تفسير المزمور 2 للقمص متى المسكين
دراسة :
هذا المزمور حاول بعض الشراح نسبته إلى أحد ملوك إسرائيل ، ولكن انتهى بهم المطاف ليروا فيه نبوة أصيلة واضحة ، وتنبؤ عن ثورة الأمم وملوكها في عالم الغد في مقاومة مملكة المسيح ، والنصرة النهائية لمملكة المسيح ، وله تخضع كل الأمم إذ قد أعطيت له كميراث ، وإن لم يكن لهم الخضوع الكامل يدخلون المحاكمة.
ولكن والأمر بالنهاية هو نبؤة عن المسيح ومملكته ، إلا أنه وبالرغم من مقاومة بعض العلماء الشُّراح هو بالضرورة مبني على أساس حدث يحتفظ به التاريخ .
فلكي نستوعب دراسة هذا المزمور :
1 – ينبغي أن ندخل في دراسة ما جاء في : (2صم7) ومزامير : 89 و 21 و 45 و 72و 110.
۲ . كذلك ينبغي دراسة ما جاء في سفر الأعمال ( 4 : 23-28) التي تحوي في أيتيها الأولى والثانية ما يفيد التحالف في العداوة : اليهود مع الأمم تجاه المسيح .
۳- أما الآية السابعة من هذا المزمور فقد وردت على لسان بولس الرسول في أنطاكية ، انظر ( اع33:13)
+ « إن الله قد أكمل هذا لنا نحن أولادهم إذ أقام يسوع كما هو مكتوب أيضاً في المزمور الثاني : أنت ابني أنا اليوم ولدتك » .
التي تمت بقيامة المسيح ، انظر : (رو4:1) :
+ « وتعيَّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات . يسوع المسيح ربنا».
وفي رسالة العبرانيين حيث يسرد ما يخص ماسیانيته في المزمور باعتباره وارداً، ويصف تفوق الابن فوق الملائكة ، انظر : ( عب 5:1) :
+ « لأنه لمن من الملائكة قال قط أنت ابني أنا اليوم ولدك » .
وإعلان بنوة المسيح الإلهية بالنسبة لأصل لاهوت کهنوته : انظر تكملة الآية السابقة :
+« وأيضا أنا أكون له أباً وهو يكون لي ابناً. »
4. يحتوي المزمور على حقيقة “ابني” ، انظر : ( مت17:3) :
+ « وصوت من السموات قائلاً : هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت »
حيث “الابن” هو المسيا أي الرب يسوع ، انظر : ( لو 26:2) :
+ «كان قد أوحي إليه بالروح القدس أنه لا يرى الموت قبل أن يرى مسیح الرب».
الذي يصف طبيعة ووظيفة المسيا ، قارن : ( مت 16:16) ، ( يو 31:20) :
+ « فأجاب سمعان بطرس وقال : «أنت هو المسيح ابن الله الحي » .
+ « وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه » .
5- نرى أن لغته واردة في سفر الرؤيا في رواية البطولة التي واجهها المسيح في نضاله وانتصار مملكته ، وأنه يحكم الشعوب بقضيب من حديد ، انظر : ( رؤ 5:12) :
+ « فولدت ابناً ذكراً عتيد أن يرعى جميع الأمم بعصا من حديد».
وأيضا : ( رؤ 15:19) :
+ « ومن فمه يخرج سيف ماض لكي يضرب به الأمم وهو سيرعاهم بعصا من حديد».
وهو يعطي نفس القوة لخدامه ، انظر : ( رؤ 2: 27،26) :
+ « من يغلب ويحفظ أعمالي إلى النهاية فسأعطيه سلطان على الأمم . فيرعاهم بقضيب من حديد » .
وكلمة ملوك الأرض وردت ليس أقل من تسع مرات في كتاب سفر الرؤيا ، انظر : ( رؤ 5:1 إلخ ) :
+ « ومن يسوع المسيح الشاهد الأمين البكر من الأموات ورئيس ملوك الأرض».
والجالس في السماء هو الشخصية الأساسية في سفر الرؤيا ( انظر : رؤ 2:4):
+ « وللوقت صرت في الروح وإذا عرش موضوع في السماء وعلى العرش جالس» .
هذه الاقتباسات تشرح جيداً اختيار المزمور الثاني كمزمور هام بين المزامير الخاصة بعيد القيامة. وقد وُجد في بعض المخطوطات العبرية أن المزمور الثاني معتبر کالمزمور الأول لسفر المزامير، ويعتبر بمفرده کافتتاح للكتاب ككل. وفي بعض المخطوطات الأخرى وجد أن المزمورین متحدان، ويقول أوريجانوس إنه قد رأى المزمورین متحدين في بعض المخطوطات[1]. ويوجد قول قديم عبري يقول إن المزمور الأول ( 1:1 ) يبتدئ بالطوبي وينتهي بالطوبی ( 12:2) ، وهذا ينطبق على المزمورین معاً. و وبعض النسخ السبعينية يظهر فيها المزموران الأول والثاني متصلين كمزمور واحد. وهذا معناه أن المزمور الأول والمزمور الثاني هما مزمور واحد كان يُفتتح بما سفر المزامير . وهذا يوضحه غياب عنوان للمزمور الأول (بصفته تابع للمزمور الثاني ومتحد به) .
والمزمور الثاني له رنة روائية حيث فيه تتغير المناظر ، والمتكلمون فيه عدة أشخاص ، وتكوين المزمور محدود وفني ويتكون من أربع وقفات كل منها ( ما عدا الثانية ) يتكون من سبعة سطور :
( أ ) الشاعر يتأمل فيه باندهاش في ثورة الأمم يقودها فکر خاطئ لمقاومة المخلص لها ( 1-3 ) .
( ب ) ولكن حينما ننظر من الأرض إلى السماء نرى يهوه يجلس متوَّجاً وهو يسخر من مجهوداتهم التافهة ، فكان بمجرد أن يتكلم حتى تنشل حركتهم ( 4-6) .
( ج ) يتكلم الملك ويتلو أمره الملكي الذي به يؤكد أن يهوه قد اختاره ليكون ابنه ويعطيه الأمم كميراثه بسلطان لكي يخضع كل المقاومات ( 7-9)
( د ) ويستمر الشاعر ينصح بتحذير الأمم بأن يسلموا ويخضعوا عوض المقاومة التي ستكون لتحطيمهم ( 10-12) .
شرح و تفسير المزمور على مستوى كل التوراة
1- « لماذا ارتجت الأمم ، وفكر الشعوب في الباطل ؟
۲ – قام مملوك الأرض ، وتآمر الرؤساء معاً على الرب وعلى مسيحه ، قائلين » :
« لماذا »:
يتأمل صاحب المزمور مندهشاً في هياج الأمم کمهيئين للحرب ، هذا دفعه لكي يسأل هذا السؤال الذي هو خليط من الاندهاش والسخط ، وخروجهم على السلطة القائمة هو بلا سبب وبلا رجاء.
« ارتجت » :
هاجت واتحدت معاً.
« الأمم » :
بالعبرية : “جوييم” ، وهو تعبير يفيد الشعوب التي ليست هي إسرائيل لتفريقها عن شعب إسرائيل وهي دائماً مقاومة لإسرائيل ، ولها ترجمة أخرى تمثل حالتها الأدبية إذ تُدعى “الوثنيين”.
« وتفكّر » :
وتأتي بمعنی استعدوا ذهنياً للمقاومة .
« الشعوب » : أي التعبير عن الناس عموماً.
« تآمر » :
يمثلون جريمتهم ويتدبروها في حالة هياج وقلقلة مجتمعين بصورة أعداء.
« ملوك الأرض » :
بالتقابل مع “ملكي” التي جاءت في الآية ( 6 ) وقد وردت في ( إش 21:24) : «ويكون في ذلك اليوم أن الرب يطالب جند العلاء في العُلاء وملوك الأرض على الأرض » ، وتأتي هنا في موضع النقمة .
« على الرب » :
وهم لا ينكرون أنهم بقيامهم ضد إسرائيل فهم يقومون ضد إله إسرائيل كما وردت في ( 2مل 22:19 ) : « من عيَّرت وجدَّفت وعلى من عليت صوتاً وقد رفعت إلى العلاء عينيك ، على قدوس إسرائيل» . وهكذا صار كل من يقاوم إسرائيل يقاوم الله. ولكنهم لم يعرفوا على من يتحدون .
۳- « لنقطع قيودهما ، ولنطرح عنا ربطهما » .
هو الحديث الذي دار بين الملوك والرؤساء مشجعين بعضهم بعضا أن يكسروا نير الخضوع ، عصابات توافقت وتواثقت . وكان النير موضوعاً على رقابهم كما يصفها إرميا النبي : ( 2:27) : «هكذا قال الرب لي اصنع لنفسك رُبطاً وأنياراً واجعلها على عنقك » . التي بها يمكن جعل الحيوانات تحت الضبط والتوجيه كما يصفها هوشع النبي ( 4:11) والرب يتكلم على لسانه من جهة إسرائيل : « كنت أجذبهم بحبال البشر بربط المحبة ، وكنت لهم كمن يرفع النير عن أعناقهم » .
4 – « الساكن في السماوات يضحك . الرب يستهزئ بهم .
5 – حينئذ يتكلم عليهم بغضبه ، ويرجفهم بغيظه .
6 – أما أنا فقد مسحت ملكي على صهيون جبل قدسي » :
الشاعر الرائي يكشف الحجاب ويأمرنا أن ننظر من الأرض إلى السماء حيث الحاكم الأعلى للعالم يجلس متوجاً في جلاله ، وباحتقار قضائي يحيط بهذه المؤامرات التافهة ، وحينما تأتي الساعة يلاشيهم بكلمة .
« الساكن في السموات » :
متوجاً في مجده . انظر مزمور : (1:123) :
+ « إليك رفعت عيني يا ساكناً في السموات » .
ولكن يُلاحظ ويقود ويسوس مجرى الحوادث على الأرض . انظر مزمور ( 4:11) :
+ « الرب في هيكل قدسه . الرب في السماء كرسيه . عيناه تنظران . أجفانه تمتحن بني آدم » . وأيضا مزمور ( 19:103) :
+ « الرب في السموات ثبت كرسيه ومملكته على الكل تسود » .
وأيضاً مزمور ( 4:113) :
+ « الرب عالٍ فوق كل الأمم . فوق السموات مجده » .
انظر سفر الرؤيا (13:5) :
+ « وكل خليقة مما في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض وما على البحر . كل ما فيها سمعتها قائلة للجالس على العرش وللخروف : البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين».
« يضحك – يستهزئ بهم » :
أي يضحك ويسخر منهم . انظر مزمور ( 13:37) :
+ « الرب يضحك به لأنه رأى أن يومه آت » .
وأيضاً مزمور ( 8:59) :
+ « أما أنت يا رب فتضحك بهم . تستهزئ بجميع الأمم » .
« الرب » :
أدوناي يستهزئ بهم.
« حينئذ يتكلم عليهم بغضبه » :
فهو لا يبقى صامتاً أمام جنونهم ، فإن هم تمادوا في هزئهم فهو حتماً يتكلم بغضبه . انظر سفر الخروج ( 7:15 ) :
+ « وبكثرة عظمتك تهدم مقاوميك . ترسل سخطك فيأكلهم كالقش » .
«أما أنا فقد مسحت ملكي على صهيون جبل قدسي» :
والمعنى هو : لماذا هذا الهياج إذا كان أنا الذي مسحت ملكي ( أقمت ) .
« ملكي » :
ملك أُقيم بواسطتي ليملك على شعبي كمثل لي. انظر سفر صموئيل الأول ( 1:16) :
+ « فقال الرب لصموئيل حتى متي تنوح على شاول وأنا قد رفضته عن أن يملك على إسرائيل . املأ قرنك دهناً وتعال أرسلك إلى يسَّى البيتلحمي لأني قد رأيت لي في بنيه ملكاً » .
« صهيون جبل قدسي » :
صهيون اسم لتل محصَّن قوي الذي صار مدينة داود . انظر سفر صموئيل الثاني (7:5) :
+ « وأخذ داود حصن صهيون هي مدينة داود » .
وتقدست بوجود التابوت حتى بُني الهيكل ، وهي الاسم النبوي لأورشليم ، وتوصف بالمدينة المقدسة ، المكان الأرضي الذي صار سکنی لیهوه و مقرا لمملكته التي أقامها.
۷- « إني أُخبر من جهة قضاء الرب : قال لي : أنت ابني ، أنا اليوم ولدتك.
۸ – اسألني فأعطيك الأمم ميراثاً لك ، وأقاصي الأرض ملك لك.
۹- تُحطهم بقضيب من حديد . مثل إناء خزاف تُكسيرهم» :
يهوه قد أعلن أن الملك يخصه لنفسه. والآن الملك يأخذ إعلان یهوه ويعلنه كقانون إلي للنبؤة والوعد بالسيادة على كل العالم باتساعه.
« قضاء الرب » : Decree of the Lord
”الدكريتو” مرسوم رسمي نافذ المفعول ، أذيع كوعد أعطي لداود وبيته بواسطة النبي ناثان . انظر : ( ۲ صم 12: 7-14) :
+ « متی کملت أيامك واضطجعت مع آبائك ، أقيم بعدك نسلك الذي يخرج من أحشائك وأثبت مملكته. هو يبني بيتاً لاسمي وأنا أُثبت کرسي مملكته إلى الأبد . أنا أكون له أباً وهو يكون لي ابناً » .
«قال لي … أنا اليوم » :
اليوم الذي مُسح فيه ملكاً. فإذا كان ناثان صاحب سر سليمان فيكون هو الذي مرَّنه لكي يعرف ويعى دعوته. وبالنسبة لصادوق فهو الذي مسحه . انظر : ( 1 مل 34:1) :
+ « وليمسحه هناك صادوق الكاهن وناثان النبي ملكاً على إسرائيل واضربوا بالبوق وقولوا ليحي الملك سليمان » .
فمن البديهي أن ناثان لم يقصر في تعريف سليمان عظمة معني هذا الطقس .
« أنا اليوم ولدتك » :
كلمة ” أنا” عليها التركيز الأعظم في الآية ، فالبنوة الجديدة بالتبني مع وجود البنوة بالطبيعة ، فالتعرف على بنوة المسيح الأزلية في القيامة إنما تعود إلى اختبار الملك في طقس المسحة . انظر ( اع 33:13)
+ « إن الله قد أكمل هذا لنا نحن أولادهم إذ أقام يسوع كما هو مكتوب أيضاً في المزمور الثاني أنت ابني أنا اليوم ولدتك».
وأيضاً ( رو 1 : 4 و 5 ) :
+ « وتعيَّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات ، يسوع المسيح ربنا ، الذي به لأجل اسمه قبلنا نعمة ورسالة لإطاعة الإيمان في جميع الأمم» ..
« اسألني » :
إن الميراث هو الحق الطبيعي للبنوة ، ولكن حتى الابن يلزم أن يسأل الوعد ويطالب بكماله وتحقيقه . والسيادة على الأمم لم تذكر في ( 2صم7) ولكن في المزمور : انظر ( مز 89 : 27- 29، 34-36) :
+ « أنا أيضاً أجعله بكراً أعلى من ملوك الأرض . إلى الدهر أحفظ له رحمتي وعهدي يثبت له وأجعل إلى الأبد نسله و کرسیه مثل أيام السموات … لا أنقض عهدي ولا أغير ما خرج من شفتاي. مرَّة حلفت بقدسي أني لا أكذب لداود : نسله إلى الدهر يكون و كرسيه كالشمس أمامي» .
« اسألني فأعطيك الأمم میراثاً لك » :
هذا الوعد مثيل لما كان يعطي لإسرائيل من أرض كنعان ، انظر : ( تك 8:17) :
+ « وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكاً أبدياً وأكون إلههم » .
وأيضا : ( تث 21:4 ) :
+ « وغضب الرب عليَّ بسببكم وأقسم إني لا أعبر الأردن ولا أدخل الأرض الجيدة التي الرب إلهك يعطيك نصيباً. » ( تث 49:32)
+ « اصعد إلى جبل عباريم هذا جبل نبو الذي في أرض موآب الذي قبالة أريحا وانظر أرض كنعان التي أنا أعطيها لبني إسرائيل ملكاً» .
والآن فالعالم كله سيكون له بهذا الحق المساوي ، فيهوه ملك العالم وهو يقدم لممثلة السيادة فوق العالم كله . انظر مور ( 72: 7-9) :
+ « يشرق في أيامه الصديق وكثرة السلام إلى أن يضمحل القمر . ويملك من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض . أمامه يحثو أهل البرية وأعداؤه يلحسون التراب».
وأيضا : ( زك 9: 9 و10) :
+ « ابتهجي جداً يا ابنة صهيون . اهتفي يا بنت أورشليم . هوذا ملكك يأتي إليك هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان ».
«تحطمهم بقضيب من حديد » :
تعبير عن حكم قاسي وقسوة في التأديب هي التي تنتظر الثائرين . انظر : ( مز 6:45 ) :
+ « كرسيك يا الله إلى دهر الدهور . قضيب استقامة قضيب ملكك » .
وهذا يوضحه قوله أنه يكسرهم كما جاءت في السبعينية بدلاً من تحطمهم . انظر : ( رؤ 27:2) :
+ « فيرعاهم بقضيب من حديد كما تُکسر آنية من خزف . كما أخذت أنا أيضا من عند أبي ».
وأيضا : ( رؤ 5:12) :
+ « فولدت ابناً ذكراً عتيداً أن يرعى جميع الأمم بعصا من حديد » .
وأيضاً : ( رؤ 10:1) :
+ «من فمه يخرج سيف ماض لكي يضرب به الأمم . وهو سيرعاهم بعصا من حديد».
« إناء خزَّاف »:
تعبير عن کسر سهل لا يُجبر وإلى أجزاء لا يمكن أن تتحد . انظر : ( إر 11:19) :
+ «وتقول لهم : هكذا قال رب الجنود . هكذا أكسر هذا الشعب وهذه المدينة كما يكسر وعاء الفخاري بحيث لا يمكن جبره بعد » .
وأيضا : ( إش 14:30) :
+ « ويكسر ككسر إناء الخزَّافين مسحوقاً بلا شفقة حتى لا يوجد في مسحوقه شقفة لأخذ نار من الموقدة أو لغرف ماء من الجب».
وأيضا : ( أم 15:6) :
+ « لأجل ذلك بغتة تفاجئه بليته . في لحظة ينكسر ولا شفاء».
هذا تصوير للقسوة في التأديب الذي ينتظر الثائرين . أو كما يقول بعض الشراح إن العصا هنا تفيد قضيب الحكم كما جاءت في مزمور ( 6:45 ) :
+ « قضيب استقامة . قضيب ملكك » .
وتفيد حكماً قاسياً لا يقاوم حيث تجيء “تكسرهم” وتُقرأ مع تغيير الحروف الصامتة في العبرية لتعيني يحكم ( کراعي ) كما جاءت في السبعينية . وبناء عليها جاءت في سفر الرؤيا ( 27:2) :
+ « فيرعاهم بقضيب من حديد كما تكسر آنية من خزف » .
كما جاءت كذلك في السريانية وعند جيروم . وفي هذه الحالة تكون قضيب تعني عصا الراعي كما جاءت في ( ميخا 14:7) :
+ « ارع بعصاك شعبك غنم میراثك … »
وحينئذ تصبح الجملة تحمل اجتماع لفظين متعارضين ( Oxymoron ) .
۱۰ – « الآن يا أيها الملوك تعقلوا . تأدبوا یا قضاة الأرض » :
الشاعر يعتمد على ما فات من الحقائق ، إذ يوجد هناك طريق أفضل وهو الخضوع لتجنب التحطيم ، فقواد الأمم هنا ينادي بهم ليتعقلوا في الوقت المناسب ويقبلوا السيادة المطلقة ليهوه عوضا عن المقاومة حتى لا يتقد غضبه .
تأدبوا یا قضاة الأرض أي أيها القادة توقفوا عن الثورة يا حكام الأرض واستخدموا العدل یا ملوك الأرض . انظر مزمور : ( 11:148) :
+ « ملوك الأرض وكل الشعوب ، الرؤساء وكل قضاة الأرض » .
وأيضا : ( أم 16:8) :
+« بي تترأس الرؤساء والشرفاء كل قضاة الأرض » ..
11 – « اعبدوا الرب بخوف ، واهتفوا برعدة » :
« اعبدوا الرب بخوف » :
تفيد الخضوع ليهوه خضوع العبادة شخصياً أو لمن يمثلونه كما جاءت في مزمور ( 43:18) :
+ « شعب لم أعرفه يتعبد لي » .
ولكن المعنى المتسع لا يصح إغفاله بمعني يخاف ، فالعبادة مع الخوف تستخدم دائماً في المعنى الديني والخضوع السياسي لإسرائيل وهي دائماً تأتي في المعنى الميساني مثل مزمور ( 22: 27و 28) :
+ « تذکر وترجع إلى الرب كل أقاصي الأرض . وتسجد قدامك كل قبائل الأمم . لأن للرب المُلك وهو المتسلط على الأمم » .
«واهتفوا برعدة » :
انظر مزمور ( 9:96) :
+ « اسجدوا للرب في زينة مقدَّسة . ارتعدي قدامه یا كل الأرض » .
وهي تعني افرحوا بسرور و خشوع وتعجب ، بما يناسب ما يقدَّم لمن له النقمة والخوف كما جاءت في مزمور ( 1:97) :
+ « الرب قد ملك فلتبتهج الأرض ، ولتفرح الجزائر الكثيرة » .
وأيضا مزمور ( 43:18) :
+ « تنقذيني من مخاصمات الشعب . تجعلني رأساً للأمم . شعب لم أعرفه يتعبَّد لي».
وأيضا مزمور ( 11:72) :
+ « ويسجد له كل الملوك . كل الأمم تتعبد له ».
۱۲ – « قبلوا الابن لا يغضب فتبيدوا من الطريق . لأنه عن قليل يتقد غضبه. طوبى لجميع المتكلين عليه» :
« قبلوا الابن » :
بناء على القول : « اعبدوا الرب بخوف » يتلوها النداء بأن يقدموا الطاعة لمن يمثله ، لأنها قبلة الطاعة . انظر ( اصم 1:10) :
+ « فأخذ صموئيل قنينة الدهن وصب على رأسه وقبله وقال أليس لأن الرب قد مسحك على میراثه رئيساً ». وأيضاً ( 1مل 18:19) :
+ « وقد أبقيت في إسرائيل سبعة آلاف كل الركب التي لم تجث للبعل وكل فم لم يقبله » .
وأيضا ( أي 31: 26-28) :
+ « إن كنت قد نظرت إلى النور حين ضاء أو إلى القمر يسير بالبهاء . وغوي قلبي سراً. ولثم يدي فمي . فهذا أيضاً إثم يعرض للقضاة لأني أكون قد جحدت الله » .
وأيضا ( هو 2:13) :
+ « والآن يزدادون خطية ويصنعون لأنفسهم تماثیل مسبوكة من فضتهم أصناماً بحذاقتهم كلها عمل الصناع عنها هم يقولون ذابحو الناس يقبّلون العجول ».
ولكن يؤخذ على هذا الشرح أنه يفترض أن المزمور استخدم كلمة ’’بار“ بمعناها الأرامي الذي يعني “ابن” بدلاً من استخدام الكلمة العبرية “ابن” . ومن النادر أن يلجأ الشاعر إلى ذلك إذ لم ترد كلمة بار بمعنی ابن في العهد القديم كله إلا في ( أم 2:31) :
+ « ماذا يا ابني ثم ماذا يا ابن رحمي ثم ماذا يا ابن نذوري ».
ولا يوجد في المخطوطات القديمة إلا في السريانية ما يعطي هذا المعنى أي قبلوا “الابن”. وأما السبعينية وكذلك الترجوم فقد ترجمها : “اقبلوا التعليم”. أما ترجمة سيماخوس وجيروم فوضحتها هكذا : “اعبدوا بنقاوة”. وكذلك ترجمة أكويلا أعطت : ” قبلوا باختيارکم” ، والسريانية أعطت : “قبلوا الابن”. ولكن جيروم في ترجمته اقتنع بأنها : “اعبدوا الابن” ولكنه عاد وحذفها لتشککه وجعلها : “اعبدوا بنقاوة”. ولكن من الأسهل أن نجعلها “قبلوا الابن” بدلا من معان كثيرة غير مقبولة ولكن اختلاف المعاني لا يخرج المزمور عن ماسيانيته .
«لئلا يغضب » :
والفاعل هنا هو يهوه نفسه وفي كل المواضع التي ورد فيها هذا الفعل وجد “الله” هو الفاعل .
« فتبيدوا من الطريق » :
وهكذا ينتهي سعيهم إلى الخراب.
« لأنه عن قليل يتقد غضبه » :
والأفضل أن تقرأ : “بسرعة” أو “بسهولة” . وأما اتقاد غضب الرب فهو مثل ما جاء في مزمور : ( 14:83) :
+ « کنار تحرق الوعر کلهيب يشعل الجبال » .
وأيضا ( إش 27:30) :
+ « هوذا اسم الرب يأتي من بعيد غضبه مشتعل والحريق عظيم . شفتاه ممتلئتان سخطاً ولسانه کنار آكلة ».
« طوبي لجميع المتكلين عليه » :
والأفضل أن تُقال : ” سعداء هم الذين يحتمون فيه”. فالاتكال يحمل معنى الاحتماء . مثل مزمور : (7: 1)
+ « یا رب إلهي، عليك توكلت. خلصني من كل الذين يطردوني ونجني».
وأيضا ( قض 15:9) :
+ « فقال العوسج للأشجار : إن كنتم بالحق تمسحونني ملكاً فتعالوا واحتموا تحت ظلي» . وأيضا مزمور ( 1:57) :
+ « ارحميني يا الله ارحمني ، لأنه بك احتمت نفسي».
نعم نهنئ كل الذين يحتمون فيه ، وحمايته في قبول تسلطه المطلق . ولكن المعنى الروحي وارد . مثل مزمور ( 8:34) :
+ « ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب . طوبى للرجل المتوكل عليه ».
وأيضا ناحوم (1: 7) :
+ « صالح هو الرب حصن في يوم الضيق وهو يعرف المتوكلين عليه » .
- أوريجانوس في شرح المزمور الثاني PG,12,1100
تفسير مزمور 1 | مزمور 2 | تفسير سفر المزامير | تفسير العهد القديم | تفسير مزمور 3 |
القمص متى المسكين | ||||
تفاسير مزمور 2 | تفاسير سفر المزامير | تفاسير العهد القديم |