرب لا يريدون. فماذا أفعل لهم؟!”

القديس بلاديوس

المحبة لا تحسد… [4].

المحبة هي إنكار للنفس أو إماتة اللذات ليحل اللََّه مكانها. فالمحبة لا تطلب ما لنفسها بل ما هو للآخرين. لذلك من يحب يفرح ويسر لنمو الآخرين روحيًا وجسديًا، ويشتاق لو أعطى له أن يتخلى عن كل ما اكتسبه من بركات أرضية وسمائية لأجل اخوته. فيوناثان لما أحب داود (1 مل 1:18) كان يشتهي أن يرى إكليل أبيه على رأس داود أكثر مما يشتهي أن يراه على رأسه، إذ قال له: “انت تملك على إسرائيل وأنا أكون معك ثانيًا” (1 مل 17:23). والأم إذ تحب أولادهما تشعر أن نجاحهم وحصولهم على شهادات دراسية هو نجاح لها شخصيًا.

كثيرون، بل ربما الجميع، يشعرون أحيانًا بثقل أفكار الحسد في داخلهم رغم تأكدهم تمامًا من الشرور التي يجلبها الحاسد على نفسه، وعجزه عن أضرار المحسود. ولعل سر العجز في التخلص منه هو عدم معرفة أسباب دخوله فينا. لما سقط الشيطان شعر بالفراغ يملأ قلبه، وإذ لم يستطع إشباعه من اللََّه بدأ يحسد الشبعى. وسقط آدم وذريته وصارت القلوب فارغة تريد أن تشبع! فإن لجأت النفس إلى يسوع المسيح مصدر شبعها امتلأت، وأحبت الكل، واشتاقت لو أخذت آخر صفوف البشر في هذا العالم والعالم الآتي. ففي هذا العالم، مهما اشتاقت أن تتراجع خلف البشرية، فستجد ربنا يسوع المسيح محتلاَ آخر صف، ليس له أين يسند رأسه، مبصوقًا على وجهه، مطرودًا، مجدفًًا عليه، مصلوبًا كأحقر لصٍ. وإن أرادت أن تتراجع إلى الوراء طالبة خلاص اخوتها أولاً، نجد موسى يسبقها قائلاً: “والآن إن غفرت خطيتهم وإلا فامحني من كتابك” (خر 32:32)، وبولس قائلاً: “فإني كنت أود لو أكون أنا نفسي محرومًا من المسيح اخوتى” (رو 3:9).

أما إن بحثت عن ينبوع آخر من ينابيع العالم ازداد ظمأها أكثر، فإن طلبت أمجاد العالم وممتلكاته تحسد كل من يملك أو ينال أكثر منها، بل وتحسد من هم أقل منها، لأن النفس العطشى تطلب كل العالم لعله يُشبعها.

الحسد يجعل الإنسان يقف موقفًا عدائيًا قِبَل اللََّه ذاته، وبالتالي يستحيل أن يستقر السلام في مثل هذا القلب. وبناء عليه لا يمكن أن يوجد السلام في جماعة تَسرّب إليها داء الحسد. 

v لماذا المحبة لا تحسد, ذلك لأنها لا تنفخ فحيث يوجد الكبرياء يتبعه الحسد, لأن الكبرياء هو أم الحسد.

القديس أغسطينوس

v لا تحسد“. إذ يمكن للإنسان أن يتأنى ويحسد في نفس الوقت فيفسد سمو التأني، أما المحبة فتمنع حدوث هذاٍ.

v مثل هؤلاء لا يهنأون بطعامٍ أو يتمتعون بشرابٍ. إنهم على الدوام يتأوّهون ويتنهّدون ويحزنون، فطالما لا يُطرد الحسد تتمزق قولبهم نهارًا وليلاً بلا انقطاع.

كل الشرور لها حدود، وكل خطأ ينتهي بارتكاب الجريمة، فالزاني تنتهي معصيته عند حد ارتكاب التعدّي، واللص تقف جريمته عندما يقتل، والسالب يضع حدًا لجشعه، والمخادع يضع نهاية لغشّه، أما الحسد فليست له حدود. إنه شر يعمل على الدوام وخطية ليس لها نهاية.

الشهيد كبريانوس

v لا توجد خطية تفرق الإنسان عن اللََّه والناس مثل الحسد، لأن هذا المرض أشد خبثًا من محبة الفضة. لأن محب الفضة يفرح متى ربح شيئًا، أما الحاسد فيفرح متى خسر أحد شيئًا أو ضاع تعبه سُدى، ويحس خسائر الآخرين ربحًا له أكثر من أي نجاح. فأي شر أعظم من هذا؟!

الزاني يتورط في الخطأ لأجل لذة مؤقتة والسارق قد تكون له حجة الفقر، ولكن أي عذر تقدمه أيها الحاسد؟!

الزاني يحصل على لذة زمنية أثناء ارتكابه الخطية، ثم يعود فيرفضها… فيتوب ويخلص، أما الحاسد فيُعذّب نفسه ولو لم يحدث له ضرر ممن يحسده. فلهذا خطية الحسد أشر الخطايا وأشنعها، لأن الحاسد لا يمكنه مغادرة خطيته، بل يصير كالخنزير المتمرغ في الحمأة، ويماثل بفعله الشيطان…

لهذا أقول لكم أنه ولو كان أحدكم يصنع معجزات أو يحفظ البتولية، أو يكون صوّامًا أو باسطًا كفيّه في الرحمة أو ينام على الحضيض أو يصل بهذه الوسائط إلى فضيلة الملائكة؛ ولكن فيه آلام الحسد فلا محالة يكون أشر من جميع الخطاة وأردأ منهم.

القديس يوحنا ذهبي الفم 

المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ” [4].

الإنسان الذي انسكبت فيه محبة اللََّه بالروح القدس يُدرك حقيقة عضويته وعضوية اخوته في جسد الرب، لذلك لا يحتقر أحدًا ولا يزدري به، بل يحسب الكل مكرّمين لأجل الرب، فيشعر بمشاعر الرسول بولس وهي” “أعضاء الجسد التي تحسب أنها بلا كرامة نُعطيها كرامة أفضل. والأعضاء القبيحة فينا لها جمال أعظم، وأما الجميلة فينا فليس لها احتياج. لكن اللََّه مزج الجسد، معطيًا الناقص كرامة أفضل، لكي لا يكون انشقاق في الجسد بل تهتم الأعضاء اهتمامًا واحدًا بعضها لبعض” (1 كو 23:12-25). فالفقير الذي يحسب كأنه بلا كرامة له عمله في الكنيسة أعظم بكثير من عمل الغني. ففي الكنيسة لا يزدري الأسقف أو الكاهن أو المتوحد أو الراهب في نظام الشركة أو العلماني ببعضهم البعض. بل كل منهم يعطي الآخر كرامة.

v المحبة لا تعرف العجرفة، لهذا قال الحكيم “لا تستحي أن تسلم على قريبك” (ابن سيراخ 31:22).

القديس أمبروسيوس 

v لا تتفاخر“، بمعنى “لا تتهوّر”. فإن من يحب يكون متعقلاً وجادًا وثابتًا. بالحقيقة إحدى علامات الذين يحبون بطريقة خاطئة هي السقوط في هذا العيب. أما الذي يعرف هذا الحب فيتحرر من هذه الشرور تمامًا. 

فحيث لا يوجد غضب في الداخل يهرب كلٍ من التهوّر والاستخفاف بوقاحة. الحب يشبه مزارعًا يضع كرسيه في داخل النفس ولن يسمح لأي من هذه الأشواك أن تنبت فيها…

الحب يطهّر الكل بكمالٍ.

لاحظوا أن طويل الأناة ليس بالضرورة يكون مترفقًا. فإن لم يكن مترفقًا يصير طول الأناة ليس بالضرورة مترفقًا. فإن لم يكن مترفقًا يصير طول الأناة رذيلة، ويتعرض الشخص لخطر السقوط في المكر. لذلك يقدم الحب دواءً، أقصد الترفق فيحفظ الفضيلة نقيّة. 

مرة أخرى الشخص المترفق غالبًا ما يصير مبالغًا في رغبته في إرضاء الغير، هذا أيضًا يصححه الحب، إذ المحبة “لا تتفاخر ولا تنتفخ“. الترفق وطول الأناة غالبًا ما يأخذا صورة التظاهر، أما المحبة تنزع هذه الرذيلة أيضًا. انظروا كيف يزين المحبة ليس فقط بما لها، بل وبما ليس لها. إذ يقول: إنها تجلب الفضيلة وتحطم الرذيلة، بل لن تسمح لها أن تنبت قط!

v أنظر كيف أن الرسول لم يقل اكرموا بعضكم بعضًا فقط، بل قال “مقدمين بعضكم بعضًا في الكرامة” (رو10:12). فلا تنتظر أن يبدأ ذاك بإكرامك وتقديمك عنه، بل اجتهد أن تسعى أنت متقدمًا في إكرامه…

القديس يوحنا الذهبي الفم 

v

بهذا عرفنا محبة اللََّه، لأنه أسلم نفسه عِوضًا عنّا. فينبغي علينا نحن أيضًا أن نبذل أنفسنا عِوضًا عن اخوتنا (1 يو 16:3). فإذا كان ينبغي أن يبلغ حبنا للمسيح إلى هذا الحد، أي إلى بذل أنفسنا عوضًا عن اخوتنا، فبالأحرى إذًا أن تبلغ بنا إلى أشياء كثيرة نصادفها كل يوم، وهي أقل كلفة بكثير عن بذل أنفسنا عنهم. فأحد هذه الأشياء وأحقّها؛ الذي تقتضيه المحبة منّا وتعيننا في حياتنا ونموها هو اعتبارنا للقريب، فهذا عليه يتأسس ويعتمد كل بنيان المحبة الحقيقية…

فاعتبارنا لاخوتنا يجعلنا نحبهم ونكرمهم ونخدمهم ونتمم نحوهم بقية ضرورات المحبة. فبمقدار ما يزيد فينا اعتبارنا لهم… تزداد فينا المحبة وتوابعها، لهذا يحث الرسول أهل فيلبي “لا شيئًا بتحزب أو بعُجْب بل بتواضع حاسبين بعضكم البعض أفضل مت أنفسكم” (في 3:2). وقال أيضًا لأهل رومية “وادين بعضكم بعضًا بالمحبة الأخوية، مقدّمين بعضكم بعضًا في الكرامة”.

القديس باسيليوس الكبير 

v الكل غير كاملين، لا قوّاد الألف، ولا قوّاد المائة ولا قوّاد الخمسين ولا ما يشبههم، بل كلٌ في رتبته يقوم بأداء المهمة الملقاة عليه من (الملك) أو القادة. فبدون الصغير في الرتبة لا يوجد العظيم، وبدون العظيم لا يوجد الصغير. إنه يوجد نوع من الخلطة في كل شيء، وبذلك توجد فوائد مشتركة.

لنأخذ جسدنا كمثالٍ: الرأس بدون الرجلين ليس بشيء، كذلك الرجلان بدون الرأس. فكل الأعضاء حتى أصغرها وأحقرها ضرورية ومفيدة للجسم، فالكل يعمل معًا في انسجام وتحت ضابط واحد، لأجل المحافظة على الجسد كله.

إذًا لنحافظ على سلامة الجسد في المسيح يسوع، خاضعين بعضنا لبعض، كل بحسب الموهبة التي نالها من اللََّه. فالقوي لا يحتقر الضعيف، والضعيف يكرّم القوي. والغني يشبع احتياجات الفقير، والفقير يشكر اللََّه الذي وهبه إنسانًا يشبع احتياجاته…

القديس إكليمنضس الروماني

“ولا تقبح… ” [5]. 

v الإنسان الذي يعيش في عزلة ليس مُعدًا ليميز أخطاءه, إذ لا يوجد من ينصحه أو يصححه بلطف وحنو. في الواقع النصح الصادر من عدو غالبًا ما ينتج في الإنسان الحكيم الرغبة في الإصلاح.

القديس باسيليوس الكبير

ولا تطلب ما لنفسها… ” [5].

v حيث أن المحبة “لا تطلب ما لنفسها” [5]، لذا لم يصنع يسوع ما ظنّه بطرس صالحًا (مت 23:16). لذلك نزل من الجبل إلى الذين لم يكونوا قادرين على الصعود عليه ليروا تجلّيه، وذلك ليرد بالطريقة التي بها يستطيعون ذلك. لهذا فمن جانب الإنسان البار الذي له المحبة التي لا تطلب ما لنفسها أن يتحرر من الكل، ولكننه يستعبد نفسه للجميع لكي يربح الأكثرين.

العلامة أوريجينوس 

v لا تطلب ما لنفسها” بدون شروط… فالمحبة تجعل المحبوب هو كل شيء لدى المحب. ويحسب المحب (مهما قدّم) أنه يسلك ليس كما ينبغي عندما لا يستطيع أن يحرر المحبوب مما لا يليق به… يشعر الشخص أن الطرف الآخر في موضع نفسه عندما يحب،، لأن هذه هي الصداقة، أن المحب والمحبوب لا يعودوا بعد شخصين منفصلين بل هما بطريقة ما شخص واحد، الأمر الذي لا يمكن الإيمان يكون له موضع إلا بالمحبة. 

إذن لا تطلبوا ما لأنفسكم فتجدون أنفسكم. لأن من يطلب ما لنفسه لا يجدها. كما قال بولس أيضًا: “لا يطلب أحد ما لنفسه بل كل ما لأخيه” (1 كو 24:10). فإن نفعك قائم في نفع أخيك، ونفعه هو لنفعك.

v بالحقيقة الإنسان المحب هو الذى لا يبحث إلاّ عن نفع محبوبه. فلو خالف المحب ذلك فإنه ولو صنع عشرات الآلاف من أعمال المحبة الصالحة فإنه بالأكثر يكون أقسى من أي عدو.

القديس يوحنا ذهبي الفم 

v إن كنت قد وُلدت بالمسيح حقًا، فكل مولود من المسيح هو أخوك. فإن أحببت نفسك أكثر من أخيك، فهذه الزيادة ليست من المسيح!

الشيخ الروحاني

ولا تحتد… ” [5]. 

v اطرد ظلمة الغضوب الذي تراه بصمتك وتعود تقتني الفرح في قلبك, والسلام في الاخوة والأخوات الذين يشبهونك في الفكر, والغيرة والاهتمام بحفظ كنائس الرب.

القديس باسيليوس الكبير

v من كان غضوباً فهو خالٍ من طول الأناة والمحبة، يقلق سريعًا من الأقوال التافهة، ويثير الخصام لأمر يسير حقير، وحيثما لا يكون له مكان يطرح نفسه… فمن لا ينوح على مثل هذا؟ فهو مرذول عند اللَّه والناس. 

مار إفرام السرياني

ولا تظن السوء” [5].

ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق” [6].

v لا تفرح بالإثم” بمعنى لا تجد مسرّة عندما يُصاب الآخرون بشرٍ، بل ما هو أعظم: “بل تفرح بالحق“. يقول: المحبة تشعر بالسرور بأولئك الذين يتكلم عنهم حسنًا أنهم “يفرحون مع الفرحين ويبكون مع الباكين” (رو 15:12)… ألا ترون كيف تجعل المحبة من تقتنيها ملاكًا تدريجيًا؟ فإنه عندما يبطل الغضب ويتنقى من الحسد، ويتحرر من كل هوى الطاغية يتخلص من طبيعة الإنسان من هذه الناحية ويبلغ إلى هدوء الملائكة. 

القديس يوحنا ذهبي الفم 

v الحب يبغض ما هو ظلم ويفرح بما هو صالح ومكرّم.

ثيؤدورت أسقف قورش

وتحتمل كل شيء،

وتصدق كل شيء،

وترجو كل شيء،

وتصبر على كل شيء” [7].

v ترجّو كل شيء” يقول: أن المحبة لا تحتقر المحبوب مهما كن تافهًا، فإنها تستمر في تصحيحه ومساندته والعناية به. تصدق كل شيء“: يقول أنها ليست فقط تعطي رجاءً، بل تصدق بكل طاقات عاطفتها. فإنه حتى وإن لم تسر الأمور الصالحة كما كنت تترجى فإن الشخص الآخر يؤكد أنه يحتمل حتى هذه الأمور، إذ يقول: “تحتمل كل شيء“. 

القديس يوحنا ذهبي الفم 

v من يحب بطريقة كاملة لا يجد شيئًا لا يحتمله، لكننا نحن لا نحتمل أمورًا كثيرة لأننا لم نقتنِ بعد المحبة التي تحتمل كل شيء. إن كنا لسنا نحتمل أثقالاً معينة، إنما بسبب نقص المحبة التي تحتمل كل شيء. في الصراع الذي نثيره ضد الشيطان أيضًا غالبًا ما نسقط، وذلك بلا شكك لأنه ليس فينا المحبة التي لا تسقط أبدًا.

العلامة أوريجينوس 

v كلما اقتنى القديسون حُبًا للَّه أعظم يحتملون من أجله كل شيء.

القديس أغسطينوس

v الإنسان الذي له هذا الحب لا يخشى شيئا, لأن المحبة تطرد الخوف. عندما يطرد الخوف تحتمل المحبة كل شيء وتحمل كل شيء. من يحمل كل شيء بالحب لا يخاف الاستشهاد.

القديس أمبروسيوس

v الحب يجعل العنف هدوءً، والاستباحة عفة، هذا لا يحتاج بعد إلى أمثلة إذ نشاهده في كل البشر. فالإنسان العنيف أكثر من أي حيوان مفترس يصير بالحب أكثر وداعة من أي حمل.

القديس يوحنا ذهبي الفم 

v لما كان الحب هو مبدع كل الفضائل، فلنزرعه بكل دقة في نفوسنا حتى ينتج لنا بركات كثيرة، ويكون لنا ثمر باستمرار وبفيض، ثمر دائم الجدة ولن يفسد. بهذا نحصد ليس أقل من البركات الأبدية، هذه التي ننالها نحن جميعًا بنعمة ربنا يسوع المسيح ورحمته.

القديس يوحنا ذهبي الفم 

v ويقول أيضًا: “درع الإيمان والمحبَّة” (1 تس 5: 8). المحبة في الواقع هي التي تحيط بالمناطق الحيوية للصدر فتحميه من تعرضه لجراحات الأفكار المتزايدة المهلكة، وتحفظه من الضربات الموجهة ضده، ولا تسمح لسهام الشرير أن تتعمق إلى الإنسان الداخلي، لأن المحبة “تحتمل كل شيء وتصدق كل شيء وترجو كل شيء وتصبر علي كل شيء” (1 كو 13: 7).

الأب سيرينوس

2. يا لسمو الحب! 8-13.

المحبة لا تسقط أبدًا،

وأما النبوات فستبطل،

والألسنة فستنتهي،

والعلم فسيبطل” [8].

v الحب هو الأول بين كل الأنشطة التي ترتبط بالفضيلة وكل وصايا الناموس. لذلك إذا ما اقتنت النفس هذا الحب لا تحتاج بعد إلى الأمور الأخرى, إذ تبلغ كمال وجودها. يبدو أن الحب وحده يرى البعض يحتفظ في ذاته بسمة التطويب الإلهي؛ وتصير المعرفة حُبًا لأن ما يُعرف بالطبيعة هو جميل.

القديس ماكرينا

v المحبة لن تسقط, وتعنى أنها لن تسقط في خطية.

سفيريان أسقف جبالة

v ماذا بخصوص أعدائنا الوثنيين؟ أما يجوز لنا أن نبغضهم؟

لا! نحن لا نبغضهم, بل نبغض تعليمهم. لا الشخص بل سلوكه الشرير وفكره الفاسد.

لا تعجب أن النبوات والألسنة ستنتهي, ولكن ماذا بخصوص المعرفة؟ واضح أن بولس يُضم المعرفة أيضًا.

v ماذا يعني “لا تسقط“؟ إنها لا تتحطم ولا تنحل بسبب الاحتمال.

القديس يوحنا ذهبي الفم 

v استخدم معرفتك كأداة لبناء المحبة الشامخة الباقية إلى الأبد حتى بعدما تعبر المعرفة. فإن المعرفة التي تسُتخدم لنمو الحب نافعة, لكنها في ذاتها وبانفصالها عن الحب تصير ليس فقط غير نافعة بل ومضرة.

القديس أغسطينوس

v [الزيت في مصابيح العذارى الحكيمات]

سأخبركم لماذا يعني بالزيت المحبة؟ يقول الرسول: “أريكم طريقًا أفضل” (1كو 31:12). “إن كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة ولكن ليست لي محبة فقد صرت نحاسًا يطن أو صنجًا يرن [1]. هذه هي المحبة الطريق الأفضل من الكل، والتي لسبب حسن يشار إليها بالزيت. فإن الزيت يقوم فوق كل السوائل. اسكب ماء ثم اسكب عليه زيتًا فسيعوم الزيت فوق الماء. اسكب زيتًا ثم اسكب ماءً عليه، سيعوم الزيت فوقه. إن حفظت التدبير العادي فإنه سيكون فوق الكل. إن غيّرت النظام يبقى فوق الكل. “هكذا المحبة لا تسقط أبدًا” [8] .

القديس أغسطينوس

v خلود المحبة أو نقاوة القلب

لماذا نندهش من أن هذه الأعمال السابق ذكرها ستبطل بينما يخبرنا الرسول الطوباوي أنه حتى عطايا الروح القدس العظمى ستنتهي، مشيرًا إلى أن المحبة وحدها هي التي تبقى إلى الأبد، إذ يقول “وأمَّا النبوَّات فستبطل والأَلسِنَة فستنتهي والعلم فسيُبطَل” (1 كو 8:13). أما عن المحبة فيقول “المحبَّة لا تسقط أبدًا..” فالعطايا توهَب إلى حين من أجل الحاجة إليها لاستخدامها، فإذا ما انتهى عملها زالت، أما المحبة فلا تسقط أبدًا، لأن المحبة لا يتوقف نفعها عند هذه الحياة بل يتعداها إلى الحياة العتيدة. فإذ تزول أثقال احتياجات الجسد تستمر المحبة في نشاط أعظم وسعادة أوفر، فلا تعود بعد تضعف بتأثيرٍ ما، بل بعدم فسادها الدائم تلتصق باللَّه بأكثر نشاط وغيرة.

الأب موسى

“لأننا نعلم بعض العلم،

ونتنبأ بعض التنبوء” [9].

v تبقى معرفتنا في هذه الحياة ناقصة, لكن يمكن الاعتماد عليها في حدودها. يثق المؤمنون في شهادة حواسهم التي هي خادمة خاضعة لتعقلهم. ربما أحيانا ينخدعون، ومع هذا فهم أفضل من القائلين بعدم الثقة في الحواس تمامًا.

القديس أغسطينوس

“ولكن متى جاء الكامل،

فحينئذ يبطل ما هو بعض” [10].

v مع أن كل واحد يطلب المزيد من المعرفة على الدوام, فإنها تبقى المعرفة ناقصة في كل الأمور بالنسبة لكمالها الحقيقي حتى يحل الزمن ليأتي ما هو كامل ويزول ما هو جزئي.

القديس باسيليوس الكبير

v ما يحدث هو أن معرفتنا لا تختفي تمامًا , وإنما نرى في عدم كمالها أنها محدودة جدًا. إننا سنعرف كل شيء, حاليًا نعرف بطريقة ناقصة. ولكن سنعرف ما هو أكثر.

كمثال نحن نعرف الآن أن اللَّه في كل موضع, لكننا لا نعرف كيف يمكن ذلك. نحن نعرف أنه أوجد الخليقة من لا شيء ولكن ليس لدينا فكرة عن كيفية تحقيق ذلك. نحن نعرف أن المسيح وُلد من عذراء ولكننا لا نعرف كيف وهكذا.

v ليست المعرفة هي التي تعبر بل الوضع الذي فيه تكون المعرفة جزئية. فإننا ليس فقط نعرف الكثير بل ما هو أعظم بكثير. 

القديس يوحنا الذهبي الفم 

v كل ما هو ناقص سيتحطم؛ يحدث هذا التحطيم بجعل ما هو ناقص كاملاً, وليس بإزالته تمامًا.

أمبروسياستر

v الآن نحن نعرف بعض المعرفة ونفهم جزئيًا , ولكن عندئذ سيمكننا أن ندرك ما هو كامل عندما يبدأ لا الظل بل حقيقة عظمة اللَّه وسرمديته تشرق وتعلن عن ذاتها بغير حجاب أمام أعيينا.

القديس أمبروسيوس

v يليق بنا أن نتذكر كم هي عظمة ذاك الإنسان القائل: “لأننا نعلم بعض العلم، ونتنبأ بعض التنبؤ حتى يأتي الكامل [10]. فإنه حتى الآن توجد رؤية الملائكة القديسين الذين يدعون ملائكتنا، لأننا نحن إذ خلصنا من سلطان الظلمة وتقبلنا غيرة الروح انتقلنا إلى ملكوت المسيح وبدأنا فعلاً ننتمي إلى الملائكة الذين نشترك معهم في التمتع برؤية مدينة اللَّه المقدسة والمُبهجة.

v حيث يبدأ هذا الإيمان العامل بالمحبة يخترق النفس, فإنها تميل خلال قوة الصلاح الحيوية أن تتغير في البصيرة, حتى أن ما هو مقدس وكامل في القلب يقتبس ومضات من هذا الجمال غير المُعبر عنه الذي في كمال رؤيته نجد سعادتنا العظمى… نبدأ بالإيمان ونكمل بالعيان. 

القديس أغسطينوس

لما كنت طفلاً كطفل كنت أتكلم،

وكطفلٍ كنت افطن،

وكطفلٍ كنت افتكر،

ولكن لما صرت رجلاً أبطلت ما للطفل” [11].

v هذا نوع من الحديث الرمزي لبولس عن الطريق الذي عاشه تحت الناموس عندما اضطهد الكلمة ومع ذلك كان بلا إحساس، كان كطفلٍ يجدف على اللَّه.

القديس إكليمنضس السكندري

v إنه لا يشير إلى قامة تنمو خلال الزمن, ولا عن فترة معينة من الزمن , ولا إلى أي تعليم سري محفوظ فقط للناضجين البالغين, عندما يقول بأنه قد ترك الطفولية ونزعها.

بالأحرى يود القول أن الذين يعيشون بالناموس هم أطفال بمعنى إنهم خاضعون للخوف مثل أطفال يخافون الأرواح, وأما الذين يطيعون الكلمة وقد تحرروا بالكامل فهم في رأيه ناضجون.

القديس إكليمنضس السكندري

v نحن في هذه الحياة أطفال إن قورنا بما سنكون عليه في الحياة العتيدة. فإن كل شيء في هذه الحياة هو ناقص بما فيه المعرفة.

أمبروسياستر

v لما كنت طفلاً كطفلٍ كنت أتكلم…” [11] ليس لأن النفس التي للرجل تختلف عن تلك التي نعرف أنها للطفل، وأن التعقّل الطفولي يفشل بينما يحتل الرجولي مكانه فينا، وإنما ذات النفس التي تقوم بدور غير كاملٍ في الواحد تقوم بعملٍ كاملٍ في الآخر.

القديس غريغوريوس أسقف نيصص

v الفكاهة تجعل النفس مرهفة وخاملة، فإنها تثير النفس بمبالغة وغالبًا ما تسبب أعمالاً عنيفة وتخلق حروب وماذا أكثر من هذا؟ باختصار ألم ترد أن تكون بين الرجال؟ اترك الأعمال الطفولية!”

القديس يوحنا ذهبي الفم 

فإننا ننظر الآن في مرآة، في لغزٍ (مرآة غامقة)،

لكن حينئذ وجها لوجه.

الآن اعرف بعض المعرفة،

لكن حينئذ سأعرف كما عُرفت” [12].

v عندما سنؤمن جميعنا بذات الإيمان عندئذ تكون الوحدة، فإن هذا هو ما يدعوه بوضوح: “الإنسان الكامل“. ومع ذلك يدعونا في موضعٍ آخر أطفالاً [11] حتى ونحن بالغون في العمر، لكنه يتطلع إلى مقارنة أخرى. إذ يقارن بين معرفتنا المقبلة فيدعونا الآن أطفالاً. فبقوله: “نعرف بعض المعرفة” [9، 12] يضيف أيضًا كلمة “لغز (ظلمة)” وما يشبه ذلك. بينما يتحدث هنا (رسالة أفسس) بخصوص أمر آخر بخصوص التغيير، إذ يقول في موضع آخر: “وأما الطعام القوي فللبالغين” (عب 14:5).

v هذا هو معنى التعبير: “كما عُرفت“: ليس أننا سوف نعرفه كما هو، ولكن كما أنه يسرع نحونا الآن هكذا سنلتصق نحن به ونعرف الكثير من الأمور التي هي سرّية الآن، وسنتمتع بالمجتمع الأكثر طوباوية وحكمة.

v الآن أعرف بعض المعرفة، لكن حينئذ سأعرف كما عُرفت” [12]. ألا تروا كيف أنه بطريقتين ينزع عنهم الكبرياء؟ لأن معرفتهم جزئية، وحتى هذه ليست من عندهم. يقول: “لأني لست أعرفه بل هو عرّفني ذاته“. لذلك فإنه حتى الآن هو الذي أظهر أولاً نفسه، وهو الذي يسرع إليّ حتى أُسرع أنا إليه، عندئذ أكثر مما أنا عليه الآن.

القديس يوحنا ذهبي الفم 

v في صوت اليمامة الذي يُسمع في أرض الموعد يليق بنا أن نرى المسيح يعلم بشخصه، نراه وجهًا لوجه، ولا نعود نراه في مرآة في لغز.

v إن كانت المعرفة تُعلن للذين يستحقونها فينالونها في مرآة, وهي لغز في العصر الحالي, وستعلن بالكامل عندئذ فقط, فمن الغباوة أن تظن أنها سوف لا يكون الأمر هكذا بالنسبة لبقية الفضائل.

v إنه يشجعها ويحثّها ألا تجلس خاملة هناك بل تخرج إليه خارجًا وتحاول أن تراه لا من الشبابيك، ولا من مرآة في لغز، بل تذهب إليه وتراه وجهًا لوجه. لأنه الآن إذ هي لا تستطيع أن تراه يقف هكذا خلفها وليس أمامها، يقف وراء ظهرها، وخلف الحائط.

العلامة أوريجينوس 

v يراه البشر قدر ما يموتون عن هذه العالم، وقدر ما يعيشون له لا يرونه. وبالرغم من أن هذا النور يبدأ يظهر بوضوح، ليس فقط بأكثر إمكانية لرؤيته بل وبأكثر بهجة، إلا أنه يُرى كما في مرآة غامقة (لغز). فنقول أننا نراه لأننا نسلك بالإيمان لا بالعيان، بينما نحن نجول في هذا العالم كغرباء حتى وإن كانت محادثتنا في السماء (1 كو 12:13؛ 2 كو 7:5). في هذه المرحلة يغسل الإنسان عيني عواطفه ليرى أنه لم يضع قريبه أمامه… لأنه بالحق لم يحبه بعد كنفسه.

v هذه الرؤية محفوظة كمكافأة لإيماننا، يقول عنها الرسول يوحنا: “إذا أُظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو” (1 يو 2:3). نفهم “وجه” اللَّه إعلانه، ليس جزءً من الجسد مشابهًا للذي في أجسادنا وندعوه بهذا الاسم.

القديس أغسطينوس

v نعرف أنفسنا خلال الانعكاس كما في مرآة. أننا قدر ما نستطيع نتأمل العلة الخالق على أساس العنصر الإلهي فينا.

القديس إكليمنضس السكندري

v حتمًا ليس للَّه وجه, لكن بولس يستخدم هذه الصورة ليشير إلى وضوحٍ أعظم وفهمٍ أعمق. 

إذ يجلس أحد في ظلمة الليل لا يجرى وراء نور الشمس ما دام لا يستطيع أن يراه, ولكن إذ يحل الفجر ويبدأ بهاء الشمس أن يشرق عليه فإنه سيتتبع نورها.

القديس يوحنا الذهبي الفم

v وجهًا لوجه” – هكذا يرى الملائكة القديسون الذين يدعون ملائكتنا. إنهم ملائكتنا بمعنى أننا إذ نخلص من سلطان الظلمة ونتقبل عربون الروح ونتحول إلى ملكوت للمسيح نبدأ ننتمي إلى الملائكة.

القديس أغسطينوس

v هذا يعنى أن الأمور التي نسمع عنها الآن على مسئولية الكتب المقدسة نؤمن أنها هكذا. بعد القيامة سنراها بأعيننا ونتعرف عليها خلال الواقع, عندما تبطل المعرفة الجزئية, لأن المعرفة التي تقوم على السماع هي جزء من معرفة الشهادة بالعين والخبرة.

القديس ديديموس الضرير

v لم يكتشف بعد أحد أو سيكتشف ما هو اللَّه في طبيعته وجوهره. فالاكتشاف يحدث في المستقبل. ليت هؤلاء الذين لهم فكر في هذا أن يبحثوا ويفكروا فيما سيتم في المستقبل.

يخبرني عقلي الذي على شكل اللَّه عندما يمتزج ذاك الإلهي, أقصد الذهن والعقل، بما هو شبيه به؛ عندما تعود الصورة إلى أصلها الذي تشتاق إليه. هذا يبدو لي هو معنى هذه العبارة العظيمة أننا في الزمان المقبل سنعرف كما عُرفنا.

القديس غريغوريوس النزينزي

v نبدأ يكون لنا الجسد الروحاني كما وُعدنا في القيامة, لنظره حتى في الجسد, إما برؤية عقلية أو بطريقة معجزية, حيث أن الجسد الروحي لا يمكن وصفه.

سوف نراه حسب قدرتنا بدون حدود للمكان، ليس متسعًا في جزء وضيقًا في أخر, فإن هذا ليس بجسدٍ بل هو حاضر بكامله في كل موضع.

القديس أغسطينوس

v بسلمنا التعليم الخاص بطبيعة اللاهوت التي لا يمكن بلوغها والذي وُهب لنا، كما كشهادة عن الحق الذي أُعلن لنا بالكامل، فنقبل بوقار معنى هذه الأمور التي ننطق بها، المطابقة للإيمان الذي وضعه رب الأسفار المقدسة كلها.

القديس غريغوريوس أسقف نيصص

أما الآن فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة،

هذه الثلاثة،

ولكن أعظمهن المحبة” [13].

v سيكون الحب دائمًا في الملكوت, فسيسكن أبديًا في اتحاد الاخوة المنسجمين معًا. لا يمكن للخلاف أن يدخل إلى ملكوت السموات. من يتعدى على حب المسيح بعدم أمانة لا يمكن أن ينال مكافأة المسيح.

القديس كبريانوس

v الحب هو الأعظم، فإنه بينما يُكرز بالإيمان, وينسب الرجاء للحياة المقبلة إذا بالحب يملك.

أمبروسياستر

v الحب هو رباط الاخوة, أساس السلام, ثبات الوحدة وصرامتها. الحب أعظم من كل من الرجاء والإيمان. إنها تسمو على الأعمال الصالحة وآلام الإيمان. كفضيلة أبدية تقطن معنا إلى الأبد في ملكوت السموات.

الشهيد كبريانوس

v يخبر بولس الكورنثوسيين أن الحب هو أعظم من الكل إذ وُجد بينهم حسد وصراع, وكانت الكنيسة في خطر من الانشقاق.

ثيؤدور أسقف المصيصة

v إن كان الإيمان هو مادة كل الأمور التي نترجاها , كما جاء في العبرانيين (11: 1) , فإنه إذ نبلغ هذه الأمور يصير الإيمان أمرًا ثانويًا. هكذا بالنسبة للرجاء. أما بالنسبة للحب فهو أعظم عن هذه كلها, لأنه حين تنتهي الأتعاب تتحول أجسادنا في القيامة , فإن أذهاننا ستثبت بالحب , فلا نعود نطلب شيئا واحدًا أو آخر.

ثيؤدورت أسقف قورش

v من الضروري أن تكون لك المحبة ويكون لك الإيمان والرجاء، فتكون هذه الأمور الموهوبة عذبة لك. هذه الأمور المتشابهة: الإيمان والرجاء والمحبة هي ثلاثة؛ إنها أيضًا عطايا اللَّه. فإننا ننال الإيمان من عنده إذ يقول: “كما قسم اللَّه لكل واحدٍ مقياس الإيمان” (رو 3:12). والرجاء نتقبله من اللَّه الذي يُقال له: “لأنك أعطيتني الرجاء” (مز 49:119). وتقبلنا المحبة منه، الذي يقال عنه: “انسكبت محبة اللَّه في قلوبنا بالروح القدس الذي أُعطي لنا” (رو 5:5). الآن هذه الأشياء الثلاثة متشابهة، وإلى حد ما مختلفة، ولكن جميعها هي عطايا اللَّه، “يثـبت الإيمان والرجاء والمحبة، هـذه الثلاثة ولكن أعظـمهن المحـبة” [13] .

القديس أغسطينوس 

يعالج القديس أغسطينوس موضوع الإيمان والرجاء والمحبة في حياة بعض الكاملين نسبيًا، خاصة المتوحدين والنسّاك، حيث لا يعودوا في حاجة إلى قراءة الكتاب المقدس الذي يدخلون إلى غايته بهذه العطايا الإلهية الثلاثة، والمثل الواضح في ذلك القديس مريم المصرية التي عاشت في البرية بدون الكتاب المقدس، وقد عرفت الكثير منه دون قراءته.

v الذي يتكئ على الإيمان والرجاء والمحبة ويثبت فيها لا يحتاج إلى الأسفار المقدسة إلا بغرض تعليم الآخرين. لهذا كثيرون يعيشون بدون الاحتفاظ بنسخ من الأسفار المقدسة حتى في وحدتهم معتمدين على هذه النعم الثلاثة. ففي الحالة الأخرى أظن أنه يتحقق القول: “أما النبوات فستبطل والألسنة فستنتهي، والعلم فسيبطل” [18]. ولكن بهذه الوسائل (كما يمكن أن تُدعى) سيكون بنيان الإيمان والحب عظيمًا فيهم، فيمسكون بما هو كامل ولا يطلبون ما هو كامل جزئيًا – أقصد حتمًا قدر المستطاع – في هذه الحياة بمقارنته بما في الحياة العتيدة، فإن الحياة هنا لا يكون فيها الإنسان البار والقديس كاملاً. لهذا يقول الرسول: “أما الآن فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة هذه الثلاثة ولكن أعظمهن المحبة [13]. فإنه إذ يبلغ الإنسان إلى العالم الأبدي تبقى العطية العظيمة وتنتهي العطيتان الأخريتان.

القديس أغسطينوس 

v تبطل هذه (الأمور) عندما تظهر تلك، أما المحبة فتبقى سامية وتزداد قوة وحيوية.

v إن كانت فضيلة الحب عظيمة هكذا، أليس حسنًا يضيف قائلاً: “اتبعوا المحبة“؟ فإنه بالحقيقة توجد حاجة إلى اتباعها، وإن نجري وراءها بمشاعر ملتهبة، إذ هي تهرب بنوع ما منّا وكثير من الأشياء ترتفع عنّا في ذات الاتجاه. لذلك فإننا في حاجة إلى غيرة عظيمة لكي نمسك بها.

القديس يوحنا ذهبي الفم 

فاصل

من وحي 1 كو 13

لأتشبه بك يا كلي الحب!

v بالحب ولدتني ابنًا لك،

فأتشبه بك يا كلي الحب!

كيف لي أن اقتدي بك ما لم أقتنيك،

ويعمل روحك القدوس، روح الحب، فيّ؟

يرفعني إلى سمواتك فاختبر الحياة الجديدة،

التي لغتها الحب، وقانونها الحب!

روحك الساكن فيّ يهبني شركة الطبيعة الإلهية،

فاستعذب الحب وأرفض كل ما لا يتناغم معه.

يثمر في داخلي حبًا وفرحًا وسلامًا!

v تسبحك نفسي من أجل غنى مواهبك لي ولاخوتي.

لكن بدون الحب لا ننتفع شيئًا، 

بل ونصير كلا شيء.

ماذا انتفع إن تحدّثت مع كل إنسانٍ بلغته،

بل ومع الملائكة بلسانهم،

ما لم اقتن الحب في داخلي؟

بدونه يصير صوتي ضجيجًا مزعجًا، تنفر منه السماء والأرض.

v بك يا أيها الحب الأبدي لا أطلب صنع معجزات،

بل بالإيمان أسألك أن تحرك جبال الكراهية،

وتلقيها بعيدًا عني!

بالحب أفتح مخازن قلبي بإخلاص لكل محتاجٍ،

وبه اشتهي أن أبذل حياتي من أجلك متهللاً.

بالحب أعرف كيف أتعبد لك، وأسلك مع اخوتي.

v لتسكن فيّ يا أيها الحب.

فيهرب حسد إبليس من قلبي،

مشتهيًا خلاص كل أحدٍ ونجاحه وغناه ومجده.

أفرح به حين يسبقني إليك، ويتمتع بالبركات.

بك أنطلق نحو الصف الأخير،

فأجد سعادتي في التمتع بتواضعك ووداعتك.

اشترك معك في صلبك متهللاً،

واحتمل كل ألم بقلبٍ متسعٍ.

بالحب اختفى فيك، فأترجّى شركة المجد معك.

بالحب أرى الأبدية ليست ببعيدة عني.

أذوق عربونها، واشتهي حلولها.

v نعم، متى تأتي يا أيها الحب على السحاب.

أنطلق إليك، وقد صرت أيقونة لك.

تبطل كل المواهب وكل علمٍ ومعرفةٍ.

إذ أحيا بروح الكمال وأدرك أسرارك العجيبة.

v أتذكر حياتي هنا، فأرى نفسي إني كنت طفلاً،

والآن بك أتمتع بنضوجٍ فائقٍ.

ينتهي كل ما هو جزئي، لأتمتع بالنضوج والكمال.

ينتهي حتى الإيمان والرجاء،

ويبقى الحب أبديّا لن يسقط!

فاصل

أقرأ أيضاً

 

فاصل

 تفسير كورنثوس الثانية 12 تفسير رسالة كورنثوس الأولى تفسير العهد الجديد
 تفسير كورنثوس الثانية 14
 القمص تادرس يعقوب ملطي
تفاسير رسالة كورنثوس الأولى تفاسير العهد الجديد

 

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى