تفسير رسالة تيموثاوس الأولى أصحاح 4 للقديس يوحنا ذهبي الفم

الموعظة الثانية عشرة 1تي4: 1-10

“ولكن الروح يقول صريحا إنه في الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان تابعين أرواحا مضلة وتعاليم شياطين. في رياء أقوال كاذبة موسومة ضمائرهم. مانعين عن الزواج وأمرين أن يمتنع عن أطعمة قد خلقها الله لتتناول بالشكر من المؤمنين وعارفي الحق. لأن كل خليقة الله جيدة ولا يرفض شئ إذا أخذ مع الشكر. لأنه يقدس بكلمة الله والصلوة”. (1تي4: 1-5 حتى 10)

التحليل

1- الهرطقة تظل في تردد دائم – المانيون الإنكراتيون، المركيون.

2- الطقوس اليهودية أدت دورها فى حينه

3- الإيمان والتقوى.

4- ضد البخلاء.

2- الهرطقة تظل في تردد دائم :-

الذين لهم إيمان يرسون على مرسى آمن صلب، بينما الذين فقدوا الإيمان لا يمكنهم الرسو فى أى مكان، بل يظلون متجولين هنا وهناك مقترفين أخطاء عديدة، وأخيرا يقعون فى هوة الهلاك، والرسول سبق أن أوضح ذلك عندما قال: “إنكسرت بهم السفينة من جهة الإيمان أيضا والآن يضيف ولكن الروح يقول صريحا إنه فى الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان تابعين أرواحاً مضلة يقصد الرسول بهذه العبارة المانيين أتباع ماني والإنكراتيين، والمركيين، وعن كل هذه المعتقدات. يقول الرسول: “في الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان”. تلاحظون أن السبب في كل هذه الشرور التي يتنبأ بها إنما هو البعد عن الإيمان وماذا تعنى كلمة صريحاً ؟ تعنى جلياً واضحاً، بلا نزاع ولا مناقشة.

يقول: لا تندهشوا إذا كان اليهود أيضا ابتعدوا عن الإيمان إذ سيأتي زمن يحدث فيه أن الذين حصلوا على الإيمان سوف يكونون أردأ حالا فهم لا يمتنعون عن الأطعمة فقط بل عن الزواج أيضا، مطبقين عقائدهم السيئة والمنحرفة على كل هذه الأمور.

الرسول لا يقول هذا الكلام عن اليهود، لأنه كيف يكون الكلام عنهم وقد قال: “في الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن “الإيمان” هذا الكلام قاله عن أتباع “ماني ومعلميهم، وهو يسميهم أرواحا مضلة، وهذا حق؛ لأن الذي أوصى إليهم بهذه التعاليم الفاسدة إنما هى الأرواح المضلة. وماذا يعنى بهذه الكلمات: في رياء أقوال كاذبة ؟ يعنى أنهم لا يروجون أفكارهم هذه بجهل أو لا يعلمون ماذا يفعلون ولكنهم يروجونها بمكر وهم عارفين ما هو حق ولكن وسموا ضمائرهم أى يعيشون حياة فاسدة. ولماذا لم يتنبأ سوى عن هؤلاء الهراطقة ؟ وهم ليسوا الوحيدين، فالسيد المسيح له المجد قال: “لابد أن تأتى العثرات (مت ۷:۱۸). وفى موضع آخر تنبأ عن الزوان الذي ينبت في حقل رب البيت. لكننا بالحقيقة نعجب النبوات بولس هذه، فقد تنبأ بحدوث هذه البدع والهرطقات قبل حدوثها؛ بل إنه قد حدد الوقت الذي ظهرت فيه.

لا تندهشوا يا أحبائى إذا وجدتم بيننا الآن في الزمن الذي سادت فيه تعاليم الإيمان أناسا يحاولون الإنزلاق إلى تلك العقائد الفاسدة ورأيتم من هم بعد زمن من تثبيت الإيمان يتركونه ويهجرونه. مانعين عن الزواج، وأمرين أن يمتنع عن أطعمة ولماذا لم يتكلم عن الهرطقات الأخرى؟ إنه أشار إليها فقط بهذه الكلمات “أرواحا مضلة وتعاليم شياطين؛ فهو لم يرد أن يغرسها في النفوس في ذلك الحين، وأكتفى بالإشارة إلى ما بدأ يظهر بشأن الأطعمة التي خلقها الله للمؤمنين وعارفي الحق” هل نفهم أنه لم يخلقها لغير المؤمنين ؟ كيف ذلك أليس هم الذين أبتعدوا عنها بالشرائع التي وضعوها بأنفسهم ؟ وكيف هل الحياة الشهوانية غير ممنوعة ؟ قطعا ممنوعة وبشدة – لماذا والأطعمة مخلوقة لكي نستعملها ؟ لأن الله خلق الخبر وحرم الشراهة، وكذلك خلق الخمر وحرم الإفراط ليس لأنها غير طاهرة في حد ذاتها، بل لأن الإفراط فيها يثبط النفس، لأن كل خليقة الله جيدة، ولا يرفض شئ إذا أخذ مع الشكر” ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جدا” (تك 1: 31).

وبقوله خليقة الله، يقصد جميع الأطعمة، ومسبقا يدحض هرطقة الذين يعتقدون بأزلية المادة. ولكن إذا كانت المخلوقات طاهرة لماذا يضيف لأنه يقدس بكلمة الله والصلاة ؟ والذي يقدس هو ما يكون أصلا غير طاهر. ليس الأمر كذلك لأنه يتكلم هنا عن الذين يعتقدون أن بعض الأشياء دنسة فى ذاتها. فالرسول يعرض صورتين: الأولى ليس هناك شئ من خليقة الله دنساً، والثانية إن كان شي ماقد صار دنسا، فعلينا أن نقدسه برسم إشارة الصليب، مع الشكر لله وتقديم المجد له، فينزع عنه كل دنس.

قد يقال: هل يمكننا تحليل أكل حتى ما ذبح للأوثان ؟ نعم إذا كنتم تجهلون أنه ذبح للأوثان، أما إذا كنتم تعلمون وتستعملونه تكونون غير طاهرين، ليس لأنه ذبح للأوثان، ولكن لعلمكم بتحريم أية شركة مع الشياطين، ومع ذلك لم تقدسوا هذه التعاليم عدم الطهارة ليس في الشئ ذاته؛ ولكنه ناتج عن حكمكم وعدم طاعتكم. إذن لحم الخنزير ليس غير طاهر ؟ نعم إذا أخذناه مع الشكر ومع رسم إشارة الصليب، وهكذا كل طعام آخر. إن الإرادة هى التى ليست طاهرة عندما لا نقدم الشكر لله.

“إن فكرت الإخوة بهذا تكون خادما صالحا ليسوع المسيح متربيا بكلام الإيمان والتعليم الحسن الذى تتبعته” ماذا يقصد الرسول ؟ يقصد الرسول ماذكره أنفا عندما قال: إن الإمتناع عن هذه الأطعمة هو من عمل الشياطين، لأنها تقدست بكلمة الله والصلاة. “متربيا بكلام الإيمان والتعليم الحسن الذى تتبعته، وأما الخرافات الدنسة العجائزية فارفضها وروض نفسك للتقوى” (6، 7) إن فكرت الإخوة بهذا تلاحظون أن الرسول هنا لم يستخدم قط السلطة المستبدة بل يستخدم الرقة في كلامه إذ يقول: إن “فكرت” لم يقل: إن امرت إن فرضت بل إن فكرت قدمها لهم كما لوكنت تعرض رأيا وتثير مسامرة حول الإيمان. يقول أيضا “متربيا” أي مظهرا التمسك، ودوام الحماس للتعليم الصحيح، لأنه مثلما نطلب خبزنا اليومى، هكذا نتلقى بصفة مستمرة كلمات الإيمان، التي هي بالنسبة لنا غذاء أبدى، نتغذى بها ونهضمها ، نرددها ونتأملها بدون انقطاع، فهي غذاء ثمين.

2- الطقوس اليهودية أدت دورها في حينه :-

“وأما الخرافات الدنسة العجائزية فارفضها وروض نفسك للتقوى” ماهى هذه الخرافات؟ الملاحظات اليهودية يسميها خرافات وهي بالتأكيد هكذا، سواء لأنها مضافة إلى كلام الله، أو لأنها لم تأت في حينها . الذي يأتي في حينه يفيد، وغير ذلك لا يكون فقط غير مفيد ؛ بل ضاراً.

تخيلوا رجلا يبلغ من العمر أكثر من 20 سنة ويرضع من مرضعه أليس هذا أمرا مضحكا ؟ هذا هو المعنى الذي يقصده الرسول بقوله إن هذه التعاليم هي عمل أثم وجدير بالنساء العجائز، لأنها من زمن آخر وتشكل عقبة في طريق الإيمان وانحدار النفس إلى مخاوف هذه الخرافات بعد أن تسامت بالإيمان إلى أعلى، لهو أمر أثم ومؤسف حقاً.

“روض نفسك للتقوى” أى على الإيمان الطاهر الحياة المستقيمة، إذ هنا تكمن التقوى. إذن نحن فى حاجة للترويض . ثم يواصل الرسول “لأن الرياضة الجسدية نافعة لقليل” البعض يظن أنه يتكلم هنا عن الصوم ولكن هذه الفكرة بعيدة عنا ، فالصوم ليس رياضة جسدية بل روحية لأنه لا يغذى الجسد . بل يعمل على إنهاكه وإضعافه؛ أما الرياضة الجسدية فنافعة للجسد “نافعة لقليل” على حد قول الرسول . إذن الرسول هنا في کلامه عن الرياضة الجسدية لم يقصد قمع شهوات الجسد والصوم، نحن في حاجة لترويض أنفسنا . الرياضة الجسدية لا ينتج عنها سوى بعض الفوائد للجسد فقط؛ وأما التى للتقوى فهى تعطى ثمارا للمستقبل، ونحن نجنيها فى هذا العالم وفى السماء، ولذلك قال الرسول عن الرياضة الروحية أى التقوى ولكن التقوى نافعة لكل شئ إذ لها موعد الحياة الحاضرة والعتيدة.

“صادقة هي الكلمة” أى حقيقية لهذا العالم والعالم الآخر تأملوا كيف يردد الرسول هذه العبارة، ليس لأنه فى حاجة لإثبات بل للتأكيد لأنه يراسل تيموثيئوس نعم نحن نعيش هنا على هذا الرجاء السعيد. الذي يعمل باستقامة وضميره بلا لوم يشعر بالسعادة حتى في هذا العالم، كما أن الشرير لا يعاقب فقط في الحياة المستقبلة، بل هنا أيضا يعيش دائما في خوف لا يجسر أن ينظر إلى أى شخص بارتياح، بل بارتباك وجزع أليست حقيقة أن اللصوص والجشعين يعيشون في قلق على ممتلكاتهم ؟ وأن الزناة والقتلة يعيشون حياة تعيسة جداً لا يجسرون أن يرفعوا أنظارهم دون قلق حتى إلى الشمس ؟ وهل هذه حياة ؟ كلا بالتأكيد إنه موت مؤلم. ولذلك يقول الرسول: “لأننا لهذا نتعب ونعير لأننا قد القينا رجاءنا على الله الحى الذى هو مخلص جميع الناس ولاسيما المؤمنين”.

كما لو كان يقول: لماذا نفرض على أنفسنا كل هذه الآلام إلا إذا كنا نرجو وننتظر الخيرات العتيدة ؟ لماذا الكل يهيننا ؟ كل ما قاسيناه اليس مرعبا ؟ ألم نقاسي دون سبب الشتائم والإهانات، والآلام من كل نوع ؟ فإذا كنا لم نلق رجاعنا على الله الحى، فلماذا تحملنا كل ذلك ؟ إذا كان الله يخلص غير المؤمنين في هذا العالم، فكم بالأكثر يخلص المؤمنين في العالم الآخر – أى خلاص يتكلم عنه الرسول؟ خلاص العالم الآخر – الذي هو مخلص جميع الناس ولاسيما المؤمنين” أى أنه خصهم بعناية أكبر. وقد يقال كيف إن الله هو مخلص المؤمنين ؟ أنه لو لم يكن هكذا لما حفظهم من الضياع عندما هوجموا من كل جهة. في هذه الحياة يشجع المؤمن على مواجهة المخاطر، وعدم الاستسلام أمام الضغوط – طالما أن له إله طيب بهذا المقدار – ولا يطلب معونة خارجية بل يحتمل كل شئ بقلب طيب ومتسامح.

وفى النهاية تأتى الأيام الأخيرة، يقول الرسول وفي الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان، تابعين أرواحا مضلة وتعاليم شياطين، في رياء أقوال كاذبة موسومة ضمائرهم ، مانعين عن الزواج قد تقولون هل نمتنع نحن أيضا عن الزواج؟ كلاً بالتأكيد، حاشا لله، نحن لا نمنعه عمن يرغبونه، أما الذين لا يرغبونه فنشجعهم على البتولية المنع شئ وترك الإنسان ليكون سيد اختياره شئ آخر وأمرين أن يمتنع عن أطعمة قد خلقها الله لتتناول بالشكر من المؤمنين وعارفى “الحق” حسنا قال الرسول عارفى الحق” فى القديم لم يكن الوضع سوى رموزا ، إذ لا توجد لحوم غير طاهرة بطبيعتها؛ إنما تصبح غير طاهرة بالنسبة لضمير من يتناولها. ولماذا إذن حرم الله على اليهود الكثير من الأطعمة ؟ لكي يردع شهواتهم وشراهتهم المفرطة. إنه لو كان قد قال لهم بدون تحديد: لا تصنعوا لكم وجبات شهوانية، لما كانوا قد امتنعوا عن أكل أى شيء لذلك وضع هذا النظام في صورة أوامر ووصايا ملزمة تفرضها الشريعة حتى يكون أكثر حذراً وخوفاً. ولكى تعرفوا كم كانوا فريسة لشهوات بطونهم. ويوجد أيضا سبب آخر؛ الله إذ كان يعلم أن اليهود سيعيشون في بلاد متزمتة حرم عليهم أن يأكلوا حيوانات معينة.

3- الإيمان والتقوى :-

ضعوا هذه الأمور تحت أعينكم وتأملوها ، فهي التي يقصدها الرسول بهذه الكلمات “متربيا بكلمات الإيمان تأملوها، ولا تكتفوا بأن تحثوا عليها الآخرين بل تأملوها بأنفسكم “متربيا بكلام الإيمان والتعليم الحسن الذى تتبعته، وأما الخرافات الدنسة العجائزية فارفضها ” : ولماذا لم يقل معلمنا بولس “امتنع عنها وإنما قال “إرفضها لا تتنازلوا وتجادلوا هؤلاء الأشخاص ولكن حثوا الذين وثقتم فيهم على رفض هذه التعاليم لأنه ليست هناك أية فائدة من النضال مع الذين انحرفوا عن طريق الله، إلا إذا كان الأمر سيفضي إلى بدعة حتى لا يشك أننا نرفض المجادلة عن خوف وعجز وروض نفسك على التقوى” لأن التقوى تقود إلى الحياة الطاهرة والسلوك الممتاز. إن الذى يروض نفسه على المصارعات الرياضية يتصرف فى كل شئ كرياضي حتى في غير الأوقات المخصصة للمصارعة محتملا متطلبات الزهد، وقادرا على بذل الكثير من الجهد. يقول النص روض نفسك على التقوى لأن الرياضة الجسدية نافعة لقليل ولكن التقوى نافعة لكل شئ إذ لها موعد الحياة الحاضرة والعتيدة لماذا ذكر هنا الرياضة الجسدية ؟ لكي يظهر بالمقارنة سمو الأخرى، لأن الرياضة الجسدية تتطلب متاعب كثيرة، دون فائدة ذات قيمة، بينما رياضة الروح تأتى بالفوائد الأزلية التي بلا حدود. وبالمثل يقول للنساء : أن يتزين لا بضفائر، أو ذهب أو لألى أو ملابس كثيرة الثمن، بل كما يليق بنساء متعاهدات بتقوى الله بأعمال صالحة.

“صادقة هی الكلمة ومستحقة كل قبول” لأننا لهذا “نتعب ونعير” كان بولس يتحمل الإهانات، وأنتم تجدون أنها غير محتملة؛ كان بولس يتحمل المشقات، وأنتم تريدون أن تعيشوا في التراخى الذي لو كان عاش فيه لما كان قد حصل على هذه الخيرات الكبيرة. لأنه إذا كانت خيرات هذه الحياة الزائلة والقابلة للفساد لا يمكن الحصول عليها دون عمل وعرق فكم بالحرى الخيرات الروحية ! – قد يقال يوجد كثيرون يحصلون على خيرات هذه الحياة بالميراث – حتى فى هذه الحالة، فإن حراسة وحفط الثروة لا يتجردان من المشقة، والثرى لا يقاسى من المتاعب والأحزان أقل من الآخرين، وفضلا عن ذلك كم من الناس بعد كثرة من المتاعب والهموم شاهدوا ثرواتهم تتلاشى حيث هاجمتها بعنف في مدخل الميناء عاصفة من الهواء مفاجئة أغرقتها ومعها أجمل أمالهم . بالنسبة لنا لا يحدث شئ من هذا : لأن الله هو صاحب الوعد والرجاء لا يخزى (رو 5: 5) .

ألا تعرفون يا من تهتزون بأمور هذه الحياة، كم من الناس بعد أعمال لا يمكن حصرها لم يجنوا ثمرتها، سواء بسبب الموت الذي سبق فاختطفهم أو حدوث نكبة، أو أمراض فتكت بهم أو مفترين هاجموهم، أو أي سبب آخر (الحوادث البشرية كثيرة) أضحوا بعدها فارغى الأيادي ؟ – قد تردون قائلين : ألا ترى الذين ينجحون وبمجهود بسيط يحصلون على خيرات كثيرة ؟ أية خيرات ؟ الثراء، البيوت، قدر وقدر من مساحات الأراضى؛ قطيع من العبيد، وزن ثقيل من الذهب والفضة ؟ هل هذه هي التي تسمونها ثروات ؟ وأنت يا من تعلمت فلسفة السماء؛ ألا تغطى وجهك وتخجل من أن تتذوق الأشياء الأرضية وتسميها خيرات وهي لا تستحق حتى الكلام عنها ؟ لو كانت هذه خيرات، لكان بالتالى من يمتلكونها يدعون أخيارا؛ لأن الذي يمتلك الخير كيف لا يكون خيراً.

آه : قولوا لي : عندما يكون هؤلاء الأغنياء ظلمة ولصوصاً هل نقول عنهم إنهم أخيار ؟ فإذا كان الثراء المكدس غشاً تعتبرونه خيرا، فبقدر ما يزداد يزداد الحكم معه على من يمتلكه بالصلاح وعلى هذا الأساس فإن الإنسان الشره الذى بلا مقود هو إنسان خير، وإذا كانت الثروة صالحه، فالذي ينميها يزداد صلاحه، بقدر ما يزداد غشه ألا تلاحظون التناقض؟ – قد تقولون وإذا كان لم يسلب أحدا ؟ كيف يمكن ذلك والشهوة سيئة.

والسيد المسيح أوضح ذلك بقوله : “اصنعوا لكم أصدقاء من مال الظلم (لو 16: 9) وإذا كان ورث عن أبيه ؟ – هذا حسن، فهوورث ثمرة الظلم. إن أسرته لم ترث الثراء من آدم والمحتمل أن الكثير من أسلافه عاشوا مجهولين، ثم وجد بينهم من أثرى مغتصبا خير الآخرين.

وهل إبراهيم أقتنى ثروة ظالمة ؟ وأيوب الرجل الذي بلا لوم، عادل وصادق، التقى الذي امتنع عن كل شر ؟ ثروتهما لم تتكون من الذهب والفضة، ولا من العمارات، بل من الأغنام، وثروة أيوب كانت من الله، إنه أثرى في الأغنام ويظهر ذلك بوضوح من النص حيث عدد الكاتب ماحدث لهذا الشخص القديس قائلا إن جماله، عبيده ، وحميره فقدوا ، ولم يقل أن اللصوص أتوا لينهبوا ذهبه. إبراهيم كان ثريا فى الخدم. ماذا إذن هل اشتراهم ؟ كلاً ولهذا يقول الكتاب : إن خدمه البالغين ثلاثمائه وثمانية وُلدوا عنده. وكان له أيضا خراف وعجول. كيف إذن تمكن من إرسال حلى من الذهب لرفقه ؟ هذا كان قد قدموه له فى مصر. ولكنه لم يرتكب عنفاً ولا غشاً.

4- ضد البخلاء :-

وأنتم قولوا لي كيف أصبحتم أثرياء ؟ أنا ورثت هذه الخيرات. ومن ورثت عنه ممن استلمها ؟ من جدى – وذاك ممن تسلمها ؟ من أبيه – هل تستطيعون بصعودكم إلى عدة أجيال، أن تثبتوا لي أن ثرواتكم شرعية ؟ كلاً لن تستطيعوا ذلك. إذ يجب أن يكون الجذر والأصل غير ملوثين بالظلم . وكيف ؟ لأن الله هو مصدر الأصل، ولم يخلق غنيا وفقيرا، ولم يعط واحد كتلة من الذهب فى غفلة من الآخر، بل سلم للجميع نفس الأرض. وإذا كانت الأرض مشاعة فكيف يمتلك الواحد الكثير من المساحات والآخر لم يحصل حتى على قطعة واحدة ؟ – سوف تجيب أبى الذي نقلها لي . – وهو ممن أستلم ؟ من أسلافه – إلا أنه يجب الوصول إلى أول استحقاق.

يعقوب أصبح غنيا، ولكن بالحصول على مكافأة المشاق التي تحملها . ومع ذلك أنا لا أريد أن أبحث في هذه الصعوبات، سواء : كانت الثروة نقية من كل سلب أو غير مشروعة أنت غير مسئول عما ورثته من مكاسب غير مشروعة عن والدك. أنت تملك ثمرة السلب، ولكنك لم تسرقها بنفسك، وسأوافقك أيضا أنه ليس والدك هو الذي سرقها، فقد وجد نفسه مالكاً لهذا الذهب الذى تدفق من باطن الأرض. فهل الثروة صالحة لهذا السبب ؟ – كلاً، بلاشك سوف تقولون إن الثروة ليست رديئة على الإطلاق – هذا إذا كان صاحبها لم يحصل عليها ظلما، وأعطى جزءا منها للمحتاجين، ولكن إذا رفض ذلك فهى رديئة ومليئة بالفخاخ – ولكن طالما لم تسبب شراء هى ليست رديئة حتى ولم لم تكن سببا للخير فليكن أليس الشر هو الإنفراد بأخذ ما يخص الله، والاستمتاع الفردى الأناني بما يخص الجميع ؟ والأرض أليست هي ملكاً لله بكل ما تحتويه ؟ فإذن مادامت ثرواتنا تخص رب العالم فهى تخص البشر الذين يخدمونه مثلنا لأن كل ما يخص السيد فهو لاستعمال الجميع ألا تلاحظون في البيوت الكبيرة، كل شئ موزع بنظام تام، فالغذاء موزع على الجميع بالتساوي لأنه من مؤونة السيد، وبيته مخصص لرعاية الجميع. وكذلك بالنسبة لما يخص الدولة، فإن المدن والميادين والمتنزهات العامة فهي تخص الجميع؛ وكلنا لنا فيها نصيب متساو.

تأملوا التدبير الإلهى: الله لكى يخجل البشر، خلق بعض الأشياء للجميع معا يستفيدون منها بالتساوى كإخوة، مثل الهواء، الشمس، المياه الأرض، السماء، البحر، النور، النجوم. الخالق أعطى الجميع عيونا أجسادا، نفوسا ، من نفس الطبيعة ومع ذلك لاشئ من هذا كله يخجل جشعنا . كما وضع أيضا أشياء أخرى عامة، الحمامات، المدن والميادين والمتنزهات العامة كلها أشياء لاتثيرا صراعات، الكل يستمتع بها في سلام، ومتى حاول شخص ما أن يأخذ لنفسه شيئاً ليحتكره هنا يبدأ الشجار كما لو كانت الطبيعة نفسها تسخط لأن الله جمعنا لنعيش في شركة ونحن نتشاجر وننقسم ونجزئ هذا الأشياء لكى نمتلكها ، ونتداول هذه العبارات : هذا يخصك وذاك يخصني. حينئذ ندخل في مجال المصارعة والألم. وهذا لا يحدث بالنسبة للمنافع العامة، فلا نرى مصارعة ولاشجاراً. لماذا لم نسمع أبداً قضية موضوعها المكان العام ؟ لأنه مشترك بين الجميع، بينما نرى فى كل لحظة قضايا سببها التنازع على عقار أو نقود. فكل ما هو ضروري أعطى لنا جميعا من الله مشتركا، لكننا لا نعرف أن نحافظ على التمسك بروح الجماعة في أشياء قليلة الأهمية. الله سلم لنا كل هذا مشتركا، لكى يعلمنا كيف نتمتع فى شركة مع الآخرين، ومع كل هذا فنحن لم نتعلم بعد.

وكما قلت كيف يمكن للذي يمتلك الثراء أن يكون صالحاً ؟ هذا مستحيل، إلا إذا أعطى جزءا من ثروته للآخرين، وإذا تجرد منها فيكون حينئذ صالحا. وطالما يتمسك بها فهو غير صالح هل هو خير ذاك الذي يجعلنا في مصاف الأشرار عند الاحتفاظ به، وفى مصاف الأبرار عندما نتجرد عنه ؟ إذا فليس الخير فى امتلاك الكنوز ، بل يظهر الإنسان خيرا عندما لا يمتلكها. إذن فإن الثروه ليست خيرا طالما أنك لا تصبح إنسانا باراً إلا إذا رفضتها وكان في إمكانك الحصول عليها أنت لست سيد ذهبك لأنك تعتبره خيرا ، وتستسلم للإعجاب به نق مفهومك، وليكن حكمك سليماً، وستصبح حينئذ إنسانا فاضلاً، تعلم معرفة الخيرات الحقيقية. وماهى ؟ الفضيلة، الصلاح، هذه هى الخيرات وليست الثروة. بإتباع هذه القاعدة تصبح أكثر سخاء فى الصدقة، وإنسان الله بالحقيقة، وموضع احترام وتوقير البشر، على عكس ما لو احتفظت بثروتك. لنصبح فضلاء حتى نحصل على الخيرات العتيدة في المسيح يسوع ربنا، الذي له مع الآب والابن والروح القدس المجد والقوة والعزة الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين

الموعظة الثالثة عشرة (1تي4: 11-14 حتى 5: 7)

“أوص بهذا وعلّم، لا يستهن أحد بحداثتك بل كن قدوة للمؤمنين في الكلام فى التصرف في المحبة فى الروح فى الإيمان في الطهارة. إلى أن أجى أعكف على القراءة والوعظ والتعليم، لاتهمل الموهبة التي فيك المعطاة لك بالنبوءة مع وضع أيدى المشيخة.” (4: 11 – 14 حتى 5: 7)

التحليل

1- واجبات الأسقف : السلوك الواجب نحو الشيوخ والشباب، نحو السيدات المسنات والشابات، نحو الأرامل.

2- واجبات الأرملة.

3- ضد الإفراط في الأكل

4- تصوير مخيف.

١- واجبات الأسقف :-

توجد موضوعات تحتاج لأوامر وأخرى لتعاليم. فإذا أمرت بما يجب أن تعلم به، سيسخرون منك ونفس الوضع إذا علمت بما يجب أن تأمر به فعلى سبيل المثال : لا تكن فاسدا ، ليس موضوع تعليم بل أمر مشدّد بالتحريم فهى مادة للأمر. ولكن إذا تحدثت عن بسط الخيرات، أو حفظ البتولية، أو ناقشت موضوع الإيمان، هنا يلزم التعليم. لذا بولس أسس النوعين: يقول “أوص وعلّم وعلى سبيل المثال، إذا حمل أحدا أحجبة أو ما يشابه ذلك، وهو يعلم أنه يفعل شرا، فالموضوع هنا يحتاج إلى صيغة الأمر، أما إذا كان يفعل ذلك بجهل، فهنا يلزم التعليم.

يقول: “لايستهن أحد بحداثتك” الملاحظ هنا أن الأب الكاهن يجب أن يأمر، ويتكلم بحزم، ولا يعلم فى كل الأوقات الشباب بالنسبة لحداثته دائما مستهان به لسبق الحكم عليه من قبل العامة. ولهذا يقول “لايستهن أحد بحداثتك” لأنه : يجب أن يكون المعلم مكرماً . قد يقال : كيف يتفق التمسك بطول الأناة والترفق مع الاستهانة والتحقير ؟ نرى أنه في الأمور التي تتعلق بشخصه وتخصه عليه أن يحتمل معاناة الاستهانه به، لأنه بالتحلى بطول الأناة يكمل التعليم المسيحى. أما فيما يخص الغير، فالأمر على خلاف ذلك، إذ أن الأمر سوف لايكون ترفقا وإنما تراخيا وعدم إهتمام. إذا أخذ بالثأر عن السفاهة والشتائم والإثارات الموجهة ضده، فمن الحق لومه، ولكن إذا كان الموضوع يتعلق بخلاص الآخرين. فعليه أن يتكلم بسلطة، ويجمع ما بين القوة والفطنة، فهو محتاج في هذه الحالة للقوة وليس للوداعة، حتى يتفادى الخسارة العامة. “لايستهن أحد بحداثتك” لأنه في الواقع من يعيش حياة تتسامى فوق طياشة هذا السن، فهو يكتسب وقاراً سامياً بدلا من الاستهانة به. “بل كن قدوة للمؤمنين في الكلام في التصرف في المحبة فى الروح فى الإيمان المستقيم في الطهارة”. “مقدما نفسك في كل شيء قدوة للأعمال الحسنة (تي 2: 7) أى أن تكون نموذجا كاملاً للسلوك، وكصورة مرئية أمام الجميع، قانونا حيا، مثالاً لحياة صالحة وأن يكن لكلامك طابع الرقة، لأن هذه هي صفات المعلم.

“إلى أن أجى إعكف على القراءة، والوعظ والتعليم” الرسول يأمر تيموثيئوس أن يعكف على القراءة ليتنا نسمع هذا الكلام ونتعلم عدم الإهمال في التأمل في الأمور الروحية، يقول أيضاً: “إلى أن أجي أنظروا كيف يواسيه لأن هذا التلميذ اليتيم محتاج لسيده أعكف على قراءة الكتب الإلهية والوعظ والتعليم” “لاتهمل الموهبة التي فيك المعطاة لك بالنبوة إنه يتكلم عن موهبة التعليم” مع وضع أيدى المشيخة وليس من قس بسيط، بل من أسقف، لأنه لم يكن الكهنة هم الذين يقيمون الأسقف؛ بل الأسقف هو الذي يقيم الكهنة.

“أهتم بهذا كن فيه” أنظروا كيف يعود الرسول ويقترب إلى تلميذه تيموثيؤس بنفس التوجيهات مظهرا له أن هذا هو الموضوع الرئيسي لحماس الذي يعلم.

لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك أي لاحظ نفسك ثم علم الآخرين. “لأنك إذا فعلت هذا تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضا لأن الذي يتربى بكلمات التعليم هو أول من يقطف الثمرات، إذ وهو يعلم الآخرين يلمس بكلامه قلبه هو أولاً. ما قاله الرسول لم يقله لتيموثيؤس وحده بل للجميع. إذا كان الرسول يتكلم هكذا مع شخص كان يقيم الأموات فمن أين لنا أن نصل إلى هذا ؟ قال السيد المسيح يشبه رجلا رب بيت يخرج من كنزه جددا وعتقاء (مت 13: 52) ويقول الطوباوي بولس بدوره : حتى بالصبر والتعزية بما فى الكتب يكون لنا رجاء (رو 15: 24) وخاصة أنه مارس هذا بنفسه عندما كان يتعلم شريعة أبائه عند رجلي غما لائيل. فهو منذ ذلك الوقت كان يعكف على القراءة، وبلاشك كان يوجه لنفسه التحذيرات التي وجهها بعد ذلك للآخرين. أنتم ترونه دائما يذكر شهادات الأنبياء فاحصا معانيها الخفية. هكذا كان بولس يعكف على القراءة والفائدة التى توجد فى الكتب ليست بقليلة، ومع هذا فإننا نهملها .

“لكي يكون تقدمك ظاهرا في كل شيء” هو يريد لتلميذه أن يصل بهذا التقدم والتفوق حتى يكون عظيما وجديرا بالإعجاب، إذ أن تيموثيؤس كان في حاجة إلى هذا التوجيه. لكي يكون تقدمك ظاهراً في كل شيء ليس فقط فى سلوكه بل أيضا في أحاديث تعليمه.

تفسير رسالة تيموثاوس الأولى 3 رسالة تيموثاوس الأولى 4 تفسير رسالة تيموثاوس الأولى  تفسير العهد الجديد تفسير رسالة تيموثاوس الأولى 5
القديس يوحنا ذهبي الفم
تفاسير 1 تيموثاوس 4 تفاسير رسالة تيموثاوس الأولى  تفاسير العهد الجديد
 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى