تفسير رسالة رومية اصحاح 13 للأنبا أثناسيوس
الاصحاح الثالث عشر
المؤمن والعالم
مواطن ملتزم رو13: 1-7 كـان الـيـهـود دائمي الثـورات ضـد السلطة . ولذلك نقـرأ ” وكـان حـاضـراً في ذلك الوقت قـوم يـخـبـرونه عن الجليليين الذين خلط بيلاطس دمهم بذبائحهم » (لو13: 1) كما نعلم أن هدم الهيكل بواسطة الوالي تيطس في عام 70 ميلادية وتخريب أورشليم : وبداية التشتت الكبير الذي دخل فيه اليهود كان نتيجة لثورة يهودية عارمة · وقد سبق الرب فنبه الكنيسة لهذا الحدث « متى رأيتم أورشليم محاطة بجيوش فحينئذ اعلموا أنه قد اقترب خرابها. حينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال ، والذين في وسطها فليـفـروا خارجاً . لو21: 20-21 ولذا نجد في الرسائل أكثر من مرة أن يكون المسيحيون خارج هذه الأعـمـال . لأن اليـهـود كـانوا يثـورون من أجل تحرير أرض الميعاد ولكن المسيحية مقدمة لجميع الشعوب . فالرسول هنا يقول « لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة ، كما يقول لتيطس في كريت ” ذكرهم أن يخضعوا للرياسـات والسلاطين ويطيعـوا ويكونوا مستعدين لكل عمل صالح” (تی3: 1) ويقولها الرسول بطرس للخدام أي للعبيد أو العاملين تحت سلطان غيرهم « أيها الخدام كونوا خاضعين بكل هيبة للسادة ليس للصالحين فقط بل للعنفـاء أيضا . لأن هذا فضل إن كان أحد من أجل ضمير نحو يحتمل أحزانا متألما بالظلم . لأنه أي مجد هو إن كنتم تلطمون مخطئين فتصبرون . بل أن كنتم تتألمون عاملين الخير فتصبرون فهذا فضل عند الله • لأنكم لهذا دعيتم ( لابد مع الإيمان ضيق ) فأن المسيح أيضاً تألم لأجلنا تاركاً لنا مثالاً لكي تتبـعـوا … خطواته 1بط2: 21. فلا تؤخذ هذه الآيات رو3: 7 بمعناها السلبي بل أيجابياً بأنها تقصد أن يكون المسيحى عضواً ملتزما في المجتمع ليس عضوا في جماعة تثير القلاقل أو الشغب ، ولا علاقة لهذه الآيات بالعـضـوية وأداء الدور الأيجابي في المؤسسات الأمينة والملتزمة . على أننا لا نغفل الأيجابية العالية في الألتزام بالأمانة للمجتمع مهما كانت سياسة المجتمع منا . وهكذا كان القديسون والشهداء ، يبهرون الحكام والشعب بأمانتهم وبسالتهم في الدفاع عن الوطن ، وثباتهم أيام التعذيب الذي يهدف الى تحويلهم عن الإيمان . والأمثلة على ذلك تفوق الحصر.
وطالما أن الهدف هو الألتزام بالأمانة واتقان العمل والخدمة الخالصة ، فلا مكان للتذمر أو مخالفة التعليمات والتعرض للمساءلة « والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة ، فأن الحكام ليسوا خوفاً للأعمال الصالحة بل للشريرة » 13: 3.
على أن الألتزام بالواجب لايكون تجنباً للعقاب فقط بل طاعة للروح القـدس والضمير. لأن أداء الواجب من أجل القانون فقط ، يكون أداء خـوف أو رغبـة فـي مكـافأة فهو ظاهرى ونفعى وليس بدافع الأمانة لله “أفتريد ألا تخاف السلطان . أفعل الصلاح ليكون لك مدح منه … يلزم أن يخضع حسب۰۰۰۰۰ بسبب الضمير” آيه 5 . وضمير المسيحى مؤيد بنور الروح القدس فهـو صـوت مـزدوج ، أي حسب الوجـود الطبيعي في الإنسان وفعل الروح القدس الساكن في الإنسان . « فاعطوا الجـمـيع حقوقهم ، الجزية لمن له الجزية ، الجباية لمن له الجباية ، والخوف لمن له الخـوف والأكرام لمن له الأكـرام ،، ولهـذا السلوك الأمين ينال الإنسان التقدير من الجميع كقوله لأهل تسالونيكي ( وأما المحبة الأخوية فلا حاجة لكم أن أكتب إليكم عنهـا وانما أطلب إليكم أيهـا الأخـوة أن تزدادوا أكثر وأن تحرصوا على أن تكونوا هادئين وتمارسوا أموركم الخاصة وتشتغلوا بأيديكم لکی تسـلـكـوا بـليـاقـة عنـد الذين هم من خارج ولا تكون لكم حاجة إلى أحد ؛؛ “1تس4: 9 -12”
تكامل العهدین 13: 8-14 القانون والحرية صنوان . فلا حرية دون ضوابط ، والقانون غير المفهوم ثقل على النفس ولا يقولن مسيحى أنه لا يحتاج للعهد القديم مكتفياً بأن الروح الذي أخذه يرشده . فكيف يحفظ يوم الرب إن لم يتبع قول الشريعة « اذكر يوم السبت ( الراحة ) لتقدسه ، أو يذكر اكرام الوالدين في شيخوختهما حين يضيق وقته عن خدمتهما ، ويضطرب شعوره من الألم لعجزه عن خدمتهما إلى التبرم. من ذلك أو إلى إهمالهما ، لو لم تكن هناك وصية واضحة بالأكرام . وكيف يعرف الطاعة في الإيمان دون التمثل الدائم بأبينا إبراهيم ، والتسليم الله كما في قصة ولادة اسحق ، والتدقيق في الحياة ضد الأنحرافات الصغيرة لو لم يسمع صوت الرب للكنيسة وللنفس « خذوا لنا الثعالب الصغار المفسدة للكروم » نش2: 15 وقوة الصلاة ونماذج التوحد في حياة إيليا النبي ثم الرباط بين النبوات وتجسد الرب. وهو في كل حياته يتمتع بالنعمة ويحتاج للأنضباط وإن كان حقاً أن يقال أن العهد القديم عهد الأعداد للعهد الجديد غير أنهـمـا صـفـحـتـان لورقة واحدة ، فليدرس القديم بذات الحب والأنصات لصوت الله كما يدرس الجديد لأن كل الكتاب موحى به من الله.
على أن العـهـد الجديد دخل إلى أعماق الوصايا مبرزاً مـعـانيـهـا وروحها . وها هو يعتبر المحبة ديناً على المؤمن نحو غيره “لأن هذا هو الخبر الذي سمعناه من البدء أن نحب بعضنا بعضاً ، (1يو3: 11) بل قال الرب لتلاميذه هذه وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم. ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه… لاأعود أسميكم عبيداً لكني سميتكم أحباء” (يو5: 12-15).
“ثم يقـول من أحب غـيـره فـقـد أكمل الناموس” آية 13 لأننا لو تأملنا الناموس لوجدنا الوصايا الأربعة الأولى تتدرج من الإيمان بالإله الواحد ، إلى رفعه فوق كل تصور محسوس إلى تقديس اسمه ثم تقديس يومه وبذلك يكون توقيره ومخافته ومحبته . ثم الستة الأخرى تنتقل من محبة الوالدين إلى عدم الاعتداء على النفس أو العرض أو المال أو ترتيب الأضرار بغيره بأى شكل . ولكنه قد يعمل كل ذلك ويظل يأكله الغيظ والحقد فتأتى الوصية العاشرة ألا يشتهى شيئاً مما لقريبه ، وبذا يتعاملان بأخلاص ويصلان إلى المحبة الحقيقية . ولذا يقول الرسول لأهل رومية « من أحب غيـره فـقـد أكمل الناموس. لأنه لا تزن ( ونلاحظ أنه وضع الزنا هنا أولاً . بينما ترتيبه في الوصايا بعد القتل ، ذلك لأن القانون الوضعي يعاقب على القتل ، أما الزنا فأمر يفسد النفس وقد لا تضبط وقائعه ) لا تقتل لا تسرق لا تشهد بالزور ، لا تشته… وإن كانت وصية أخرى هي مجموعة في هذه الكلمة أن تحب قريبك كنفسك . المحبة لا تصنع شرا للقـريب المحبة هي تكميل الناموس
توقعات متكررة عن قرب القيامة ( 13: 11-14) کما فی كل جيل ينشغل خيال بعض الناس بأن القيامة وشبكة الحدوث والعالم الأرضى ينتهى . واشتد هذا الفكر بأهل تسالونيلكى حتى أن بعضهم تركوا أعـمـالـهـم لـيـقـضـوا وقتهم في الصلاة وانتظار مجئ الرب . ولهؤلاء قال الرسول “نسألكم أيها الأخوة من جهة مجئ ربنا يسوع المسيح واجتماعنا إليه ألا تتزعزعوا سريعاً…) ( 2تس2: 1-12) ويمكن أن يضم إلى ذات الوضوع ما ورد في (1تس4: 13-18).
ولذا يلزمنا أن نتأمل في قوله هنا و أنكـم عـارفـون الوقت أنها الآن ساعـة لنستيقـظ النوم فأن خلاصنا الآن اقرب مما كان حين آمنا. آية 11 ، ومثله قول الرسول بطرس “وأنما نهاية كل شئ قد اقترت فتعقلوا واصحوا للصلوات” (1بط4: 7) فلما كان المؤمنون لا يتـصـورون أنه بعد مجئ الرب وفدائه البشرية يطول بقاء العالم كان يلزم ان يقوم الرسل بأمرين ؛ الأول أيضاح أن ذلك الوقت متأخر كثيراً عما يشاع ، والثاني أن يلفتوا أنظار المؤمنين إلى أن نهاية كل واحد منهم قريبة والاستعداد لها أهم من الحديث عن نهاية العالم . وقد سبق الرب وقال ذلك « واما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد … اسهروا إذن لأنكم لا تعلمون متى يأتى رب البيت أمساء أم نصف الليل أم صياح الديك أم صباحاً ، لئلا يأتى بغتـة فيجد كم نياماً . وما أقوله لكم أقوله للجميع . ( مر13: 32-37) . وها هو الرسول يقول لأهل رومية . « هذا أنكم عارفون أنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم فأن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمناً بل البسوا الرب يسوع المسيح ولا تصنعوا تدبيراً للجسد لأجل الشهوات ،، ونزيد على ذلك أن الرسل كانوا يعلمون أن نهايتهم هم قريبة واستشهادهم ، قريب ، وأن الأضطهادات ستشمل الكنيسة . فكانوا يعدون المؤمنين للنظر للأبدية أفضل من الوقوع في توقعات خيالية.
تفسير رومية – 12 | رسالة رومية – 13 | تفسير رسالة رومية | تفسير العهد الجديد | تفسير رومية – 14 |
الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف | ||||
تفاسير رومية – 13 | تفاسير رسالة رومية | تفاسير العهد الجديد |