تفسير انجيل لوقا اصحاح 11 للأنبا غريغوريوس
الفصل الحادي عشر
11: 1- 13 الصلاة الربانية :
وكـان فـادينا يصلى في بعض المواضع . كعادته أن يصلي في كل حين، وفي كل موضع يكون فيه، وكان تلاميذه عندئذ معه أو قريبين منه، ، فلما فرغ من صلاته، قال له أحد تلاميذه نيابة عنهم جميعاً يارب علمنا أن نصلي. كما علم يوحنا تلاميذه،، إذ كانوا يحتاجون إلى أن يعطيهم صيغة معينة تتفق مع تعاليمه ليستخدموها في صلاتهم، لأنهم كانوا يعلمون أن يوحنا المعمدان ـ وكان بعضهم من تلاميذه قبل أن يتبعوا مخلصنا ويصبحوا تلاميذ له . ـ قد أعطى تلاميذه صيغة معينة ليستخدموها في صلاتهم، كانت تتفق مع تعاليم يوحنا التي لا شك أنها كانت تتفق مع تعاليم العهد الجديد لمخلصنا الذي لم تكن مهمة يوحنا إلا تمهيد الطريق أمامه وتهيئة أذهان اليهود لتعاليمه، بيد أن تلاميذ مخلصنا كانوا موقنين أن معلمهم سيعطيهم صلاة أفضل وأكمل وأكثر فعالية وعمقاً من الصلاة التي أعطاها يوحنا لتلاميذه ، وقد كانوا أحوج ما يكونون إلى هذه الصلاة لتكون هي الأساس والجوهر والخلاصة لكل صلاة يصلونها، وبالفعل استجاب مخلصنا لرجائهم فأعطاهم صلاة قصيرة جدا، ولكنها تجمع في كلماتها المقليلة كل عناصر الصلاة التي يحتاج إلى أن يقدمها كل إنسان في كل زمان وكل مكان. وهي وحدها وبناتها كافيه ووافية بكل إحتياجات البشر الجسدية والروحية، والأرضية والسمائية، إذ قال لهم امتى صليتم فقولوا: أبانا الذي في السماوات. ليتقدس اسمك. ليأت ملكوتك. لتكن مشيئتك في الأرض كما هي في السماء. خبزنا الذي للاتي أعطنا اليوم، واغفر لنا ما علينا، كما نغفر نحن أيضاً لمن أساء إلينا. ولا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير، . وبذلك علم مخلصنا تلاميذه أن يتوجهوا بالصلاة إلى الله، مبيناً طبيعته بأنه أبوهم الذي في السماوات. فهو ليس سيد البشر فحسب، وهم عبيده على مقتضى المعنى الذي كان سائدا في العهد القديم، وإنما هو فوق ذلك وقبل ذلك ـ على مقتضى المعنى السائد في العهد الجديد – أبوهم وهم أبناؤه . فقد رفعهم إلى مرتبة البنوة، إذ يقول الإنجيل وفأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أبناء الله، أولئك الذين يؤمنون باسمه. الذين ليسوا من دم، ولا من مشيئة جسد ولا من مشيلة رجل، وإنما من الله ولدوا، (يو 1: 12 ، 13). ومن ثم فإنه إذا كان أبوهم الأرضى يحبهم ويرعاهم ويعطف عليهم ويرأف بهم ويحيطهم بكل ما في طاقته البشرية من الحدب والحنان، ويوفر لهم كل ما في استطاعته من أسباب الحماية والأمان، فكم بالأحرى يفعل ذلك إزاءهم أبوهم السماوي الذين هم . خليفته وصنعة يديه. والذي هو أقدر بما لا يقاس على أن يوفر لهم كل ذلك بباعث من أبوته الإلهية لهم، ومسرته الأزلية بهم، حتى أنهم حين أخطأوا في حقه واستحقوا الهلاك بموجب عـدالله الإلهية، لم تشأ رحـمـتـه الأبوية إلا أن تنقذهم من ذلك المصير الذي لا يرتضيه أب لأبنائه، فأرسل ابنه السماوي الحبيب الذي هو من ذات جوهره ، والذي هو واحد معه ليخلصهم من ذلك المصير الرهيب بأن يبذل نفسه ذبيحة عنهم، مكفرا بدمه عن خطاياهم، مانحاً إياهم بدلاً من النقمة عطية النعمة، وناقلاً إياهم من الموت والهلاك في الجحيم الأبدي، إلى الحياة الأبدية في ملكوت السماوات . فإذا خاطبوه فكما يخاطب الأبناء أباهم. وبدالة هذه البنوة فليتجهوا إليـه ولـوجـهـوا لـه ما شاءوا من صلوات وابتهالات، ويرفـعـوا إلـيـه مـا شـاءوا من توسلات وتضرعات، واثقين أنه كأب محب كريم رحيم سيستمع إلى صلواتهم وابتهالاتهم، وسيستجيب إلى توسلاتهم وتضرعاتهم.
وهذا هو امتياز المسيحيين الذين آمنوا بالمسيح ونالوا بالعماد المقدس الإنعام بالبنوة، وصاروا مولودين ثانية من الماء والروح، ميلاداً من فوق، وصار الله لهم أبا والمعمودية أماً.
وأمـا الـقـول في الصلاة بأن الآب في السماوات، فلا ينفى أنه في الأرض أيضاً وفي كل مكان، ولا يحده مكان، ولكننا نناديه في السماوات من باب اللياقة والأدب، لأنه بسموه وجلاله يليق أن ينادي به في السماوات قبل أن ينادى به على الأرض، لأنه، في السماء يتجلى على العرش وأمامه الملائكة ورؤساء الملائكة. وينبغي لأبناء الله بهذا المعنى أن يترنموا في صلاتهم له بالتمجيد اللائق به، لأنه ليس أباهم فحسب، وإنما هو سيد الخليفة كلها ومالكها وملكها، قائلين في ترنيمهم ليتقدس اسمك ، معترفين بذلك ومقرين بأنه قدوس، لأنه صالح صلاحاً كاملاً وطاهر طهارة مطلقة، وجدير بأن يرثم البشر له كما يرتم له الملائكة قائلين على الدوام «قدوس. قدوس، قدوس، ففي قولنا إذن ليتقدس اسمك، نسأل أن يعلن اسم الله مقدساً في كل مكان وعلى قم كل إنسان، وأن تجثو له كل ركبة في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض.
وإذ كان للآب السماوي ملكوت تسود فيه شريعته السماوية التي هي شريعة الكمال المطلق سيادة كاملة مطلقة، لا تنقطع، ولا تنقص، ولا تحدها حدود، فليبهتل البشر بأن يأتي ملكوته السماوي هذا إلى الأرض ويسودها بدلاً مما يسودها من شرائع بشرية، يعتريها النقص، ويعيبها الفساد، ويشوبها الشر، وتغلب، عليها الشراسة، ويشيع فيها الاستبداد والاستعباد والطغيان والظلم. فمتی سادت في الأرض شريعة ملكوت الله الذي جاء مخلصنا ليبشر به. ويفتح للبشر أبوابه، ويهديهم إلى سبله، ويأخذ بأيديهم ليتجهوا نحوه وينتهجوا شريعته ليكونوا أهلأ لأن يصبحوا من رعاياه، تحررت الأرض وتطهرت من كل ما يسودها من نقص وفساد وشر واستبداد وطغيان وظلم، وسادتها شريعة الكمال والصلاح والعدل والسلام ففي قولنا وليأت ملكوتك، نطلب امتداد ملكوت الله على الأرض وانتشار خلاصه لكل الشعوب، كما نرجو مجيله الثاني في مجده لننال الملكوت المعد لنا كوعده منذ إنشاء العالم،
ولما كانت شريعة الله هي التي تتضمن مشيئته السائدة في السماء، ينبغي على البشر أن يبتهلوا إليه تعالى أن تسود مشيئته هذه في الأرض كما هي ، سائدة في السماء . لأن هذه المشيئة الإلهية لا تهدف إلا إلى خير الكائنات كلها ولا سيما البشر الذين أوجدهم ليكونوا أحب الكائنات إليه وأقربهم في طبيعتهم الروحية من طبيعته الإلهية، إذ شاء حين خلقهم أن يكونوا مشابهين له في تلك الطبيعة، حتى إذا سقطوا في الخطيئة، وانقطع اتصالهم به، ومن ثم انقطعت صلتهم به بسبب خطيئتهم التي جعلتهم منفصلين عنه غير جديرين حتى بمجرد الاقتراب منه، لأن الخطيئة نجاسة، وهو مبراً من النجاسة براءة مطلقة، شاءت محبته لهم، ورحمته بهم أن يغفر لهم خطيئتهم هذه بالتكفير عنها بدم ابنه الإلهي الحبيب الذي هو واحد معه، وبذلك هيا الصلح بينه وبينهم، وأتاح لهم مرة أخرى الإتصال به وقد أصبحوا أهلاً لأن تربطهم به الصلة الأولى التي كانت بينهم وبينه، وأصبحوا مستعدين بعد تمردهم لأن يكونوا خاضعين لمشيئته، خليقين بالإرتقاء بطبيعتهم في ظل هذه المشيئة حتى تصبح في النهاية مشابهة كما كانت في البداية لمشيلته، مستحقين بذلك أن يتحدوا به اتحاداً كاملاً، كما أن ابنه فادينا متحد به اتحاداً كاملاً. وهـذا هـو مـا صرح به فادينا، إذ خـاطب أباه السماوي وهو يسأله من أجل الذين يؤمنون به، قائلاً ليكون الجميع واحـداً كما أنك أنت أيها الآب في وأنا فيك ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا، (يو 17: 20 ، 21).
وأما قولنا خبزنا الذي للاتي أعطنا اليوم، ففي هذه الطلبة نسأل من أجل الخبز السماوي الذي هو زادنا للدهر الآتي، أن يعطينا إياه اليوم وكل يوم، لأننا به نحيا ونتحرك وتوجد. وأما خبزنا المادي فلا داعي لأن نطلب من أجله لأن الله سبق فأعطاه لنا في الطبيعة، إذ أعطانا الحب كما أعطانا الماء لنسقيه، والتربة لينمو فيها، والهواء والنور، والأملاح المعدنية التي ينمو بها ويغتذي عليها. وما علينا إلا أن نضع الحب في التربة ونسقيه بالماء فينمو وينضج ثم نحصده ونأكله. وهو يحبه الأبوى وحنانه الإلهي، يدبره ويوفره لنا فيجد كل منا ما يحتاج إليه جسده منه، دون حاجة إلى إلتماسه أو الضراعة من أجله . وأما الذي يجب أن نلتمسه في إلحاح وتضرع من أجله في جهاد واجتهاد فهو خبزنا الذي للدهر الآتي، ذلك الذي يأكل منه الإنسان ولا يموت (يو 6: 50)، وهو أولا وبالذات سر القربان أو التناول، ثم وسائط الخلاص الأخرى التي تنمو بها حياتنا الروحية وتغتذي عليها.
كـمـا أنـه لبـلوغ تلك الغاية العظمى والعليا، وهي الإتحاد بالله، ينبغي على البشر أن يبتهلوا إلى أبيهم السماري أن يغـفـر لهم ما عليهم إزاءه من ذنوب وآثام وخطايا، ومن هنات هيئات مهما بلغ من سألتها، مادامت تتضمن إساءة إليه لا تؤهلهم لأن يكونوا جديرين بالإقتراب منه، أو جـديرين آخـر الأمر بالإتحـاد به. أي أننا نطلب تجاوز رينا عن سيلاتنا كلها: ما صنعناه بإرادة، وما صنعناه بغير إرادة، خطايانا التي ارتكبناها بعلم، والتي ارتكبناها بجهل وبغير علم. خطايانا الخـفـيـة والظاهرة، وهـذا هـو مـعـنـى مـا عليناه، أي كل ما نحن مدينون به لله من خطايانا الثقيلة والخفيفة، المميتة وغير المميتة. بيد أنه لا يحق للناس أن يطلبوا هذا الغفران من أبيهم السماوي إلا إذا كانوا هم أنفسهم يغفرون لكل من أساء إليهم، لأنهم ـ كما قال فادينا – بالدينونة التي بها يدينون يدانون، وبالكيل الذي به يكيلون يكال لهم (مت 7: 2). وإلا فكيف يطلب الغفران لنفسه من لا يغفر هو لغيره ؟ . لذلك قال فادينا إن غفرتم للناس زلاتهم فإن أياكم السماوي يغفر لكم أنتم أيضا زلاتكم. أما إن لم تغفروا للناس زلاتهم، فلن يغفر لكم أبوكم زلاتكم،.(مت 6: 14 و15).
ولما كانت حياة البشر على الأرض مليئة بالشهوات والمغريات أنتي كثيراً ما تدفع بهم إلى الخطيئة، فتبعد بهم عن أبيهم السماوي وعما يريده لهم من خير وما يريده منهم من صلاح. كما أنها مليئة بالآلام والضيقات التي كثيراً ما تدفع بهم إلى الكفر بأبيهم السماوي أو اليأس من عنايته ورعايته وحنانه ورحمته، فيكون في هذا أو ذاك تجربة لإيمانهم قد تؤدي بهم إلى السقوط فيما يبعدهم عن ذلك الآب القدوس الرحيم الحنون، أو فيما يقطع صلتهم به تماماً، وبذلك يخفقون في بلوغ تلك الغاية التي يتطلعون إليها، وهي الإقتراب منه والإتحاد به، ينبغي عليهم أن يسرعوا في صلاتهم إليه أن يجنبهم أمثال تلك التجارب التي من شأنها أن تؤدي بهم إلى الهلاك الأبدي. وإذ كان الشيطان هو أكبر وأخطر المغرين للبشر بارتكاب الخطيئة في حق أبيهم السماوى، وأشر المحرضين إياهم على الإبتعاد عنه والكفر به، ينبغي عليهم أن يضرعوا في صلاتهم إليه أن ينجيـهم مـن شـره ومكره ووسوسته وغدره، لأن أباهم السماوي هو القدير وحـده على أن ينتهـر الشيطان ويقـهـر فـوته ويكسر شوكـتـه ويأمره أن يبتعد عن المؤمنين الصالحين المبتهلين إليه، فيأتمر بأمره ويخضع صاغراً لمشيئته. وقد أضافت الكنيسة هنا عبارة «بالمسيح يسوع ربناه ، وذلك بعد أن تمم المسيح يسوع تدبير الفداء والخلاص بصليبه، فصار هو وحده فادينا ومخلصنا.
وقد حث مخلصنا تلاميذه ، كما حث المؤمنين جميعاً على مداومة الصلاة إلى أبيهم السماوي في حرارة ولجاجة وإلحاح، وبغير كثل أو ملل أو فتور، واضعين بين يديه مطالبهم، باحثين لديه عن إحـتـيـاجـاتهم، فارعين بابه في أي وقت من أوقات الليل والنهار، لأنه مهما تمهل في الاستجابة لمطالبهم أو في سد إحتياجاتهم، أو في فتح بابه لهم، فإنما ذلك لحكمة لديه لا يعلمها أحد سواه . ولابد أنه سيستجيب لكل مطالبهم ويسد كل إحتياجاتهم ويفتح بابه في الوقت الملائم لذلك على مقتضى حكمته ورحمته ومحبته لأبنائه الأبرار الصالحين المتعلقين به المتطلعين إليه . ولا بد أن تكون إستجابته لهم في ذلك كله بما فيه خيرهم، وبما يكفل سلامتهم وسلامهم، لأنه لا يصدر عنه إلا الخير لمن يطلبون الخير، وهو وحده القادر على أن يمنح السلامة والسلام أمن يطلبون السلامة والسلام، إذ قال مخلصنا لتلاميذه إذا كان لأى منكم صديق. فيذهب إليه عند منتصف الليل، ويقول له: أيها الصديق أعرني ثلاثة أرغفة لأن صديقا لي جاء إلى من سفر وليس عندي ما أقدم له. فإنه يجيب من الداخل قائلاً: لا تزعجني فإن الباب مغلق وأطفالي معى في الفراش، فلا أستطيع أن أقوم وأعطيك . أقول لكم إن لم يقم ويعطه لكونه صديقه، فإنه من أجل إلحاحه يقوم ويعطيه كل ما يحتاج إليه، وأنا أقول لكم : اطلبوا تعطوا ابحثوا تجدوا. أقرعوا يفتح لكم، فإن كل من يطلب يعطى. ومن يبحث يجد، ومن يقرع يفتح له. فأي أب منكم إذا طلب منه إبنه خبزاً. يعطية حجرا؟ أو طلب منه سمكة، يعطيه أفعى بدل السمكة؟ أو إذا طلب بيضة يعطيه عقرباً؟ فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون كيف تعطون أبناءكم عطايا حسنة، فكم بالحـرى أبوكم السماوي يعطى روح القدس للذين يسألونه ؟.. لأنه إن كان الآباء الأرضيـون – على الرغم من أنهم أشـرار ـ يبادرون بدافع من مـحـبـتـهـم الـبـشـرية لأبنائهم إلى إعطائهم إحتياجاتهم المادية التي تكفل لهم حياتهم الجسدية. فكم بالأحرى يفعل الآب السماوي القدوس الذي تفوق محبته بما لا يقاس محبة الآباء الأرضيين، إذ يعطى أبناءه الذين يسألونه إحتياجاتهم الروحية التي تكفل لهم حياتهم الجسدية والروحية معاً. واهباً إياهم روحه القدس ذاته الذي يسبغ عليهم كل نعمة إلهية، فلا يعوزهم شيء في هذه الحياة المؤقتة على الأرض، وفي الحياة الأبدية في السماء.
ويبدو من قول الرب يسوع «فكم بالحرى أبوكم السماوي يعطى روح القدس للذين يسألونه، أن الإلحاح المطلوب في الصلاة هو من أجل طلب المواهب الروحية، وأما الأمور الجسدية فقد قال عنها في موضع آخر ، فلا تهتموا إذن قائلين ماذا عسانا أن نأكل أو ماذا عسانا أن نشرب أو ماذا عسانا أن نلبس. فهذا كله يسعى في طلبه الوثنيون، لأن أباكم السماوي يعلم أنكم محتاجون إلى هذا كله، ولكن اطلبوا أولا ملكوت الله وبره ، فيعطى لكم فوق هذا ذلك كله، (مت 6: 31 – 33) وانظر (لوقا 12: 29 ـ 31) . وقال أيضاً بعد أن تحدث عما يفعل الوثنيون فلا تتشبهوا إذن بهم لأن أباكم يعرف إحتياجاتكم قبل أن تسألوه، (مت 8:6)
11: 14- 28 معجزة طرد الشيطان من الأخرس :
وقد حدث أن كان مخلصنا يطرد شيطاناً من رجل أطرش كان الشيطان قد احتل جسده فعقد لسانه وجعله عاجزا عن النطق، ليعذبه، بدافع من شره وحقده على البشر خليفة الله، ورغبته في إيلامهم والتنكيل بهم. فما إن طرد مخلصنا الشيطان حتى تكلم الأطرش وقد انحلت عقدة لسانه، فتعجبت الجموع من تلك القدرة الإعجازية التي لمخلصنا، والتي لا يمكن أن تكون قدرة بشر، ولا يمكن أن تكون إلا قدرة الله وحـده . بيد أن بعض أعـداء مخلصنا من الفريسيين والصدوقيين والكتبة وعلماء الشريعة اليهودية المعادين له، الممتلئين حقداً عليه وحسداً له على حب الناس إياه وإعجابهم يه وعـجـبـهم مـما يصنع من معجزات، أرادوا أن يبلبلوا أفكار الناس نحوه ، وأن يقللوا من أثر ما كانت تلك المعجزات تتركه في نفوسهم من إنبهار به ومن إكبار له، فزعموا أنه لا يخرج الشياطين بقوة الله أو بقوته هو التي هي قوة الله، وإنما يخرج الشياطين بقوة بعل زبول رئيس الشياطين. فإن كان يفعل ما يفعل بقوة الله أو بقوته هو، فليأت بآية تثبت ذلك. فقال لهم مخلصنا كل مملكة تنقسم على ذاتها تخرب. و . وكل بيت ينقسم على ذاته يسقط، فإذا انقـسـم الشيطان على ذاته فكيف تثبت مملكتـه؟ لأنكم تقولون إنني ببـعل زيول أطرد الشياطين. فإن كنت أنا ببعل زبول أطرد الشياطين، فيمن يطردهم أبناؤكم؟ لذلك فهم سيكونون قضاتكم، أما إن كنت أنا بأصبع الله أطرد الشياطين، فقد أقبل عليكم ملكوت الله. إن القوى الذي يتسلح ليحرس داره تكون أمتعته في أمان. ولكنه متى جاء عليه ذلك الذي هو أقوى منه، تغلب عليه ونزع منه كل أسلحته التي يعتمد عليها ويوزع غنائمه، ، وبذلك فضح مخلصنا ما في ذلك الذي يزعمه مناولوه من مخافة ومن مخالفة لأبسط قواعد المنطق. لأنه كثيراً ما أعلن أنه جاء ليحطم سطوة الشيطان ويقضى عليه القضاء الأخير، فكيف يكون من المعقول أو المقبول أن يتحالف مع الشيطان أو أن يتحالف الشيطان معه وهو ألد أعدائه؟ وكيف يكون من المعقول أو المقبول أن رئيس الشياطين يتحالف مع عدوه ضد الشياطين الذين هم رعاياه وأجناده وعليهم إعتماده فيما له من سطوة وسلطان؟ إنه إن فعل ذلك تنهار مملكته ولا يعود له أي سطوة أو سلطان، فكيف يرتضى ذلك وكيف يقضى على نفسه بنفسه؟ والمقصود بقوله فيمن يطردهم أبناؤكم ؟ أن تلاميذ السيد المسيح ورسله ـ وهم من أبناء الأمة اليهودية – هم أيضاً قد نالوا سلطان طرد الشياطين والأرواح النجسة من قبل سيدهم الذي منحهم هذا السلطان، إذ قال الإنجيل ، ثم دعـا إليـه تـلامـيـذه الاثـنـي عـشـر وأعطاهم سلطاناً على الأرواح النـجـسـة ليطردوها، (مت 10: 1)، (مرقس 3: 14 و15) ، (6 : 7) ، (لو 9: 1) . ولذلك فإن هؤلاء التلاميذ الذين هم من أبناء الأمة اليهودية، سيكونون في يوم الدينونة ضد هؤلاء المفـتـرين على مخلصنا، ويقضون صدهم بما يدينهم ويستوجب دينونتهم. أما إن كان مخلصنا يطرد الشياطين بأصبع الله التي هي أصبعه هو في الوقت نفسه، وبقدرة الله التي هي قدرته هو في الوقت نفسه، فإن هذا هو الدليل على أنه أقبل ملكوت الله الذي تسود فيه شريعته على البشر ولا تعود فيه للشيطان سطوة ولا سلطان عليهم. لأن ذلك الشيطان القوى المسلح بكل قوى الشر وأسلحته ظل آمنا في مملكته التي أقامها لنفسه، يسطو على البشر الذين هم أضعف منه، ويتسلط عليهم ويسودهم وينكل بهم، حتى أتى مخلصنا الذي هو بقوته الإلهية أقوى من الشيطان، وأقوى من كل القوى الأخرى غير الشيطان، فتغلب عليه ونزع منه كل أسلحته التي كان يعتمد عليها في الدفاع عن نفسه وعن مملكته، واستولى على سطوته وسلطته التي كان يستخدمها في أعمال الفساد والشر، والتي غنمها في هذا العالم، فوزعها على الصالحين الأخيار من البشر ليستخدموها في أعمال الصلاح والخير.
ثم قال لهم مخلصنا من ليس معي فهو ضدي، ومن لا يجمع معى فهو يشتت، إن الروح النجس إذا خرج من إنسان مضى هائما في القفار يلتمس راحة. وإذ لا يجد يقول أرجع إلى دارى التي بارحتها. فإذا جاء يجدها مكنوسة مزينة. وعندئذ يذهب ويأخذ معه سبعة أرواح آخرين أكثر منه شرا، فيدخلون وهناك يقيمون، فتكون أواخر ذلك الإنسان أسوأ من أوائله، . وقد وبح فادينا بهذه الكلمات أولئك الذين غلظت قلوبهم وعميت أبصارهم وبصائرهم من رؤساء وفقهاء الديانة اليهودية الذين كانوا يعرفون حق المعرفة كل نبوءات أنبيائهم عن مجيئه، وعن علامات ذلك المجيء، بحيث كان الأجدر بهم أن يكونوا هم أول وأقدر الناس على إدراك حقيقة شخصيته حين جاء، ولكنهم بدلاً من أن يكونوا معه في دعوته السماوية، وقفوا ضده وأنكروه وتنكروا له وحاربوه وناصبوه العداء واعتدوا عليه بالقول قبل أن يعتدوا عليه بالفعل ويسفكوا آخر الأمر دمه على خشبة الصليب. وبدلاً من أن يجندوا أنفسهم للعمل معه على جمع شمل الأمة تحت راية الإيمان، راحـوا بأضاليلهم وأباطيلهم ومغالطتهم وافتراءاتهم عليه يبلبلون أفكار الناس بشأنه، فيشتتون حتى أولئك الذين اجتمعوا من حوله لكي لا يؤمن به أحد، ومن ثم يظل الجميع بعيدين عن ملكوت السماوات الذي فتح هو للناس أبوابه بعجينه وبتعاليمه وبالخلاص الذي وهبه لهم بدمه، وقد صور فادينا حـال أولئك المراثين المنافقين المعادين والمعاندين له، وإن كانوا من أئمة الدين، قائلا إنهم مأوى مناسب ومريح لكل روح نجس شرير من أرواح الشياطين. فإذا بارحت تلك الروح أحدهم بسبب ما يتظاهر به من الورع والتقوى، وراحت تهتم باحثة عن مأوى آخر أكثر مناسبة وأكثر إراحة لها، فإذ لا تجد لا تلبث أن تعود إليه، فتجده – لتزايد شره – مهيا لقبولها أكثر من ذي قبل. ومن ثم تذهب وتأتي معها بسبعة أرواح نجسة أخرى أكثر شراً، وتدخل فيه وهناك تقيم، فيصبح مأوى لثمانية شياطين بدلاً من شيطان واحد، فتكون أواخره وهي مسيطرة عليه كلها، أسوأ من أوائله حين كان يسيطر عليه ذلك الشيطان الواحد بمفرده، لأن الشرير إذا تشبث بالشر الذي يتصف به في حين أن أبواب الخلاص والخير مفتوحة أمامه، لا يلبث أن يزداد شرا، فيصبح عبداً للشياطين أضعافاً مضاعفة.
وإن كلام مخلصنا عن عمل الشياطين في التملك على قلوب الناس وعقولهم وسكناهم في أبدانهم، يفسر لنا الحكمة فيما تفعله الكنيسة الأرثوذكسية بالمعمدين قبل أن يدخلوا بالمعمودية إلى ملكوت السماوات على الأرض، أي الكنيسة، فإنها تطرد الشيطان منهم قبل أن ينزلوا إلى جرن المعمودية مباشرة، وبعد أن تجـحـد الشيطان وكل قواته الشريرة، إذ ينفخ الكاهن فيهم ويأمر الشيطان ثلاث مرات أن يخرج باسم السيد المسيح، ثم بعد تغطيسهم في مياه المعمودية ثلاث غطسات ويوادون الميلاد الثاني من فوق، من الماء والروح، يختم الكاهن أعضاءهم ومفاصلهم بالميرون المقدس، الذي يتم به مسحهم بمسحة الروح القدس في ستة وثلاثين موضعاً هي منافذ الشيطان فيهم، وهي مداخله ومخارجه، حتى تصير أعضاؤهم للمسيح، مكرسة ومدشنة ومقدسة، فلا يجرؤ الشيطان على أن يقترب منها، لأنها مسلحة بالسيرون، ولا يقوى على أن ينفذ إلى أبدانهم ليمتلكها كما كان يفعل قبل طرده منها.
وفيما كان مخلصنا يخاطب فقهاء اليهود وعلماءهم الدينيين بهذه الأقوال، مويخا إياهم على ريائهم وإفترائهم عليه، مفندا مزاعمهم السخيفة السمجة المخالفة للعقل والمنطق التي كانوا لا يفتأون يبلبلون بها أفكار الناس بشأنه، كان ضمن الواقفين أمرأة عاقلة فاضلة، بهرها كلامه السامي السماوي الذي كان يقوله بسطوة وبسلطان، فهزم به فقهاء اليهود وعلماءهم الذين كانوا لا يفـتـأون يناوتونه في صلف وكبرياء بما لهم من معرفة ومـقـدرة على المحاورة والمداورة والإقناع. وقد أفحمهم وألجمهم وفضح رياءهم وكبرياءهم، فسكتوا سكوت العاجزين ونكسوا على أعقابهم نكوص المقهورين المدحورين ، ومن ثم رفعت تلك المرأة صوتها من بين الجميع قائلة له مبارك هو البطن الذي حملك ومباركان هما الثديان اللذان أرضعاك، . أما هو فقال لها «بل مباركـون هم الذين يسمعون كلمة الله ويحفظونهاه . وقد كان ما قالته المرأة يتضمن تكريماً وتعظيما لمعلمنا الإلهي، يدل على أنها آمنت به وبما يقول، كما كان يتضمن تكريماً وتعظيماً لوالدته السيدة العذراء مريم التي اصطفاها الله دون سائر نساء البشر لتحمل ذلك المعلم الإلهي في بطنها وترضعه بثديها. وهكذا تحقق حتى في الجيل الذي كان لا يزال يهيم في ظلام الشر والفساد، ما هدفت به السيدة العذراء حين أدركت طبيعة الجنين الذي في أحشائها فقالت وهوذا منذ الآن كل الأجـبـال تطويني، (لو 1: 48) . وقد قابل مخلصنا هذه التـحـيـة من تلك المرأة بتحية مثلها، إذ مدحها لأنها سمعت كلمة الله وحفظتها. كما مدح كل من يسمع كلمة الله من الناس جميعاً ويحفظها، مسبغاً عليها وعليهم جميعاً بركته الإلهية التي تفوق كل البركات، والتي تنقل من يفوز بها من حياة النقمة التي للعهد القديم إلى حياة النعمة التي للعهد الجديد في ملكوت السماوات.
وفي قول الرب يسوع «بل مـبـاركـون هم الذين يسمعون كلمة الله ويحفظونها، تثبيت للتطويب الذي استحقته السيدة العذراء الطاهرة مريم، وتوكيد جديد على أنها تستحق هذا التطويب، ليس فقط لأنها حملت ابن الله في بطنها وأرضعته من ثدييها، بل لأنها بالأحرى ممثلة نعمة (لو 1: 28) . وقد حفظت كلام الله وعملت به، وهو ما أهلها لأن تكون وحدها مختارة» و«مصطفاة، من بين جميع نساء العالمين لأن تحمل ابن الله وتصير والدته.
وفي هذه البركة وهذا التطويب أيضاً تشجيع لسائر المؤمنين والقديسين ممن لم يظفروا بما نالته العذراء التي حملت بالسيد المسيح وأرضعته، بيد أنهم بسماعهم كلمة الله وحفظهم لها وعملهم بها، ينالون هم أيضاً البركة والتطويب والغبطة والسعادة الروحية في فردوس النعيم وملكوت السماوات.
11: 29- 36 جيل شرير يطلب آية..:
وإذ ازدحمت حول مخلصنا جموع كثيرة، وكان مناوئوه من فقهاء اليهود قد طلبوا منه في الحديث السابق آية من السماء يثبت بها أنه بالقوة الإلهية يصنع معجزاته، وليس بقوة رئيس الشياطين، مع أنه سبق أن أتى أمامهم بعدد عظيم من الآيات التي تبرهن على ذلك، كما تبرهن بوضوح عظيم على أنه هو المسيح ابن الله الذي تنبأ بمجيئه كل أنبيائهم والذي كانوا ينتظرونه، ولكنهم كان الحقد عليه قد أعمى أبصارهم كما أعمى بصائرهم، وقد أغلقوا عقولهم وقلوبهم فلم يدركوا هذه الحقيقة، فمن ثم قال لهم إن هذا الجيل شرير يطلب أية فلا يعطى إلا آيه يونان النبي، لأنه كما كان يونان آية لأهل نينوى، هكذا يكون ابن الإنسان لهذا الجيل، ، أي أن هذا الجيل الشرير – بسب شره وعناده وانقياده للشيطان ـ لا يمكن أن يقتنع بحقيقة شخصية فادينا مهما صنع من معجزات، ومهما أتى من آيات . فلن تقنعه إلا آخر معجزاته وأعظمها، وهي موته ومكوثه في جوف القبر ثلاثة أيام ثم قيامته إلى الحياة من جديد. وقد كانت ترمز إلى ذلك في العهد القديم حادثة يونان النبي الذي ابتلعه حوت في البحر وظل في جوفه ثلاثة أيام، ثم خرج منه حـيـا، فكان ذلك آية لأهل نينوى أدت بهم إلى التوبة والإيمان (يون 1: 17)، (2: 10). وقد كان هذا مثالاً ورمزا لما سيحدث لمخلصنا الذي كان يسمى نفسه «ابن الإنسان، ، لأنه وهو ابن الله ومن ذات طبيعته اتخذ جسد إنسان اتحد مع طبيعته الإلهية، في وحدة كاملة مع الله الآب وطبيعته. وقد كان في اتخاذه هذا الاسم كذلك إشارة إلى نبوءة دانيال النبي عن المسيح المنتظر التي جاء فيها أنه أبصره في رؤياه في صورة ابن الإنسان، إذ يقول كنت أرى في رؤى الليل وإذا سحاب السماء مثل ابن إنسان أتى إلى القديم الأيام (وهو الله الآب) فقريوه قدامه، فأعطى سلطانا ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة . . سلطانه سلطان أبدى ما لن يزول، وملكوته ما لا ينقرض، (دا 7: 13 ، 14).
ثم ندد مخلصنا بأبناء ذلك الجيل الشرير من الـيـهـود، الذين رأوا المسيح الذي ينتظرونه بأعينهم، وسمعوه بآذانهم، وتحقق كل ما قاله الأنبياء عنه تحت بصرهم وسمعهم، ومع د ذلك أيت لهم طبيعتهم الشكسة الشريرة ومـا اتـصـفـوا به من فساد وعناد، أن يؤمنوا به . وإنما أحتقروه وأنكروه وعادوه واعتدوا عليه ، فقال لهم إن ملكة الجنوب ستقوم في يوم الدينونة مع أناس هذا الجيل وتدينهم، لأنها أنت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان، وهوذا أعظم من سليمان هنا. وأهل نينوى سيقومون في يوم الدينونة مع هذا الجيل ويدينونه، لأنهم تابوا عندما أنذرهم يونان، وهوذا أعظم من يونان هنا،، أي أن ملكة الجنوب، وهي ملكة سبأ التي كانت تحكم شعباً يقيم في أقصى جنوب الجزيرة العربية، حين سمعت بحكمة الملك سليمان تمنت أن تراه، فقطعت آلاف الأميال من بلادها إلى أورشليم لتحقيق هذه الأمنية، حتى إذا رأته أملت بحكمته (1م 10: 1- 13). في حين أن اليهود وقد جاء إليهم في ذات بلادهم ابن الله الذي هو أعظم بما لا يقاس من سليمان الذي لم يكن إلا بشراً، فلم يسعوا إلى التأكد من حقيقة شخصيته، ولم ينتفعوا بحكمته التي ليست حكمة بشرية كحكمة سليمان، وإنما هي حكمة الله ذاته. ومن ثم فإن ملكة الجنوب ستقوم معهم في يوم الدينونة وتشهد ضدهم بما يدينهم ، كما أن أهل نينوى حين أنذرهم يونان النبي تابوا عن شرورهم (يون 3: 5) في حين أن الـيـهـود أنذرهم ابن الله الذي هو أعظم بما لا يقاس من يونان الذي لم يكن إلا بشراً، ولم يتوبوا، وإنما ازدادوا شرا على شرهم، ومكراً على مكرهم، ومن ثم فإن أهل نينوى سيقومون معهم في يوم الدينونة ويشهدون ضدهم بما يدينهم، ويؤدى إلى هلاكهم.
وقد أعلن مخلصنا شريعته التي هي الشريعة الإلهية في ملكوت السماوات، وفي الخفاء لم يتكلم، وإنما تكلم على رؤوس ! الأشهاد. وحين سأله رئيس الكهنة فيما بعد وهو يحاكمه عن تعليمه أجابه قائلاً «أنا علمت كل حين في المجمع وفي الهيكل حيث يجتمع اليهود دائماً، وفي الخفاء لم أتكلم بشيء، (يو 18: 20) . وذلك لأنه كما قال لليهود ،ما من أحد يوقد سراجاً ثم يضعه في مکان خـفـي أو تحت مكيال، وإنما على منارة حتى يرى الداخلون نوره، . وهكذا كانت تعاليم مخلصنا سراجاً منيراً، وقد وضع هذا السراج بحيث يضئ لجميع الناس، فيرون نوره ويهندون بهديه. وحتى التعاليم التي اختص بها تلاميذه على إنفراد فأنار بها بصائرهم أثناء حياته على الأرض، أوصاهم أن يعلنوها للناس بعد صعوده إلى السماء قائلاً لهم «ما من خفى إلا يكشف، وما من مكتوم إلا يعلن . فما أقوله لكم في الظلام قولوه أنتم في الدور، وما تسمعونه همساً في الأذن نادوا به عالياً على السطوح، (مت 10: 26 ، 27). كما قال لهم «فليضيء نوركم هكذا أمام الناس حتى يروا أعمالكم الصالحة فيمجدوا أباكم الذي في السماوات، (مت 5: 16) . ثم قال لهم أخيراً ،اذهبوا إلى العالم أجمع وبشروا بالإنجيل كل الخليقة، (مر 15:16).
وكان النور الذي ينبعث من تعاليم مخلصنا ساطعاً بحيث يمكن أن تراه كل عين، فمن كانت عينه طاهرة صافية سليمة بسيطة، استطاعت أن ترى هذا النور في كامل بهائه. ولما كانت العين هي سراج الجسد، فإن من ترى عينه هذا النور لا يلبث جسده كله أن يصبح ممئلئاً بالنور، ومن ثم ممتلئا بالنعمة التي تتضمنها تعاليم مخلصنا. أما من كانت عينه شريرة خبيثة نجسه، فإنها لن تستطيع أن ترى النور المنبعث من تعاليم مخلصنا، فتظل مظلمة. فإذا كانت العين وهي سراج الجسد ومصدر نوره مظلمة، كان الجسد كله مظلماً، ومن ثم خالياً من النعمة ومستحقا للنقمة، على العكس ممن يكون جسده كله نيراً ليس فيه جزء مظلم، فيكون كله منيرا، يسطع فيه ضوء تعاليم مخلصنا التي هي سراج منير، ومن ثم يكون ممتلئاً من النعمة، مستحقا للنعيم. ولذلك قال مخلصنا، موصيا وناصحاً المؤمنين به، موبنا ومنذراً ومحذراً المناوئين له: سراج جسدك هو عينك، فإن كانت عينك طاهرة، كان جسدك كله نيراً. أما إن كانت عينك شريرة فإن جسدك كله يكون مظلماً. فاحذر إذن أن يكون الثور الذي فيك ظلاماً، لأنه إن كان جسدك كله نيرا ليس فيه جزء مظلم، كان منيراً كله، كما لو أضاء لك السراج بنوره الساطع .
11: 37- 54 معنى الطهارة الحقيقية :
وفيما كان مخلصنا يتكلم طلب إليه أحد الفريسيين أن يتناول الطعام عنده . وعلى الرغم من أن مخلصنا كان يعلم أن الفريسيين يعادونه ويتصيدون تهمة يلصقونها به ليهلكوه ، وكان يعلم أنه إذا دعاه واحد منهم، فإنما ذلك ليستدرجه أمام غيره من الفريسيين الذين يدعوهم معه إلى قول أو فعل يأخذونه عليه ويؤاخذونه به، فقد قبل دعوة ذلك الفريسي الذي استضافه، ودخل بيته وجلس إلى المائدة، لأنه يتخذ كل فرصة للمناداة بتعاليمه، لا بين المعجبين به المحبين له فحسب، وإنما كذلك بين الغاضبين عليه والمعادين له. وبالفعل ما إن جلس مخلصنا إلى المائدة وبدأ يتناول الطعام حتى وجد ذلك الفريسي الفرصة لإنتقاده وإتهامه بمخالفة التقاليد المرعية لدى اليهود . وكان في مقدمة تلك التقاليد ما ابتدعه الفريسيون ومن على شاكلتهم من الفقهاء من إلزام أنفسهم وإلزام سائر اليهود معهم بعدد لا نهاية له من الغسلات التي أضافوها إلى الغسلات التي تفرضها الشريعة عليهم، وكان منها وجوب غسل الأيدى مراراً قبل تناول الطعام كوسيلة من وسائل الطهارة. وقد أراد مخلصنا أن يجعل من جلوسه معهم فرصة ليوضح لهم خطاهم في التمسك بالطهارة الشكلية، وليشرح لهم معنى الطهارة الحقيقية، فلم يغتسل أولا قبل تناول الطعام. فلما رأى الفريسي ذلك تعجب قائلاً في نفسه ما باله لم يغتسل أولا قبل تناول الطعام؟». وقد أدهشه أن ذلك الذي يعتبره الناس نبيا تقيا، والذي ينادي بانتهاج المثل الأعلى في كل شيء. لم يلتزم بذلك التقليد كما يفهمونه ويلتزمونه. فعلم الرب بما يدور في ذهنه ، وقال له «أنتم أيها الفريسيون تطهرون خارج الكأس والصحفة في حين أن باطلكم ممتلئ نهباً وخبثاً. أيها الأغبياء أليس الذي صنع الخارج هو الذي صنع الداخل أيضا؟. فالأحرى بكم أن تعطوا ما عندكم صدقة، ومن ثم يكون كل شيء طاهراً لكم . وفي هذه العبارة يبدو أن مخلصنا الوديع المتواضع الرقيق اللفظ الحلو الحـديث، لم يكن يمتنع عن التوبيخ الصارم واللوم العنيف حين تكون الصرامة لازمة والعنف ضرورياً لردع الأشرار وتقويم الملتوين في تفكيرهم وسلوكهم، ولاسيما إذا كانوا من القادة والمعلمين . فقد كان الفريسيين قوماً منافقين مرأتين يظهرون ما لا يبطنون، ويتظاهرون بما ليس في طبيعتهم، مسدلين ستاراً من مظاهر التقوى الشكلية والورع الزائف على ما كانت تنطوي عليه نفوسهم من خبث ومكر وشره وشر، وشهوة لا تحمد جذونها في مشتهيات الدنيا وملذاتها، غير متورعين في سبيل ذلك عن السلب والنهب من المحتاجين، وأكل أموال الأرامل واليتامى ومن ثم فضح مخلصنا نفاقهم وريامهم. وأوضح لهم مدى غباوتهم وتغابيهم، وجهلهم وتجاهلهم، إذ يتمسكون كل التمسك بتطهير خارج أجسادهم، في حين أن أرواحهم في داخلهم ملوثة بالأدناس ملطخة بالأرجاس، كمن يغسل خارج الإناء الذي لا طعام فيه ولا شراب، ولا يغسل داخله ـ الذي يضع فيه طعامه وشرابه . مما علق به من أوساخ وأقذار. فكان الأجدر بهم قبل الإهتمام بتطهير أجسادهم أن يهتموا قبل ذلك بتطهير أرواحهم، لأن الذي تتطلب منهم خلق لهم تلك الأجساد التي هي من تراب وستعود إلى التراب، هو الذي أودع فيها أرواحاً هي العنصر الأساسي والأسمى والخالد الذي لا يغني بفناء جسدهم، وإنما يعود آخر الأمر إلى خالقه، وهي التي سيقابلون بها ربهم في اليوم الأخير، يوم الدينونة الرهيب. فإن كانوا يبتغون الطهارة حقا، فإن الطهارة الحقيقية، إنما هي التي يغسلون بها أرواحهم من أدناسها وأرجاسها. وهي أن يتخلوا عما تشتهيه وتتلذذ به أجسادهم من متاع هذه الدنيا، مستخدمين إياه لا في فعل الشر وإنما في فعل الخير، معاونين به المحتاجين بدلاً من أن يسلبوهم وينهبوهم. ومتصدقين به على الأرامل واليتامي بدلاً من أن يأكلوا أموالهم، وبذلك يتغلبون على أنانيتهم، ويحبون الناس جميعاً في إيثار وإنكار للذات. فيكون ذلك هو السبيل إلى تطهير أرواحهم. ومنى تطهرت أرواحهم، تطهرت أجسادهم أيضاً، وتطهر كل شيء يخصهم من مأكل ومشرب، ومن ملبس ومسكن، ومن أمتعة وممتلكات.
ثم صب مخلصنا جـام غـضـبـه الإلهي وويلاته الرهيبة على أولئك الفريسيين المنافقين المرائين وأمثالهم من الكاتبة الماكرين المتاجرين بالدين، قائلاً لهم: «الويل لكم أيها الفريسيون لأنكم تؤدون عشور النعنع والسذاب وسائر البقول، وتغفلون العدل ومحبة الله. كان يجب أن تعملوا هذه ولا تتركوا تلك. الويل لكم أيها الفريسيون لأنكم تحبون المقاعد الأولى في المجامع والتحيات في الأسواق. الويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون لأنكم تشبهون القبور المبيضة المخـتـفـيـة التي يمشى فـوقـهـا الناس وهم لا يدرون، ، وذلك أن الفريسيين والكتبة ومن على شاكلتهم، كانوا للتظاهر بالورع الكاذب والتقوى الزائفة، لا يكتفون بأن يؤدوا العشور التي فرضت الشريعة اليهودية أداءها، وإنما كانوا ـ مبالغة منهم في ادعاء التمسك بالشريعة – يؤدون عشوراً عما لم يرد فيها من الأنواع التافهة من الأعشاب والنبات، كالنعنع والسذاب والبقول البرية التي لا قيمة لها ولا ثمن. ومع . ذلك يغفلون مراعاة المبادئ الأساسية والجوهرية في الشريعة، وهي العدل نحو الناس، والمحبة نحو الله والناس. وقد كان ينبغي عليهم قبل أن يهتموا بطاعة الشريعة في فروعها وجزئياتها وشكلياتها، أن يطيعوها في أسسها وكلياتها وجوهرياتها، كما أنهم كانوا فضلاً عن تظاهرهم الكاذب الزائف بالورع والتـقـوى، يظهرون بمظهـر العظمة والكبرياء والتعالي، فيستأثرون بالمقاعد الأولى في المجامع تشبثاً بمكان الرئاسة ومكانة العظماء، ويفرضون على الناس أن يعاملوهم على هذا الاعتبار فيقفون وينحنون لهم حين يمرون في الأسواق ويؤدون لهم التحية اللائقة بما يزعمون لأنفسهم من سلطة وأمتياز. وقد كان ينبغي عليهم وهم أئمة الدين أن يضربوا للناس المثل فيما يوصى به الدين من وداعة وتواضع، ومن ثم كانوا بريائهم يشبهون القبور المختفية تحت الأرض وقد تمت فوقها الأعشاب الخضراء والزهور اليانعة فبدأ مكانها نصيراً جميلاً، حتى ليمشى الناس فوقها آمنين مطمئنين، وهم لا يدرون أن بها من جثث الموتى وعظامهم ما كانت شريعتهم تعتبره نجساً ينبغي اجتنابه والابتعاد عنه حتى لا تصيبهم نجاسته. وقد كان هذا أصدق وأبلغ تشبيه لأولئك المرائين المتعاظمين الذين كانوا يخدعون الناس في حقيقة أمرهم، فيعاملونهم بما هم ليسوا أهلا له من إجلال وإكرام واحترام.
وإذ كان الناموسيون علماء الشريعة اليهودية طائفة من الكتبة والفريسيين، أحنقهم هذا التوبيخ والتعنيف من مخلصنا لزملائهم، فقال له واحد منهم «يا معلم إنك بقولك هذا تشتمنا نحن أيضاً . فقال مخلصناء والويل لكم أنتم أيضا يا علماء الشريعة، لأنكم تحملون الناس أحمالاً بعسر حملها وأنتم أنفسكم لا تمسون هذه الأحـمـال بإحـدى أصابعكم. الويل لكم لأنكم تبنون قـبـور الأنبياء وآباؤكم هم الذين قتلوهم. فأنتم شهود على أعمال آبائكم وأنتم عنها راضون، لأنهم هم قتلوهم، وأنتم تبنون قبورهم. لذلك قالت حكمة الله: إنني أرسل إليكم أنبياء ورسلا، فبعضنهم تقتلون وبعضهم تضطهدون، لكي يطلب من هذا الجيل دم جميع الأنبياء الذي سفك منذ إنشاء العالم، من دم هابيل إلى دم زكريا بن براخيا الذي قتل بين المذبح والهيكل. نعم أقول لكم إنه يطلب من هذا الجيل. الويل لكم ياعلماء الشريعة، لأنكم أخـذتـم مـفـتـاح المعرفة، فلم تدخلوا أنتم، والداخلون منعتموهم، . وقد كان علماء الشريعة هم أعلم الناس بها وأكثر تضلعاً في دراستها وتعمقاً في معرفة أسرارها وخفاياها. بيد أنهم كانوا يتصفون بنفس الصفات التي يتصف بها الفريسيون والكتبة وغيرهم من أئمة الدين، فكانوا مرائين مخادعين متعالين مضللين للناس في تعليمهم الشريعة، إذ كانوا يفسرونها على مقتضى مصالحهم وأهوائهم، وبما يتفق مع مطامعهم وشهواتهم، مما كان يؤدى بالناس إلى فهمها فهما خاطئاً وتطبيقها تطبيقاً لا يؤدي إلى أي خير، بل يؤدى إلى كل شر. كما كانوا يضيفون إلى أحكامها من عددهم أحكاماً أخرى لاعداد لها، يلزمون الناس بها إلزاماً، حتى جعلوها عبداً ثقيلاً لا يطيقه حتى من يريد أن يلتزم بالشريعة ويسير في حياته على مقتضاها، في حين أنهم هم أنفسهم لم يكونوا ينتزمـون في سلوكهم وسيرتهم بأى حكم من أحكامها الأصيلة، أو مما يضـيـفـونـه إليـهـا من الأحكام الدخيلة التي يبتدعونها إبتداعاً ويصطنعونها إصطناعاً، فكان هذا من مظاهر ريانهم. كما كان من مظاهر ريائهم كذلك أنهم كانوا يتظاهرون بتـقـديس الأنبيـاء القـدامي وتكريم ذكراهم، فكانوا يبنون لعظامهم المقابر الضخمة والأضرحة الفخمة، في حين أن آباءهم هم الذين قتلوا أولئك الأنبياء. فكان تقديسهم وتكريمهم لأولئك الأنبياء دليلاً على إعترافهم بأنهم أنبياء وبأنهم جديرون بذلك التقديس والتكريم. ومن ثم كان ذلك دليلا على إعترافهم بالجرائم التي ارتكبها آباؤهم إذ قتلوهم .
ومع ذلك كانوا هم أنفسهم يقتلون الأنبياء، كما كان يفعل آباؤهم، إذ شاءت حكمة الله، التي هي مخلصنا نفسه، أن ترسل إليهم أنبياء ورسلا، فبعضهم قتلوا بالفعل، وبعضهم سيقتلون أو يضطهدون، كما فعلوا برسله فيما بعد. وبذلك تمتلئ حتى تطفح كأس جرائمهم وآثامهم، فيقع على رؤوسهم ويكون شاهداً ضدهم في يوم الدينونة دم جميع الأنبياء الذي سفك منذ بدء الخليقة حتى هلاك الأمة اليهودية، من دم هابيل بن آدم الذي قتله أخوه قايين (تك 4: 8) إلى دم زكريا بن براخيا، وهو أبو القديس يوحنا المعمدان، إذ أن الملك هيرودس عندما أمر بقتل أطفال بيت لحم وكل نواحيها من ابن سنتين فما أقل، حين علم من المجوس بميلاد السيد المسيح فيها وفقاً للزمان الذي تحققه منهم (مت 2: 16)، جاء جنده إلى بيت زكريا ليقتلوا ابنه يوحنا، فقال لهم زكريا ، هلموا خذوه من المكان الذي أخذته منه، وجاء به إلى الهيكل، ووضعه على جناح الهيكل، فخطفه ملاك الرب إلى البرية على مقتضى أقوال القديسين الأوائل، فلما لم يجده الجند قتلوا زكريا أباه (السنكسار 8 توت) . ولقد زعم بعض المفسرين أن زكريا بن براخيا المذكور هنا وفي (مت 23: 35) هو الوارد ذكره في (2أخ 24: 20 ، 21). بيد أن الواقع غير ذلك لأن زكريا المذكور في أخبار الأيام هو زكريا بن يهوياداع الكاهن، ولم يسفك دمه كما قال مخلصنا في نص عبارته، وإنما رجموه بالحجارة وأما زكريا بن براخيا أبو يوحنا المعمدان، فقد قتله جلد هيرودس بالسيف، وسفكوا دمه كما قال مخلصنا. ولسوف يقع دم أولئك الأنبيـاء والرسل جميعاً على أبناء ذلك الجيل من اليهود الذي عاصر مجىء مخلصنا، لأنهم واصلوا ارتكاب جرائم آبـانـهم، حـتـى إنـهـم لـم يـتـور عـوا عن قتل ابـن الله نفـسـه حـين جـاء إليهم، متحملين عواقب جريمتهم هذه بكامل رغبتهم ورضائهم، إذ قالوا دمه علينا وعلى أبنائنا، (مت 27: 25). وهكذا فضح مخلصنا رياء الناموسيين علماء الشريعة، وصرح بما سيلاقونه جزاء شرهم ومكرهم، ولا سيما أنهم احتكروا العلم بالشريعة واحتفظوا بمفتاحه في أيديهم، فلم ينتفعوا هم بأحكام الشريعة وبما تتضمنه من تمهيد لدخول ملكوت السماوات الذي فتح بابه مخلصنا. وحتى الذين أرادوا الانتفاع بتلك الأحكام والدخول من ذلك الباب، منعوهم من د وحالوا بينهم وبينه بتعاليمهم المغرضة المضللة، وبما ضربوه لهم وهم قادتهم من مثال سيئ في سيرتهم وسلوكهم، فكانوا كما وصفهم مخلصنا حين قال إنهم عميان قادة عميان، والأعمى إذا قاد أعمى سقطا كلاهما في حفرة، (مت 15: 14). وهكذا فإن أولئك الناموسيين وغيرهم من أئمة الدين قادوا شعبهم اليهودي إلى تلك الحفرة التي ذكرها مخلصنا، والتي هي هاوية الجحيم.
وإذ سمع الكتبة والفريسيون تلك الأقوال التي ويخهم بـهـا مخلصنا، وصب الويلات على رؤوسهم، حنقوا عليه حنقاً شديداً، وراحوا يلاحقونه بأسئلتهم في كثير من أمور شريعتهم، عسى أن يتصيدوا من فمه ـ وهم لا يفتأون مترصدين له ـ كلمة يتهمونه فيها بمخالفة تلك الشريعة، فيشتكونه بسببها إلى الرؤساء ليقبضوا عليه ويقضوا بقتله. وقد كان هذا هو هدفهم الدائم الذي يسعون إليه في غير هوادة ولا توقف حتى يحققوه .