تفسير سفر ايوب اصحاح 14 للقديس يوحنا ذهبي الفم

الإصحاح الرابع عشر
نهاية رد أيوب على صوفر
يا رب الإنسان زائل مثل الزهرة التي تذبل

١- لأن الإنسان مولود المرأة قليل الأيام وشبعان تعباً (١٤: ١).

أي ممتلئ إحباطاً وليس ممتلئ حزناً (فقط).

٢ – ” إنه يسقط كالزهرة التي تفتحت ويرحل مثل ظل، ولا يستطيع الاستمرار. لما تدخله في اعتبارك وجعلته يدخل في المحاكمة أمامك؟” (٣،٢:١٤).

هل ترى أيها القارئ أنه لم يكن بسبب بره أنه يريد أن يتحرر من بلاياه) إنما بسبب ضعف طبيعته؟ وهو كما لو كان يقول: هل ينبغى الفحص إلى الأعماق، وهل ينبغى المطالبة بالحساب إذ أنه موجود اليوم، لكن غداً لا يكون موجود بعد» (انظر مت ٦: ٣٠)

دعنى (يا رب) أعيش حياتي القصيرة

٣- لأن من سيصير طاهراً من النجاسة؟ لا أحد، حتى لو كانت حياته على الأرض يوماً واحداً، وأشهره معدودة عندك وقد عينت أجله فلا يتجاوزه أبداً. اتركه حتى يستريح ويتلذذ بحياته كالأجير” (٤:١٤-٦).

أتنظر أيها القارئ كيف يسارع أيوب من جديد إلى الاحتماء في طبيعته (البشرية الضعيفة)، إذ قال: لأنه من المستحيل للإنسان أن يكون طاهراً (بصفة دائمة). إنه يتوسل ليس فقط بسبب ضعفنا أو صفتنا الزائلة أو بسبب الإحباط الذي يملأ حياتنا، إنما أنه ، لا يمكننا أيضاً أن نكون طاهرين.

 إن أيوب قال: اتركه حتى يستريح ويتلذذ بحياته كالأجير.

إن الصفة الزائلة والمتعبة والتعيسة للحياة هى التى جعلته من جديد يتفوه هكذا، وقال: ولأننى مثقل بالبلايا) وتعيس فأمر (رتب) أن أكون فى سلام (فترة حياتي القصيرة). ثم أظهر أيوب أن الإنسان هو أكثر تعاسة من كل الأشجار والأنهار والبحر.

الإنسان بمجرد موته لا يستعيد الحياة مثل الأشجار

٤- قال أيوب: ” لأنه يوجد للشجرة، وحتى لو قطعت ستزدهر من جديد ولا تخيب فروعها. ولو شاخ فى الأرض أصلها ومات فى التراب جذعها، فمن رائحة الماء تفرح وتنبت فروعاً کغرس جديد. أما الإنسان الذى قد مات فإنه يختفى تماماً وعندما يسقط المائت فإنه لم يعد موجوداً (٧:١٤ – ١٠)

ثم أضاف بعد ذلك قوله: «لأن البحر قد ينفذ مع الوقت، والنهر ينشف ويجف. أما الإنسان عندما يرقد رقاد الموت، فلن تعد له هناك أية إمكانية أن يقوم ويستيقظ حتى لو سقطت السموات منحلة ، فإنهم أى (الراقدين لا يقومون من نومهم (أى موتهم)» (١٤: ۱۰-۱۲).

إن أيوب يريد القول إن البحر – أيضاً – مع الوقت لن يعانى مصير الإنسان، لكن هذه الحقائق (الكونية) هى خالدة كما قال بعض المؤلفون الوثنيون، وأيوب يريد القول أنه أيضاً بعد وقت طويل تتدفق الأنهار ، والأشجار تعطى ظلاً والبحر والنهر لن يختفيان أما المصير الذي ينتظر الإنسان هو العكس.

آه لو كان يمكننا حتى أن نموت ثم نولد من جديد بعد ذلك لكن (وآسفاه!) فالأمر ليس هكذا.

ه- قال أيوب: “ليتك توارينى فى الهاوية وتخفينى إلى أن ينصرف غضبك وتعين لى أجلاً فتذكرني. إن مات رجل أفيحيا بعد أن يكون قد أنهى أيام حياته؟ هل انتظر حتى أولد من جديد؟ ثم هل ستدعوننى (آنذاك) وأنا أصغى لك؟ إنما لا تدفع عمل يديك (١٤: ۱٣-۱٥)

قال أيوب إذاً لا يمكن الانتظار، لأنه لو كان هذا ممكناً، لكنت انتظرت حتى أقوم من جديد. ليتك توارينى فى الهاوية» وسأنتظر حتى أصل إلى هذه الحالة (لأقوم) وسأصغى لندائك، لكن الأمر ليس هكذا. وحتى لو لم يكن شيء من هذا ممكناً، فلا تلفظني إذ أنني عمل يديك.

لا يمكن للإنسان أن يغلت من الله

٦- أنت عددت خطواتي، وليس شيء من خطاياى بإمكانه أن يفلت منك، وأنت ختمت على خطاياي في صرّة بل وأنت تلاحظني إن كنت قد اقترفت تعدياً لا إرادياً .(١٦:١٤ – ١٧)

قال أيوب: إنني أرغب في الخلاص لأنى عمل يديك، وليس بالقطع لأنى بار، أو لأنه يمكنني أن أطالبك بالعدل أو لأنك نسيت آثامي، لأنه لا يمكن لأي من خطاياى أن يفلت منك.

ثم أضاف أيوب قوله: “ثمر أن الجبل فى سقوطه ينتثر، والصخرة تختفى من موضعها والحجارة تبليها المياه، وتجرف سيولها تراب الأرض (يقصد شواطئ الأنهار)، وأنت تفنى مقاومة الإنسان بدفعه إلى نهايته فيختفي، وتقيم وجهك ضده فيرسل بعيداً. وإن صار بنوه عديدين فهو يجهل هذا، وإن صار عددهم صغيراً لا يعلم هذا، ولا يعرف شيئاً سوى إنه على ذاته يتوجع لحمه وعلى ونفسه تنوح على ذاتها (١٤: ١٨ – ٢٢).

وأيوب كما لو كان يقول : لأن الإنسان الذي يُعاقب، فحتى لو صار بنوه عديدين، فإنه لا يعرف هذا، لأنه بعد موته يُحرم حتى من السعادة التي اعتاد أن يتمتع بها في حياته. فماذا يقيد أن يترك بعده أبناء طالما هو رحل (ومات)؟

انظر فإن أيوب فى كل موضع يُقرّ بالصفة الزائلة للحياة وباستحالة الرجوع للخلف والعودة إلى الأرض، ويقول: ولنفترض أنه ترك أبناء، فهو على كل حال لا يشعر بغناه ولا يدرك إن كان نسله كثير أو قليل العدد، إذ هو لا يعرف شيئاً عنهم). أى شيء أكثر إيلاماً من أن يجهل الإنسان نجاحاته، ويمضى وحيداً عارفاً بأوجاعه (فقط)؟ وإن كان نسله يصادفه الحظ لسعيد بعد موته، فهو بالتأكيد لا ولن يعلمه إنما يعلم شيئاً وحيداً وهو إنما على ذاته يتوجع وعلى نفسها تنوح نفسه.

تفسير أيوب 13سفر أيوب 14تفسير سفر أيوبتفسير العهد القديمتفسير أيوب 15
القديس يوحنا ذهبي الفم
تفاسير سفر أيوب 14تفاسير سفر أيوبتفاسير العهد القديم
 

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى