يو11: 39 …يا سيد قد أنتن، لأن له أربعة أيام
“قَالَ يَسُوعُ:«ارْفَعُوا الْحَجَرَ!». قَالَتْ لَهُ مَرْثَا، أُخْتُ الْمَيْتِ:«يَاسَيِّدُ، قَدْ أَنْتَنَ لأَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ».” (يو11: 39)
+++
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
“قال يسوع:
ارفعوا الحجر.
قالت له مرثا أخت الميت:
يا سيد قد أنتن،
لأن له أربعة أيام”. (39)
أمر برفع الحجر حتى يرى كل الواقفين أن الجسد ملقى في القبر ميتًا، كما يشتمون الرائحة، فيتأكدون أنه أنتن، وعند خروجه من القبر لا يظنوا أنه خيال بل هو جسد حقيقي.
جاء اعتراض مرثا غالبًا بعد أن بدأوا يحركون الحجر فاشتمت الرائحة.
v لماذا لم يدعُ لعازر وهو على بُعد من القبر ويأتي به أمام أعينهم؟ أو بالأحرى لماذا لم يجعله يقوم والحجر مُلقى على القبر؟ فإن ذاك القادر بصوته أن يحرك الجثمان ويظهره متمتعًا بالحياة مرة أخرى هل كان كثير عليه أن يدحرج الحجر بصوته؟
ذاك الذي له القوة بصوته أن يجعل من هو مربوط وملفوف بالأكفان يمشي هل كثير عليه أن يجعل الحجر يتحرك؟
فلماذا لم يفعل ذلك؟
لكي يجعل منهم شهودًا للمعجزة، فلا يقولون كما قالوا في معجزة الأعمى: “إنه هو”، “إنه ليس هو”. فإن أياديهم ومجيئهم إلى القبر تشهد بالحق أنه هو.
لو لم يأتوا لبدا لهم أنهم نظروا رؤية أو أنه شخص عوض آخر.
الآن مجيئهم إلى الموضع ورفع الحجر والأمر بحل الميت الذي في الأكفان المربوطة، فإن الأحباء الذين حملوه إلى القبر يعرفون من الأكفان من هو. لم تترك أختاه خلفًا (من الجموع) إذ قالت إحداهما: “قد أنتن لأن له أربعة أيام” (٣٩). أقول أن كل هذه كانت كافية لتبكم أصحاب الميول الشريرة، إذ صاروا شهودًا للمعجزة.
v سيأتي ويأمر برفع الحجر هذا الذي سقط على كتفي الخاطئ.
كان يمكنه أن يحرك الحجر بكلمة أمره، لأنه حتى الطبيعة الجامدة تود أن تطيع أمر المسيح.
كان يمكنه بقوة عمله الصامت أن يحرك حجر القبر. هذا الذي أثناء آلامه تحركت حجارة كثيرة من قبور الأموات وانفتحت فجأة.
لكنه أمر الرجال أن يرفعوا الحجر بالحق حتى يؤمن غير المؤمنين بما يرونه، وينظرون الميت يقوم.
لكن هذا يحمل رمزًا ليهبنا قوة تخفيف ثقل الخطايا، الضغط الثقيل الذي على المجرم. من جانبنا نحرك الأثقال، ومن جانبه يقيم ويخرج من القبور أولئك الذين يتحررون من أربطتهم.
v الآن قيل: “لقد مات منذ أربعة أيام“. فإنه بالحقيقة تبلغ النفس إلى هذه العادة التي أتحدث عنها بنوع من التقدم أربع مرات.
المرحلة الأولى: هي كما لو كانت إثارة اللذة التي في القلب.
والثانية: هي قبولها.
والثالثة: هي تحولها إلى عمل.
والرابعة: تحولها إلى عادة.
يوجد من يلقون عنهم الأمور الشريرة عن أفكارهم كأنهم لا يجدون فيها لذة.
ويوجد من يجدون فيها لذة، ولكنهم لا يوافقونها. هنا لا يكمل الموت لكن يحمل بداية معينة، فقد أضيف إلى الشعور باللذة موافقة. في الحال تحدث إدانة للشخص.
بعد الموافقة يحدث تقدم للموافقة إذ تتحول إلى عملٍ ظاهرٍ.
والعمل يتحول إلى عادة. فيحدث نوع من اليأس، حتى يُقال: “قد أنتن لأن له أربعة أيام “. لذلك جاء الرب هذا الذي كل الأمور بالنسبة له سهلة. ومع هذا فوجد في هذه الحالة كما لو كانت هناك صعوبة. لقد اضطرب بالروح، وأظهر الحاجة إلى احتجاج كثير وعال ليقيم الذين تقسوا بالعادة. ولكن عند صرخة الرب تفجرت أربطة الضرورة. ارتعبت قوات الجحيم، وعاد لعازر حيًا. فإن الرب ينقذ حتى من العادات الشريرة هذا الذي له أربعة أيام ميتًا فإنه بالنسبة للرب وحده يُحسب راقدًا هذا الذي يريد الرب أن يقيمه.
v حتى إن كنت راقدًا في قبرك، فالرب يُقيمك، وإن كان جسدك قد أنتن.
يرى العلامة أوريجينوس أنه إذ أصدر السيد المسيح أمره “ارفعوا الحجر” أعاقت مرثا تنفيذ الأمر بكلماتها: “يا سيد قد أنتن لأن له أربعة أيام” (٣٩)، بعد ذلك رفعوه.
هذه اللحظات ما بين الأمر وتأخير تنفيذ تحمل نوعًا من عدم الإيمان، فلم يتحقق القول: “إن آمنتِ ترين المجد الله” (٤٠). لحظات التأخير هي لحظات عدم إيمان وعصيان.
v يليق بنا أن نؤمن أن فترة التأخير في تنفيذ الوصية هي وقت للعصيان بالنسبة لمن ينفذ الوصية بعد ذلك… لذلك وجب علينا أن نتذكر القول: “لا تتأخر في الرجوع إلى الرب، ولا تؤجله من يوم إلى يوم” (ابن سيراخ ٥: ٧)، والقول: “لا تقل لصاحبك اذهب وعد، فأعطيك غدًا، وموجود عندك” (أم ٣: ٢٨). يلزمنا أن نعتقد أنه دينونة على مرثا إن الكلمات: “فرفعوا الحجر” (٤١) قد كُتبت مؤخرًا، وكان يجب أن تُقال فورًا بعد الكلمات: “قال يسوع: ارفعوا الحجر“.
v يقول: “ارفعوا الحجر” (٣٩). ارفعوا ثقل الناموس، واكرزوا بالنعمة. “لأنه لو أُعطي ناموس قادر أن يُحيي لكان بالحقيقة البرّ بالناموس. لكن الكتاب أغلق على الكل تحت الخطية ليُعطي الموعد من إيمان يسوع المسيح للذين يؤمنون” (غلا ٣: ٢١ – ٢٢). لذلك “ارفعوا الحجر”.
تفسير القمص متى المسكين
38:11- 39 فَانْزَعَجَ يَسُوعُ أَيْضاً فِي نَفْسِهِ وَجَاءَ إِلَى الْقَبْرِ وَكَانَ مَغَارَةً وَقَدْ وُضِعَ عَلَيْهِ حَجَرٌ. قَالَ يَسُوعُ: «ارْفَعُوا الْحَجَرَ». قَالَتْ لَهُ مَرْثَا أُخْتُ الْمَيْتِ: «يَا سَيِّدُ قَدْ أَنْتَنَ لأَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ».
لا يزال المسيح في حالة الاستنفار العليا, والجسد واقع تحت استعداد خروج أكبر قوة خرجت من المسيح لاتيان معجزة, فإقامة الميت من القبر, والجسد قد انحل وتهرآ وآنتتن, تحتاج إلى عملية تخليق وخلق ليعود اللحم المنحل والفاسد إلى لعازر الأول الكامل والصحيح المتعافى. المسيح هنا يا إخوة هو «الكلمة» الخالق, وهو نفسه «المخلص» من براثن الموت, وهو هو «الديان» الذي تسمع الموتى صوته في القبور, وهو أخيراً «القيامة والحياة»، أقصى قوة في السماء والأرض يحتاجها الميت المنتن ليقوم ويحيا ويعيش ويتكلم مرة أخرى, أي جسد هذا, الذي للمسيح, الذي تحمل خروج هذه القوى المتعاظمة التي للخالق الديان والمخلص المحيي!!
سار المسيح إلى القبر في تؤدة، وجسده يرتجف من ثقل هذه القوى التي تموج في داخله تنتظر الكلمة الأخيرة لتخرج منه, لتصارع قوات الظلام في ظلمة الهاوية, وتحطم مصاريع الجحيم، وتفك قيود الموت، لتطلق سبي الروح: «أخرجهم من الظلمة وظلال الموت وقطح قيودهم. فليحمدوا الرب على رحمته وعجائبه لبني آدم . لأنه كسّر مصاريع نحاس وقطع عوارض حديد.» (مز14:107-16)
كان القبر عبارة عن مغارة، إما منحوتة في الجبل أو طبيعية, إما على مستوى الواقف أو منخفضة عنه حيث يوضع الحجر على فم القبر وليس أمامه، وتُغلق الفتحة بحجر كبير, يمكن لأكثر من واحد إما أن يرفعه أو يدحرجه ليقفل باب المغارة، لتًحفظ الأجساد من تعدي الوحوش.
«قال يسوع: ارفعوا الحجر, قالت له مرثا أخت الميت: يا سيد قد أنتن لأن له أربعة أيام»: «ارفعوا الحجر»؛ هذا كان أمر المسيح لليهود الواقفين، وذلك ليشتركوا في التمهيد للمعجزة كشهود عيان, كما أمرهم بعد ذلك أن يحلوا الميت من أربطة الكفن، لكي تكون شهادتهم بلمس اليد أيضاً. وهذه يعتني القديس يوحنا في تسجيلها، لأنها جزء لا يتجزأ من برهان صدق الآية. ومجييء تعليق مرثا باحتجاجها أن رائحة الميت ستواجه الذين يرفعون الحجر، لتكمل الشهادة العينية والملموسة والمحسومة بالشم أن لعازر مات وله أربعة أيام في القبر، حتى لا يكون منفذ للمتشككين.
أما على المستوى الروحي السري، فرفع الحجر قبل المعجزة عمل حتمي بالنسبة لنصيب خدام الرب وجهد الكنيسة الذي يمهد بالتعليم والتوضيح, لتتدخل قوة الرب بالروح القدس ليوقظ النفوس من موت الخطية لتقوم وتتقبل الحياة الآبدية.
أما تعليق مرثا من جهة نتن رائحة الميت، فيجيء بصفتها أخت الميت. وهي تمثل صوت النفس المتألمة في صراخها إلى الرب من جهة نتن أعمال الجسد وعفن نجاسته, حينما تتوسل ليقيم الرب سيرة الجسد من وحل الخطية إلى قداسة وبر المسيح: «أنقذ من السيف نفسي، من تد الكلب وحيدتي.» (مز20:22)
«قد أنتن لأن له أربعة أيام»: لعازر المحبوب هنا هو«الإنسان», «آدم» الذي ينضوي تحت شخصه واسمه كل بني البشر، وقد انقضى عليه بالفعل أربعة ألاف سنة, وذلك بحساب الله، فيوم الله ألف سنة, وألف سنة كيوم أمس الذي عبر, منذ أن قبل في جسده الخطية وحكم الموت معاً، ولوثت رائحته الأرض وآفسدتها. وهوذا الرب مزمع أن يرفع عنه الخطية وحكم الموت معاً، ويزكي رائحته برائحته لدى الله والملائكة، وتتولى مريم الإعلان عنها بالناردين الخالص الكثير الثمن, الذي ملأ رائحته الدنيا كلها حيث بُشر بالإنجيل. ولا يفوتنا هنا أن نلمح أن المسيح جعل رحلته تقودها المحبة, بقوله: «لعازر حبيبنا»، و«حبيبنا» جاءت بلفظ الجمع، «قد نام وأنا أذهب لاوقظه», وبهذا قد ألمح إلمسيح إلى محبة الآب من نحو الإنسان عامة التي هي سر رحلته العظمى لخلاص العالم: «هكذا أحب الله العالم, حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل نن يؤمن به.» (يو16:3)
تفسير القمص أنطونيوس فكري
الآيات (38، 39): “فانزعج يسوع أيضًا في نفسه وجاء إلى القبر وكان مغارة وقد وضع عليه حجر. قال يسوع ارفعوا الحجر قالت له مرثا أخت الميت يا سيد قد انتن لأن له أربعة أيام.”
فإنزعج= هو مازال تحت تأثير هذه القوة الجبارة التي ستقيم ميت قد أنتن. ولكن انزعج الأولى كانت بسبب بكاء مريم والآخرين. وانزعج هنا بسبب شك الناس. ارفعوا الحجر= هنا نرى أن على الإنسان أن يجاهد ويشترك بجهده والله يسكب نعمته. ولكن على الإنسان أن يفعل ما يستطيعه. وتحريكهم للحجر يجعلهم شهود عيان إذ يروا الجسد الملفوف ويشتموا رائحة العفونة. وخدام الكنيسة كل ما عليهم أنهم بالتعليم يرفعون الحجر لتدخل قوة الرب المحيية بالروح القدس ليوقظ النفوس من موت الخطية. قول مرثا قد أنتن= يشير لتصورها أن السيد يريد أن يراه كصديق يحبه ولم تتصور حدوث معجزة.