تفسير سفر الرؤيا اصحاح 1 لابن كاتب قيصر
بسم الآب والابن والروح القدس إله واحد
له المجد آمين
نبتدىء بمعونة الله تعالى ورحمته بكتابة شرح هذا الكتاب الذي يشتمل على رؤيا الأبو غالمسيس[1] ، وكشف أسراره ، وحل رموزه ، وكشف مستغلقه ، وبيان تفسير معانيه ، مما اهتم ببيان ذلك وكشفه لطالبيه الحاج الرئيس الفاضل والمعلم المعروف بابن كاتب قيصر نيح الله نفسه
الإصحاح الأول
الفصل الأول
1- (1) رؤيا يسوع المسيح التي أعطاها الله له الذي أعلم عبيده بما يجب أن يكون سريعا وأعطى علامة لهم وأرسلها من قبل ملاكه عبده يوحنا[2] الذي شهد بكلمة الله وشهادة يسوع المسيح التي رآها.
هذا الفص عنوان الكتاب ، مترجم عنه . والرؤيا قسم من أقسام النبوة عند المتشرعين ، وإن كانت ترادف الحلم لفظا . ومن تقسيم النبوة ، يتبين الفرق بين الرؤيا والحلم . ولنذكر تعريف النبوة أولا ، فنقول : النبوة فيض إلهي بتوسط العقل الفعال على النفس الناطقة ، ثم بها على قوة الخيال. ووارد النبوة إما أن يرد في حال النوم بالحلم ، وهو أول أقسام النبوة وأضعفها ، كحلم فرعون الذي فسره له يوسف(تك41: 25-32) ، وحلم بختنصر الذي فسره دانیال ببابل(دا2: 31-45) ، أو كحلم يعقوب ويوسف(تك28: 10-22) ، وكحلم لابان وأبيمالك(تك20: 3-7) وبعض نبوة دانيال . إن هذه كلها يجمعها الحلم ، وإن كانت بينها فروق باعتبارات أخرى . وأما الذي يرد في حال اليقظة ، فإن كان معه سبات قيل له رؤيا . ومرأى النبوة : منظر وسهو ووحى، وقول الله ويد الله وغير ذلك . وهذا القسم أقوى من الأول ، كرؤيا أبينا إبراهيم(تك22: 14) عند تشطیر(تجزئ أو تقطيع) الحيوان وتنضيده (تسوية ، شوي، نضج)، لأنه قال : «ووقع على ابرام عند مغيب الشمس سبات وخوف مع ظلمة غشيته» ، وكرؤيا أشعياء وهوشع وعوبديا وغيرهم ؛ وكبعض نبوة دانيال . أما إذا لم يكن مع السبات فهو التجلى والخطاب ، وهو غاية طبقات البشر ، كخطاب الله لآدم وإبراهيم عند النداء ، وموسى في سيناء ، وبعض نبوة دانيال عندما كان على شط الفرات. وفي الرؤيا فروق أخرى ليس هذا مكانها ، فقد بان لك الفرق بين الحلم والرؤيا والتجلي وإضافتها إلى يسوع المسيح إضافة التعريف ، أي هذا الفيض الذي أعطى لسيدنا له المجد ، أعلم به عبيده ، وإنما يصح قوله أعطى بما أنه إنسان ، والذي نعت صلتها ليسوع المسيح ، ويريد بعبيده هنا رسله.
وقوله : « بما يجب أن يكون» ، أي في مستقبل الزمان ، وبه ندفع من أن هذه الرؤيا إخبار بماضيات من الحوادث جرت وعبرت . وقوله « يجب » ، أي لابد منه ، ضرورة بحسب ما كشفه العلم الإلهى . وقوله «سريعا » ليس أن الحوادث تخرج إلى الوجود دفعة ، بل أراد أن ابتداءها يكون سريعا يتتالى إلى النهاية . «وأعطى وقوله « وأعطى علامة» ، يريد أنه أنذر بعلامات لا بزمان محدود ، فإن الأزمنة لا يطلع عليها البشر في الأكثر لما قد يترتب على ذلك من تطرق من يقف على الأزمنة إلى الحيل والبدع الكاذبة ، كأن يقال : إن النبي الفلاني يأتي في اليوم الفلاني أو الشهر الفلاني . إذا علم هذا ، أتى بعض الناس وادعى أنه ذلك النبي في أي إقليم اتفق . ولو قبل : الملك الفلاني يموت في رأس سنة كذا ، هاج الطالبون من كل جهة ، وادعى أناس أخر أن ذلك بحيلتهم . وبالجملة ، كانت تفسد أكثر المقاصد ، وتخرم أكثر السياسات ، وتفوت كل المصالح من الأبنية والغروس والأفعال . وأنت تجد سيدنا يقول : «وأما علم اليوم والساعة فقد جعله الآب تحت سلطانه لا تعرفه ملائكة السماء . وبولس الرسول يقول : « فأما الأزمنة والأوقات يا أخوتى فما لي حاجة أن أكتب لكم بها ».
وقوله : « وأرسلها من قبل ملاكه عبده يوحنا » ، الهاء في قوله أرسلها عائدة على الأشياء التي يجب أن تكون سريعا ، كذا يتبين من نسق اللغة القبطية وتسميته يوحنا ملاكا على عادة الكتاب في تسمية كل الأنبياء والرسل والكهنة ملاكا ، لأسباب منها أن لفظة «ملاك» في العبرانية تفسيرها « رسول» ، ومنها أن العفة ، والإعراض عن الشهوات البدنية ، والتفكير في الله تعالى ، وتوفر العلم : هذه الأربعة مشتركة بين الملاك والرسول والنبي والكاهن . وديونوسيوس يزيد فضيلة خامسة ، وهي الاشتراك في الكهنوت ومنها أن الكل معدون لخدمة الله ومصالح عباده . وقد سمى يوحنا المعمداني وهو كاهن ونبی ورسول «ملاكا» ، وقيل عنه : «هوذا أنا أرسل ملاكي أمام وجهك ». أما قوله : « الذي شهد بكلمة الله» ، فيريد بـ «الكلمة» الابن يسوع المسيح . وقوله : « وشهادة يسوع المسيح التي رآها » ، أي شهد لكلمة الله وشهد لشهادته التي رآها ، والهاء في رآها عائدة على شهادة يسوع المسيح ، وضمير الفاعل متعلق بيوحنا لأنه كان مع سيدنا عندما شهد قدام بيلاطس الشهادة الحسنة.
2- (3) فطوباهم الذين يقرأون والذين يسمعون أقوال هذه النبوة ويحفظون المكتوبات فيها لأن الزمان قرب.
« طوبی» لفظة سريانية تفسيرها «السعادة» ، ويريد بحفظ هذه النبوة الاتعاظ بها والعمل وفقا لها ، ويريد بالمكتوبات معانيها ، والزمان تعريفه مقدار الحركة من جهة المتقدم والمتأخر ، وقيل فيه أيضا أنه المجال الذي تكمن فيه الحركة ، وأقسامه ثلاثة : ماض وحاضر ومستقبل ، وأجزاؤه منها محدودة ، إما :
لحركات السماء ، وهي أربعة : الساعة واليوم والشهر والسنة . فالساعة جزء من تقسيم اليوم إلى أربعة وعشرين جزءا واليوم من طلوع الشمس إلى طلوعها . والشهر تمام دورة القمر . والسنة الشمسية تمام دورة الشمس .
وإما بالأحوال السنوية وهي الفصول ، كأوقات الحر وأوقات البرد وأوقات اليبس وأوقات الرطوبة .
ومنها ما هو غير محدود مثل الوقائع العظام التي تجرى فيها ، كقيام دولة ، أو ظهور ديانة ، أو حدوث غلاء أو وباء أو حرب أو أثر سماوي من طوفان أو صاعقة عظيمة أو زلزلة عامة أو نار وما يشبه ذلك . ويريد به هنا زمان يبتدىء فيه حدوث هذه النبوة وإتمامها ، وأن ذلك سيتحدد أولا وسيتبين هذا في مواضعه .
3- (4) من يوحنا للسبع كنائس الكائنة في آسيا النعمة لكم والسلامة من قبل الكائن والذي كان والذي يأتي ومن قبل سبعة الأرواح الكائنين أمام العرش (5) ومن قبل يسوع المسيح الشهيد الأمين بكر الأموات ورئيس جميع ملوك الأرض الذي أحبنا وطهرنا من خطايانا بدمه (6) وصنعنا مملكة وكهنوتا لله أبيه الذي له المجد والعزة أبد الآبدين آمين
هذا الفص هو أول ما كتب به الرسول إلى السبع الكنائس التي من أعمال آسيا الصغرى . وهذه الأماكن كانت تابعة لكرسيه الذي بشر فيه هو وتلاميذه أساقفتها ، لأنه أمر في الوحي أن يكتب إليها على ما يأتي بيانه . فصدر المكتوب بهذا القول كما كتب في رسائله وكعادة بقية الرسل .
قوله : «الكائـن والذي كان والذي يأتي» قسم هذه الثلاثة أحوال بانقسام الزمان ، وهو الماضي والحاضر والمستقبل ، والمعنى أنه تعالى ثابت دائم لا يتحول أو يتغير في جميع أحوال الزمان ، لأنه عز وجل فوق متى وأين وسائر الأعراض . وأما «السبعة الأرواح الكائنة أمام العرش» ، فهي الأرواح السباحة الواردة بسفارتها بالأوامر والنواهي من العلي في أمر الدول وغيرها . فهي مترددة على الكون والفساد ، كما ذكر في سفر دانيال النبي وعين بعض أسمائها في أسفار الأنبياء في العهد القديم ، بل وفي العهد الجديد ، وهم ميخائيل ، غبريال ، روفائيل ، سوریال ، ساداکیال ، ساراتیال أمانيال.
ووجه آخر ، وهو أن الطغمات تسعة ، منها طغمتا الشاروبيم والسارافيم ، تبقى سبع طغمات، وهي الرؤساء والسلطات والكراسي والأرباب والقوات والملائكة ورؤساء الملائكة فمقدمو هؤلاء السبعة يجوز أن تكون الإشارة إليهم . وأما تقديمه ذكر هذه الأرواح السبعة على ذكر يسوع المسيح فلم يرد الترتيب ، لكن ذكر يسوع المسيح تبعه كلام كثير يتعلق به . فلو جاء ذكر الأواح بعده لبعد المعنى وتشتت شمله.
من وأما قوله الشهيد فصيغته من صيغ اسم الفاعل ، تقول في ذلك : شهد يشهد شهادة فهو شاهد . وشهيد يقال على معنيين : أحدهما الشهادة بقول مطلق . والثاني أخص منه ، وهو الشهادة مع دم الشاهد بسببها ، والمراد هنا المعنى الأخص . والأمين في اللغة القبطية يراد به ثلاثة الأمانة ، والثاني من الإيمان ، والثالث الخصى ، وكذلك في اللغة القبطية على ما ذكر الفاضل بشير بن سرى في شرحه لنبوة دانيال[3].
وأما قوله : «بكر الأموات» ، فلأنه أول من قام من الأموات قيامة لا يعقبها موت . فبالأولوية صار بكرا كأولوية الولادة للبكر . و رئاسته على جميع ملوك الأرض رئاسة الرب على العبد شاء العبد أو أبي.
وقوله : «الذي أحبنا وطهرنا من خطايانا بدمه» ، أما دليل محبته فقد بينه بقوله في الإنجيل : «ما من حب أعظم من هذا ، أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبائه». وأما تطهيره لنا من خطايانا فبثلاثة أوجه : أولها ما ذكره وهو تطهيره لنا بدمه وذلك أفضل من دماء الحيوانات التي كانت تطهر الخطايا بسفكها ، والثاني بالمعمودية ، والثالث بنهجه طريقا تعصمنا مراعاتها من الزلل.
بعد ذلك ، يأتى قوله : « وجعلنا مملكة وكهنة» كقول التوراة في الفصل الثاني من السفر الثاني لبني إسرائيل : «وأنتم تكونون لي مملكة وكهنة وشعبا »، فالمملكة لنفاذ أمرهم في المنافع والمضار كما حكم بطرس على حنانيا وامرأته وأبرأ المخلع بكلمة، وأبرأ بولس أعمى آخر بكلمة وأقام ميتا سقط من السطع بكلمة. وأما كهنوته فظاهر وكذلك بقية الفص .
4- (7) هوذا هو يأتى مع السحب وتنظره كل العيون والذين طعنوه وتنظر إليه جميع قبائل الأرض بحق .
هكذا قال في الإنجيل المقدس : «حينئذ ترون ابن الإنسان حينئذ آتيا على سحاب السماء مع قوات ومجد عظيم حينئذ تنوح جميع قبائل الأرض» والنبي يقول : «سينظره الذين طعنوه »(زك12: 10).
5- (8) أنا الألفا وأنا الأء البداية والنهاية يقول الرب الإله الكائن والذي كان والذي يأتي والضابط الكل.
في هذا الفص تقديم وتأخير وتقديره يقول الرب الإله : « أنا الألفا وأنا الأء» إنه الأول والآخر على سبيل التشبيه ليفهم ، وهو كما أن الألفا أول الحروف اليونانية والأء آخرها ، كذلك الله سبحانه وتعالى أول كل الموجودات وآخرها . وأما «الضابط الكل» فهو الذي يحفظ على كل حقيقة بقاءها مع أنه علة وجودها . وأما وجه اتصال هذا الفص بما قبله ، فإنه لما قال : « وتنظر إليه جميع قبائل الأرض» ، أخبر أنه هو ذاك الأول والآخر.
6- (9) أنا يوحنا أخوكم وقريبكم في الشدائد إن المملكة والصبر هما يسوع .
خطاب الرسول هنا موجه نحو رؤساء السبع الكنائس التي يأتي ذكرها على الخصوص وإن جرى ذلك على أهل هذه الطبقة من المؤمنين على العموم . واشتراك الرسول معهم جعله كلحمة[4] النسب الجامعة للأخوة والمقارنة كما يقال : «هذا أخو هذا » أو «هذا قرين هذا » إذا اتفقا في شيء واحد . أما مراده بالمملكة فتقلد الرئاسة كما فسرها هو والصبر التجلد على الشدائد من أجل الإيمان ؛ ومعلوم أن هاتين لم يتما إلا بعناية إلهية فلذلك قال : «هما بيسوع » .
7- كنت بالجزيرة التي تدعى بتمو من أجل كلمة الله وشهادة يسوع المسيح.
قد رخم لفظة بتمس[5] في غير موضع النداء للاختصار ، فقال : «بتمو» ، وذلك مستعمل في اللغة اليونانية والقبطية . وأخبر بالمكان الذي رأى فيه الرؤيا ، وهو الجزيرة المذكورة . وأخبر بالسبب الذي نفى أجله إليها بقوله : « من أجل كلمة الله» ، لأنه بعد تسع سنين من مملكة دمطيانوس قيصر، نفاه من أجل الكرازة إلى هذه الجزيرة التي كتب بها هذه الرؤيا وبذلك بين للمخاطبين أنه وقع في شدائد مثلهم فشاركهم . وقوله : « وشهادة يسوع المسيح» ، أي من أجل كلمة الله التي هي البشري ، ومن أجل شهادتی ليسوع المسيح المنتظر . وأضاف الشهادة إلى يسوع لأن المصدر مضاف تارة إلى فاعله ، كما نقول : « هذه صنعة فلان» ، وتارة إلى مفعوله ، كما نقول : «اندمل جرح فلان » وهو المراد هنا.
8- (10) كنت بالروح في يوم ذلك الأحد فسمعت خلفی صوتا عظيما مثل بوق (11) قائلا لي التي تنظرها أكتبها في كتاب وأرسلها إلى السبع الكنائس التي في آسيا وهي أفسس واسمرنا وبرغامس وثياديرا وسرديس وفيلادلفيا ولاذقية (12) فالتفت فأدركت الصوت الذي سمعته يتكلم معى ولما التفت رأيت سبع مناير من ذهب (13) وفي وسط المناير شبه ابن إنسان وعليه درع ومربوط على حقويه منطقة ذهب (14) ورأسه وشعره أبيضان كالصوف الأبيض والثلج وعيناه كانتا كلهيب النار (15) ورجلاه مثل نحاس لبنان المسبوك بالنار وصوته مثل مياه كثيرة (16) وسبعة نجوم في يده اليمني وسيف يضرب بفمين يخرج من فيه ووجهه يضيء كالشمس في قوتها.
هذا مبدأ الرؤيا الأولى ، وهي رؤيا الابن . وقوله : «بالروح » أي بحال التجرد عن البدن ، فكان أن اتصلت روحه بروح القدس مستغرقة لتلقى الوحي وهي حال الرؤيا . وقوله : «في يوم ذلك الأحد» ، ما فائدة تعيينه اليوم ولم يذكر أنه من أي شهر ومن أية سنة ؟ وأنا أظن أن قوله : «ذلك[6] الأحد، إشارة إلى أحد معلوم عند المخاطبين في ذلك الوقت لقرب العهد من الكتابة إليهم وبين الأحد الذي كانت فيه الرؤيا ، فاستغنى بعلمهم. وترك تعيينه لنا نحن ، إذ ليس في ذلك عظيم فائدة لنا ولفظة في اللغة القبطية مشتركة بين اليوم الذي هو مجموع الليلة والنهار وبين النهار على الخصوص فلذلك لم يتميز فيها إن هذه الرؤيا كانت في أيهما . والنقل اليوناني يدل على أنها نهار و «سماعه خلفه صوتا عظيما مثل بوق» ، قد جاءت الأصوات في الرؤيا على عدة أنحاء ، فلنذكرها بطريق القسمة لتتبين ، فنقول : الصوت له صور ثلاثة : إما أن يكون صوت خطاب يفهم منه مقصود ما ، كقوله في الفص الثالث والعشرين : «ورأيت ملاكا قويا يكرر بصوت عظیم قائلا من يستحق أن يفتح السفر» ، أو صوتا ساذجا كقوله في الفص التاسع عشر : «وكان ينبثق من العرش بروق وأصوات» : فهذه الأصوات لا يفهم منها غير امتدادها فقط وصورة ثانية : بحسب الصوت المصوت به ، لأن الصوت إما أن يعرف المصوت به ، فلا يخلو حينئذ أن يكون ملاكا ، كقوله في الفص الثالث والعشرين : « ورأيت ملاكا قويا یکرر بصوت عظيم» ، وفي الفص الرابع والعشرين : « وسمعت صوت ملائكة كثيرين» . فإن لم يكن صوت ملاك ، فإما أن يكون صوت إنسان كقوله في الفص التاسع والعشرين عن أنفس الشهداء : «وصرخوا بصـوت عظيم قائلين إلخ» ، أو حيوانا ، كقوله في الفص الثالث والأربعين[رؤ8: 13] : « وسمعت نسـراً في وسط السماء يصرخ ويقول بصوت عظيم» ، أو جمادا كقوله في الفص الحادي والخمسين[رؤ10: 3] : « زعقت سبعة رعود » ، وفي الفص المائة[رؤ14: 2] : «ومثل صوت مياه كثيرة ومثل صوت رعود قوية» . أو لا يعرف المصوت بها ، كقوله في الفص الثامن والأربعين[رؤ9: 13] : «فسمعت صوتا من قرون المذبح الذهب » ، وكقوله في الفص الحادي والخمسين[رؤ10: 4] : « فسمعت صوتا من السماء يقول لي اختمها » . وصورة ثالثة : بحسب مصدر الصوت ، لأن مصدر الصوت إما أن يعرف ، كقوله في الفص الثاني والخمسين[رؤ10: 8] : « والصوت الذي سمعته من السماء» ، أو لا يعرف ، كقوله في هذا الفص : « فسمعت خلفی صوتا عظيما مثل بوق قائلا لي التي تنظرها اكتبها » . فهذه أقسام الأصوات والمراد بها كلها في الرؤيا إدراك المسموعات التي نسبتها إلى العقل كنسبة الأصوات الخطابية إلى السمع . إذا علمت هذه القاعدة ، فليس السماع إذن بحاسية الأذن ، لأن حواسه حينئذ معطلة وحركاته ساكنة ، ولكنه إدراك نفساني بالناطقة ، ولا الصوت صوت بوق ، لأنه قال : «مثل بوق» ، ومثال الشيء هو غيره ، ولكنه صوت مرهب كإرهاب بوق الحرب العظيم . وكذلك ذكر في مشهد سيناء ، لما انحدر موسى من الجبل إلى الشعب إنه : «حدث في اليوم الثالث كان الصباح أنه صارت رعود وبروق وسحاب ثقيل على الجبل وصوت بوق شديد جدا »[رؤ19: 16]
وفي قوله : «سمعت خلفي» إشعار بأن الأمر مختف عنه ، إذ العادة جارية بأن ما يكون خلف الإنسان فهو مخفي عنه .
وأما قوله : «التي تنظرها اكتبها » فإن الضمائر التي في هذا وما أشبهه في ما يأتى ، ضمائر جمع ما لا يعقل لا ضمائر مؤنث ، فإنها في اللغة العربية بصيغة واحدة مشتركة بينهما ، فأما في القبطية فبينهما فرق ، وكأن تقدير القول في العربية : الأشياء التي تنظرها اكتبها ؛ قوله : «اكتبها في كتاب وأرسلها إلى السبع الكنائس التي في آسيا » .
ومن المعلوم أن الرسول في هذه الحالة لا يتمكن من الحس أو الحركة ، فضلا عن الكتابة . ولكنه أمر فيه تراخ ، وتقديره : إذا انتهى سماعك ورؤياك ، اكتب بذلك فيما بعد إلى الكنائس وأرسله إليها . والذي يكتبه الرسول يحتمل وجهين أحدهما : أن يكتب إلى كل كنيسة بما يخصها والآخر : أن يكتب بجميع الرؤيا إلى كل كنيسة ، فيقف رئيسها وشعبه على ما يخصهم منها ويحفظون كل ما بينته الرؤيا ، وهو الأولى ، وإلا فكان يلزم أن لا يكتب أكثر الرؤيا إلى كنيسة من الكنائس السبع أصلا ، لأن الذي يخص كل كنيسة قدر يسير من الرؤيا . وبتعيينه أسماء المدن السبع التي فيها السبع الكنائس اندحض رأي من ذهب إلى أن مراده كنيسة واحدة مع أنها مدائن مشهورة.
قوله : «فالتفت فأدركت الصوت» ، لفظة ( ) في اللغة القبطية مشتركة بين رؤية العين وإدراك العقل[7] ، وكذلك اللفظ مشترك بينهما في اللغة اليونانية والسريانية . ولهذا أخطأ بعض المترجمين في وضع أحد المعنيين مكان الآخر ، وترجم موضع دون الآخر . نظرت الصوت فأدركت الصوت والصوت لا يرى . وأما الحاجة بعد قوله : « أدركت الصوت» إلى أن يقول : « الذي سمعته يتكلم معى» ، فذلك لئلا يتوهم متوهم إنه صوت آخر غيره لأن هذه البيانات والتأكيدات التي في الكتب الإلهية تحدث أوجه الشبه الكثيرة ، ولا سيما لمن ليست له بصيرة ثاقبة فيها . قوله : «ولما التفت رأيت سبع مناير من ذهب» وما بعده إلى آخر الفص ، وبيانه : إن الأنبياء كما يطلقون ألفاظا ولا يقصدون حرفية المعاني بل أشياء أخر فيما يسمى باللغة الروحانية ، فكذلك يروون ويحكون أشكالا وصورا ليس المراد بها المرئيات ، بل أشياء أخر بينها وبينها مناسبة ما ، وتسمى هذه ألغازا ورموزا على ما ستعرفه ، فهم يستعيرون الصور والمعاني كما يستعيرون الألفاظ . إذا عرفت ذلك ، فهذه الألفاظ التي في هذا الفص ظاهرة ، غير أن الصور والمعاني الكامنة فيه فألغاز كما قلنا.
والمنائر السبع رمز على السبع الكنائس المتقدم ذكرها كما فسرها سيدنا بعد ذلك ، وكونها من ذهب رمز على سبع معان : أحدها العدل ، والثاني الشرف ، والثالث الطهارة ، والرابع البقاء ، والخامس الصبر على التجربة والامتحان لأن الذهب أعدل الأجسام المتطرقة وأشرفها وأطهرها وأبقاها وأصبرها ، وقد رمز بالمنارة التي رآها زكريا بن براشيا في نبوته أنها وما معها قول الله في زربابل[زك4: 1-7] ، وهو غير المراد هنا .
وأما «ابن الإنسان» ، فالإشارة إلى سيدنا المسيح له المجد من جهة ناسوته ، « والدوع والمنطقة الذهب» رمز على الملك لأنهما من شعاره . وقد قال سيدنا له المجد : « أعطيت كل سلطان في السماء وعلى الأرض » وكون « ورأسه وشعره أبيضان كالصوف الأبيض والثلج» رمز على اللاهوت المتحد بناسوت السيد المسيح ، وإن كان في رؤيا دانيال قد رمز به على الأزلية والقدم ، إذ الشيب دليل على العتق . وكون «عيناه كانتا كلهيب النار» رمز على معنيين أحدهما : قوة العلم الثاقب ، لأن العلم المستفاد بحاسة البصر أقوى من العلم المستفاد ببقية الحواس ، وكذلك فسرت العينان اللتين في القرن في رؤيا دانيال ، وكذلك العيون الكثيرة التي في الحيوانات الأربعة وكذلك العيون السبع التي في الحجر في نبوة زكريا ، وفسر ذلك الملاك بأنه حجر التمييز. والثاني : أنه مخوف ، بدليل ما حصل للرسول ولغيره من الأنبياء عند هذه المشاهدات من الخوف والرعب.
وكون رجليه كنحاس مسبوك في قمين[8] رمز على أنه مما يعسر إدراكه ، لأن شعاع النحاس المبرق يمنع تمكن النظر منه ؛ وإضافته إلى لبنـان لجودة معادن ذلك المكان وصفاء جوهرها دون غيره من الأماكن . وكونه مسبوكا لشدة نقائه الأكدار ، أي الشوائب ، وخلوصه من الصدأ والتوبال المخالط لجرمه ، وكون المنطقة في الوسط بين جانب أعلى وجانب أسفل رمز على إدراكين أحدهما يعلو الآخر.
وكون الدرع لم يغط الرجلين إذ لو غطاهما لم يتبين أنهما كالنحاس وهذا إدراك آخر ، فقد حصلنا على إدراكات أربعة إذا اعتبرناها من إدراك على إدراك أعلى منه كان أولها : هذا الإدراك ، وهو الإشارة بالرجلين اللتين كالنحاس ، وذلك رمز على الناسوت بالحالة الروحانية التي صار بها بعد القيامة لطيفا نافذا لا تعاوقه الأجسام الكثيفة كدخوله على الرسل والأبواب مغلقة ، وما اشتمل عليه من الأنوار اللاهوتية المانعة من الإدراك التام وثانيها : الذي هو أعلى من هذا الذي أدركناه مما يلي المنطقة ، وهو رمز على العقل الناسوتي . ولذلك أومأ إلى هذين الإدراكين ، وهما الثاني والثالث أنهما مستتران بالدرع لعلوهما عن الأول . ورابعها : وهو أعلى الكل ، ما أدركناه الرأس والشعر ، وهو رمز على اللاهوت العظيم المتحد بالناسوت كما قلنا . وكما أن الرأس تعلو البدن وهي متحدة به ، كذلك هذا وهو تمام هذا الإدراك – الوجه الذي هو كالشمس في قوتها.
أما قوله : « وصوته مثل مياه كثيرة» ، فهذا رمز أيضا على أنه مرهوب ، لأن صوت البحر مخوف ، ولهذا يقول الإنجيل في فصل الانقضاء : « وتخرج نفوس كثيرين من صوت البحر » .
وقوله : « وسبعة نجوم في يده اليمنى» ، يريد بالنجوم ملائكة الكنائس السبع كما فسره في الفص . وقد علمت تسميته كاهن بملاك ، فيكون مقصده رؤساء الكنائس وكون «النجوم في يده » ، رمز على أنهم في طاعته وتحت أمره كشيء في قبضته .
وقوله : « وسيف يضرب بفمين يخرج من فيه» ، السيف رمز على القوة المهلكة ، والضرب رمز على المضاء. وكونه «بفمين » : فم السيف هو حده وهو رمز على مضاعفة حدته وشدتها وخروجه من فيه (فمه) رمز على أنها تمضى ، بمجرد القول أو الإرادة ، مضاء سيف ذي حدين ، على التقريب المتصور من يمكن تصوره من حالها ، وإلا فلا نسبة لكل سيف إليها ، تلك الإرادة التي بها يبست شجرة التين لوقتها ، ووصفها بولس الرسول في الفصل الثالث من العبرانيين : «لأن كلام الله حی وعمله ماض أكثر من کل سیف بفمين ذى حدين ويدخل إلى شطر النفس والروح والأوصال ودسر العظم » . وقوله : « ووجهه يضيء كالشمس في قوتها » ، هذا من جهة الإدراك الرابع المقدم ذكره ، لأن قوة نور الشمس مانع من إدراكها . ولمثل هذا قال الله لموسى النبي في موقف سيناء : «إنك لا تقدر على النظر إلى وجهى لأنه لا يراه بشر فيحيا » . ولهذه الرؤيا أشباه ونظائر ؛ فقال دانیال : «كنت أرى كراسي وضعت وعتيق الأيام جلس لباسه كالثلج الأبيض وشعر رأسه کالعهن(الصوف) النقي» . ثم قال بعد ذلك : « وكنت أرى على مزن السماء مثل ابن البشر أقبل وانتهى إلى عتيق الأيام وإياه أعطى السلطان والملك والكرامة وأن الشعوب والأمم واللغات بعبدونه جميع سلطانه سلطان الأبد لن يزول وملكوته لن يفسد ». وأما ستفانوس فقال : «هوذا أرى السموات مفتوحة وابن البشر قائما عن يمين الله» وأما التوراة فقالت في طور سينا : «واشتد صوت البوق »
۹- (17) وعندما رأيته فخررت تحت رجليه وصرت مثل ميت فجعل يده اليمنى على قائلا لي لا تخف أنا هو الأول والآخر (18) والحي مت وها أنا حي إلى أبد الأبد ومفاتيح العمق كائنة عندى والجحيم (19) اكتب ما رأيته وهو يكون بعد هذه.
هو إن هذه المناظر المرهبة ، والأشعة الملهبة ، والأمور الباهرة القاهرة المعجبة ، لتعجز قوى البشر عن الثبوت لها . ولهذا خر الرسول إلى الأرض كميت ، وإن كان ذلك في الرؤيا لا في الخارج . وأما الخوف المفرط فمحقق قوله : «فجعل يده اليمنى على قائلا لي لا تخف » ، هذا اللمس أعاد قواه التي اضمحلت ، وهذا القول أنعشها بعدما انحلت . وقوله : « أنا الأول والآخر» إنما يصح بما هو إله ، رقد مضى تفسيره . وقوله : «مت وها أنا حي إلى أبد الأبد» إنما يصح بما هو إنسان .. وقوله : « ومفاتيح العمق كائنة عندي والجحيم » . أما المفاتيح فيريد بها الحكم المطاع ، والعمق يريد به أسافل الأرض ؛ وهذا هو الأقصى . والجحيم : الغور الأدنى من الأرض كالحفر والخنادق والقبور والنواويس[9] . قال المزمور السادس : «ليس لي في الموتى من يذكرك ولا في الجحيم من يعترف لك » ، ومراده بالجحيم القبر . وكذلك قال داود لسليمان : «وأما ذلك الرجل الذي هزأ بشيبة أبيك فلا تدعه ينزل الجحيم إلا ملطخا بدمه » ، ويقصد بذلك القبر . وقد يراد بالجحيم النار التي يتعذب بها الأشرار في الميعاد . وقوله : « اكتب ما رأيته وهو يكون بعد هذه » ، في هذا الفص ثلاثة مطالب ، أولها : كيف قال هذا ولم يمض لنا شيء مما رآه الرسول وهو يكون بعد هذه الأشياء سوى قوله إنه يأتى مع السحب وتنظر العيون إليه ، وهذا القدر غير كاف فيما يكتب به ، والجواب إن الذي يظهر من هذا الفص هو أن الرسول رأى الرؤيا جميعها في مقام واحد ، وإنما عبر عما رآه شيئا بعد شيء لضرورة امتداد الحكاية بالعبارة ، فقوله هنا اكتب ما رأيته إشارة إلى الرؤيا كلها . الثاني : قوله وهو يكون بعد هذه ، وذلك دليل ثان على أن الرؤيا فيما يأتي بعد لا فيما يأتي بعد كما ذهب إليه قوم من المفسرين الثالث : أنه يظهر من قوله إنه يكون بعد ذلك أن هذه الكائنات لا بد من كونها ضرورة
10-(20) سر السبعة نجوم التي رأيتها في يدي اليمنى والسبعة منائر الذهب السبعة نجوم السبعة ملائكة الذين هم للسبع الكنائس والسبع المنائر التي رأيتها سبع كنائس هي.
هذا فص فسر فيه سيد الكل لغة النجوم والمنائر ، إنه استعمل اللفظ لغير المعنى الموضوع له ، وقد أوردنا ذلك في مكانه كما فسره هنا
- كلمة يونانية معناها رؤيا أو إعلان ، يراد بها كشف الأشياء المستترة الخفية. وهذا الكشف يكون إما في حلم أو يقظة ، والكشف أو الإعلان لا يكون إلا لمن تطهرت نفسه من أدران المآثم وارتفعت عن الدنايا وتجملت بالأعمال الصالحة وحصلت على نعمة الاتصال المباشر ، أي الشعور بالشركة مع الله تعالى والحظوة بالتمتع به.
- (تنبیه) : كان تقسيم هذا السفر : حسب النسخ القبطية المخطوطة ، هو بحسب الفصول التي قد تنقص قليلا عن الأصحاحات . وهنا ، قد وضعنا الأصحاحات بحسب التقسيم الحديث . وحفظا للوضع القديم ، قد وضعنا بأعلى المتن الفصول القديمة وبما أن مفسر هذا السفر قد وضع أرقاما مسلسلة يشتمل كل رقم على بضع آیات وأسماه «فصا » ، فيقول الفص الأول والفص الثاني ، وهكذا ، ولعله يريد بهذا أن يشبه السفر ببرتقالة وكل رقم دعاه فصا منها . ولقد احتفظنا بهذا التقسيم وجعلناه ببنط كبير ، ثم وضعنا آيات الأصحاحات بحسب التقسيم الحديث وميزنا أرقامها ببنط أصغر بين قوسين ، وهي قاصرة على كل أصحاح بخلاف أرقام الفصوص التي تتسلسل إلى نهاية الكتاب
- بشیر بن سرى أسقف صيدا ، لم نعرف زمانه . له في المكتبة الفاتيكانية رسالة في التوحيد والتثليث (المخطوطات العربية ، ص 16).
- قرابة ، ما سُدي به بين الثوب أو ما نسج عرضا ، وهو خلاف سداه
- الجزيرة التي تدعى بتمو ويقال لها «بطمس» وتدعى «باتينور» ، وهي إحدى جزائر الأرخبيل ببحر الروم التابع للدولة العلية (الجمهورية التركية الآن وعاصمتها أنقرة) تبعد ۲۰ ميلا إلى الجنوب من ساموس و ٢٤ ميلا إلى الغرب من آسيا الصغرى . وكان الرومان في أيام حكمهم ينفون إليها المجرمين . وأكثر أراضيها صخرية مغطاة بقليل من التراب ، وعلى مقربة من الشاطيء توجد صومعة (مغارة للتعبد) يقال إن القديس يوحنا كان يقيم بها حيث كان منفيا سنة 94 في حكم دومتيانوس الذي كُتب سفر الرؤيا في عهده
- لا يوجد في النسخة القبطية ولا في غيرها ذكر لهذه اللفظة «ذلك» ، فالنسخة القبطية تقول هكذا « »وترجمتها : كنت بالروح في يوم الأحد.
- في النص القبطى هكذا : فالتفت فأدركت الصوت . ولكي نتحقق صدق قول المفسر عن لفظة ( ) إنها مشتركة بين رؤية العين وإدراك العقل نورد هنا قول العلامة أنتيموس بطريرك أورشليم ، قال : «إذن السمع والنظر في الأمور الروحية يعتبران كشيء واحد ولذلك لم يقل الإنجيلي : التفت لأسمع الصوت ، بل قال : التفت لأنظر أو لأدرك الصوت ، مع أن الصوت لا يرى . ولكن ذلك الصوت لم يكن كلاما حسيا ، بل قوة إلهية تطبع أسرارها في ظاهر عقل يوحنا الإلهي» (كفاية اللبيب في تفسير رؤيا يوحنا الحبيب ، ص ۱۰)
- القمين هو أتون الحمام أو وجاق
- أحجار منقورة تجعل فيها جثة الميت ، وهي جمع ناووس
تفسير سفر الرؤيا – مقدمة | سفر الرؤيا – 1 | تفسير سفر الرؤيا | تفسير العهد الجديد | تفسير سفر الرؤيا – 2 |
ابن كاتب قيصر | ||||
تفاسير سفر الرؤيا – 1 | تفاسير سفر الرؤيا | تفاسير العهد الجديد |