تفسير الإنجيل بحسب القديس لوقا أصحاح 21 للقمص متى المسكين

الأصحاح الحادي والعشرون:

7 – فلسا الأرملة (1:21-4)

(مر41:12-44)

هذه آخر رواية في هذه المجموعة المختارة، وتجيء بتداعي الكلمة من الأرملة التي ابتزها الكاتب بادعاء الصلاة الطويلة (47:20)، إلى الأرملة التي ألقت كل معيشتها في صندوق التبرعات، وكانت فلسين!

تذكرنا هذه الأرملة بأرملة صرفة صيدا التي نزل عندها إيليا النبي وقت المجاعة، حينما توقفت السماء عن أن تمطر ثلاث سنوات ونصف بكلمة من إيليا. وطلب منها أن يأكل فقالت له عندي حفنة دقيق ولحسة زيت، كنت قد قشيت قشتين لأعملها كعكة أكلها أنا وابني ونموت!! فقال لها اعملي لي منها (1مل 8:17-13) نعـم تذكرنا هذه الأممية البديعة المنطق بهذه الأرملة التي لمحها المسيح وهي تُسقط في الصندوق فلسين، والرب بروحه علم أنها كل معيشتها!! أي كأنها تقول للرب خذ هذين الفلسين اللذين لي لعلك تكون في حاجة لأن تعطيها لمن هو أفقر مني! وكأن الله قيض هاته الأرامل ليعطونا عظة هي درس الحياة أن محبة الله أفضل من الحياة، وأن الذي يعطي من أعوازه فقد عبر عن منتهی أمانته لله. وأما الذي يعطي كل معيشته فقد اشترى الملكوت. والمسيح في إنجيل ق. لوقا وضع أمانة الأرملة تجاه جحود الكاتب .

1:21_4 «وتطلع فرأى الأغنياء يلقون قرابينهم في الخزانة. ورأى أيضاً أرملة مسكينة ألقت هناك فلسين. فقال: بالحق أقول لكم: إن هذه الأرملة الفقيرة ألقت أكثر من الجميع، لأن هؤلاء من فضلتهم ألقوا في قرابين الله، وأما هذه فمن إعوازها، ألقت كل المعيشة التي لها».

كان في الهيكل غرفة مخصصة لجمع أموال عطايا الشعب من قرابين ونذور، وكانت تسمى بالخزانة. وكان هناك ثلاثة عشر صندوقاً مخصصة لهذه العطايا، ولكل صندوق عيار خاص من العطايا، وهي مفتوحة على رواق النساء. وكان هناك كاهن يتلقى هذه العطايا ويضعها في الصندوق المخصص لها ويكتب قيمة القربان والمطلوب من الله .

والأرملة «مسكينة » يعني أنها في غاية الفقر. والمساكين في كلام المسيح هم أصحاب الملكوت بالدرجة الأولى. فـ «المساكين يبشرون» هو أول استعلان للملكوت (لو 18:4)، وأول طوبى هي للمساكين لأن لهم ملكوت الله (لو 20:6). لذلك فإن كان الكتبة يستغلون هكذا الأرامل فيكون فعلاً دينونتهم أعظم.

ولينتبه القارئ اللبيب، أن ذكر نهب الأرامل بواسطة الكهنة والكتبة في مقابـل تقـواهـن وأمانتهن الشديدة الله، واتكالهن عليه صارخات إليه من جور الفجار؛ قد أهاج في المسيح رؤية هدم الهيكل وتوقف عمل الخدمة وضياع أمل الكتبة والتعليم.

( هـ ) بداية النهاية (5:21-38)

كان حديث المسيح عن ظلم الكهنة والكتبة للأرامل المناسبة التي أشعلت في المسيح رؤية خراب الهيكل وأُورشليم.

وكانت قصة الأرملة التي أعطت كل معيشتها قرباناً، آخر ما علم به المسيح في خدمته على الأرض، حسب ما ورد في إنجيل ق. لوقا. وواضح أن بعدها مباشرة قام راجعاً ليبيت في بيت عنيا وهو صاعد على مطلع جبل الزيتون، والشمس الغاربة أرسلت أشعتها فجعلت الهيكل يظهر بحجارته الضخمة وأبنيته الرخامية تلمع، فقـال قـوم مـنـهـم عـن كـيـف أن الهيكل مزين بحجارة حسنة ونحف. ومـن هـذه الكلمة بدأ المسيح نبؤاته عن الهيكل وبعدها عن أورشليم.

وقد أجهد العلماء أنفسهم جداً في دراسة هذه النبوة التي تتكلم عن خراب أورشليم ونهاية العالم. والصعوبة التي قابلتهم هي تداخل نبؤة خراب الهيكل ثم خراب أورشليم مع نبؤة نهاية العالم، مما جعلهم يعثرون في النبوة كلها. وفات عليهم أن التنبؤ بأمور آتية لا يحدده الزمن، لأن الروح لا تكون تحت ضبط العقل الواعي المسئول عن الزمن، فيمكن أن تختلط الرؤى القريبة والرؤى للأمور البعيدة بسهولة. وأصبح علينا نحن وقد مرت علينا أزمنة الأمور القريبة أن نستخلص بسهولة الكلام عن الرؤى البعيدة، أي رؤيا نهاية الزمن والعالم. ومن شرح الآيات سنوضح ما للقريب وما للبعيد من معان.

1 – النبؤات عن خراب الهيكل وخراب أورشليم(5:21-7)

(مت 1:24-3و15-21)
(مر 1:13-4 و14-19)

5:21و6 «وإذ كان قوم يقولون عن الهيكل إنّه مزين بحجارة حسنة وتحف، قال: هذه التي ترونها، ستأتي أيام لا يترك فيها حجر على حجر لا ينقض».

بعد أن تحدث المسيح عن الأرملة التي أعطت كل معيشتها قرباناً، قام هو وتلاميذه والجمع المحيط وخرجوا من الهيكل، لأن الوقت لابد أنه كان على غروب، وأشعة الشمس الساطعة على الأحجار الرخامية أظهرت الهيكل بوضع خلاب. فلما أبدى أحد الذين معه إعجابه بهذه الحجارة والتحف، وغالباً هو جليلي بسيط استرعى انتباهه جمال الهيكل، فكان رد المسيح أن جمال الهيكل وتحفه لن تمنع خرابه، فإنه ستأتي أيام فيها ينقض هذا الهيكل بحجارته. علماً بأن الحجر الواحد يبلغ أربعين ذراعاً طولاً وعشرة أذرع عرضاً، بقياس نصف الذراع من الكوع إلى نهاية اليد (cubit). أما التحف فيقصد بها الكرمة الذهبية فوق الباب الخارجي، وهي منحوتة من الرخام ومصفحة بالذهب، تعبيراً عن الكرمة التي نقلها الرب من مصر وأينعت في إسرائيل حسب المزمور (8:80). فكون الإنسان يتصور أن هذه الأسوار الهائلة للهيكل وأورشليم تختفي من الوجود ويسؤى بها الأرض أمر يكشف عن غضب مريع ألم بها من قبل الله.

ولكن لا يفوت علينا أن المسيح أعد هيكلاً وقدسه: «لأجلهم أقدس أنا ذاتي» (يو 19:17)، قبل أن يتكلّم عن هدم هيكل الحجارة. وعوض كرمة الذهب على الحجر المنحوت قدم لنا كرمة حقيقية جعلنا أغصاناً فيها. ويبدو لنا حقا أن هـدم الهيكل إلى التراب كـان أمراً حتمياً لا لفجور الكاهنين فيـه وحسب؛ بل لسحب التلاميذ عن الخدمة فيه في بداية خدمتهم حتى لا يخلطوا الجديد بالقديم. إذ كان التلاميذ الأوائل وبقيادة يعقوب أخي الرب يقدمون الخدمات الهيكلية والذبائح أيضاً، وكانوا يمارسون كل أنواع العبادة اليهودية وعوائدها، مما كان سيؤدي بالمسيحية لتصبح هرطقة يهودية. ومنذ ذلك الحين أصبح التكلم عن الهيكل السماوي والمذبح السماوي هو رأس مال الكنيسة.

7:21 «فسألوه قائلين: يا معلم، متى يكون هذا وما هي العلامة عندما يصير هذا؟»

هنا نستميح القارئ عذراً أن ننقله إلى الرد الصحيح للمسيح، لأن ق. لوقا كتب الرد على هذه الآية من واقع علامات آخر الزمان ونهاية العالم، أما الرد على هذا السؤال فهو: «الحق أقول لكم إنه لا يمضي هذا الجيل حتى يكون الكل.» (لو 32:21)

فلو علمنا أن الجيل يقاس بأربعين أو خمسين سنة بحسب قياس العهد القديم، يكون التنبؤ الذي قدمه المسيح صحيحاً، لأن الحرب السبعينية التي انتهت بخـراب الهيكل وأورشليـم بـدأت سنة 66 وانتهت حوالي سنة 70 ميلادية.

ملاحظة للقارئ:

سنبتدئ بعد الآية السالفة (7:21) بشرح الآيات الخاصة بخراب أورشليم والهيكل كما جاءت في هذه النبوة وهي واقعة بين (20:21-24)، ثم نتبعها بباقي الآيات.

 20:21 «ومتى رأيتم أورشليم محاطة بجيوش، فحينئذ اعلموا أنه قد اقترب خرابها».

هذه هي العلامة الصحيحة التي سبقت خراب أورشليم والهيكل فعلاً. والوصف مختصر للغاية لأن الذي حدث في هذا الحصار لا يسعه كتاب، وهذا فعلاً مسجل في كتاب المؤرخ اليهودي يوسيفوس الذي كان المرافق لتيطس القائد الروماني والترجمان له، بعد أن وقع أسيراً في أيديهم حينما كان يقـود جيشاً صغيراً لمقاومة روما في الجليل الأعلى.

فإذا رأيتم الجيوش زاحفة نحوها فنصيحة المسيح أن يهرب كل من كان في الهيكل أو المدينة، لأنه لن يكون نجاة لإنسان واحد داخل الحصار الحجري الذي أقاموه حول أورشليم كلها. فالرب باع المدينة والهيكل بمن فيهما، ولكن كانت نصيحة المسيح مقصورة على المسيحيين آنئذ الذين هربوا إلى مدينة بللاً عبر الأردن. ولكن اليهود لم يصدقوا أن أورشليم تسقط أو أن أحداً يقرب الهيكل، معتمدين على وعود الله السابقة لآبائهم القديسين، ولكن صخرهم باعهم والعدو اشتراهم بخيانتهم لإلههم. لذلك حتى آخر إنسان ذبح داخل الهيكل كانوا منتظرين أن المسيا سيظهر في الحال. ولكن أين المسيا؟ لقد ذبحوه! خارج أسوارها.

+ وهذا الحدث المريع رآه دانيال النبي في رؤياه: «وفي وسط الأسبوع يبطل الذبيحة والتقدمة، وعلى جناح الأرجاس مخرب حتى يتم ويصب المقضي على المخرب» (دا 27:9)، حيث أهم علامة هي إبطال الذبيحة الدموية.
+ «وتقوم منه أذرع (فرق الجيش) وتنجس المقدس الحصين وتنزع المحرقـة الدائمة وتجعل الرجس المخرَّب» (دا 31:11)، وأهم علامة هنا توقف ذبيحة المحرقة.
+ «ومن وقت إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس المخرب ألف ومئتان وتسعون يوماً.» (دا 11:12)

21:21و22 «حينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال، والذين في وسطها فليفروا خارجاً، والذين في الكور فلا يدخلوها. لأن هذه أيام انتقام، ليتم كل ما هو مكتوب».

لقد انتفع بهذه النصيحة جماعة المؤمنين، فقد انتقلت الكنيسة إلى بللا عبر الأردن. وق. لوقا هنا هو أول من أوضح أن هذه أيام انتقام ليتم المكتوب، ولكن ليس هو انتقام الله أو المسيح؛ بل لأن الله قد رفع يد الحراسة عنها فسقطت فريسة في يد أعدائها للانتقام. لأن الذي عمله اليهود بالجيش الروماني وهو زاحف نحو المدينة كانت أعمالاً جنونية انتحارية، مما جعل النقمة تزيد عشرة آلاف مرة. وحقا كل ما حدث مكتوب في النبوات، ويقصر بنا المكان لتصنيفه، ولكن نسمع في سفر التثنية عن نقمة الله على هذا الشعب، وربما تكون هي التي حدثت لأورشليم:

+ «لولا أن صخرهم باعهم والرب سلمهم … أليس ذلك مكنوزاً عنـدي مختوماً عليه في خزائني: لي النقمة والجزاء. في وقت تزل أقدامهم. إن يوم هلاكهم قريب والمهيآت لهم مسرعة لأن الرب يدين شعبه» (تث 32: 30و34-36). علماً بأن النقمة والانتقام ترجمتها غضب بالنسبة لله.

وفي الحقيقة إن القارئ المدقق للتوراة وبعدها أسفار الملوك الأول والثاني وسفر أخبار الأيام الأول وأخبار الأيام الثاني ثم بقية الأنبياء، يرى أن هناك خيطاً قائماً يعبر من أصحاح لأصحاح ومن سفر لسفر، ليظهر فجأة في خراب أورشليم وهيكلها. بمعنى أنه لم يكن حكم الساعة ولا الظروف التي أحاطت بها هي سبب خرابها؛ بل تاريخ معاملاتها مع الله الذي انكشف بفضيحة عظمى بمحاكمة “البار’ المسيا المحبوب ثم قتله. إلى هنا انتهت كل علاقة تربط إسرائيل بالرب إلا الباقي من رحمة الله.

فقضية خراب أورشليم وحرق الهيكل العظيم مرفوعة على التاريخ في أيام موسى النبي، كعينة من سلوك الشعب حتى لا ينعت الله بالقسوة. هذا بالإضافة إلى ما عملوه في المسيح في نهاية خدمته لهـم بأن صلبوه .

أيام موسى النبي:
(خر 32: 9و10): «رأيت هذا الشعب وإذا هو شعب صلب الرقبة. فالآن اتركني ليحمى غضبي
عليهم وأفنيهم فأصيرك شعباً عظيماً»
(خـر 34:32): «ولكن في يوم افتقادي أفتقد فيهم خطيتهم»
(خـر 3:33)«فإني لا أصعد في وسطك لأنك شعب صلب الرقبة لئلاً أفنيك في الطريق»
(لا 17:26): «وأجعل وجهي ضـدكـم فتنهزمـون أمام أعدائكم، ويتسلّط عليكم مبغضـوكـم. وتهربون وليس من يطردكم»
(لا 28:26و29): «وأودبكم سبعة أضعاف حسب خطاياكم. فتأكلون لحم بنيكم، ولحم بناتكم تأكلون»
(لا 25:26): «أجلب عليكم سيفاً ينتقم نقمة الميثاق»
(عد 20:16و21): «وكلم الرب موسى وهارون قائلاً افترزا من بين هذه الجماعة فإني أفنيهم في لحظة»
(عـد 45:16): «اطلعا من وسط هذه الجماعة فإني أفنيهم بلحظة» :

تث 28:32و30: قرار موسى الأخير عن هذا الشعب : «إنهم أمة عديمة الرأي ولا بصيرة فيهم . لولا أن صخرهم باعهم والرب سلمهم»

23:21و24 «وويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام، لأنه يكون ضيق عظيم على الأرض وسخط على هذا الشعب. ويقعون بفم السيف، ويسبون إلى جميع الأمم، وتكون أورشليم مدوسة من الأمم، حتى تكمل أزمنة الأمم».

يلاحظ أن ق. لوقا ذكر ما لم يذكره ق . مرقس من جهة حصار المدينة. وقد دخل الشعب داخل المدينة رعبة المجاعة. ولأن اليهود كانوا يقذفون الجنـود مـن فـوق السور بالمقلاع والحجارة دخل الجنـود وفتكوا بالشعب، وكانوا يبقرون بطون الحوامل، فجاع الشعب جوع الموت وأكلوا أولادهم. وهنا نذكر قول الرب في تنبؤه عن نساء أورشليم اللاتي كن يبكين عليه وهو حامل الصليب، فقال:
+ «يا بنات أورشليم لا تبكين علي بل ابكين على أنفسكن وعلى أولادكن، لأنه هوذا أيام تأتي يقولون فيها طوبى للعواقر والبطون التي لم تلد والثدي التي لم تُرضع.» (لو 23: 28و29)

وهذه النبوة في موضعها تزكي بشدة التقليد بخصوص الأبوكالبسيس (أي النبوة الرؤيوية) التي تنبأ بما المسيح على أورشليم. ويشدد المسيح على هذا الوقت أنه زمان ضيق عظيم وسخط على هذا الشعب. ولم يكن المسيح مغالياً، فقد وصفه النبي صفنيا هكذا:
+ «ذلـك اليـوم يـوم سخط يوم ضيق وشدة، يـوم خـراب ودمـار يـوم ظـلام وقتام، يوم سحاب وضباب. يـوم بـوق وهتاف على المدن المحصنة وعلى الشرف الرفيعة. وأضايق الناس فيمشـون كالعمي، لأنهـم أخطأوا إلى الـرب فيسـفـح دمـهـم كـالتراب ولحمهـم كالجلة. لا فضتهم ولا ذهبهم يستطيع إنقاذه في يوم غضب الرب، بل بنار غيرتـه تؤكـل الأرض كلهـا، لأنـه يصـنع فنـاء باغتا لكل سكان الأرض.» (صف 15:1-18).

 والعجيب أنه حينما يتكلّم المسيح عن تشتيت وسبي الشعب يقول إلى جميع الأمم، ثم مدوسة من الأمم، ثم إلى أن تكمل أزمنة الأمم. فهنا غابت إسرائيل لتظهر الأمم.

غير أن هذا الغضب العارم الذي لم تعرفه إسرائيل في حياتها أبدأ أبدأ له نهاية حينما تكمل أزمنة الأمم. وهذا النص هو خاص بالقديس لوقا. أي تكمل أزمنة خلاصها وقد قرب بحسب العلامات!

وإلى هنا نعود مرة أخرى إلى الآيات التي تجاوزناها في الشرح:

2 – النبؤات عن نهاية الأيام (8:21-19)

(مت 4:24-14)
(مر 5:13-13)

8:21و9 «فقال: انظروا! لا تضلُوا. فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين: إني أنا هو، والزمان قد قرب. فلا تذهبوا وراءهم. فإذا سمعتم بحروب وقلاقل فلا تجزعوا، لأنه لا بد أن يكون هذا أولاً، ولكن لا يكون المنتهى سريعاً».

جعل المسيح إدعاء النبوة والأخبار عن انتهاء الزمان، وحتى التكلم باسم المسيح، كلها إزعاجات من العدو لطمس المعالم الحقيقية التي ستأتي في وقتها، فلا نحاول أن نتبع أفكار المدعين بمعرفة آخر الزمان، أو حتى الذين يدعون أنهم يتكلمون باسم المسيح، لأن كل محاولة للتنبؤ بالأيام الآتية هي مزيفة. لأن علامات آخر الزمان ستأتي في وقتها وتكون واضحة.

وحتى قيام الحروب والقلاقل في البلاد لا تكون علامة آخر الزمان. لذلك يلزم الحيطة وعدم الجري وراء الأخبار . 

10:21و11 «ثم قال لهم: تقوم أمة على أمة ومملكة على مملكة، وتكون زلازل عظيمة في أماكن، ومجاعات وأوبئة. وتكون مخاوف وعلامات عظيمة من السماء».

انسحاب السلام من العالم سيسبب هذه الحروب والقلاقل، وانسحاب السلام بسبب كثرة خطية الإنسان التي ستكبر معه ومع الزمان فتصير خطية حكومات وملوك ورؤساء، يتسببون في الحروب والقلاقل، وحرب تسبب حرباً، شيء لا ينتهي. أما الزلازل العظيمة وعلامات السماء العظيمة أيضاً فهذه هي مخاض الطبيعة (رو 22:8)، حيث تشترك في الاضطراب البشري. لأنه كما سيصير ميلاد جديد للإنسان «للتبني فداء أجسادنا» (رو 23:8)، سيكون ميلاد جديد لعالم جديد بسماء جديدة وأرض جديدة ليست مثل العالم الحاضر.

 أما المجاعات والأوبئة فهي نتيجة الحروب واستنزاف مال الشعوب في الأسلحة التي للدمار والتخريب، كما هو حادث أمام أعيننا، حيث الأمم الصغيرة بدأت تشتري أسلحة الدمار لتشترك في هذا السباق المخرب للعالم والشعوب. أما الأوبئة فهي أيضاً من خطيـة الإنسان واستغراقه في الشهوات النجسة، وهـي ضربة شيطانية يضرب بها الأمم الغنية والفقيرة لكي يخرب حياة الإنسان. فيـد الشيطان ممدودة في هذه الأيام لإشعال نار الحقد والكراهية بين فئات الناس والشعوب ليكون ذلك من أسباب التخريب العام. ولكن الاضطرابات الطبيعية في الأرض والسماء توضح بجلاء أنه عمل يختص بمصير الإنسان.

15-12:21 «وقبـل هـذا كله يلقون أيديهم عليكم ويطردونكم، ويسلمونكم إلى مجامع وسجون، وتساقون أمام ملوك وولاة لأجل اسمي. فيؤول ذلك لكم شهادة. فضعوا في قلوبكم أن لا تهتموا من قبل لكي تحتجوا، لأنّي أنا أعطيكم فماً وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها».

كل هذه العلامات تمت بحذافيرها في العصر الأول للمسيحية، لذلك تقول النبوة أن «قبل هذا» أي قبل الحرب السبعينية. لأن اليهـود كـانـوا هـم مـصـدر تخريب للكنيسة وتعذيب المؤمنين واستخدام وشاياتهم للملوك والولاة، وهذا استغرق العصر الأول، وانتهى بتخريب أورشليم وتشتيت شمل اليهـود الذي أعطى للكنيسة فرصة للنمو. وقد سمعنا وسجل التاريخ كيف كان ولا يزال يعمل الله بقوة ظاهرة واضحة وملموسة «يعلم الرب أن ينقذ أتقياءه من التجربة» (2بط 9:2)، على مستوى ما نقرأه في سفر الأعمال وأعظم أيضاً. والذي نراه ونسمعه الآن من عمل الروح القدس في المؤمنين الجدد يعادل العصر الأول وأكثر، مع ظهورات للمسيح شخصياً والعذراء القديسة مريم لتشجيع الإيمان بالمسيح وتقوية الشهادة.

19-16:21 «وسوف تسلمون من الوالدين والإخوة والأقرباء والأصدقاء، ويقتلون منكم. وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمي. ولكن شعرة من رؤوسكم لا تهلك. بصبركم اقتنوا أنفسكم».

هذه العلامات بحذافيرها لا تزال تجري أمام أعيننا ونشاهدها ونشترك فيها، فهي نبوة دائمة الحدوث. حيث بقدر بغضة الناس وعدائهم يعمل الروح القدس بقوة وينجي ويشهد لنفسه. كل ذلك لتكمل الشهادة. والنصيحة الوحيدة كما قالها الرب: «بصبركم اقتنوا أنفسكم.» (لو 19:21)

(تابع) النبوات عن نهاية الأيام وظهور علامة ابن الإنسان (25:21-33)

(مت 29:24-35)
(مر24:13-31)

25:21و26 «وتكون علامات في الشمس والقمر والنجوم، وعلى الأرض كرب أمـم بـحيـرة. البحر والأمواج تضج، والناس يغشى عليهـم مـن خـوف وانتظار ما يأتي على المسكونة، لأن قوات السموات تتزعزع».

هذه العلامات في الطبيعة كما قلنا هي مخاض الطبيعة التي تشترك مع الإنسان في التجديد. فالعالم العتيق يجوز مخاض الولادة للعالم الجديد، فلابد أن تظهر علاماته بوضوح. ولكن لاشك ستكون أمراً مفزعاً وآثارها تمتد لتشمل كل العالم معاً، وذلك تمهيداً لظهور الجديد.

27:21و28 «وحينئذ يبصرون ابن الإنسان آتياً في سحابة بقوة ومجد كثير. ومتى ابتدأت هذه تكون، فانتصبوا وارفعوا رؤوسكم لأن نجاتكم تقترب».

هنا النهاية.

31-29:21 «وقال لهم مثلاً: أنظروا إلى شجرة التين وكل الأشجار. متى أفرخت تنظرون وتعلمون من أنفسكم أن الصيف قد قرب. هكذا أنتم أيضاً، متى رأيتم هذه الأشياء صائرة، فاعلموا أن ملكوت الله قريب».

بخصوص شرح لماذا شجرة التين، فكما عرفنا من تقليد الكنيسة المتوارث أن شجرة التين – وهي التي لعنها المسيح في ذهابه إلى أورشليم عندما أتاها ليأكل من ثمارها فلم يكن فيها إلا الورق ـ هي الأمة اليهودية برمتها. وقوله هنا أنها عندما تخضر وتورق دون ثمر تعلمون … أن ملكوت الله قريب فهي العلامة، بمعنى عندما تعود بعد جفافها وتخضر أي تُرفع عنها اللعنة. ويكون ذلك بشير لكمال دخول الأمم، حينئذ يكون الملكوت على الأبواب.

وفي الحقيقة نحن نرى الآن بوادر كثيرة أمامنا نعرفها من مئات وألوف اليهود الراجعين إلى الإيمان بالمسيح، باعتبار أنهم اكتشفوا أنه هو هو المسيا. وفي كثير من النماذج البديعة يظهر لهم المسيح بصور كثيرة مشجعة. ونحن نعلم من إشعياء أن الرب سيأتي إلى صهيون بعد أن يتوبوا: «ويأتي الفادي إلى صهيون وإلى التائبين عن المعصية في يعقوب يقول الرب» (إش 20:59). لاحظ أيها القارئ السعيد أن الرب نفسه هو الذي يقول عن نفسه، ثم يزيد: «أما أنا فهذا عهدي معهم قال الرب: روحي الذي عليك وكلامي الذي وضعته في فمك لا يزول من فمك، ولا من فم نسلك، ولا مـن فـم نسل نسلك، قال الرب من الآن وإلى الأبد» (إش 21:59). ونسل النسل هي المسيحية .

بمعنى أن الوعد والعهد الذي خانته إسرائيل لا يزول بخيانتها، بل هو قائم في نسلها، حتى متى كملت أيام عقابها بملء دخول الأمم يأتي إلى الرب!! 

32:21و33 «الحق أقول لكم: إنه لا يمضي هذا الجيل حتى يكون الكل. السماء والأرض تزولان، ولكن كلامي لا يزول».

قد اتفق جميع العلماء أن هذه الآية تخص خراب أُورشليم والهيكل، الأمر الذي تم بالفعل في جيله.

3 – السهر والاستعداد (34:21-36)

هذا النداء من المسيح هو بعينه نداء السهر لاستقبال العريس بالمصابيح الموقدة والزيت في الأواني (35:12-36 ، مت 1:25-13). إن السهر والاستعداد دخـل الكنيسة الأولى بصورة عملية طاغية، فنشأت مجموعات من المؤمنين يعدون أنفسهم بالفعل لاستقبال العريس. واستلمته الحياة الرهبانية ونشأت الجماعات والمؤسسات الخاصة بالعبادة على مستوى السهر الدائم. وتخصص كثير من القديسين للكتابة عن السهر وواجباته ودرجاته وصلواته، وامتد هذ السهر والاستعداد ليشمل مضمون الحياة الرهبانية بكل طقوسها. وخرج من تحت طقس السهر قديسون ملأوا الكنيسة بكلماتهم الحية. ويعتبر ق. أنطونيوس أقدس شخصية أنجبتها الحياة الرهبانية، فقد جعل الرهبنة إنجيلا معاشاً، وصار محبوهـا الذين آمنوا وعاشوها بأمانة بني القيامة والملكوت حقا. وقد أزرهم الروح القدس في حياتهم الخاصة. وما تركوه لنا من مؤلفات روحية وسير آباء قديسين صارت بحد ذاتها منهجاً روحياً كفيلاً أن يملأ الكنيسة بالساهرين المستعدين في كل عصر. فأنطونيوس عاش في القرن الرابع ونحن الآن في القرن العشرين، وروح أنطونيوس لا تزال حية تعمل على مستوى أنطونيوس في كل جيل.

 وينبغي أن نفهم السهر والاستعداد على أنه بانتظار لقيا المسيح وجهاً لوجه، حينما ينطلق المسيحي حاملاً مصباحه وإناء زيته ليقدمه إلى العريس. فمجيء ابن الإنسان هو خاص بجيل من سيسعد برؤياه آتياً في سحاب السماء مع ملائكته وأرواح القديسين. أما لنا فنحن نسهر ونستعد للذهاب إليه: 
+ «وأما الأزمنة والأوقات فلا حاجة لكم أيها الأخوة أن أكتب إليكم عنها، لأنكم أنتم تعلمون بالتحقيق أن يـوم الـرب كلص في الليل هكذا يجيء. لأنه حينما يقولون: سلام وأمان، حينئذ يفاجئهم هلاك بغتة، كالمخاض للحبلى، فلا ينجون. وأما أنتم أيها الإخوة فلستم في ظلمة (أهـل العالم) حتى يدرككم ذلك اليوم كلص. جميعكم أبناء نور وأبناء نهار. لسنا من ليل ولا ظلمة.» (1تس 5: 1 -5)

34:21و35 «فاحترزوا لأنفسكم لئلا تثقل قلوبكم في خمار وشكر وهموم الحياة، فيصادفكم ذلك اليوم بغتة. لأنه كالفخ يأتي على جميع الجالسين على وجه كل الأرض».

ساعة الكلام هنا بوجهه الظاهر لا يحتاج إلى تعليم ولا إلى شرح، فهو مبادئ الكاتشزم. ولكن لنا نحن الذين عرفنا معنى السهر في قول الرب لتلاميذه في جثسيماني: «أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معي . واحدة» (مت 40:26)، فالمسيح يتكلم هنا عن سهر الروح. وحينما يتكلّم عن اللص، فاللص هو شيطان العالم الذي يأتي للإنسان ليزوره وفي يديه هدايا يشتهيها ليختار منها ما يشاء: أموالاً وأعمالاً واهتمامات كما يقول الرب، لا حد لها حتى إذا استلم منه هدية أمده بكل ما يلزمها حتى ينجح فيها ويبرع. وقليلاً قليلاً يسحب من يده الإنجيل ثم من قلبه. فالسهر هو سهر الروح واللص واقف لا يكف عــن المحاولـة. وســــر الــــروح دخـــول في أســـــــار الله والإنجيـل والملكــــوت. والواحـد من هذه الأسرار كفيل أن يملأ حياة الإنسان بعطايا الروح، يكتسب منها لحياته أينما كان وكيفما كان. وسر الإنجيل والملكوت لا يراه ولا يحسه أهل العالم فهو عندهم بلا ثمن ولا يعتد به، ولكـن يـوم أن يستدعى ليترك العالم لا يبقى له مما عمله واهتم به إلا ما حصله من إنجيله وعرفه من سر ملكوت الله. فالسهر هنا هو السهر ضد العالم وأوهامه وهمومه، وعدم الوقوع في فخ الشيطان المزين بالفوائد الكثيرة.

36:21 «إسهروا إذا وتضرعوا في كل حين، لكي تحسبوا أهلاً للنجاة من جميع هذا المزمع أن يكون، وتقفوا قدام ابن الإنسان».

 السهر معروف، أما التضرع هنا فهو الشحاذة begging حتى تنجوا من هذه التي تأتي على غير الساهرين. فهنا التضرع بمفهوم الشحاذة يصور الإنسان المصلي وهو يتوسّل ويزيد التوسّل، كمن يشحذ لنفسه لقمة يرد بما جوعه. لأن كل الذي نأخذه من الله ليس حقا لنا وإنما نشحذه. وعلى قدر توسّلنا كما عرفنا من قصة قاضي الظلم يعطى لنا، ليس لأننا نستحقه ولكن لأن الله يغلب من تحننه. فالعطية هنا التي نطلبها عظيمة وتستحق الوقوف على باب الله الليالي والأيام، لأن خصمنا بالمرصاد. والذي نجمعه العمر كله يمكن أن يخطفه من يدنا في ساعة. ونحن نطلب أن نغلب لنحسب قادرين أن نقف قدام ابن الإنسان. 

وأقول لكم إننا علمنا، والله أعلم، أن الذي ينتقل منّا تذهب روحه لتواجه المسيح لتسمع منه كلمة القبول أو الرفض بعد أن يكشف لها حياتها كلها. هذا أقوله حتى لا يطغى علينا العدو ويصور لنا الوقوف أمام ابن الإنسان هناك بعد زمن طويل.

فأرجو من القارئ رجاء قلبياً صادقاً أن يعتبر نفسه مطلوباً لمقابلة ابن الله في اليوم الذي ينتقل فيه. وهنا تظهر قيمة كلام المسيح: «فيصادفكم ذلك اليوم بغتة لأنه كالفخ» هذا يشجعنا أن نقف أمامه الآن كشحاذين نطلب أن تُعطى مقابلته باستحقاق هناك بوجه غير مخزي.

عزيزي القارئ، الزمن مقصر والأيام رديئة، إكسب الوقت لحساب الإنجيل واحتمي فيه لأن فيه النجاة. وإلى أن نلتقي.

4 – نهاية تعاليم المسيح (38,37:21)

37:21 «وكان في النهار يعلم في الهيكل، وفي الليل يخرج ويبيت في الجبل الذي يدعى جبل الزيتون».

هنا أراد ق. لوقا أن يختم على إنجيل التعليم، أما بياته في جبل الزيتون فعلى قدر ما عرفنا أنه جثسيماني وهي معصرة زيت الزيتون، وهي حديقة بما أشجار الزيتون ومسكن ملك ق. مرقس اشتراه مع البيت الذي فيه العلية بجوار جبل الزيتون. وكان هو المكان المفضل عند المسيح الذي كان يذهب إليه ويمضي فيه الليل كله في الصلاة.

38:21 «وكان كل الشعب يبكرون إليه في الهيكل ليسمعوة».

«یبكرون»: 

الكلمة اليونانية تعني: “القيام باكراً جداً”، كما جاء في أمر النسوة اللائي ذهبن إلى القبر باكراً … فجر القيامة (لو 22:24)، وفيها صيغة الإلحاح أو المجاهدة. وهي تذكرنا بأشعار إشعياء النبي:

+ «إلى اسمك وإلى ذكرك شهوة النفس!!
بنفسي اشتهيتك في الليل 
أيضاً
بروحي في داخلي إليك أبتكر.» (إش 26: 8 و9)

فإشعياء النبي لم يحرم أن يذهب بالروح إلى هيكله السماوي باكراً جداً ويطرح تضرعاته كنبي، فهو أول من رأى السيد جالساً على كرسيه وأطراف ثوبه تملأ كل الهيكل! وسمع ولأول مرة في تاريخ البشرية خورس الملائكة تسبح: «قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الأرض!!» (إش 3:6)

ولنا أيضاً ما يقوله الرب في سفر الأمثال: «الذين يبكرون إلي يجدونني.» (أم 17:8)

وهذه آخر صورة يصورها إنجيل ق. لوقا لشدة حب وتعلق الشعب بالمسيح، ثم أعظم تعبير عن قيمة التعليم عند المعلّم!! ما أجمل هذه الأيام.

تفسير إنجيل لوقا – 20 إنجيل لوقا – 21 تفسير إنجيل لوقا تفسير العهد الجديد تفسير إنجيل لوقا – 22
القمص متى المسكين
تفاسير إنجيل لوقا – 21 تفاسير إنجيل لوقا تفاسير العهد الجديد

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى