من مقالات الأنبا غريغوريوس أسقف عام البحث العلمي
الجهاد القانوني
الإنسان كل لا يتجزأ، والحياة الروحية كالحياة العقلية والذهنية، كالحياة الطبيعية البدنية والجسدية، لابد فيها من تخطيط ومن نظام، فإذا قلنا كلمة نظام في الحياة الروحية نتذكر كلمة طقس، لأن كلمة طقس معناها نظام، ونحن لنا في عبادتنا الجمهورية طقوس بمعنى نظامات وترتيبات، ولنا في حياتنا الفردية وعبادتنا الشخصية نظام وطقوس، والحياة الروحية إن لم تبن على النظام فستنتهي قطعاً إلى الفشل كالحياة العقلية تماماً، وكالحياة الطبيعية في الجسم والبدن تماماً، لأنه كما أن الله رتب في الجسم أعضاء كبيرة وبعضها ينتظم في شكل جهاز له نظام، كالجهاز الدموي الذي مركزه القلب والشرايين والأوردة والأوعية والشعيرات، وكالجهاز العصبي الذي مركزه المخ والنخاع الشوكي والمخيخ والأعصاب، وكالجهاز التنفسـى الـذي ينظـم الرئتين، وكالجهاز البولي والجهاز التناسلي، فالجسم يتألف من أجهزة وكل جهاز يضم عدد من الأعضاء، وكل هذه الأعضاء وهـذه الأجهـزة كـل منهـا له إختصاص، ولكـن تتعامـل جميعاً عـن طريق الجهاز العصبي الذي يشرف عليها جميعاً، وبينها تناسق ونظام، وفوق هذا كله العقل أو المخ هو الرئيس الأعلى الذي ينظم الإشارات ويصدر التعليمات ويتلقى الإحساسات ويترجمها إلى أعمال، هكذا العقل وكل الأعمال العقلية، ولا نعرف عإلما صار عالما من غير أن يكون في حياته العلمية نظام، على أساسه يبنى معرفته ويجمع المعلومات بميزان ويصنفها ويرتبها، وعن هذا الطريق يصير عقله منظماً ويصير إنتاجه العلمي أيضا منظماً، وهكذا في الحياة الروحية لا نعرف قديساً بلغ إلى حياة القداسة ونجح إلى آخر مرحلة من مراحل حياته الروحية إلا وكان في حياته الروحية نظام، وهذا ما يقوله الرسول بولس «لا يكلل أحد إن لم يجاهد جهاداً قانونياً» نحن لسنا مدعوين إلى مجرد الجهاد بل إلى الجهاد القانوني، إذن هناك جهاد غير قانوني وهناك جهاد قانونی.
والجهاد غير القانوني لا يؤدى إلى نتيجة، كالتلميذ الذي يدرس من غير إتباع لقواعد الإستذكار، ويقضى الساعات ويسهر الليالي والناس يعجبون من صبره على العمل، ومع ذلك يفشل في نهاية العام، فليست المسألة عدد الساعات التي يقضيها وإن كان الكم في ذات الوقت مفيداً، لكن لأن هذا الطالب جاهد جهاداً غير قانوني فلم يؤد به جهاده إلى النجاح الحقيقي، وهكذا في الحياة الروحية هناك جهاد غير قانونی، ربما يبرز شخص بين الجماهير بصلواته الكثيرة، وربما بوعظه الكثير لدرجة الهوس فيتكلم كثيراً ويعظ غيره كثيراً، وربما يكون من بين أولئك الذين يقول المسيح لهم يوم الدين «اذهبوا عنى لا أعرفكم»، كيف ذلك يارب بإسمك تنبأنا وبإسمك أخرجنا شياطين، فيقول لهم اذهبوا عنى لا أعرفكم، لقد جاهد هذا الفريق من الناس وكرز وبشر ولكنه لم يعترف أمام المسيح بجهادهم، فهم كأناس يصيحون باسم المسيح ويصيحون بالحياة الروحية وملأوا الدنيا صياحاً وملأوا الدنيا صلاة، وملأوا الدنيا دوياً، ولم تكفيهم إجتماعات الكنيسة .وإنما انطلقوا حتى في المنازل لأنهم أحسوا أنهم محبسون ويريدون أن ينطلقوا، ومع ذلك لا ينفع هذا الطراز من الجهاد إن لم يكن جهاداً قانونياً، لهذا كانت الأرثوذكسية هي أرثوذكسية الإيمان وأرثوذكسية السيرة معا، قال الرسول بولس «هناك أناس كنت أذكرهم بفرح لكني الآن أذكرهم بدموع، لأنهم صاروا أعداء صليب المسيح» كيف هذا؟ كيف لهؤلاء الذين كان الرسول يذكرهم بفرح كيف الآن يذكرهم بدموع؟ كيف صاروا أعداء صليب المسيح؟ أين جهادهم الأول؟ وكيف ضاع؟ كيف لم يحسب لهم وكيف أدى إلى الفشل؟ على الرغم من كمية الجهاد، على الرغم من صوت الجهاد وطرقات الجهاد وصياح الجهاد، وعلى الرغم مـن أنـهـم كـانـوا بارزين ومعلـومين ومعـروفين، كيـف ضاعـوا في الزحام؟ كيف طرقوا الباب في الساعة وفي اليوم الأخير وكان الباب قد أُغلق من دونهم، وقالوا «يارب يارب افتح لنا»، والصـوت مـن الداخل يقـول:
اذهبـوا عنى لا أعرفكم، فالجهاد ينبغي أن يكون جهاداً قانونيا، ومن هنا يجب أن نعرف منذ الإبتداء أن الجهاد مطلوب، لكن مع ضرورة ملازمة أن يكون الجهاد أصولياً وأن يكون قانونياً، وأن يكون طبقا لقواعد معينة تؤدى إلى النجاح الأخير، والرسول يقول: «كثيرون يجرون وواحد يأخذ الجعالة»، كثيرون يجرون ثم يخيبون وواحد يأخذ الجعالة، والمسيح في سفر الرؤيا يقول: «كن أميناً إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة»، وفي موضع آخر يقول: جاهد لئلا يأخذ أحد إكليلك، إذن ممكن أن يكون لك إكليل ويرفع الإكليل عنك، ويمكن أن يكون لك جهاد ويضيع إكليلك، وتكون كأولئك الذين ذكرهم الرسول بدموع لأنهم صاروا أعداء صليب المسيح، فحاذر واقترب إلى حياة القداسة في تخوف وفى ورع، وسل الذين قبلك عن الطريق لئلا تسير في طريق ضال أو طريق مسدود لا يؤدى إلى شيء، من هنا كانت الخبرة السابقة، ومن هنا كان المرشدون وأهميتهم، ومن هنا رسمت الكنيسة المقدسة لطريق الجهاد وسائط، وهذه الوسائط تحت إشراف المختبرون والآباء المفوضون والمكلفون بأن يكونوا حراس الشريعة وقادة المؤمنين، فالكنيسة هي سفارة السماء على الأرض، وللكنيسة حكومة وحكومتها هي سر الكهنوت، فلا تبني حياتك من غير هذه القيادة الكنسية، جهادك لن يعترف به لا في السماء ولا على الأرض وأضرب لك مثلا:
كرنيليوس والقديس بطرس:
كرنيليوس الرجل الذي كان وثنياً وإيطالياً من الكتيبة التي تدعى الإيطالية، وكان تقياً يخاف الله وكان يصنع صدقات كثيرة، وكان يصوم إلى الساعة التاسعة من النهار، وكان يصلى كثيراً، وفيما هو يصلى ظهر له ملاك من السماء وقال: “يا كرنيليوس إن صدقاتك وصلواتك صعدت تذكاراً أمام الله، فأرسل إلى يافا واستدعى سمعان الملقب بطرس يكلمك کلاماً به تخلص أنت وأهل بيتك” لو ظهر لواحد منا اليوم ملاكاً من السماء وسمع منه كلمتين لطار في الدنيا، ولضرب عرض الحائط بالكنيسة والأساقفة والكهنة، ولقال أن صلتي بالله مباشرة ولا أحتاج إلى وسيط، ولا أحتاج للمعمودية ولا أحتاج للأسرار، لا يوجد أفضل من شهادة من السماء.
جاء الملاك وقال لكرنيليوس صدقاتك وصلواتك صعدت تذكاراً أمام الله، ولكن ينقصك شيء ـ قال له الملاك أرسل إلى يافا وإستدعى سمعان الملقب بطرس يكلمك كلاماً تخلص به، ما هو هذا الكلام؟
الملاك جاء من السماء ولا يعرف أن يقول الكلام الذي يقوله سمعان بطرس، كيف؟ لأنه ليس من إختصاصه، سمعان بطرس وغيره من الآباء الرسل، المسيح أعطاهم سلطان لم يعطه للملائكة ولا لرؤساء الملائكة، لأنه على قول يوحنا ذهبي الفم «لم يقل للملائكة ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء وما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء» وهؤلاء أصبحوا مسئولين ووكلاء سرائر الله التي تشتهي الملائكة أن تطلع عليها، هذا أمر الله صاحب الشريعة، هذا تنظيم الله، «ارسل إلى يافا واستدعى سمعان الملقب بطرس يكلمك كلاماً تخلص به أنت وأهل بيتك» فأرسل كرنيليوس ثلاثة رجال من قبله فوجدوا سمعان الملقب بطرس نازل عند رجل دباغ، وكان في هذا الوقت واقف يصلى في الساعة السادسة من النهار، فأخذ في غيبة، «غيبة» ـ هنا تعنى رؤيا، وهي أن الإنسان يكون في الجسد ولا يشعر بالجسد ويحدث له إختطاف عقلي ـ فرأى رؤيا، رأى ملاءة نازلة من السماء مشدودة من الأربعة أطراف وفيها من كل الحيوانات التي على الأرض وسمع صوت من السماء يقول: يابطرس قم اذبح وكل، فقال: لا يارب لم يدخل في فمي شيء دنس أو نجس ،قال له ما طهره الله لا تنجسه أنت، وكان هذا على ثلاث مرات، ثم بعد ذلك صعدت الملاءة إلى السماء، وفي هذا الوقت طرق الباب هؤلاء الجند الثلاثة الذين جاءوا من قبل كرنيليوس، وقالوا له على الرؤيا التي رآها كرنيليوس، ففهم بطرس الرؤيا وفهم كلمة «ما طهره الله لا تنجسه أنت»، لكن لماذا هذا الطريق المعقد؟ لماذا لا يقول له هذا الكلام؟ لماذا لا تظهر له مباشرة كما يقول إخواننا البروتستانت، ما هو لزوم الكهنوت؟ يقول لا… أنا أصبحت الآن رئيس الكنيسة غير المنظور، إنما أقمت بالنيابة عنى رؤساء للكنيسة منظورين، هؤلاء هم الوكلاء عنى في الدنيا وسأحاسبهم عن الوكالة في اليوم الأخير، حينما أقول : اعطني حساب وكالتك، فطالما هم وكلاء فهم مفوضون أن يتصرفوا «لتعرف أن تتصرف في كنيسة الله التي هي عمود الحق وقاعدته» لهم مطلق الحرية أن يتصرفوا كوكلاء وعن هذا التصرف سوف يدانون أمام المحكمة العليا إذا كانوا قد . أحسنوا التصرف أو لم يحسنوا، إذا كانوا قد حفظوا الوكالة وشرفوا سيدهم الذي أعطى لهم هذه الوكالة، أم كانوا سبب تجديف لسيدهم في عيون الخدام والعبيد، قبل أن أصعد إلى السماء أرسلتهم ووضعت يدي عليهم ونفخت في وجوههم وقلت لهم «اقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياه تغفر له ومن أمسكتموها عليه تمسك»، وأمرتهم أن يبقوا في مدينة أورشليم إلى أن يلبسوا قوة من الأعالي، وظلوا إلى يوم الخمسين من قيامتي وحل الروح القدس عليهم وأكسبهم فاعليات لجميع السلطات التي أعطيتم إياها، وأصبحوا هم وكلائى وأنا لن أنقض نفسي، أعطيتهم سلطان لن أسترده فهم مفوضون، آه لو كان كرنيليوس كلمه الملاك بكلام نافع لكان قد جرى في الأرض طولا وعرضاً، ولصار مرحاً ولداس بقدميه سمعان بطرس وغير سمعان بطرس، من هؤلاء؟ أنا كلمنى ملاك، لكن الملاك كان مؤدباً وكان يعرف حدود إختصاصه، فلم يسمح لنفسه أن يتعدى حدوده، ولم يجز لنفسه أن يعطى كلمة الخلاص لكرنيليوس حتى لا يشعر كرنيليوس بأنه في غنى عن الكنيسة، بهذا الموقف الإلهي عرف كرنيليوس من هو بطرس، ولذلك حينما دخل إليه سمعان بطرس سجد عند قدميه، فأقامه بطرس وقال له قم أنا أيضا إنسان، إن أدب الملاك ألزم كرنيليوس أن يعرف نظام الكنيسة وأن يعرف قانونية الجهاد، ولذلك فتح أذنيه وقلبه وجمع أهل بيته وأصغى بالتمام إلى كل ما يقوله القديس بطرس، ولما رأى بطرس علامة على أن هؤلاء قد قبلوا الإيمان عن إقتناع، قام في الحال وعمدهم وبعد العماد ثبتهم بسر التثبيت ووضع يديه عليهم فحل الروح القدس عليهم، هذه قصة إنجيلية تريكم أن للسماء نظام، وأن للحياة الروحية قانون، وأن الجهاد لا يصلح خارج الكنيسة هكذا تعلم الكنيسة منذ بدئها، أنه لا خلاص خارج الكنيسة، لأن الكنيسة هي منظمة السماء على الأرض، هي السفارة والسفارة لا تنتمي إلى البلد التي هي : فيها، ولكن تنتمى إلى البلد التي هي منها والتي تمثلها، والمسيح قال لتلاميذه: «لستم من العالم ولو أنى أنا أخذتكم من العالم»، أصبحت الكنيسة سفارة السماء على الأرض أو كما يقول الآباء «الطاقة التي تطل من السماء على الأرض»، وهذا هو السبب أيضا في أن الكنيسة تضاء من الأعالى في سقوفها بالأنوار كما تضئ السماء بنجوم.
شاول والسيد المسيح:
وقصة أخرى إنجيلية أيضا، قصة شاول الذي هو بولس، المسيح أحبه حتى وهو يضطهد الكنيسة لأنه اضطهد الكنيسة لا بحقد ولا بخبث وإنما اضطهدها بإخلاص، شاعراً أنها هرطقة وبدعة ضد ديانة الله الحقيقية وهي الموسوية أو اليهودية، فإضطهدها بإفراط ولكن عن جهل، وفى بساطة وعدم إيمان، ويبدو وأنه على الرغم من أن بولس كان معاصراً للمسيح لأنه في سن متقارب لسن المسيح على الأرض، لكنه لم يعرف بعد المسيح المعرفة الكاملة، فأراد المسيح أن يظهر له، وهو في طريقه إلى دمشق ليصدر قرار من رئيس الكهنة ليزج في السجون عدداً من المسيحيين والمسيحيات إلى آخر هذه القصـة التي تقرأونها في الأصحاح التاسع من سفر الأعمال، والتي أعاد ذكرها بولس الرسول مرتين آخريين في الأصحاح الثاني والعشرين وفي الأصحاح السادس والعشرين من سفر الأعمال، ظهر له المسيح وقال له: ياشاول لماذا تضطهدنی؟ فقال: من أنت ياسيد فقال: أنا يسوع الناصري الذي أنت تضطهده، فقال بإخلاص بعد أن إستنارت عيناه القلبية، أما عيناه الظاهرتان فقد غشاها النور فصار أعمى لا يبصر الطريق، قال «ماذا تريد يارب أن أفعل» عرف أن المسيح الرب، فقال له: ادخل إلى المدينة إلى دمشق وهناك يقال لك ماذا ينبغي أن تفعل، أنت بذاتك يارب ظهرت لى، وأنرت لى الطريق، كلمني أنت، من هذا الذي يكلمني غيرك، يقول المسيح لا.. التكميل لم يعد من إختصاصي الآن، أنا رئيس الكنيسة غير المنظور أنا رأس الجسد، ومادمت قد أقمت وكلاء ووهبتهم السلطان فكيف اسحب کلمتی، ادخل إلى المدينة وحينئذ يقال لك ماذا ينبغي أن تفعل، وظهر الرب في رؤيا لحنانيا أحد السبعين رسولاً كما جاء في نفس الأصحاح التاسع، وقال له: ياحنانيا اذهب إلى الزقاق الذي يقال له المستقيم، وهناك اطلب في بيت يهوذا رجل اسمه شاول لأني اخترته لى إناء مختار، وضع يدك عليه ليبصر لأنه أعمى ولكي يقبل الروح القدس، فذهب حنانيا بأمر الرب بالرؤيا وذهب إلى الزقاق الذي يقال له المستقيم وطلب في بيت يهوذا الرجل الذي اسمه شاول والذي شهد عنه الرب، وقال له: أيها الأخ شاول لقد ظهر لى الرب الذي ظهر لك في الطريق وأمرني أن أضع يدي عليك لكي تبصر، فنهض شاول بإحترام وتوقير للرجل الذي أمره الرب أن يضع يديه عليه لكي يبصر وفعلا أبصر ونزل من عينيه شيء كالقشور، من هو حنانيا بإزاء بولس، الحقيقة أن حنانيا لا يساوي شيئاً في شهرة الإيمان للقديس بولس، صحيح أن حنانيا كان أحد السبعين، لكن بولس غطى بجهاده و كفاحه على حنانيا، فرغم ظهور المسيح لبولس الرسول في الطريق، احتاج إلى حنانيا الذي قال له: أيها الأخ شاول قم واعتمد واغسل خطاياك، فخضع شاول لرجل أقل منه شأناً وأقل منه مستقبلاً، لكن لأنه مرسل من قبل الرب يسوع ولأنه يحمل سلطان لم ينل شاول شيئاً منه بعد، فخضع شاول وقام واعتمد وغسل خطاياه ووضع حنانيا يديه عليه فحل الروح القدس، حتى لو كان بولس تقياً فتقواه لا تعفيه أبدا من أن يخضع لحملة الدرجات الكهنوتية الذين وهبهم الرب هذا السلطان أن يكونوا وكلاءه، مهما كان شاول تقياً ومهما كان عالماً، لا يستطيع أن يتخطى النظام الذي وضعه الرب. مرة ثانية يارب لماذا هذه التعقيدات؟ كلم شاول مباشرة، يقول لا.. هذه سياستي، هذه طریقتی، آ ى، أنا لا أعارض نفسي، أنا وضعت نظاماً لن أكسره، أنا الرب ولكن نظام الكنيسة .يسرى حتى على أنا، لأنى أنا واضـع النظـام، والسماء والأرض تزولان ولكن كلمة من كلامي لا تسقط على الأرض ولا تزول، ومرة ثانية شاول الذي تعمد وحل الروح القدس عليه بسر التثبيت، لم يصر رسولاً لا بشهادة المسيح ولا برؤى المسيح، ولا بوضع يدى حنانيا عليه للتثبيت وهو السر الثاني من أسرار الكنيسة الذي نسميه بالميرون، إنما لكي يصير شاول رسولاً كان لابد له أن يتقدم إلى الكنيسة لينال درجة الكهنوت رسمياً لا من المسيح بل من الكنيسة لأنها كنيسة المسيح، يقول الكتاب في الأصحاح الثالث عشر من سفر الأعمال: «قال الروح القدس افرزوا لى برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما أنا إليه» من الذي يتكلم؟ الروح القدس هو الراعي أنا دعوتهما إليه، أمر للكنيسة، يقول الكتاب «فحينئذ صاموا وصلوا ووضعوا عليهما الأيادي ثم أطلقوهما» لم يكف دعوة المسيح من السماء وصوته من السماء والنور الذي أضاء، لم تكف الرؤيا لحنانيا، لم تكف دعوة الروح القدس بصراحة أنه دعاهما إلى الخدمة، لابد من إرسالية الكنيسة، حكومة السماء على الأرض، مملكة المسيح على الأرض لها إحترامها، وصاحب هذا الاحترام هو المسيح نفسه، لأنه هو واضع النظام، صاموا وصلوا ووضعوا عليهما الأيادي وأطلقوهما، ما كان يمكن أن يعترف ببولس الرسول رسولا إلا حينما وضعت الكنيسة المنظورة اليد عليه لينال سر الكهنوت ويصبح قانونياً، دعوة المسيح له لم تكف لأن تجعله قانونياً، دعوة الروح القدس لم تكف لأن تجعله قانونياً، إنما بالإضافة إلى الدعوتين كان لابد من اعتراف الكنيسة رسمياً وحلول الروح القدس عن طريق واسطة الخلاص التي رسمها الرب في الكنيسة وهو وضع أيدي الرسل المعتبرين في الكنيسة وكلاء سرائر الله، من أجل هذا جرؤ بولس الرسول من أن يقول فيما بعد «لقد تسلمت من الرب ما سلمتكم» لم يتسلم من الرب مباشرة وإنما تسلمه من الكنيسة، لكن لأن الكنيسة هي سفارة السماء وحكومة السماء على الأرض، لذلك أمكن للرسول أن يقول قد تسلمت من الرب ما سلمتكم، لأن ما تسلمه من الرسل فقد تسلمه من الرب، لأن الروح القدس في الكنيسة ولأنه الفاعل في الكنيسة، لاخلاص خارج الكنيسة ولا خدمة خارج الكنيسة، الكنيسة لا تعترف بخدمة إلا إذا كان هذا الإنسان مرسلاً من قبل الكنيسة، وفي الحياة الروحية الخاصة كالحياة الكنسية تماماً، لا ينفع جهاد ما لم يكن جهاداً قانونياً، مهما بلغت درجتك في التقوى ولو كنت خليل الله كإبراهيم، الذي قال الرب عنه «هل أخفى عن إبراهيم ما أنا فاعله» خلیل الله خضع لملكي صادق وباركه، ملكي صادق كان كاهنا الله العلى وبين الأصحاح الرابع عشر من سفر التكوين حيث وردت هذه القصة، وبين الأصحاح السابع من رسالة القديس بولس إلى العبرانيين، المقارنة الجميلة التي عقدها الرسول بولس بين إبراهيم وفي صلبه الكهنوت الهاروني، وبين ملكي صادق وفي صلبة الكهنوت المسيحي، خضع إبراهيم وهو خليل الله لملكي صادق والرسول يقول الأصغر يبارك من الأكبر، إذن كان إبراهيم هو الأصغر وكان ملكي صادق هو الأكبر كيف هذا؟ إبراهيم خليل الله الأصغر وملكي صادق هو الأكبر، والأصغر يبارك من الأكبر كيف تفهمون هذا؟ كيف تفهمون أن إبراهيم هو الأصغر وهو خليل الله؟ لأن ملكي صادق كان كاهن الله العلى.
التقوى الحقيقية
عدم الغرور:
والتقى الحقيقي هو الذي لا يغتر ولا يدعى لنفسه سلطات وإختصاصات يعتدي بها على الكهنوت، بين الأسئلة أمامي نحو ثلاثين سؤال عن امرأة في المنوفية تدهن بالزيت، من أعطى لهذه المرأة هذا السلطان؟ وحتى لو كانت رجلاً فليس لرجل أن يدهن آخرين بالزيت ما لم يكن كاهناً، ما هذا الهراء؟ وما هذا العبث في المقادس والمحرمات؟ لقد أعطى المسيح للرسل أن يشفوا المرضى، ويقول الكتاب «فدهنوا بزيت مرضى كثيرين فشفوهم» والرسول يعقوب يقول «أمريض أحد بينكم فليدعو كهنة الكنيسة» من أين لامرأة أو لرجل أن يدعى لنفسه حق الكهنوت؟ هذا العبث بالنار، هـذه خطيئـة قورح وداثان وأبيرام، الذين بناء على عبارة سمعوها أن «الأمة كلها مقدسة» قالوا: لماذا موسى وهرون؟ الأمة كلها مقدسة وحمل مئتان وخمسون رجلا مجامر ودخلوا بها إلى الهيكل فإعترضهم موسى فلم يقبلوا إعتراضه، فصرخ موسى إلى الرب فكان الجواب نار من السماء نزلت وأحرقت المئتين والخمسين فماتوا، وقال الرب خذوا هذه المجامر وصفحوها على المذبح لتبقى لذكر أبدى، خانوا الرب خيانة، وتعدوا الكهنوت، فتظاهر مع هؤلاء أقربائهم وأنسبائهم، فقال الرب اعتزلوا من وسط هذه الجماعة، وفتحت الأرض فاها وابتلعتهم أحياء، وكان هذا عبرة.
وحدث مثل هذا لعزيا وهو ملك من ملوك بني إسرائيل، كان تقياً يخاف الله وبلغ بتقواه درجة الغرور، ضرب بالضربة اليمينية وأحس أنه لا يقل عن الكهنة شيئاً، بل ربما يزيد عنهم تقوى وقرباً إلى الله، وأمسك بالمجمرة وهو ملك ودخل إلى الأقداس فتعرض له رئيس الكهنة، وقال له ليس لك يا عزيا بل للكهنة أن يقربوا أمام الرب، هوذا يد الرب عليك فتكون للبرص، فصار عزيا الملك أبرص، وطرد لا من بيت الرب فقط بل طرد من الملك أيضاً، وطرد من وسط الجماعة كلها.
ورجل اسمه عُزه ببراءة وبساطة رأى تابوت العهد محمولاً على البقر وكاد التابوت أن يقع من على الثيران، فأخذته الغيرة فاندفع نحو التابوت وأمسك به، لأنه رأى أن التابوت سيسقط فضربة الرب وأماته، حتى إغتاظ داود جداً، هذا الرجل ببساطة وبسلامة قلب وبغيرة لم يقصد التعدي، وكان من بنى لاوى، ولكنه لأنه لم يكن كاهناً.على الرغم من بساطته وعلى الرغم من نقاوة قلبه وحسن قصده وغيرته وخوفه على التابوت أن يقع، لكن من الذي أعطاك هذا السلطان أن تمد يدك على تابوت الرب، حسنة هي غيرتك لكنها لیست حسب المعرفة، لتكن تقياً لكن تقواك ليست قانونية، لا يكلل أحد إن لم يجاهد قانونياً، لماذا كتبت هذه الأمور في الكتب المقدسة، أليست لتعليمنا، فلماذا نحتاج نحن من جديد أن نرى أشخاصاً يتعدون على إختصاصات الكهنوت ونحن يجب أن نخاف و«رأس الحكمة مخافة الرب» وليست التقوى معناها الجسارة والتعدي والتحدي، كل فرد يلزم حدوده ويلزم إختصاصه ومهما بلغت بك تقواك ومهما بلغت بك غيرتك إلزم حدودك وضع حياتك تحت ترتيب الكنيسة، واخضع نفسك لتدبير المدبرين الذين أقيموا في الكنيسة على هذه المسئولية ولا تدخل في دينونة غيرك، اخضعوا تحت يد الله القوية.
التواضع:
والسؤال هنا ما هي أول فضيلة في سلم الفضائل؟ أجاب القديس أوغسطينوس على هذا السؤال عندما سئل ما هو أول شيء ينبغي على المسيحي أن يتعلمه؟ فقال أول فضيلة هي التواضع، وما هو التواضع؟ هل التواضع أن تقول أنا خاطىء وأنت من الداخل تشعر أنك غير خاطيء، التواضع الحقيقي ليس هو أنك تقول أنا خاطىء بلسانك، وقلبك من الداخل مملوء كبرياء مستورة وكبرياء خفية وكبرياء روحية، الكبرياء الروحية يصاب بها المتدينون، الأتقياء أول من يصاب بالكبرياء الروحية، المتدينون الذين مازالوا على الشاطىء ولكنهم ملأوا الدنيا صياحاً، الذين لم يعرفوا طريق التخبئة، الروحانية الأرثوذكسية تقوم أصلاً على سياسة التخبئة لأنها سياسة الرب في الطبيعة، ما هي الطبيعة؟ مثلا النبات ينزل لداخل الأرض، لا يرتفع إلى فوق قبل أن ينزل إلى أسفل، ويختبئ داخل الأرض مدة طويلة حتى ينبت ويظهر، هذه هي التخبئة، يوجد البعض عندما يسمع المرأة السامرية يقول المرأة السامرية قبلت الخلاص وبشرت، كيف بشرت؟! كلمة بشرت هنا بمعنى أذاعت، وليس بشرت بمعنى تحولت إلى معلم في الكنيسة، حاشا للكنيسة ذلك، حضرته بالأمس خلص واليوم هو مخلص، لا.. ياابني خبىء النعمة في قلبك وقتاً كافياً لكي تدخل إلى أعماقك، قطعة اللحم التي يعلو عليها النار تحرق من الخارج وتكون من الداخل نيئة، والطباخ الماهر الذي يخفض النار لكي تستوى من الداخل أولا لئلا تخدعه بمظهرها الخارجي أنها استوت ومن الداخل تكون نيئة، يوجد كثير من الناس تسر بهذه السياسة، سياسة (الشعوطة) بالأمس خلص واليوم صار مخلص العالم، لا.. ياابني الفضيلة سلم، وأحد الآباء القديسين كتب كتاب اسمه سلم الفضائل، ولذلك يسموه. يوحنا الدرجي لأن الفضيلة درجات، الفضيلة مستويات، الفضيلة شلم، لابد أن تعرف نفسك جيداً، نحن نقاوم قوات روحية خفية، نحن نقاوم شيوخ الشياطين، ما هو عمرك بالنسبة للشيطان مائة سنة، انظر الشيطان كام سنة، من خلقة العالم، ما هي حكمتك أمام حكمته، هو قوة عاقلة كبيرة وضخمة، هذا الشيطان متفرغ ومتخصص للحرب، لكن حربة خفية ما هی قدرتك أمامه، ولابد أن تكون أسلحتنا أيضاً خفية، لا تبيع بضاعتك بسرعة وإلا ستفلس سريعاً، ثم يخرج الكلام بعد ذلك كثيراً جداً جداً لكن ليس له فائدة، لأن صاحبه أصبح فارغ من الداخل، مثل السوس عندما يأكل البلحة أو أي ثمرة، تكون من الخارج شكل بلحة ومن الداخل فاضية، كثير من الناس لهم مظاهر من الخارج لكن من الداخل فاضی، اهتم بسياسة التخبئة «خبأت كلامك في قلبي لكي لا أخطىء إليك»، كي تنمو نمواً طبيعياً كالنمو الذي في الطبيعة، لكي يكون جهادك قانونی سر بطريقة خفية، عندما تكون عندك جوهرة، لو عرضتها للضوء تفقد بهاءها فلابد أن تخبئها، الشمعة في البداية عندما تضىء لابد أن تخفى عود الكبريت أولاً حتى لا تنطفىء، أما بعد أن تضيء الشمعة تكون قوية، النبات الصغير في الشارع يسوروا حوله بسور حديد خوفا عليه من الهواء أو من أي حيوان يأكله أو أحد يتكيء عليه فينكسر، لكن عندما تكبر وتكون شجرة يرفعوا الحديد وعندما يهزها الهواء تزداد رسوخاً وعمقاً في الأرض، يا من تبت اليوم سر في سياسة التخبئة، هذا هو الجهاد القانوني، الجهاد الذي بالقانون الأرثوذكسي وبالروحانية الأرثوذكسية، وبسياسة التخبئة سياسة الله في الطبيعة، الألماظ الذي عمله الله له ملايين السنين تحت الأرض، أصله شجرة إختفت تحت الأرض وتحولت إلى فحم حجري، وبعد ملايين السنين تبلور ولمع وأصبح ألماظ، هذا هو الألماظ الذي عمله الله، أما الألماظ الصناعي يوجد منه الكثير، إنما الألماظ الحقيقي غالي جداً بملايين الجنيهات لأنه ألماظ طبيعي، لأنه ألماظ تكون في ملايين السنين. حياتك الروحية إن كانت على هذا الطراز السريع وعلى هذا الطراز السطحي، لا تؤدي لنتيجة، إنما إن سارت في طريق السلم الصاعد خطوة بعد خطوة وتحت رقابة المراقبين وتحت إرشاد المرشدين، وتحت توجيه الموجهين، وتحت سلطان الكنيسة، وفي داخل نطاق الكنيسة، وبوسائط الخلاص المرتبة في الكنيسة بهذا تخلص، وهذا هو الجهاد القانوني.