تفسير رسالة رومية اصحاح 6 د/ موريس تاوضروس
الاصحاح السادس
نتائج التبرير بالإيمان (رو6: 1 – 8: 39)
1- المتبررون لايسلكون في الخطيئة، (رو 6: 1-14).
“فـمـاذا نقول، أنبـقي في الخطيـة لكي تكثر النعـمـة”.
أشـار الـرسـول في الأعداد الأخيرة من الاصحاح السابق الي أن كثرة الخطيئة صحبتها كثرة في النعمة، فهل نستنتج من ذلك أن علينا أن نحيا ونقيم في الخطيئة لكي تعطي لنا النعمة بكثرة !! ان الرسول يؤكد الارتباط الوثيق بين النعمة (البـر) والقداسة، وكلاهما لا يتم إلا بالمسيح يسـوع. لقد أشـار الـرسـول في الاصـحـاح الخامس إلي أن الـتـبـريـر لا يتم إلا بالمسيح يسوع( 5: 11، 21،17) وفي الاصـحـاح السادس يشير إلي أن القداسـة لاتتم إلا بالمسيح يسوع (6 : 23). ، فليس هناك ارتباط جـوهـري بين الخطية والنعمة
“حاشا نحن الذين متنا عن الخطية كيف نعيش بعد فيها“، . إن الرسول يستنكر البقاء في الخطيئة، من أجل أن تكثر النعمة، فإن هذا الاستنتاج، فـضـلا عـمـا فيه من مغالطة وتضليل، فإنه يحفز علي الانغماس في الشـر وإتيان الأفعال غير الأخلاقية. واستعمل الرسول عبارة امتنا عن الخطيئة، ليوضح أن المتبررين بدم المسيح قد قطعوا صلتهم وأوقفوا كل ارتباط. بينهم وبين الخطيئة، ولم تعد ثمة علاقة، ولو طفيفة، بين المؤمن وبين حياة الخطيئة. وكما يقول الرسول بطرس في رسالته الأولي «فإن من تألم في الجسد كف عن الخطية، لكي لايعيش أيغة الزمان الباقي في الجسد لشهوات الناس بل لإرادة الله؛ (1بط 4: 1). ويقول الرسول بولس في رسـالـتـه الـي كـولـوسـي ، وأما الآن فـاطـرحـوا عـنكم أنتم أيضا الكل : الغضب، السخة الخبث، التجديف ، الكلام القبيع من أفـواهـكـم. لاتكذبوا بعضكم علي بعض إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله ولبستم الجديد الذي يتحدد للمعرفة حسب صورة خالقه … (3: 8 – 17).
في حياة التبرير إذن كف عن الخطيئة وإحجام عن فعل الشر وانتقال إلى مجال مغاير، وانعدام الشوق الي الرجوع الي الوراء مرة أخري وهجرة دائمة لارجعة فيها ولاتردد.
“أم تجهلون أننا كل من اعـتـمـد ليسوع المسيح اعـتـمـدنا لموته، فدفنا معه بالمعمودية للموت حـتـي كما أقيم المسيح من الأموات بمجـد الآب هكذا نسلك نحن أيضا في جدة الحياة” . يشـيـر الـرسـول إلي أهـمـيـة المـعـمـودية في بناء حـيـاتـنـا الروحية، فهي واسطة الخلاص التي بها حصلنا علي حياة التبرير، وتحقق لنا الموت عن الخطية. إن الذين اعتمدوا باسم المسيح يسوع قد اتحد وجـودهـم مع المسيح وصاروا بالمعمودية مشتركين في صليب موته، فصلب وسات انساننا العتيق، إنسان الخطيئة كما صلب ومات المسيح علي الصليب. وعلي ذلك فنحن بالمعمودية قد دفنا مع المسيح لأن المعمودية جعلتنا مـشـتـركين في مـوتـه حـتـي كـمـا أقـيـم المسيح من الأمـوات هكذا نحن أيضا نقـوم الي حياة جديدة فاضلة ونوجه سلوكنا بما يتفق وهذه الحياة الجديدة. لعمودية نخلع الثوب العتيق لنلبس المسبح الأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح، (غلا 3: 2)، ويقول الرسول بطرس والذي مثاله يخلصنا نحن الآن أي المعمودية، لا إزالة وسخ الجسـد بل سؤال ضمير صالح عن الله بقيامة يسوع المسيح، (1بط 3: 21). في المعمودية إذن يتحقق لنا نوع من الاتحاد مع المسيح : اتحاد معه في مـوته واتحاد أيضا معه في قيامته.
لاحظ معني العبارات التالية :
كل من اعتمد ليسوع المسيح : تشير هذه العبارة إلى الاتحاد بالمسيح. العبارة تشير إلي علاقة المعتمد بالمسيح. المعتمد يلبس المسيح.
– اعتمدنا لموته : أي يموت المعتمد مع المسيح. المعمودية توجدنا في علاقة مع موت المسيح ، تجعلنا شركاء موت المسبح. المعمودية تصير لنا صليب المسيح وقبر المسيح، فبالمعمودية نصلب إنسـاننا العتيق، نصلب الخطية، وبالمعمودية ندفن إنساننا العتيق، ندفن الخطية. في المعمودية نشارك المسيح في مـونه لكي نشارك في البركات المترتبة علي هذا الموت. إذا كان المسيح صلب ومـات لـكي يقضي علي سلطان الخطية وبقـوم ظـافـرا مـنـتـصـرا كـاسـرا شـوكـة إبليس، هكذا بالمعمودية نصوت عن الخطية ونقطع كل صـلـتـنـا بهـا ونتطلع الي حـيـاة ظـافـرة مـجـيـدة في الـبـر والقداسة. إن النزول في الماء، أو الغطس في ماء المعـمـودية يمثل عملية الدفن في القبر. والذين يدفنون في القبر يقطعون علاقاتهم بالعالم، وهكذا الأمر بالنسبة للذين يعتمدون فإنهم يقطعون كل صلتهم بالخطية. … لم يحدث للنفس البشرية الموت والدفن والقيامة فإنها لا يمكن أن تشارك في الحياة الروحية الإلهية. ومعني ذلك أن النفس البشرية لايمكن أن تحقق حـياتـهـا الروحية إلا بإتحادها بالمسيح يسوع لكي يتم لها بالمعمودية الموت والدفن والقيامة مع المسيح. وعلي ذلك فإن أحداث الصلب والموت والـقـيـامـة لاتكون بالنسبة للمؤمن مـجـرد أحـداث تاريخية تمت لـتـدبيـر الخلاص الإلهي، بل تصير بالنسبة له وقائع حية ومعاناة شخصية من خلال المعمودية.
– بمجد الآب أي بقوة الآب,
– هكذا نسلك نحن : أي كما أن المسيح قـد أقـيـم مـن الأمـوات هـكذا نحن نقام من الأموات، لنسلك في هذه الحياة الجديدة الفاضلة ونوجه كل قوانا وفقا لمتطلباتها.
– جـدة الحـيـاة : أي في الحياة الجديدة وهي حياة الفضيلة، حيـاة الظفـر والإنتصار علي الخطيئة، إن تجديد الـحـيـاة عملية لا تقل عن عملية الخلق وتعلو عليها لأنها تتطلب أولا إبطال الحياة القديمة لافساح المجال أمام الحياة الجديدة. إن العناصر القديمة للطبيعة الإنسانية تتقهقر وتتراجع بصورة كاملة، وتتحول قوتها إلي قوة متجددة لتمكين الحياة الجديدة. وهكذا يظهر الإنسان نفسه ولكن في نفس الوقت لايكون هو نفسه. كان الإنسان غير المتجدد يخضع لسلطان ذاته، كانت ذاته الهه. أما الآن بعد التجديد، إتحدت ذاته بذات المسيح. صارت الذات الإنسانية مع المسيح ذاتا واحدة. حياة الإنسان، تصبح هي حياة المسيح فيه، ويتحول حبه لنفسه وعبادته لذاته، إلي حب المسيح وعبادته الذي يتحد به الآن. وعلي هذا النحـو يكون الإنسان أمام نوع جديد من الحياة لايرتبط بحياته السابقة القديمة، هذه الحياة الجديدة هـي ثمرة تجديد الذات الإنسانية باتحادها بالمسيح، وثمرة تجديد القلب الإنساني منبع الحياة الروحية والأخلاقية. وإذ كانت الحياة في الجديدة هي ثمرة اتحاد الذات الإنسانية بذات المسيح أو ثمرة عمل المسيح في الذات الإنسانية، فقد أصبح من البديهي الاعـتقـاد بأنه خـارجـا عن الإيمان بالمسيح وبدون الاتحاد بالمسيح بالمعـمـودية، لا يمكن أن يحقق الإنسان الفضيلة في معناها الأصيل.
“لأنه إن كنا قد صرنا مـتـحـدين معه بشبه موته نصير أيضا بقيامته“. يؤكد الرسول في هذه الآية مايحصل عليه المؤمنون من الحياة الجديدة، فالمؤمنون يقـومون من حياة الخطيئة إلى حياة جديدة روحية لأنهم إذ صاروا واحدا مع المسيح، في اتحادهم به بالمعمودية، التي تشبه موته، فإنه ، كنتيجة طبيعية لذلك، سيصيرون واحدا معه أيضا في قيامته. وبمعني آخر : إذا كان المؤمنون قـد صـاروا واحـدا مع المسيح الممـات، وذلك بالمعـمـودية التي تشـبـه مـوته، فـإنهم سيصيرون واحدا أيضاً مع المسيح المقام من بين الأموات .. في المعمودية يتحقق لنا إذن نوع من الاتحاد مع المسيح : اتحـاد معه في موته واتحاد معه في قيامته “لأعرفه وقوة قيامته وشركة الامه متشبـهـا بموتهط (في 3: 10). في المعمودية يتحقق لنا الموت عن التصرف السابق الـنـاسـد ثم السلوك في البر وقداسة الحق. يقول الرسول بولس في رسالته الي أفسس «أن تخلعوا من جهة التصرف السابق، الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور وتتجددوا بروح ذهنكم، وتلبسوا الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق، (اف 4: 22- 24).
ويلاحظ في الآية التي نحن بصددها، أن كلمة امتحدينة هي ترجمة الكلمة اليونانية sumphutoiمن الفعل sumphuw بمعني ينبت مع أو ينمـو مـع، وعلي ذلك فالمعني يشـيـر إلي نمو الأشجار معا أو نمو الزرع معا على نحوها استعملت في الإنجيل للقديس لوقا حيث قيل عن ، الزرع فنبت معه؛ شوك، فكان الرسول يقول : إننا صرنا واحدا مع المسيح كما هو الحال بالنسبة للأشجار التي تنمو معا. وفي المعني المجازي تشير الكلمة إلي الاتحاد مع المسيح.
أما عبارة ة بشـبـه مـوته فهي تشير الي أننا لم نصلب، تماما كما صلب المسيح، ولم نمت علي الصليب كـمـا مـات المسيح، غير أننا بالمعمودية، يكون النزول إلي الماء صورة وشبها لموت المسيح .
“عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطية كي لانعود نستعبد أيضا للخطية“. إننا سنصبح واحـدا مع المسيح في قيـامـته، ولكن علينا أن نعلم أن الطبيعة الملوثة بالخطيئة التي ورثناها عن آدم، يجب أن تصلب مع المسيح بطريقة سرية في المعمودية، حتي يموت فينا الجسد الذي استعبد للخطية، وبذلك لانصير بعد آلة للخطيئة وعبيدا لها.
إن كلمة «عالمين»، تشـيـر إلـي الـعـامل الإنساني الأخلاقي، في تحقيق حـيـاة الـتـجـديد. إن اشتراكنا في قيامة المسيح لايتم هكذا بطريقة ضرورية طبيعية بل يحتاج الأمر مشاركة واجتهادا وسعيا من قبلنا. هناك إذن شرط اخلاقي يتوقف عليه حق الاشتراك في قيامة المسيح.
ويقصد بالإنسان العتيق، إنسان الخطية أي الإنسان الذي يخضع لسلطان الخطية، وذلك في مقابل الإنسان الجديد، الذي نال تجديد الحياة بالمسيح يسوع. يقول الرسول بولس : : مبطلا بجسده ناموس الوصايا في فرائض لكي يخلق الإثنين في نفسه إنسانا واحدا جديدا صانعا سلاما، (اف 2: 15).
“أن تخلعـوا من جهة التصرف السابق الإنسان العتيق الـنـاسـد بحسب شهوات الغرور” (أف 4: 24) .
“وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق” (أف 4: 24).
“لاتكذبوا بعضكم علي بعض إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله، ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه” (کو 3: 10).
– عبارة «قد صلب» تعني : صلب مع المسيح في المعمودية، أخلاقيا.
– ليبطل جسد الخطية : كلمة ليبطل katargythy من الفعل katargw الذي ورد في العهد الجديد بالمعاني التالية :
1- يجعله غير مفيد أو غير منتج أو غير نافع أو شغل حيزاً بدون فائدة : “فقال للكرام هوذا ثلاث سنين أتي أطلب ثمراً في هذه التينة ولم أجد أقطعها. لماذا تبطل الأرض أيضا” (لو 13: 7)
2- يجعله بدون معنى وبلا جدوي :
“إن كان الذين من الناموس هم ورثة فقد تعطل الإيمان وبطل الوعد” ( رو 4: 14).
3- يجعله باطل المفعول، أو ينسخه ويلغيه :
“أفنبطل الناموس بالإيمان” (رو 3: 31، انظر أيضا أف 2: 15).
٤- يأتي إلي نهايته :
“لكننا نتكلم بحكمة بين الكاملين، ولكن بحكمة ليست من هذا الدهر ولا من عظماء هذا الدهر الذين يبطلون” (1کو 2: 6).
“وأما النبوات فستبطل” (1کو 13: 8 ، انظر أيضا 15: 24 ،26 ، 2کو 3: 7)
5- يحطم، يبيد، يفني، يلاشي :
“وحينئذ سيستعلن الأثيم الذي الرب يبيده بنفخة فمه ويبطله بظهور مجيئه”(2تس 2: 8، انظر أيضا عب 2: 14).
٦- يتحرر من :
“وان مات الرجل فقد تحررت من ناموس الرجل” (رو 7: 2 أنظر أيضا رو 7: 7 ، لا 5: 4).
7- يجعله بلاقوة أو عديم القوة :
“إن إنساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطية” (رو 6: 6). وعلي ذلك فـإن عبارة “ليبطل جسد الخطية”، تعني ليصير جسد الخطية بلا قوة و عديم القوة من جهة الخطية، أو ليفقد قوته ويصير كالميت الذي لا تتحرك فيه رغبة أو شهوة، بل كمن يصير إلي جمـود وركود وعدم حركة وسكون من جهة الخطية.
– عبارة “جـسـد الخطية” تعني الجسد الذي صـار أداة للخطية. الـجـسـد في ذاته لايرتبط جـوهـريا بالخطية. ليس هناك ترادف بين الجسـد والخطية. عبارة “جسد الخطية” ترادف عبارة “الإنسان العتيق” . الإشارة هنا ليس للجسد كمادة بل للإنسان كله الخاضع لسلطان الخطيئة بجسده وعقله ووجدانه وروحه.
“لأن الذي مات قد تبرأ من الخطية” . أن الرسول بولس يحذرنا من العودة مرة أخري إلى حالة الخطيته التي كنا عليها أولا، فنحن بالمعمودية قـد أخذنا جـسـدا مـبرءا من الخطية بينما كان لنا قبل المعمودية جسد الخطية. وبمعني أخـر كنا قبل المعمودية – في إنساننا العتيق – نفعل الخطية ونتشوق لفعلها ونحيا فيها ونرتبط بها، ولكن في المعمودية استبدل جسد الخطية بجسد مبرء من الخطية يقطع كل صلته بها ولا يستطيع أن يفعل الخطية لأنه قد مات عنها إلا إذا شاء الإنسان من جديد أن يعود بـجـسـده إلي ما كان عليه أولاء أي يعود إلي ” ،ودية الخطية.إن الجسد الذي أخذناه في المعمودية قد اكتسب طبيعة تنفر من الخطية، وليس من وضعها ان تخطئ أو تفعل الخطية، وليس من وضعها أيضا القدرة على عمل الخطية إلا إذا أردنا لها مرة أخري أن تعود إلي ما كانت عليه. فالرسول يعطينا هنا صورة مجيدة لحياة البر المنتصرة الظافرة ، الحياة غير الملوثة بالخطية والتي قطعت كل صلتها بها، فمن طبيعة الجـسـد النوراني الروحاني أن يشع النور إلا إذا رجعنا بطبيعتنا إلي ماكانت عليه سابقاً.
عبارة “قد تبرأ من الخطية” تعني قـد تحرر من الخطية. بالنسبة للماضي، قد تبرأ من عقاب الخطية ومن الذنب، وبالنسبة للمـسـتـقـبـل يـتـحـرر من سلطة الخطية ومن سطوتها عليه. يقول الرسول بولس :
“فإذ قد تألم المسيح لأجلنا بالجسد تسلحوا أيضاً بهذه النية، فإن من تألم في الجسد كف عن الخطية، لكي لايعيش أيضاً الزمان الباقي في الجسد لشهوات الناس بل لإرادة الله” (1بط 4: 21).
«فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا مافوق حيث المسيح جالس عن يمين الله ، أهتموا بما فوق لابما علي الأرض، لأنكم قد متم وحـيـاتـكـم مـسـتـترة مع المسيح في الله. . . . فأميـتـوا أعـضـاءكم التي علي الأرض الزنا النجاسة الهوي الشهوة الرديئة الطمع الذي هو عبادة الأوثان …» (کو 3: 1-5)
ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات، (غلا 5: 34). فإن كنا قد متنا مع المسيح نؤمن أننا سنحيا أيضا معه، أي أننا لسنا نقيم الآن في حالة الموت كمـا كنا فيما سبق، فـإذ قـد مـتنا بواسطة المعمودية عن الخطية، فإننا نعيش مع المسيح حياة النعمة ونشـتـرك في حياة أبدية مغبوطة. إن هذه الحياة الأبدية في المستقبل هي الآن موضوع إيمان بالنسبة لنا.
عالمين أن المسيح بعدما أقيم من الأموات لايموت أيضا، لايسـود عليه الموت بعـد، لأن الموت الذي مـاتـه قـد مـاته للخطيـة مـرة واحـدة والحـيـاة الـتـي يـحـيـاهـا فيحياها لله..
في العدد السابق أشـار الرسول إلي إيماننا بالحياة الأبدية، وفي هذا العدد يفسر علة هذا الإيمان. إننا نوقن بالقيامة وبالحياة الأبدية لأننا نؤمن أن المسيح قد قام من الأموات وهو لايموت مرة أخري. فالموت لن يكون له سلطان علي المسيح فيما بعد، ذلك لأن هذا الموت الذي ماته، قـد ماته مرة واحدة وإلي الأبد من أجل أن يحل سلطان الخطيئة. وهذه الحياة التي بحياها الآن مقاما من الأموات، يحياها لكي يمجد الله.
لاحظ ماياتي :
1 – إن إيماننا يمكن أن يبني علي معرفتنا لواقعة ماقد حدثت بالفعل. إننا نؤمن أننا سوف نقوم من الأموات ، وذلك لأن المسيح نفسه قد قام فعلا من الأموات. إن الأحداث التاريخية يمكن أن تكون دلائل علي قضايا الإيمان، والمعرفة بهذه الأحداث يمكن أن تكون سبيلنا إلى الإيمان.
2- إن القيامة قـد فتـحـت إلي الأبد أبواب الحياة أمام المسيح ولم يكن من الممكن أن يـسـود عليه الموت مرة أخرى. وفي هذا يختلف السيد المسيح عن البشر الذين أقـيـمـوا من الأموات لأن هؤلاء قد ساد عليهم الموت مرة أخري. وعندما قام المسيح من الأموات ترك الأكفان في القبر، بينما عندما قام لعازر من الأموات وهـو سـوف يموت مرة أخري ، حمل معه هذه الأكفان حـتي لايغيب عن نظره الموت الذي سوف يلاقيه بكل تأكيد فيما بعد.
3- كما خرج السيد المسيح من القبر ولن يعود إليه مرة أخري، هكذا يجب علينا أن نخرج من قبر الخطية ولانعـود إليه مرة ثانية ونقطع كل صلتنا بأعمال الظلمة التي يجب أن نتـركـهـا ولانصحبها معنا، تماما كما ترك السيد المسيح الأكفان في القبر ولم يصحبها معه.
4 – إن عبارة يحياها لله، تعني أن حياة المسيح بعد القيامة هي لتمجيد الله.
قال السيد المسيح في الإنجيل للقديس يوحنا : أيها الآب قد أنت الساعة … ليمـجـدك إبنك أيضاً … ليعطي حياة أبدية لكل من أعطيته. وهذه هي الـحـيـاة الأبدية أن يـعـرفـوك انت الإله الـحـقـيـقـي وحـدك ويسوع المسيح الذي أرسلته. أنا مـجـدتك علي الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعـمـل قـد أكـمـلـتـه. أنا أظهرت أسـمك للناس الذين أعطيتني من العالم، (يو 17: 1 – 5).
إن تمجيد الله يتم بأن يهب السيد المسيح لنفوس البـشـر حياة الله المقدسة، فبينما كانت الخطية هي السائدة والمتسلطة والمتحكمة وكانت النفوس غارقة في بحورها متغافلة عن تمجيد الله، قد تغير الوضع بقـيامـة السيد المسيح لأنه وهب لهذه النفـوس التحرر من سلطان الخطية ووهبها حياة البـر والقداسة، وبذلك أصبح من الممكن أن تكرس نفوس البشر من أجل خدمة الله وتمجيده وأن تصبح الحياة بأسرها في حياة لله.
“كذلك أنتم أيضا أحسبوا أنفسكم أمواتا عن الخطية ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا“. كما أن المسيح يـحـيـا لـله هـكذا يجب علي المؤمنين أن يعتبروا أنفـسـهـم أمـواتاً عن الخطية أي قد انقطعت كل صلة لهم بالخطية، وأصبحوا الآن يعيشون لله متحدين بالمسيح يسوع الذي هو ربنا، وهكذا فإن الرسول ينبهنا بأننا الآن نعيش بعد قيامة المسيح، حياة جديدة مختلفة عن الحياة الأولي التي كنا نحياها قبل نوال بركات الـفـداء. فالمسيحي يجب إذن أن يأخذ في إعتباره هذا الإنفصال الذي تم بين حياة سابقة، وبين حياة جديدة مكتسبة في المسيح. يقول الرسـول بولس في الرسالة الأولي إلي كورنثوس “وهـو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسم بل للذي مات لأجلهم وقام. إذن أن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت هـوذا الكل قد صـار جـديدا” (1کو 5 : 15- 17) ويقول الرسول بطرس والذي حمل نفسه خطايانا في جسده علي الخشبة لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبر، (1بط 2: 24).
– عبارة “أحياء لله” تعني : أحياء من أجل الله علي إعتبار أننا نتبع الله تبعية كاملة ونحس بالرغبة القوية للإرتباط به ولكي نوجد في شركة معه، ونتجه إليه بإعتباره الخير الأسمي ونسعي لتمجيده بكل إمكانيتنا وقوانا.
“بالمسيح يسوع ربنا” ، أي نحـيـا مـتـحـدين بالمسيح يسوع الذي فـيـه يـتـحـد الـلاهـوت بالناسوت، الله بالإنسان. بإتحـادنا بالمسيح تتـحـقـق حـيـاة الله فـيـنـا كـمـا يـقـول الرسول بولس اونسجد لله مناديا أن الله بالحقيقة فيكم فالجسد ميت بسبب الخطية: (رو 8: 10) . إن المسيح هو حياتنا الروحية. إننا لا يمكن أن نعيش لله إلا من خلال إتحادنا بالمسيح وبمعني آخر فإن إتحادنا بالمسيح هو الوسيلة الوحيدة التي تكفل لنا الحياة لله.
“إذن لاتملكن الخطية في جـسدكم المائت كي تـطيـعـوها في شهـواتـه” ، يحذرنا الرسول من أن تتسلط الخطيئة وتملك علي جسدنا الذي وهو ميت بالخطية يجب أن لايسود علي نفوسنا الخالدة، أي يجب علينا أن لانخضع للخطية ونطيعها منجذبين ومندفعين بشهوات هـذا الجـسـد. وهكذا حـذر الله قايين من الاستسلام للخطيـة فـقـال له “إن أحسنت أفـلا رفع، وإن لم تحسـن فـعـند الباب خطية رابضة وإليك اشتياقها وأنت تسـود عليها” (تك 4: 7). علي المؤمن أن يحفظ نفسه من الخطية (مز 19: 13) “ثبت خطواتي في كلمتك ولايتسلط علي إثم” (مز 119: 132).
لاحظ معني العبارات التالية :
– لاتملكن الخطية : الخطية إذن يمكن أن تسود وتملك ، أي أنها عـدو قـوي جبار، ومع ذلك فإن المؤمن له القدرة بالمسيح يسوع علي مـجـابـهـتـهـا والـتـصـدي لـهـا، وعلي عـدم الـسـمـاح بتسلطها وسيطرتهـا عليـه. مـهـمـا كـانت الخطيـة قـوية فإن المؤمن يمكنه أن يحفظ نفسه منها ويتسلط ويسود عليها.
– في شهواته : الشهوات أشبه بمادة قابلة للإشتعال، والخطية أشبه بالنار التي تشعلها.
“ولا تـقـدمـوا أعـضـاءكم آلات إثم للخطيـة بـل قـدمـوا ذواتكم للـه كـأحـيـاء من الأموات وأعضاءكم الات بر الله”.
ليس عليكم ان تقدموا أعضاء جسدكم كالات وأدوات للاثم حتي لاتحاربكم الخطية وتنتصر عليكم بواسطة هذه الأعضاء، أي فلنحذر أن تخضع أية حاسة من حواسنا الجسدانية أو أية ملكة من ملكاتنا الروحية لسلطة الخطيئة، والرسول لايكتفي بمجرد التحذير من الوقوع في الخطيئة، ولكنه يضيف إلي ذلك ناحية إيجابية في حياتنا الروحية. فعلي المؤمنين ليس فقط أن ينقطعوا عن الشر، بل عليهم أيضاً أن يقدموا ذواتهم أي كيانهم بأكمله كتقدمة مكرسة لله. وهم يفعلون ذلك كأناس قد حققوا قيامة روحية في المعمودية وقد حصلوا علي حياة جديدة مقدسة. إن الرسول يوصي المؤمنين بأن يهبوا كل أعضاء الجسد لله لك ، تكون آلات للفضيلة يمكنها أن تقهر كل خطيئة. ولو طبقنا تعاليم الرسول علي حياتنا لكان معني ذلك أن ننظر إلي ذواتنا من حيث إنها مجال لظهور الفضائل الروحية وتحقيقها. كل عضو من أعضاء الجسد وكل ملكة من ملكات النفس يجب أن تقدم لله وتستخدم في إظهار مجده، وذلك بممارسة الأعمال الفاضلة. يقول الرسول بولس “فأطلب إليكم أيها الأخوة برأفة الله أن تقدموا اجـسـادكم ذبيحة حية مقـدسـة مرضية عند الله عبادتكم العقلية” (رو 12: 1) “لأنه لما كنا في الجسد كانت أهـواء الخطايا التي بالناموس تعمل في أعضائنا لكي تثمر للموت” (رو 7: 5) «فأميـتـوا أعضاءكم التي علي الأرض الزنا النجـاسـة الهوي الشـهـوة الردية الطمع الذي هو عبادة الأوثان، الأمور التي من أجلهـا يأتي غضب الله علي أبناء المعصية، الذين بينهم أنتم سلكتم قبلا حين كنتم تعيـشـون فيها، وأما الآن فاطرحوا عنكم أنتم أيضا الكل الغضب السخط الخبث التجديف الكلام القبيح من أفواهكم» (3 :5 – 8)، ويقول الرسول يعقوب «من أين الحروب والخصومات بينكم اليست هنا من لذاتكم المحاربة في أعضائكم، (يع 4: 1)، ويقول الرسول بطرس والذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده علي الخشبة لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبـره (1بط 2: 24) “لكي لايعيش أيضا الزمان الباقي في الجسد لشهوات الناس بل لإرادة الله” (1بط 24).
لاحظ معني العبارات التالية :
لاتقـدمـوا أعـضـاءكم : يـقـدم الشيء يعني يجعله في خـدمـة شيء آخر. أي لاتجـعـلـوا أعـضـاءكم في خـدمـة الخطية. ويلاحظ أن الفعل اتقـدمـوا، صبغ في زمن المضارع، فـهـو لذلك يتضمن معني الاستمرار في الحاضـر وفي المستقبل، ويلاحظ أيضـا استعمال كلمة أعضاءكم في الجمع للإشارة إلي الشهوات المتعددة. كل شهوة تحاول ان تستخدم العضو الذي يناسبها.
– آلات اثم : أي آلات تستخدمها الخطية. والكلمة اليونانية المستعملة هنا هي opla التي تعني أسلحة، وذلك لأن المؤمن يكون في حالة صراع ونزال ومكافحة ومناهضة ضد الخطية.
– كأحياء من الأموات : كان الإنسان أولا ميتا بالخطية، وأما الآن فقد صار حيا بالبر.
آلات بر : أي تمارس الفضيلة بواسطة أعضاء الجسـد. وهذا يعني أن الجسـد ليس في ذاته شرا لأنه يمكن ان يستخدم للبر.
2- المتبررون يحملون ثمارا مقدسة 14-23
“فإن الخطيـة لن تسودكم لأنكم لستم تحت الناموس بل تحـت الـنـعـمـة”.
إن المؤمنين يستطعيون أن يبلغوا هذه الدرجة من الحياة الروحية، فيقدموا أعـضـاءهم آلات لله، لأن الخطيئة لن تسـود عليهم ولن تتملكهم، فهم ليسـوا بعد تحت سلطان الناموس الذي كان عمله قاصرا علي أن يفصل بين الخير والشر أو بين البر والإثم دون أن يهب القوة علي بلوغ حياة البر. أما الآن فقد أصبح المؤمنون أعضاء في دولة النعمة، فقد غفرت خطايـاهـم السابقة، وأصـبـحـوا بواسطة هذه النعمة قادرين علي السير بأمان في . طريق القداسة والفضيلة. يقول الرسول يوحنا اكل من يثبت فيه لايخطيء، كل من يخطيء لم يبصره ولا عرفه: (1يو 3: 6) ويقول أيضا الأن الناموس بموسي أعطي، أما النعمة والحق فيسوع المسيح صـاراه (1يو 1: 17)، ويقول الرسول بولس «ولكن إذ انقدتم بالروح فلستم تحت الناموس، (غلا 5: 18) “إذن يا إخوتي أنتم أيضـا قد متم للناموس بجسد المسيح لكي تصيـروا لآخر للذي قد أقيم من الأموات لنثمر لله” (رو 7: 4) وأما الآن فقد تحررنا من الناموس إذ مات الذي كنا ممسكين فيه حتي نعبده بجدة الروح لابعتق الحرف (رو 7: 6) “لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسـوع قـد أعـتـقـني من نامـوس الخطية والموت” (رو 8: 2).
لاحظ العبارات التالية :
– بل تحت النعمة : إن ماكان يصعب تحقيقه اتحت الناموس، يمكن تحقيقه الآن تحت النعمة، ، لأن إنسـان النعمة لا يواجه الخطية بطبيعته بل بتعاون الروح القدس الذي يعمل فيه بنعمته. إن الخطيئة يمكن أن تحارب المؤمن وتسبب له بعض المتاعب والقلاقل، ولكن بنعمة الروح القدس، لا تكون قادرة علي أن تسود علي المؤمن أو تسيطر عليه.
– لستم تحـت الناموس : الناموس ينبه علي الخطية ويكشفها وينفر منها ولكنه لايعطي القوة للتغلب عليها.
“فماذا إذن انخطيء لأننا لسنا تحت الناموس بل تحـت الـنـعـمة، حـاشـا”.
إن السـؤال الذي سبق وأثاره الـرسـول بولس في بدء الاصـحـاح السـادس، يـعـود فـيـكرره بـصـورة مشابهة، فيتساءل بما معناه : هل يمكن أن ترتبط حياة النعمة بالخطية ؟ وبمعني أخـر هل تبيع لنا النعمة الحق في أي نخطيء ؟ هل يتفق مع حياة النعمة أن نعـود مرة أخري إلي حالة الخطيئة التي كنا عليها أولا، وإذا حدث هذا فهل نكون حقا تحت سلطان النعمة ؟ هل يمكن أن تثمر شجرة النعمة الخطية ؟ إن الرسول يرفض قـيـام أي ارتباط بين حـيـاة الـتـبـريـر وحـيـاة الخطية فهـذان مستويان من الحياة على طرفي نقيض ولا يمكن أن يلتقيا معا. الخطية والنعمة لايملكان معا ولايثمران نفس الثمر، فالخطية تملك للموت والنعمة تملك للحياة الأبدية، وقد كان عسل النعمة كما أوضحه الرسول بولس في نفس الاصحاح في الـعـددين 16 ، 17 أن تحـول الـعـبـودية للخطية إلى عبودية للبر.
“الستم تعلمون أن الذي تقدمون ذواتكم له عبيـدا للطاعة، أنتم عبيد للذي تطيعونه إما للخطية للموت أو للطاعة للبر” . ألا تعرفون أنكم تكونون عبيدا لهذا الذي توجهون ذواتكم وحياتكم نحوه وتلتزمون بطاعته، فأنتم عبيد لما توجهون إليه طاعتكم، وبمعني آخـر، أما « عـبـيـد للخطية، التي تنتهي بكـم إلى الموت الروحي وإلي الانفصال التام عن الله، وإما لعبيد للمسيح، وتنتهي بكم طاعته إلي حياة البر والغبطة. لايمكن للمرء أن يجمع في نفس الوقت بين عبودية الخطية وعبودية البـر. قال السيد المسيح الايقـدر أحد أن يخدم سـيدين، لأنه أمـا أن يبغض الواحد ويحب الآخر أو يلازم الـواحـد ويـحـتـقـر الآخره ( مت 6: 24). لقد رفض الرسـول بولس في العدد السابق قيام أي ارتباط بين الخطية وبين حياة النعمة، ويبني رفضه علي أساس منطقي لأن هذين المستويين من الحياة – كما قلنا – علي طرفي نقيض ولا يمكن أن يلتقيا معا. علي أن الرسول في هذه الآية يعالج المشكلة من الوجهة النفسية. فمن الوجهة النفسية، إن طاعتنا لأمر ما، وما يرتبط بهذه الطاعة من اعتياد الخضوع، تصيرنا عبيدا لهذا الشيء. وعلي ذلك فنحن علينا أن نختار بين الطاعة للخطية والطاعة للبـر أو بين الـعـبـودية للخطية والـعـبـودية للـبـر. أمـا عبودية الخطية فإنها تنتهي بنا إلى الموت الروحي، وأما عبوديتنا للمسيح فإنها تنتهي بنا إلي حياة الغلبة الروحية والإنتصار علي الشر.
“فشكرا لله أنكم كنـتـم عـبـيـداً للخطيـة ولكنكم أطـعـتم من القلـب صـورة التعليم التي تسلمـتـمـوها” . يقـدم الـرسـول بولس الشكر لله لأن المؤمنين كانوا فـيـمـا سـبق عبيدا للخطية، وأما الآن فإنهم يطيعون بكل قلوبهم وبصورة تامة قواعد التعليم المسيحي التي أخذوها من الرسل. وهذا يوافق ما أوصي به الرسول بولس تلميذه تيموثيؤس «تمسك بـصـورة الكلام الصحيح الـذي سـمـعـتـه مني في الإيمان والمحـبـة التي في المسيح يسوع. إحفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فيناء (2تي 1: 13).
لاحظ معني العبارات التالية :
– أطعتم من القلب : إشارة إلي العمل الذي يصدر عن صاحبه بإختياره وحريته وكامل إرادته وليس عن اضطرار أو قـسـر، أي لم يفرض عليهم الأمـر من الخارج بل أطاعـوا بدافع داخلي وبإقناع عقلي وقلبي.
– صورة التعليم التي تسلمتموها : الإشارة انا إلي التعاليم التي حافظ عليها أهل رومية ، وهي التعاليم التي وصلت إليهم عن طريق التسليم أو التقليد. في هذا إذن أقرار بصحة التمسك بالتقاليد بل وفيه أيضا دعوة الي ضرورة المحافظة عليها.
“وإذ أعتقتم من الخطية صرتم عبيدا للبر”.
وهكذا إذ قد تحررتم من الخطية، أصبحتم مرتبطين بالفضيلة، وكما يقول الرسول بطرس هلكي نموت عن الخطايا فنحيا للبـرا (1بط 2: 24)، ويقول الرسـول يوحنا ” وتعرفون الحق والحق يحرركم” (يو 8: 32). وفي رسالته الأولي الي كورنثوس يقول الرسول “لأن من دعي في الرب وهـو عبد فهو عتيق الرب، كذلك أيضا الحر المدعو هو عبد للمسيح” (1کو 7: 22) “فاثبتوا إذن في الحرية التي قد حررنا المسيح بهـا ولاترتكبوا أيضا بـنيـن عبـودية، (غلا 5: 1) “کاحرار وليس كالذين الحرية عندهم سترة للشر بل كعبيد لله” ( 1بط 2: 16).
“أتكلم إنسـانيـا من أجل ضعف جسـدكم، لأنه كـمـا قـدمتم أعـضـاءكم عـبـيـدا للنجاسة والإثم للإثم، هكذا الآن قدموا أعضاءكم عبيدا للبر للقداسة” .
وناقش الرسول بولس المشكلة علي المستـوي الـبـشـري واتكلم إنسـانـيـا من أجل ضعف جسدكم» أي يحاول أن يتكلم مستخدما أسلوبا يتفق وضعف الطبيعة البشرية (ضعف جسدكم) التي لازالت حتي الآن طبيعة جسدانية لدرجة أنهم يعتقدون أن عمل الفضيلة هو عمل عبودية. ويوصي الرسـول أهل رومية، فكما سبق وقـدمـوا أعضـاءهـم لـخـدمـة الخطية التي تنجس الإنسان وتجعله مخالفا للناموس فيفعل الإثم ويفعل مالاينفق ومطالب الناموس، هكذا فإن عليهم الآن أن يقدموا أعـضـاء هـم لخدمة الحياة الفاضلة من أجل أن تتقدس حياتهم. لقد سبق أن أوصي السيد المسيح بأن نعمل علي تطهير أعضاء الجسد وإلا سوف نتعرض للحرمان من عضوية الملكوت، قال السيد المسيح «فإن أعثرتك يدك و رجلك فاقطعها وإلقها عنك، خير لك أن تدخل الحياة أعرج أو أقطع من أن تلقي في النار الأبدية ولك يدان أو رجلان، وإن أعثرتك عينك فأقلعها والقها عنك، خير لك أن تدخل الحياة أعور من أن تلقي في جهنم النار ولك عينان» (مت 18: 8 ، 9). لاحظ معني العبارات التالية :
– لضعف جـسـدكم : أي لضـعـف ذهنكم وضـعف إدراككم مما يجـعـلـكـم عـاجـزين عن أن تدركوا بصورة كافية التعاليم الدينية الصحيحة.
– عبيدا للبـر : العبودية للبـر هي عين الحرية، لأن في عبوديتنا للبـر نتحرر من سلطان الخطية ومن الخضوع للشهـوات الرديئة، ولأننا لا نستطيع أن نصل إلي عبودية البر إلا إذا بلغنا كمال الحرية التي فيها نمتلك أنفسنا ويصبح عمل الخير جزءا من طبيعتنا وتتحد إرادتنا البشرية بإرادة الله وتصل إلى حالة التسليم الكامل للمشيئة الإلهية، ويصبح مشتهي الإنسان وسروره في الخضوع المطلق لأوامر الله ووصاياه، وفي أن يخضع إرادته ويجعلها حبيسة الإرادة الإلهية وأسيرة المشيئة السماوية. هذه الحالة الملائكية التي تثبت فيها الإرادة لعمل الخير وتصير أسيرة الإرادة الهية، يجب أن تكون مـشـتـهي الإنسان ومطلبه الأسمي. بلاشك، في بدء حياتنا الروحية لانكون قد بلغنا بعد إلي هذه الحالة من التسليم التام الكامل المطلق للإرادة الإلهيه، لأن هذا يحتاج إلى جهـاد مرير وإلي تدريب روحي عميق وشاق، خاصة وأن طبيعتنا الفاسدة تصعب أمامنا هذا العمل وتبـعـد عنا تحقيق هذا الأمل، ولكننا يجب أن نجـاهـد حـتي النفس الأخـيـر لـتـحـقـيـق هذه العبودية للبره . وعلي كل بقدر مانلزم أنفسنا للخضوع والعبودية للبر، بقدر ما نكتسب الحرية ونحققها في حياتنا.
– النجاسة والإثم : يشير هنا إلي كل الخطايا.
– عبيدا للبر والقداسة : الذين يصيرون عبيدا للبر، يتقدمون في حياة القداسة، كما أن الذين يصيرون عبيدا للنجاسة يهبطون من سيء الي أسـوا في حياة الإثم.
“لأنكم لما كنتم عبيدا للخطية كنتم أحرارا من البره. أي لما كنتم عبيدا للخطية ، کنتم تحررون أنفسكم من الإلتزام بمطالب البر ولاتخضعون لوصايا الله ولاتفعلون الصلاح.
– “فأي ثـمر كان لكم حينئذ من الأمور التي تـسـتـحـون بها الآن لأن نهاية تلك الأمور هي الموت“. يتساءل الرسول بولس، ماهـو النفع الذي عاد عليكم من أعمال الخطية، هذه الأعمال التي عندما تذكرونها الآن تشعرون بالخجل. الحقيقة – فيما يقول الرسول بولس لأهل رومية – لم يكن لكم أي نفع من حياة الخطيئة بل علي العكس قد عرضتم أنفسكم إلي ضرر كبير لأن النتيجة النهائية لأفعال الخطيئة الموت الروحي. يقول الرب علي لسان النبي حزقيال «فتتذكرين طرقك وتخجلين .. لكي تتذكري فتخزي ولا تفتحي فاك بعـد بسبب خزيك حين أغفر لك كل مافعلت، يقول السيد الرب، (حـز 16: 61، 63). وقد أكد الرسول بولس أن نهاية أعمال الخطية هي الموت، كـمـا قال في موضع آخر من رسالة رومـيـة “كانت أهـواء الخطايا .. تعمل في أعضائنا لكي نثمـر للـمـوت” (رو 7: 5 ) وقال أيضا الأن إهـتـمـام الـجـسـد هـو مـوت ولكن إهـتمـام الروح هـو حـيـاة وسـلام، لأن اهـتـمـام الـجـسـد هـو عـداوة لله… لأنه أن عـشـتـم حـسـب الـجـسـد فستموتون. ولكن إن كنتم بالروح تميتون اعمال الجسد فستحيون» (رو 8: 13،6)، لاحظ ما يأتي
– إن كلمة «ثمرة استعملت في العهد الجديد في المعني الصالح. في الرسالة إلي غلاطية، يفرق الرسول بولس بين «أعمال الجسد، وبين «ثمر الروح» (غلا 5: 19، 22)، وفي الرسالة إلي أفسس يـتـحـدث الرسول بولس عن أعمال الظلمة وغير المثمرة، (أف 5: 11). وبالإضافة إلى الخسارة التي يتعرض لها الخاطيء في المستقبل من فقدان الحياة الأبدية، فإنه أيضا في الـعـالـم الحاضر لايقتني من أعمال الظلمة أي ثمر.
– يتحدث الرسول بولس عن الخجل الذي يترتب علي فعل الخطية والأمور التي تستحون بها الآن، ، وإذا كان مجرد تذكر الخطية يبعث علي الخجل، فكم بالحري إذا كان الإنسان قد أرتكب الخطيئة بالفعل وترتب علي ارتكابها اثار سيئة رديئة. إن الخجل دخل إلى العالم مع الخسيئة ويظل على الدوام العلامة المميزة والنتيجة المباشرة لفعل الخطيئة.
– يشـيـر الـرسـول إلي المـوت الذي هو نهاية الأفعال الشريرة “لأن نهاية تلك الأمـور هي الموت” ، ولا يقصد هنا الموت الجسدي في الحياة الأرضية بل الموت الأبدي في الحياة الأخري.. أيضا موت النفس الذي يتمثل في إنفصالها عن الله.
“وأما الآن، إذا أعتـقتم من الخطية وصرتم عبيـدا لله فلكم ثمركم للقداسة، والنهاية حياة أبدية”. أي أنهم الآن قد تحرروا من الخطيئة وأخضعوا أنفسهم ل فاكتسبوا بكل تأكيد نموأ وتقدما في حياة القداسة، ثم إن النتيجة النهائية لثل هذه الحياة المقدسة هي الحياة الأبدية. ومن الملاحظ أن الرسـول يميز هذا بين القداسة، كثمر، وبين الحياة الأبدية، كنهاية. فالقداسـة إذن هي حالة فـيـهـا ننمـو ونتقدم. كل واجب نؤديه هو خطوة على طريق القداسة الذي نهايته الحياة الأبدية.
“لأن أجرة الخطية هي الموت، وأما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا” . كانت البشرية قبل مجيء السيد المسيح في عبودية بائسة، لأن أجرة الخطية التي تدفعها لمن يتعبدين لها هي «الموت» . وأما الآن فـقـدوهـب لنا الله الحياة الأبدية التي تتحقق لنا بواسطة اتحادنا بالمسيح يسوع ربنا.
تفسير رومية – 5 | رسالة رومية – 6 | تفسير رسالة رومية | تفسير العهد الجديد | تفسير رومية – 7 |
د/ موريس تاوضروس | ||||
تفاسير رومية – 6 | تفاسير رسالة رومية | تفاسير العهد الجديد |