تفسير رسالة العبرانيين اصحاح 9 للقمص أنطونيوس فكري
شرح رسالة العبرانيين – الاصحاح التاسع
آيات 1-3:- ثم العهد الأول كان له أيضا فرائض خدمة والقدس العالمى. لأنه نصب المسكن الأول الذى يقال له القدس الذى كان فيه المنارة والمائدة وخبز التقدمة. ووراء الحجاب الثانى المسكن الذى يقال له قدس الأقداس.
الخيمة كلها رمز لعمل المسيح لذلك يذكر أجزاءها ويتكلم عنها بكل الإحترام. ونرى فى حديث الرسول أن الخيمة تنقسم لقسمين، القدس، وقدس الأقدس وهما إشارة للعهدين. فالقدس يشير للعهد القديم وقدس الأقداس يشير للعهد الجديد. القدس يخدمه كهنة كثيرون كل يوم والثانى يشير للسماء لا يدخله إلا رئيس الكهنة مرة واحدة فى السنة كرمز للسيد للمسيح الذى قدم نفسه مرة واحدة ليدخل بنا إلى سمواته. والرسول يرى أن كل ما كان فى الخيمة ويرمز للعهد الجديد هى مقدسات شبه السماويات. والقدس يشير أيضاً لحياتنا الحاضرة المقدسة فى الرب وقدس الأقداس يشير للحياة السماوية التى قدمها لنا الرب.
وبدأ الرسول بشرح القدس ليصل إلى قدس الأقداس ليوضح خدمة المسيح الذى دخل السموات بدمه مرة واحدة مثل رئيس الكهنة الذى يدخل الأقداس مرة واحدة فى السنة. بل أن خدمة المسيح غطت على خدمة الكهنة التى هى كل يوم فى القدس وخدمة رئيس الكهنة نفسه.
والقدس العالمى = هو قدس لأن الله يحل فيها وقال عالمى ليفرق بينها وبين الأصل السماوى.
آية 4 :- فيه مبخرة من ذهب و تابوت العهد مغشى من كل جهة بالذهب الذي فيه قسط من ذهب فيه المن و عصا هرون التي أفرخت و لوحا العهد.
مبخرة من ذهب = تستخدم يوم الكفارة فقط وأستخدمها هارون وتركت كتذكار داخل قدس الأقداس. ونلاحظ أن الرسول ذكر كل محتويات الخيمة ما عدا مذبح البخور وذكر مبخرة الذهب بدلاً منه. والسبب أن كل ما فى قدس الأقداس يشير لما هو فى السماء، ومذبح البخور مكانه فى القدس. وهو يريد أن يقول أن المسيح يشفع فينا الآن فى السماء فاستعاض عن مذبح البخور بذكر المبخرة الذهب. والمبخرة الذهب ومذبح البخور كلاهما يقدم بواسطتهما البخور شفاعة للشعب وبذلك يشيران للمسيح الشفيع عن جنس البشر.
تابوت العهد = ممثل الحضرة الإلهية. المن = إشارة للمسيح المن الحقيقى. عصا هرون = تشير لرعاية المسيح الشخصية لكنيستة. لوحا العهد = إشارة لكلمة الله.
آية 5 :- و فوقه كروبا المجد مظللين الغطاء أشياء ليس لنا الآن أن نتكلم عنها بالتفصيل.
كان مجد الرب يظهر من بين الكاروبان. فالله يوصف بأنه الجالس فوق الشاروبيم.
آية 6 :- ثم إذ صارت هذه مهيأة هكذا يدخل الكهنة الى المسكن الأول كل حين صانعين الخدمة.
الكهنة يدخلون ولكن الشعب محروم من الوجود فى حضرة الله بسبب الخطية. فقبل خطية آدم كان آدم فى حضرة الله دائماً. وبسبب الخطية إنعزل الشعب عن الله وصار الكهنة وسطاء. بل أن حتى الكهنة محرومون من دخول قدس الأقداس، الذى يدخله رئيس الكهنة مرة واحدة فى السنة، ويدخله بحياة آخر هى الذبيحة الحيوانية.
آية 7 :- و أما إلى الثاني فرئيس الكهنة فقط مرة في السنة ليس بلا دم يقدمه عن نفسه و عن جهالات الشعب.
جهالات الشعب = أى ليس خطاياه الإرادية. ولاحظ أن رئيس الكهنة يقدم أيضاً عن نفسه.
آية 8 :- معلنا الروح القدس بهذا أن طريق الاقداس لم يظهر بعد ما دام المسكن الأول له اقامة.
طالما المسكن الأول اليهودى قائم والحجاب بين القدس وقدس الأقداس قائم. إذاً طريق الأقداس مغلق لم يظهر للإنسان. وكان لا بد للحجاب أن ينشق ليظهر الطريق للإنسان.
آية 9 :- الذي هو رمز للوقت الحاضر الذي فيه تقدم قرابين و ذبائح لا يمكن من جهة الضمير ان تكمل الذي يخدم.
كل الكهنوت اللاوى والهيكل والذبائح هى رمز للوقت الحاضر = أى بعد مجئ المسيح. وبولس إذ قارن بين الخدمتين رأى أن خدمة العهد القديم تركز على تطهير الجسد أما خدمة العهد الجديد فتمس الضمائر وأعماق النفس الداخلية أى خدمة الروح الفعالة التى تقيم ملكوت الله فى داخلنا. أما طقوس العهد القديم فلم تكن لها هذه القدرة.
آية 10 :- و هي قائمة بأطعمة و اشربة و غسلات مختلفة و فرائض جسدية فقط موضوعة الى وقت الأصلاح.
هذه القرابين مع الفرائض المختلفة التى كانت تصحبها كانت تهدف لتطهير الجسد فقط وكان هذا حتى يجئ وقت الإصلاح = أى الوقت الذى يأتى فيه المسيح ليصلح النفوس ويطهرها حين يقدم لنا جسده كسر تقديس لنا. فيه نختفى وبه نتحد، نحمله فى داخلنا ونحن فيه. إذاً الإصلاح لن يكون بشرائع جديدة بل بإمكانيات جديدة أى بإتحادنا به ولذلك تغيرت أو تكملت وصية لا تزن وصارت “أن من ينظر ليشته فقد زنا” فى قلبه ولا تقتل صارت… لا تغضب. ونلاحظ أن الأطعمة والغسلات ليست عيباً بل هى ألف باء يعلمها الأب لأولاده حتى يكملوا فى الوقت المناسب.
آية 11 :- و اما المسيح و هو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة فبالمسكن الأعظم و الأكمل غير المصنوع بيد اي الذي ليس من هذه الخليقة.
رئيس كهنة للخيرات العتيدة = جاء رئيس كهنة ليمنحنا الخيرات الأبدية وميراثنا السماوى هذه التى كانت بالنسبة لأزمنة العهد القديم تعتبر عتيدة مستقبلة.
فبالمسكن الأعظم = أى جسد المسيح. وهنا نرى بوضوح أن الرسول يرى أن الخيمة ترمز للمسيح هى وكل طقوسها. غير المصنوع بيد = الخيمة صنعت بيد ولكن جسد المسيح لم يتم بزرع بشرى بل بالروح القدس الذى حل فى مريم العذراء، فهو لم يكن من هذه الخليقة، بل من خليقة روحية جديدة. وبعد القيامة صار جسداً جديداً ليجعلنا كلنا خليقة جديدة. ونلاحظ أن تشبيه المسيح بالمسكن يشير لأن جسده البشرى يحل فيه كل ملء اللاهوت (كو 2 : 9).
آية 12 :- و ليس بدم تيوس و عجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة الى الأقداس فوجد فداء أبديا.
كان رؤساء الكهنة يدخلون لقدس الأقداس بدم تيوس وعجول، أما المسيح فدخل السماء بدم نفسه. بل بواسطته ندخل نحن أيضاً (عب 10 : 19).
آية 13، 14 :- لأنه إن كان دم ثيران و تيوس و رماد عجلة مرشوش على المنجسين يقدس الى طهارة الجسد. فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح ازلي قدم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من اعمال ميتة لتخدموا الله الحي.
دم ثيران = هذا يقدم عن خطايا رئيس الكهنة (لا 16 : 14، 16). وتيوس = دم التيوس يقدم عن جهالات الشعب. ورماد عجلة = (راجع فريضة البقرة الحمراء عد 19) وهذا الرماد يستخدمونه لتطهير من تلامس مع نجاسة ميت (من يتلامس مع جثة يتنجس جسده وليس نفسه رمزا لنجاسة النفس إذا تلامست مع خطية). كل هذه التطهيرات تؤدى لطهارة الجسد فقط حتى يستطيعوا الإشتراك فى الخدمة. فكم بالحرى دم المسيح الذى بروح أزلى = أى الله فالله روح. هنا نرى لاهوت المسيح أن له دور مشارك مع جسده. ولأنه روح حى أزلى، فبموت الجسد أزال الموت وأسس الحياة الأبدية والخلود للإنسان. والدم يرمز للحياة. وقوة الحياة التى فى المسيح هى قوة حياة أزلية، وهذه القوة تحيى من الموت وتحيى من موت الخطية أى تؤسس الضمير الروحى الجديد الذى بلا خطية. وهنا يضع الرسول عبارة روح أزلى فى مقابل طبيعة الذبائح التى كانت تقدم فى العهد القديم، فهذه كانت لها طبيعة أرضية فانية ميته، أما المسيح فله طبيعة روحية سرمدية. وهذا ما يعطى لتقدمته قيمتها ويجعلها أفضل من التقدمات الحيوانية. قدم نفسه = وهذه تشير لفعله الإرادى الحر. وهو قدم نفسه دون أن يكون فيه نقص أو عيب. يطهر ضمائركم = من أعمال الخطية التى تحمل الموت للنفوس وهكذا نستطيع أن نعبد الله الحى بإستحقاق. فإذن كما كانت طهارة الجسد فى العهد القديم تبيح للإنسان أن يشترك فى العبادة بعد أن يتخلص من النجاسات فهكذا أيضاً إذ المسيح يخلصنا من كل نجاسة الخطية ويطهر نفوسنا يجعلنا مستحقين للإشتراك فى عبادته وخدمته = لتخدموا الله الحى.
دم المسيح يطهر الداخل فلا نريد الخطية ونشتهيها داخلياً، عكس تطهير الجسد الذى إكتفى بتطهير خارجى ولكن الشهوة الخاطئة إستمرت تعذب الضمير.
آية 15 :- و لأجل هذا هو وسيط عهد جديد لكي يكون المدعوون إذ صار موت لفداء التعديات التي في العهد الأول ينالون وعد الميراث الأبدي.
لأجل هذا هو وسيط عهد جديد = لأن دم المسيح له قوة أن يطهر ضمائرنا فنخدم الله صار المسيح وسيطاً بين الإنسان وبين الله لكى يقيم عهداً جديداً غير العهد الأول. فكان الناموس فى العهد الأول يتعامل مع التعديات بالعقوبات والتأديبات ولكنه لم يعالجها لذلك أخفق الإنسان أن يتقدم لخدمة الله بالكمال الروحى المنشود. أما العهد الجديد فهو عهد غفران وصفح (عب 8 : 12) وتطهير الضمير (آية 14) يطهر الإنسان ليؤهله لخدمة جديدة لله روحية وكاملة وبلا عيب. المسيح صار وسيط ليحررنا من خطايا التعديات وبهذا فإن المدعوون (يهوداً وأمم) يحصلون على الميراث الأبدى.
الآيات 16، 17 :- لأنه حيث توجد وصية يلزم بيان موت الموصي. لأن الوصية ثابتة على الموتى إذ لا قوة لها البتة ما دام الموصي حيا.
هذه قاعدة أو قانون رومانى. فطالما الموصى حى فهو قادر أن يسحب وصيته ويغيرها. لذلك فالوصية تتثبت وتصبح سارية إذا مات الموصى. والله قدم وصيته فى العهد القديم (ميراث كنعان). وإذ لم يكن ممكناً أن يموت الله الموصى فى العهد القديم كان دم الذبائح يقوم بهذا الدور. وفى العهد الجديد قدم الله وصيته (الميراث السماوى) وإذ مات المسيح بالصليب تثبتت الوصية وصارت فاعليتها أكيدة لنتمتع بالميراث السماوى. “من يؤمن بى فله حياة أبدية“. هذه هى الوصية المختومة بجسده المبذول ودمه المسفوك عنا. لذلك كان الدم هو علامة ثبوت الوصية فى العهدين القديم والجديد. ودم الذبائح هو رمز لدم المسيح.
آية 18 :- فمن ثم الأول أيضا لم يكرس بلا دم.
ولذلك فإن العهد الأول أيضاً (القديم) لم يأخذ قوته بغير دم بل بدم الذبائح.
الآيات 19 – 22 :- لأن موسى بعدما كلم جميع الشعب بكل وصية بحسب الناموس اخذ دم العجول و التيوس مع ماء و صوفا قرمزيا و زوفا و رش الكتاب نفسه و جميع الشعب. قائلا هذا هو دم العهد الذي اوصاكم الله به. و المسكن ايضا و جميع انية الخدمة رشها كذلك بالدم. و كل شيء تقريبا يتطهر حسب الناموس بالدم و بدون سفك دم لا تحصل مغفرة.
هذه الآيات شرح للآية (18) وكيف أن العهد كان بالدم، دم الذبائح. راجع رش الدم (خر 24 : 4 – 8). والتطهير بالماء والدم (لا 14) هنا نجد الماء يمتزج بالدم. والماء والدم يذكرنا بالماء والدم اللذان خرجا من جنب المسيح + (1يو 5 : 6) + (يو 19 :34) فالماء يشير للمعمودية والدم يشير لذبيحة الصليب. ولم يشر العهد القديم لأن موسى قد رش الكتاب ولكنه طالما رش كل شئ فهو رش الكتاب أيضاً. هو كان يرش كل شئ بالدم ليتطهر بالدم ولكنه رش الكتاب بالدم لأن الكتاب أخذ معنى العهد بالدم. وقد يشير لرش أذهاننا التى كتبت فيها الوصية وهكذا لرش قلوبنا بنفس المعنى. ورش الخيمة هو رشنا نحن فنحن صرنا خيمته (2كو 6 : 16). هنا رش دم المسيح لا يطهر الجسد من الخارج فقط بل يطهر النفس ويغسلها فيؤهل لدخول الهيكل السماوى.
آية 23 :- فكان يلزم ان امثلة الاشياء التي في السماوات تطهر بهذه و اما السماويات عينها فبذبائح افضل من هذه.
أمثلة الأشياء خيمة الأجتماع وما فيها. السمويات = هم المؤمنين أنفسهم فهم بيت الله وهم بدم المسيح صاروا مقدسين أى مخصصين لله.
آية 24 :- لأن المسيح لم يدخل إلى أقداس مصنوعة بيد أشباه الحقيقية بل إلى السماء عينها ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا.
المسيح لم يدخل إلى قدس أقداس الخيمة، بل دخل إلى الأقداس الحقيقية فى السماء ظهر أمام الآب ليشفع فينا. وهو فى السماء نحن منقوشين عليه على قلبه ويده كما كان فى العهد القديم يلبس رئيس الكهنة أسماء الأسباط منقوشة على صدره وعلى كتفه. وكان رئيس الكهنة اليهودى يظهر أمام الله، أمام التابوت وهو يحمل هذه الأسماء وفى المقابل حملنا المسيح فيه ودخل للسماء لنستطيع نحن أن نوجد فى حضرة الله.
آية 25 :- و لا ليقدم نفسه مرارا كثيرة كما يدخل رئيس الكهنة الى الأقداس كل سنة بدم اخر.
ذبيحة العهد القديم كانت تتكرر كل سنة لتتأكد الحقيقة فى ذهن اليهود. بدم آخر= دم الحيوانات.ولكن المسيح قدم نفسه مرة واحدة. ونلاحظ أننا فى التناول من جسد المسيح ودمه لا نقدم ذبيحة صليب جديدة ولا نكررها، بل هى إمتداد لذات الذبيحة القائمة الأبدية غير الدموية التى لا تتوقف. فالمسيح الذبيح الحى القائم من الأموات هو بعينه يقدم جسده ودمه دون تكرار أو تغيير.
آية 26 :- فإذ ذاك كان يجب ان يتألم مرارا كثيرة منذ تاسيس العالم و لكنه الآن قد اظهر مرة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه.
لو هم ترجوا رئيس كهنة أو مسيحاً على رتبة هرون كان لا بد أن يصلب كل سنة فرئيس الكهنة اليهودى يقدم ذبيحته كل سنة.
آية 27، 28 :- و كما وضع للناس ان يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة. هكذا المسيح ايضا بعدما قدم مرة لكي يحمل خطايا كثيرين سيظهر ثانية بلا خطية للخلاص للذين ينتظرونه.
الإنسان يموت وحتماً بعد الموت تأتى الدينونة. ولكن المسيح مات ليرفع الدينونة ويأتى بالخلاص من كل الخطايا. ولكننا لا نرى ولن نرى هذا الخلاص إلا فى المجئ الثانى. ولكن لنعلم أن المجئ الأول كان للغفران، أما المجئ الثانى فهو للدينونة. أما بالنسبة لمن يثبتوا فى المسيح ويغلبوا فقد جاء المسيح فى مجيئه الأول حاملاً الغفران وسيأتى فى مجيئه الثانى حاملاً بركات كثيرة لا نعرفها، فإن كان كل ما حصلنا عليه فى المجىء الأول هو عربون ما سنحصل عليه فى المجىء الثانى، فكم تكون بركات المجىء الثانى.آمين تعال أيها الرب يسوع.
تفسير عبرانيين 8 | عبرانيين 9 | تفسير رسالة العبرانيين | تفسير العهد الجديد | تفسير عبرانيين 10 |
القمص أنطونيوس فكري | ||||
تفاسير عبرانيين 9 | تفاسير رسالة العبرانيين | تفاسير العهد الجديد |