يو12: 15 لا تخافي يا ابنة صهيون، هوذا ملكك يأتي جالسًا على جحش اتان
“«لاَ تَخَافِي يَا ابْنَةَ صَِهْيَوْنَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي جَالِسًا عَلَى جَحْشٍ أَتَانٍ».” (يو12: 15)
+++
تفسير القمص أنطونيوس فكري
الآيات (14-15): “ووجد يسوع جحشًا فجلس عليه كما هو مكتوب. لا تخافي يا ابنة صهيون هوذا ملكك يأتي جالسًا على جحش أتان.”
لا تخافي= فدخول المسيح لأورشليم كان للسلام ولم يأتي ليحارب الرومان وتسيل الدماء في أورشليم لكن ليملأ القلوب سلامًا. بل ليصنع سلامًا بين السماء والأرض. وكان دخوله وديعًا هادئًا وليس كالملوك الأرضيين يصنعون حربًا ويطلبون جزية. والجحش يستعمله الفقراء وفي هذا درس لليهود المتكبرين الذين يحلمون بملك أرضي. وفي تواضع المسيح هذا إشارة لأن أحلام اليهود في مملكة عالمية هي أوهام خاطئة. ودرس لكل من يحلم بمجد أرضي أنه يجري وراء باطل.
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
“لا تخافي يا ابنة صهيون،
هوذا ملكك يأتي جالسًا على جحش اتان”. (15)
يدعو النبي ابنة صهيون أن تتطلع إلى ملكها المتواضع والوديع الذي يملأ حياتها ببهجة النصرة، لذا يدعوها ألا تخاف، بل تفرح وتتهلل، فقد جاء لكي ينزع عنها القلق والخوف. لقد تحققت نبوة زكريا النبي: “ابتهجي جدًا (لا تخافي) يا ابنة صهيون… هوذا ملكك يأتي إليك، وهو عادل ومنصور، وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان” (زك ٩ : ٩). إنه لم يأتِ لكي ينتقم من الأعداء، يهودًا كانوا أم رومانيين، وإنما جاء ليحل بسلامه السماوي ومجده العلوي عليهم. هذا ما عبَّر عنه الإنجيلي لوقا: “سلام في السماء، ومجد في الأعالي” (لو ١٩ : ٣٨). ويعلق القديس أغسطينوس على ذلك قائلاً:
v قيل لها “لا تخافي“، لتعرفيه ذاك الذي الآن تمجديه، ولا تعطي للخوف طريقًا إذ يأتي ليتألم. فإنه بسفك دمه يُمحى ذنبك، وتُرد لك حياتك. أما عن الجحش ابن الأتان الذي لم يركبه إنسان قط (كما ورد في الإنجيليين الآخرين) فيفهم شعوب الأمم التي لم تتقبل ناموس رب، وأما الأتان… فيشير إلى شعبه الذي جاء من إسرائيل وخضع لمعرفة مزود سيده.
v “لا تخافي يا ابنة صهيون”، لأن ملوك اليهود كانوا غالبًا ظالمين وطامعين، إذ سلموهم لأعدائهم وجعلوهم تحت الجباية عند محاربيهم… لكن ليس هذا هو حال ذاك الوديع والمتواضع كما يظهر من ركوبه الأتان، لأنه لم يدخل المدينة يقتاد جيشًا، لكنه جلس على الأتان فقط.
تفسير القمص متى المسكين
14:12 -15 وَوَجَدَ يَسُوعُ جَحْشاً فَجَلَسَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «لاَ تَخَافِي يَا ابْنَةَ صَِهْيَوْنَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي جَالِساً عَلَى جَحْشِ أَتَانٍ».
«جحشا» أي «حماراً» والكلمة الآرامية حيمور واليونانية هيبوزيحبيون (زك9:9)، ومعناها «حيوان للحمل»، أي لحمل الأثقال. والحمار (أو الأتان) ( ) وتصغيره ( ) وجحش ابن أتان ( ). ولقد أخذ القديس يوحنا الكلمة من أصلها المكتوب في سفر زكريا «ابتهجي جداً يا ابنة صهيون، اهتفي يا بنت أورشليم ، هوذا ملكك يأتي إليك. هو عادل ومنصور، وديع، وراكب على حمار, وعلى جحش ابن أتان» (زك9:9)
ومعروف أن في الأدب النبوي اليهودي، وخاصة ما يأتي منه بالأشعار، يأتي تكرار الكلام لتحسين النغم والوزن ولتوضيح المعنى. وهنا يتضح في هذه الآية عملية التكرار، أولاً في «يا ابنة صهيون» ثم «يا بنت أورشليم»، ثم عاد يكرر «راكباً عل حمار», ثم أراد أن يوضح أنه حمار صغير «ابن أتان»، فأخطأ النساخ وبعدهم المترجمون وكتبوها «على حمار» وعلى «جحش ابن أتان» بإضافة الواو فجاء المعنى مغلوطا، وكأنه جالس على حمار وعلى جحش معاً. والصحيح أنه حمار صغير أي جحش.
ولكن كلمة «صغير» لا تستخدم للتعبير عن صغار الحمير فقط بل وصغار الخيل أيضاً، فلزم أن تميز كلمة «صغير» فجاءت «صغير» (جحش بالعربية) مضافة إلى أنثى الحمار أي الأتان. فصار المعنى الصحيح هكذا: حمار صغير ابن أتان. ولكن كما فهم النساخ للترجمة السبعينية، هكذا نقل عنها القديس متى في إنجيله كما هي, واضطر أن يعدل المعاني والألفاظ لتصير بالمثنى, أي حمار وجحش ابن أتان معاً، فجاءت هكذا: «فللوقت تجدان أتاناً مربوطة وجحشاً معها، فحلاهما وأتياني بهما. وان قال لكما أحد شيئاً، فقولا: الرب يحتاج إليهما, فللوقت يرسلهما. فكان هذا كله لكي يتم ما قيل بالنبي القائل: قولوا لابنة صهيرن: هوذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً على أتان وجحش ابن أتان. فذهب التلميذان وفعلا كما أمرها يسوع، وأتيا بالأتان والجحش, ووضعا عليهما ثأبهما فجلس عليهما.» (مت2:21-7)
هذا الخطأ بالنقل غير المقصود، تلافاه كل من القديسين مرقس ولوقا ويوحنا، حيث ذكروا أنه جحش واحد فقط. ويزيد كل من القديس مرقس والقديس لوقا كلمة: «جحشاً لم يجلس عليه أحد من الناس» (مر2:11، لو30:19) كما جاءت في النسخة السبعينية: «جحشاً صغيراً» (زك9:9)
«جالساً»: لم يشأ القديس يوحنا أن ينقل الكلمة الأصلية التي جاءت في النبوة، أنه «يأتي راكباً» بل جعلها «يأتي جالساً» («فجلس عليه») كما يليق بالمسيح كملك.
«لا تخافي يا ابنة صهيون»: جاءت في أصل نبوة زكريا: «ابتهجي جداً يا ابنة صهيون، اهتفي يا بنت أورشليم».
وفي إنجيل القديس متى اختزلها وصارت «قولوا لابنة صهيون»، أما القديس يوحنا فيبدو أنه أضاف على نص زكريا النبي نصاً آخر من نبوة صفنيا النبي: «لا تخافي يا صهيون… الرب إلهك في وسطك جبار يُخلص… ملك إسرائيل، الرب في وسطك» (صف15:3-17). وواضح جداً أن القديس يوحنا أخذ هذا التعبير«ملك إسرائيل» في تسبحة الهتاف: «أوصنا، مبارك الآتي باسم الرب ملك إسرائيل».
وكلمة «لا تخافي»، المضافة إلى ركوبه على جحش رمز التواضع والوداعة والمسكنة، والتي استرعت انتباه القديس يوحنا فالتقطها من نبوة صفنيا، توضح أنه ليس ملكاً للنقمة من الأعداء, يهوداً ورومانيين، بل للسلام: «لا تخافي». فدخول المسيح إلى أورشليم بهذه الصورة السلامية، هو الذي عبر عنه التلاميذ في إنجيل القديس لوقا: «سلام في السماء، ومجد في الأعالي.» (لو38:19)
فهذا الموكب المتواضع، بقدر ما أبهج التلاميذ والأخصاء العارفين بمقاصد المسيح السلامية، بقدر ما ألهب قلوب الطالبين للخلاص من الرومان وسيادة اليهود على الأمم، وظنوا أنه بمثابة إعلان بقيام ثورة, ما أرعب قلوب الفريسيين.
ولكن بقية نبوة زكريا كانت هي وحدها التي استقرت في قلب الرب ومقاصده: «هوذا ملكك يأتي إليك، هو عادل، ومنصور، وديع، وراكب على حمار(بل) على جحش ابن أتان. وأقطع المركبة (مركبة الحرب) من أفرايم، والفرس من أورشليم (جيوش الحرب)، وتُقطع قوس الحرب, ويتكلم بالسلام للأمم …» (زك9:9-10)
ولكن حتى التلاميذ لم يفهموا ما هو حادث أمامهم، فاشتركوا في الموكب وهللوا مع المهللين، وظلوا غير مدركين للقيم الحقيقية التي تقوم عليها الحوادث التي كانت تجري أمامهم.