رو1: 10 متضرعا دائما في صلواتي عسى الآن أن يتيسر…

مُتَضَرِّعًا دَائِمًا فِي صَلَوَاتِي عَسَى الآنَ أَنْ يَتَيَسَّرَ لِي مَرَّةً بِمَشِيئَةِ اللهِ أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ.“(رو1: 10)

+++

تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم

” متضرعا دائما في صلواتي عسى الآن أن يتيسر لي بمشيئة الله أن آتي إليكم. لأني مشتاق أن أراكم ” (10:1).

وهو هكذا نري أنه يشتاق لرؤيتهم ولا يريد أن يحدث هذا بدون مشيئة الله، بل أن تكون هذه الرغبة مقترنة بمخافة الله. لقد أحبهم وكان متعجلاً للذهاب إليهم، لكنه لم يرد أن يراهم بدون أن يتأكد أن هذه هي مشيئة الله، في هذا مدفوع بمحبته لهم، هذه هي المحبة الحقيقية، وليست كالمحبة التي يكون الأنا فيها، هو مركزها، أقصد أن هناك مسارين للسلوك فيما يختص بأسلوب محبتنا:
1. فإما أن لا نحب أحدا ،
٢ـ أو عندما نحب فإننا نحب بطريقة مضادة لمشيئة الله.
والحالتين هما ضد الناموس الإلهي. لكن لو كان مجرد الكلام عن المحبة يثيري نفس المستمع ضيقا، فهذا يعني أن ممارسة هذه المحبة ستسبب له ضيقا أكثر.

3. ويمكن للمرء أن يتساءل كيف نحب ويكون هذا بعكس مشيئة الله؟ يحدث ذلك، عندما نغض البصر عن المسيح الذي يتضور جوعا، بينما نعطي لأولادنا ولأصدقائنا ولأقاربنا أكثر مما يحتاجونه. هنا الأمر يتطلب أن نسترسل في حديثنا أكثر من ذلك، لأنه لو فحص كل واحد منا ضميره جيدا، لوجد أن هذا الأمر واردا في أمور كثيرة، لكن المطوب بولس لم يكن هكذا، لكنه عرف وتعلم كيف يحب، وأن تكون محبته كما ينبغي، وكما يليق، لاحظ إذا أن مخافة الله والاشتياق لرؤية أهل رومية ، موجودين بشكل كبير في قلب القديس بولس، لأن صلاته لهم بلا انقطاع، ودون توقف، هي دليل محبته الكبيرة، كما أن استمرار خضوعه لمشيئة الله في محبته لهم، هو دليل على تقواه العظيمة . تلك التقوى التي اتضحت في موضع آخر عندما تضرع إلى الرب ثلاث مرات لكي تفارقه شوكة الجسد ، ومع هذا لم يستجب له، وبالرغم من ذلك، فقد شكر الله كثيرا لأنه لم يسمع له. وهكذا نجده في كل الأمور كان ينظر نحو الله ويخضع لمشيئته. لكن هنا نجد أن الله قد سمع له، ليس عندما طلب، ولكن الإستجابة آتت فيما بعد. وهذا يوضح أن عدم إستجابة الله لطلبه في الحال لم يسبب  له أي ضيق.

هذه الأمور أقولها، لكي لا نتضايق عندما لا تستجاب صلواتنا في الحال. لأننا لسنا أفضل من الرسول بولس الذي يشكر في الحالتين، وهو إذ يصنع هذا يفعل حسنا جدا. لأنه وضع نفسه في يد ضابط الكل، وتحت سلطانه بخضوع كامل، مثل الطينة اللينة في يد صانعها، مسلما قيادة حياته لله وبعدما قال إنه يصلي لكي يراهم، يوضح سبب هذا الاشتياق لرؤيتهم. وما هو هذا السبب؟ السبب كما يقول:

” لكي أمنحكم هبة روحية لثباتكم ” (11:1)

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

 حبه مترجم عمليًا ليس فقط بذكرهم المستمر بلا انقطاع في صلواته، وإنما بشوقه الحقيقي لرؤيتهم ليهبهم “هبة روحية” هي إنجيل المسيح، الذي يثبتهم ويعزيهم كما يعزيه هو أيضًا، الإنجيل الذي يفرح قلب السامعين والكارزين معًا، إذ يقول: “متضرعًا دائمًا في صلواتي عسى الآن أن يتيسر لي مرة بمشيئة الله أن آتي إليكم، لأني مشتاق أن أراكم، لكي أمنحكم هبة روحية لثباتكم، أي لنتعزى بينكم بالإيمان الذي فينا جميعًا، إيمانكم وإيماني [10-12].

بالحق هم موضوع حبه، يشغلون فكره وخطته وصلواته، وأيضًا تصرفاته من أجل غاية واحدة: تمتعتم بالهبة الروحية الإلهية، إنجيل الله! وقد حقق الله للرسول شوقه الروحي المقدس، لكن بخطة إلهية فائقة، إذ ذهب إليها كأسير من أجل الإنجيل بعد أن تعرض لضيقات كثيرة كانكسار السفينة به (أع 27: 43). ليقف أمام كرسي قيصر (أع 27: 24).

يعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على كلمات الرسول هذه لأهل رومية مبرزًا حب الرسول الشديد للكرازة، خاصة بين الأمم، لكن في حكمة الروح يلح في الطلب بلا انقطاع، مسلمًا الأمر بين يديّ الله العارف ما هو لبنيان الكنيسة، إذ يقول: [تضرعه الدائم دون توقف بسبب عدم نواله طلبه يكشف عن حبه الشديد لهم. لكنه وهو يحب مستمر في خضوعه لمشيئة الله… في موضع آخر يقول: تضرعت إلى الرب ثلاثة مرات” (2 كو 12: 8)، وليس فقط لم ينل طلبته، إنما قبل عدم نواله الطلبة بشكرٍ شديد، ففي كل الأمور كان ينظر إلى الله. هنا نال الرسول، لكنه لم ينل عندما طلب بل في وقت متأخر، ومع هذا لم يكن متضايقًا. أشير إلى هذه لكي لا نتبرم نحن عندما لا يُستجاب لنا، أو عندما تأتي الاستجابة ببطء، فإننا لسنا أفضل من بولس الذي كان يشكر في الأمرين، مسلمًا نفسه في يدّ مدبر الكل، خاضعًا له تمامًا، كالطين في يدّ الخزّاف، يسير حيثما يقوده الله.]

تفسير القمص متى المسكين

10:1 «متضرعاً دائماً في صلواتي عسى الآن أن يتيسّر لي مرة بمشيئة الله أن آتي إليكم » .

لماذا ؟؟؟

هنا كان إلحاح ق. بولس بالتضرع الدائم في الصلاة لكي يسهل الله طريقه إلى روما ، كما ذكرنا سابقاً، كان من واقع مسئولية كانت تثقل كاهله من جهة البشارة في روما عاصمة العالم كله بإنجيله، إنجيل الغرلة الذي بلا ناموس ولا سبت ولا ختان ولا أي من عوايد اليهود، هذا بحسب دعوة المسيح له لخدمة الأمم. لأن ق. بولس كان يرى أن خلاص الأمـم يـتـوقف بدرجة قصوى على قبول الإيمان المسيحي دون رجعة إلى التهود، عالماً ومتيقناً أن الناموس بكل مشتملاته وطقوسه كان قد حكم عليه بالزوال، فأي مزج للإيمان المسيحي باليهودية ـ وكانت هذه بدعة في الكنيسة الأولى ـ سيعرض البشارة بين الأمم إلى التوقف بل إلى الزوال. من هنا يظهر لنا سر الإلحاح العجيب الذي كان يتأجج في قلب ق. بولس ويستشهد بالله على نفسه كيف كان يصلي ويتضرع ويذكر هذا الأمر بلا انقطاع !

ويؤسفنا غاية الأسف أن هذا الأمر فات نهائياً على جميع الشراح و بلا استثناء، فجاء شرحهم لهذا الإلحاح عند ق. بولس كمحاولة مستميتة للخوض في مفهوم الكلمات وحسب ، ولفوا وداروا بلا أي مقصد، حتى بات الشرح مملا مصطنعاً، لا يتناسب قط حقيقة مع حقيقة غيرة ق . بولس وصدق دعـواه وإخلاص نيته واستشهاد بالله على ما في ضميره : أنه يودهم أن يكونوا في إيمانهم بالمسيح غير مديونين بعد للناموس بكل أعماله .

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية (10): “متضرعاً دائماً في صلواتي عسى الآن أن يتيسر لي مرة بمشيئة الله أن آتي إليكم.”

هو يشعر بالمسئولية تجاه روما، فهو خائف علي الكنيسة من التهود. ولكن لنتعلم أن ليس كل ما نريده يوافق مخططات الله.

تفسير د/ موريس تاوضروس

يظهر الرسـول في هذه الرسالة شـوقه البالغ لزيارة كنيسة رومـيـة والكرازة فيها، وهو يطلب من الله من أجل أن يحقق له هذه الرغبة ( متضرعا دائما في صلاتي عسي الآن أن يتيسر لي مرة بمشيئة الله أن أتي إليكم، لكن تحقيق رغبته علي كل حال مرهون بمشيئة الله. جميع رغباتنا يجب أن نقدم فيهـا مـشـيـئـة الله. كانت للرسـول رغبة في أن يتجه الي رومية منذ وقت طويل، لكن الله لم يشأ أن يحقق هذه الرغبة حتي كتابة هذه الرسالة إليهم. الله سمح أن تنشأ موانع تعطل هذه الرغبة حتي يجيء الوقت المناسب اثم لست أريد أن تجهلوا أيها الأخوة أني مرارا كثيرة قصدت أن أتي إليكم، ومنعت حتي الآن ليكون لي ثمر فيكم أيضا كما في سائر الأمم» . 

ماهي الدوافع للكرازة عند الرسول ؟

أولاً : لم يكن الرسول مدفوعا لذلك بعامل خارجي بل برغبة ملحة واشتياق “لأني مشتاق أن اراكم» ، وعن استعداد شخصي “فهكذا مـا هـو لي مستعد لتبشيركم”.

ثانيا : كان الرسول يحس إحساسا عميقا بمسئوليته نحو الكرازة للآخرين، احساس المدين الذي عليه أن يوفي دينه وأني مديون؟. 

ثالثا : كان الرسول يرغب في تثبيت أهل رومية علي الإيمان “لكي أمنحكم هبة روحية لثباتكم” .

رابعا: ليتعزي الرسول عندما يوجد بينهم ويري إيمانهم ولكي يتعزي أيضـا أهـل رومية عندما يرون إيمان بولس الرسـول «أي لنتـعـزي بينكم بالإيمان الذي فـيـنـا جـمـيـعـا إيمانكم وإيماني .

خامسا : لأن الكرازة يجب أن تتـجـه للـناس أجمعين، لافرق في ذلك بين شعب وشعب، كذلك لافرق بين طبقة وطبقة، ولاتقف حواجز جغرافية أو تاريخية أو ثقافية في سبيل الكرازة “لليونانيين والبرابرة، للحكماء والجهلاء….”

سادسا : كان الرسول يرغب في أن يكون له ثمر في رومية كما حصل علي ثمـر الكرازة في أمم أخري ليكون لي ثمر فيكم كما في سائر الأمم، .

تفسير كنيسة مارمرقس مصر الجديدة

ع9-10: هنا يلفت نظرنا القديس بولس إلى العبادة الوحيدة المقبولة أمام الله، وهي العبادة بالروح (يو4: 23، 24). وفيها يسلك المؤمن بحسب وصايا الإنجيل، عاملًا كل شيء بالمسيح ومن أجله، واضعًا في قلبه أن الله ناظر لكل أعماله وأفكار قلبه حتى التي لا يراها الناس. لذلك يحاول الإنسان الروحي دائما وعلى قدر طاقته أن يرضى قلب الله بحب. وهذا عكس العبادة الشكلية التي يهتم فيها الشخص بالتدين أمام الناس فقط لنوال مدحهم، بينما يكون قلبه خاليًا من أي محبة أو مخافة لله.

وإذ علم بولس الرسول أن مسرة قلب الله هي أن يعود الخطاة إلى حضن الآب، اشتعل قلبه بحب أبوي، متشبها بمسيحه كراعٍ يبحث عن خرافه. فبولس يذكر مسيحيى روما كل حين، ويصلى لأجلهم، متمنيا أن يزور روما ليبشر بها ويثبت المؤمنين فيها.

رو1: 9 رسالة رومية رو1: 11
رسالة رومية – أصحاح 1
تفسير رومية 1 تفاسير رسالة رومية

 

زر الذهاب إلى الأعلى