يو3: 15 لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية
“14«وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ، 15لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. 16لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. 17لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ. 18اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ الْوَحِيدِ. 19وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً. 20لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ السَّيِّآتِ يُبْغِضُ النُّورَ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى النُّورِ لِئَلاَّ تُوَبَّخَ أَعْمَالُهُ. 21وَأَمَّا مَنْ يَفْعَلُ الْحَقَّ فَيُقْبِلُ إِلَى النُّورِ، لِكَيْ تَظْهَرَ أَعْمَالُهُ أَنَّهَا بِاللهِ مَعْمُولَةٌ».”(يو3: 14-21)
+++
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
“لكي لا يهلك كل من يؤمن به،
بل تكون له الحياة الأبدية“. (15)
v أرأيت علة الصليب والخلاص الصائر منه؟ أرأيت مناسبة الرمز للحق؟ هناك انفلت اليهود من موتهم، وهنا يخلص المؤمنون بالمسيح من الموت الأبدي. هناك حية معلقة شفت لدغات الحيات، وهنا شفى يسوع المصلوب جراحات التنين العقلي. ذاك شفى الناظر بعينيه الحسية إلى الحية، وهنا يطرح الناظر إلى المصلوب كافة خطاياه. هناك كان المعلق نحاسًا بشكل حية وهنا المعلق هو جسد السيد المسيح.
تفسير الأب متى المسكين
14:3- 15«وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ.
لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.
هنا بداية عمل ابن الانسان، شرحها المسيح على مستوى فكر نيقوديموس معلم إسرائيل:
ويمكن شرح الموضوع هكذا: قصة سقوط الإنسان بدأت بالحية التي استطاعت أن تسرب الخطية القاتلة للانسان. وقد أفلح الناموس (التوراة) على يد موسى (عد7:21) أن يصور بالرمز الخلاص المزمع أن يتم للانسان المسموم بشوكة الموت, أي الخطية التي هي من صنع الحية. فانتهز موسى فرصة انتشار الحيات المحرقة أي التي تتلمظ بلونها الضارب إلى الحمرة كالنار المحرقة, التي ترمز إلى جهنم, التي بدأت تفتك بالشعب غليظ الرقبة جزاء تمرده على الله مرة ثانية كأبيهم أدم. فأقام مومى بمشورة الله الذي يصور أشباه السمويات وظلها، تمثال حية نحاسية حمراء وأقامها على عود من الخشب عالياً في وسط الشعب؛ وأمر أن كل من تلدغه حية, عليه فقط أن ينظر الى الحية بإيمان فيشفى.
فالحية، كرمز، هي حاملة الموت؛ ولكن تمثال الحية النحاسية، هو حية ميتة, سمها مقتول. هكذا اختار الله أن تكون الحية النحاسية هي رمز المسيح الذي أخذ خطية الانسان ككل في جسده ومات بها، فقتل الخطية بالجسد. لهذا يقال أن المسيح أمات الموت!! ودان الخطية بالجسد, أي حكم عليها حكماً مؤبداُ بالعدم حينما مات بها ثم قام. وبقيامته أعطانا الصليب الذي صُلب عليه كصك ينص حكم إعدام الخطية, وموت الموت حتى نُشهره أمام الضمير، وفي يوم الدينونة العتيد. فالآن، الذي ينظر إلى الصليب والجسد عليه ميتا، مؤمناً بما صنع المسيح بالخطية، فهو يحيا «الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبر» (1بط24:2)
فلكي نفهم كل سر رفع الحية النحاسية في البرية, يلزم أولاً فهم الحقيقة التي قام عليها هذا الرمز قديماً. أي أن موت المسيح على الصليب وما تم بسببه من الخلاص والحياة من موت محقق, هو الذي يشرح معنى رفع الحية النحاسية في البرية. أي أنه يلزم قراءة الأية من الآخر كالآتي: «ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان, كما رفع موسى الحية في البرية»، لأنه بدون سر الحياة التي تمت بموت المسيح على الصليب, يبقى مثل الحية النحاسية المرفوعة في البرية لغزاً يستحيل حلة.
«هكذا »ينبغى» «أن يرفع» ابن الإنسان».
كلمة «ينبغي» ضعيفة في تعبيرها عن المقصود في الأصل اليوناني, فكان الواجب أن تكون الترجمة «يتحتم». ولماذا يتحتم؟
في الحقيقة إن استخدام كلمة «ابن الإنسان» هنا هي تعبير مكشوف من التجسد، فيلزم للقارىء أذ ينتبه دائماً حينما يقابل كلمة «ابن الإنساذن» أن يترجمها في ذهنه إلى ما تم في التجسد، وخاصة اتحاد اللاهوت بالناسوت في شخص المسيح. فلأن ابن الله «تجسد», أي صار «ابناً للانسان»، فهنا سر الضرورة الحتمية أن يتألم أي يرتفع على الصليب؛ لأنه لم يتجسد إلا لكي يتألم بالجسد ويموت ليتم الخلاص للانسان: «لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة»! (يو27:12) ولكن لأن الجسد متحد باللاهوت، فبمقتضى لاهرت ابن الإنسان أصبح من المحتم وبالضرورة أن يقوم ابن الإنسان ويرتفع، أي يصعد إلى السماء حيث كان!
ولكن لأن أسلوب القديس يوحنا في التسجيل عميق غاية العمق ومتسع غاية الإتساع، وكل ذلك في اختصار بالغ الشح، استخدم هنا بلسان المسيح «الإرتفاع» لكي يشمل الإرتفاع على الصليب في ألم، ثم بالتال الإرتفاع أي الصعود إلى السماء في مجد.
والآن إذا عدنا لقراءة الآية مرة أخرى من الأول: «وكما رفع موسى الحية في البرية…» يظهر المعنى القوي المقصود وهو أنه كما حدث الشفاء للذين عضتتهم الحية في البرية عندما رفع موسى الحية النحاسية، «هكذا يتحتم أن يُرفع ابن الإنسان» ليحدث الشفاء من الخطية والموت الذي من صنع الحية القديمة.
لاحظ أن في «الرفع» سواء كان للحية النحاسية أو المسيح يكمن سر الخلاص.
«لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية»:
لا زلنا ننظر، بالتوازي، شعب إسرائيل في البرية وهو منطرح على الأرض جثثاً هالكة من سم الحية، ولكن كل من أطاع وامن ونظر إلى تمثال الحية النحاسية عاش.
المنظر هنا يعود ويصور المسيح مرفوعاً, في لغز, لأن ميعاد الصليب لم يحن بعد, والكلام لنيقوديموس. فكل من يرفع قلبه بالإيمان إليه ينجو من الهلاك الأكثر من هلاك سم الحية المحرقة، الذي يورد الجسد إلى العطب، لأن هلاك عدم الإيمان بالمسيح يغلق على الإنسان في حضن الحية القديمة (إبليس) التي تمتص منه رحيق الحياة أولاً بأول، ولا ينتظر بعد الموت إلا الموت، حيث نشيد الهاوية: «إذا رجوت الهاوية بيتاً لي وفي الظلام مهدت فراشي، وقلت للقبر أنت أبي وللدود أنت أمي وأختي, فأين إذاً آمالي، آمالي من يعاينها؟ تهبط إلى مغاليق الهاوية إذ ترتاح معاً في التراب.» (أي13:17-16)
«تكون له الحياة الأبدية»:
الذي كان ينظر إلى الحية النحاسية كان يقوم ويحيا، تماماً وهكذا من بالإيمان ينظر إل المسيح تدب فيه عناصر الخلود, وتنسحب منه قوى الموت والفساد فلا يسود عليه الموت بعد، لأنه بعد الموت تكون له الحياة الأبدية!!
ويلذ لنا أن نتأمل في أسلوب الأية البديع في قوله «تكون “له” الحياة الأبدية»، وليس مجرد «يحيا إلى الأبد» وكأن الحياة الأبدية لم تعد منة أو حسنة من حسنات الله, بل تصبح الحياة الأبدية له وكأنه يمتلكها, فتحل كل بركاتها عليه. وبأسلوب القديس بولس الرسول لا يمتلكها فقط بل «يرثها»!!
تفسير القمص أنطونيوس فكري
الآيات (14،15): “وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان.لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية.”
رأينا في آية (13) التجسد وهنا نرى الفداء (وهنا المسيح يشرح السمويات برموز من العهد القديم). فالإنسان سقط بواسطة الحية التي إستطاعت أن تُسَرِّبْ الخطية القاتلة للإنسان. فالخطية مرتبطة بالحية. وجاءت الحيات المحرقة تفتك بالشعب (عد7:21) لتْصّوِّر عمل الخطية التي تفتك بالإنسان الخاطئ. أما الحية النحاسية فهي حية ميتة سمها مقتول وهي رمز للمسيح الذي تجسد في شبه جسد الخطية بل صار خطية لأجلنا لكنه بلا خطية. وحمل خطايانا في جسده ومات بها فقتل الخطية بالجسد. لهذا يقال أن المسيح أمات الموت ودان الخطية بالجسد أي حكم عليها حكماً مؤبداً بالعدم حينما مات بها ثم قام. والنظر للحية النحاسية هو رمز لمن يؤمن بالمسيح المصلوب الذي قام من الأموات ليقيم من يؤمن به من موت الخطية (1بط24:2). يرفع إبن الإنسان=أولاً على خشبة ثم صعوده. حياة أبدية= فهي حياة الله نفسه الذي لا يموت، الأبدي، أعطاها لنا في المعمودية. “لي الحياة هي المسيح” (في21:1) أعطاها لنا بصليبه وقيامته.
- تفسير إنجيل يوحنا 3 للقمص تادرس يعقوب
- تفسير إنجيل يوحنا 3 للأب متى المسكين
- تفسير إنجيل يوحنا 3 للقمص أنطونيوس فكري