تفسير رسالة العبرانيين أصحاح 9 للقديس يوحنا ذهبي الفم
الأصحاح التاسع
العظة الخامسة عشر (عب9: 1-14)
” ثم العهد الأول كان له أيضاً فرائض خدمة والقدس العالمي لأنه نصب المسكن الأول الذي يقال له القدس الذي كان فيه المنارة والمائدة وخبز التقدمة ووراء الحجاب الثاني المسكن الذي يقال له قدس الأقداس. فيه مبخرة من ذهب وتابوت العهد مغشى من كل جهة بالذهب الذي فيه قسط من ذهب فيه المن وعصا هرون التي أفرخت ولوحا العهد. وفوقه كروبا المجد مظللين الغطاء. أشياء ليس لنا الآن أن نتكلم عنها بالتفصيل” (عب 9: 1-5).
١- لقد أظهر من خلال الكاهن ، والكهنوت، والعهد، أن ذلك العهد القديم كان لابد له من نهاية، وبالأكثر يظهر هذا أيضًا من شكل الخيمة ذاتها. كيف؟ تحدث عن “القدس” و “قدس الأقداس”. “القدس” هو رمز للزمن السابق، لأن كل شيء كان يتم بذبائح في ذلك الوقت)، بينما “قدس الأقداس” فهو رمز أو إشارات للزمن الحاضر. فهو يدعو “قدس الأقداس” سماء، بل وحجاب السماء نفسه، والجسد الذي دخل إلى داخل الحجاب، أي من خلال حجاب هذا الجسد. و من المفيد أن نفحص هذا الجزء من البداية.
إذا ماذا يقول؟ يقول ثم “العهد الأول” أي “أول؟” أنه العهد (القديم). ” فرائض خدمة ” ماذا تعني كلمة ” فرائض؟ تعني رموز أو طقوس. وكأنه يقول أن العهد القديم كان له فرائض آنذاك، وأما الآن فليس له فهو يُظهر أن هذا العهد قد تراجع بفرائضه بالفعل لحساب العهد الجديد. حتى أنه الآن علي الرغم من بقائه إلا أنه لا وجود له. والقدس العالمي” يدعوه “عالمي” لأنه كان مسموحا للجميع أن يدخلوا إليه، والمكان كان معروفا داخل نفس الدار، والذي فيه كان يقف الكهنة في مكان، وفي مكان آخر اليهود، واليونانيون، وأتباع الناصري الذين آمنوا في مكان آخر. ولأنه كان مسموحا بدخول اليونانيين، لهذا يدعوه “عالمي”، لأنه بالطبع لم يكن العالم هم اليهود. لأنه يقول تصيب المسكن الأول الذي يُقال له القدس الذي كان فيه المنارة والمائدة وخبز التقدمة”. هذه الأمور هي رموز للعالم. ” ووراء الحجاب الثاني”. إذا لم يكن هناك حجاباً واحد، بل كان يوجد حجاب خارجي. ثم يكمل “المسكن الذي يُقال له قدس الأقداس”. لاحظ كيف أنه في كل موضع يدعوه مسكن”، لأنه بقى هناك. فيه مبخرة من ذهب وتابوت العهد مُغشى من كل جهة بالذهب والذي كان فيه قسط من ذهب فيه المن وعصا هرون التي أفرخت ولوحا العهد.
كل هذه كانت موضع إحترام وتذكرة جلية بالجحود اليهودي. ولوحا العهد”. لأنه كان قد كسرهما. ” والمن”، الذي أعطاه الله لهم لأنهم تذمروا ، ولهذا نقل التذكرة للأحفاد، وأمر أن يوضع في قسط من ذهب. ” وعصا هرون التي أفرخت “. لأنهم ثاروا ( عليه). أي لأن اليهود كانوا جاحدين، وبينما كانوا ينالون إحسانات على الدوام، إلا أنهم قد نسوا هذه الإحسانات، ومن أجل هذا وضعوا المَنْ في القسط الذهبي بأمر المشرع لكي يتذكر ذلك جميع أجيالهم الآتية بعدهم ” وفوقه كروبا المجد مظللين الغطاء”. ماذا يعني “كروبا المجد؟”. إما أنه يقصد الأمور الممجدة، أو تلك التي تقف تحت العرش الإلهي وبالصواب يذكر الرسول بولس تلك الأمور التي تظهر عظمة الله ، ولكي يُظهر فيما بعد أنها أسمى. يقول “أشياء ليس لنا الآن أن نتكلم عنها بالتفصيل”. إنه يُشير هنا إلي أن هذه الأشياء لم تكن هي فقط المنظورة، بل كانت مجرد رموز. يقول ” ليس لنا الآن أن نتكلم عنها بالتفصيل” ربما لأنها تحتاج إلي مزيد من الشرح المفصل.
” ثم إذ صارت هذه مهيأة هكذا يدخل الكهنة إلى المسكن الأول كل حين صانعين الخدمة ” (عب 9: 6).
أي أن هذه الأمور كانت موجودة بالطبع، إلا أن اليهود لم يتمتعوا بها ، لأنهم لم يرونها. وربما لم تكن لهؤلاء (اليهود) ، بل لأولئك الذين كانت هذه الأمور تشكل المثال بالنسبة لهم.
” وأما إلى الثاني فرئيس الكهنة فقط مرة في السنة ليس بلا دم يقدمه عن نفسه وعن جهالات الشعب” (عب 9: 7)
أرأيت كيف أن هذه الرموز قد بطلت بالفعل؟
ولكي لا يقولوا كيف كانت الذبيحة واحدة وكيف أن رئيس الكهنة كان يقدم ذبيحة مرة واحدة فقط، يُظهر أن هذا الأمر قد صار هكذا منذ البداية، ما دام أن أقدس ذبيحة مخوفة كانت واحدة.
هكذا كانت العادة منذ البداية، لأن رئيس الكهنة كان يقدم آنذاك ذبيحة مرة واحدة. وبالصواب قال “ليس بلا دم”، بالطبع ليس بلا دم، لكن بالتأكيد ليس بهذا الدم، لأنه لم تكن الرسالة كبيرة بهذا القدر. إنه يظهر أن ذبيحة الصليب ستتم ولكنها لن تحترق بالنار، بل ستتحقق بالدم. لأنه دعي الصليب ذبيحة”، وهي لم تكن تقدم علي خشب ثم تحرق بالنار ولم تقدم مرات عديدة، بل مرة واحدة بالدم. يقول التي تُقدم عن جهالات الشعب”، لاحظ أنه لم يقل عن خطايا، بل قال عن “جهالات”، لكي لا يرتأوا فوق ما ينبغي. ولم يقل الرسول بولس أنك تخطيء بإرادتك، بل أن جهلك هو الذي كان بدون إرادتك، وبسبب هذا لا يوجد أحد نقي. ويشير الرسول في كل موضع إلى عبارة عن نفسه ” لكي يظهر أن المسيح أسمى بكثير من رئيس كهنة اليهود. لأنه إن كان هو متحرراً من خطايانا ، فكيف كان يقدم ذبيحة عن نفسه ؟ لماذا إذا ، تكلمتُ بكل هذا ، هكذا يقول؟ لأن هذا هو ملمح للأسمى. وهنا لا يوجد شكل خاص (بتقديم الذبيحة)، لكنه الآن يتقدم في الشرح، ويقول:
” معلنا الروح القدس بهذا أن طريق الأقداس لم يظهر بعد مادام المسكن الأول له إقامة” (عب 9: 8).
ولهذا يقول إن هذه الأمور نُصبت أو صنعت هكذا ، لكي نعرف أن قدس الأقداس، أي السماء، هي بعد غير مسلوكة. إذًا لأننا لم ندخل إلى قدس الأقداس، فلا يجب أن نتصور أنه غير موجود لمجرد أننا لم ندخل ولا حتى إلى القدس.
يقول: “الذي هو رمز للوقت الحاضر ” (عب 9: 9).
2ـ وما هو الوقت الذي يدعوه “الوقت الحاضر”. الوقت الذي يسبق مجيء المسيح، لأنه بعد مجيء المسيح لن يكون هناك وقت حاضر، فكيف يمكن أن يكون هناك وقت حاضر ، طالما أنه ينقضي وتأتي النهاية؟ وهو يريد شيئًا أخر بإعلانه قائلاً: ” الذي هو رمز للوقت الحاضر” بمعنى أن الرمز قد عبر أو إنتهى. ” الذي فيه تقدم قرابين وذبائح لا يمكن من جهة الضمير أن تكمل الذي يخدم”. أرأيت كيف أنه أظهر بوضوح بهذا الأمر معني عبارة” إذ الناموس لم يكمل شيئاً. وعبارة لو كانت الأولى ” بلا لوم”، كيف؟ ” من جهة الضمير. لأن الذبائح لا تنقي دنس النفس، بل كانت تقدم لأجل الجسد ، لأنه يقول : ” بحسب ناموس وصية جسدية ” لا تستطيع هذه القرابين والذبائح أن تصفح عن زنا ، أو قتل أو تدنيس الأشياء المقدسة. أرأيت كيف أنه يقول عليك أن تأكل هذا، ولا تأكل ذاك؟ الأمر الذي لا أهمية له.
” وهي قائمة بأطعمة وأشربه وغسلات مختلفة” (عب 9: 10).
يقول اشرب هذا ، وإن كان بالطبع لم توجد وصية خاصة بالشرب، لكنه قال هذا محتقرا هذه الأشياء، وغسلات مختلفة وفرائض جسدية فقط موضوعة لأجل الإصلاح” لأن هذا هو بر الجسد، أنه يقلل هنا من أهمية هذه الذبائح، مظهرًا أن ليس لها أي قوة، وأنها كانت تقدم إلي أن يأتي وقت إصلاح هذه الأمور. أي إنتظرت الوقت الذي فيه سيتم إصلاح كل شيء.
” وأما المسيح وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة فبالمسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيد” (عب 9: 11)
المسكن أو الجسد الذي يقصده هنا هو ( جسد المسيح). وبالصواب قد دعاه ” الأعظم” “والأكمل”، إما لأن الله الكلمة وكل طاقة الروح، يسكنان فيه لأن ” الله لا يعطي الروح بمكيال”، أو لأنه أكمل، طالما هو غير مدرك، ويحقق الأمور الأعظم. “أي الذي ليس من هذه الخليقة “. ها هو قد أتى من الخيمة التي هي أعظم، لأنه ما كان له أن يكون أي الجسد صنيعة الروح لو كان قد صنعه إنسان. ثم يقول “ليس من هذه الخليقة ” . أي ليس من مخلوقات هذا العالم، بل من العالم الروحي، لأنه (أي الجسد) صنيعة الروح القدس. أرأيت كيف يدعو الجسد “بالخيمة” و “المسكن” و “السماء”؟ يقول فبالمسكن الأعظم والأكمل”، ثم بعد ذلك “قبالمسكن أي هذا الجسد”، وأيضاً “إلى داخل المسكن” وأيضا “الذي يأتي إلى قدس الأقداس”، لكي يقف أمام الله. ولماذا يفعل هذا؟ لأنه يرغب في أن يُعلّمنا من خلال كل واحدة من هذه الأشياء، الأهمية المختلفة التي لها، والأسباب (التي من أجلها وُجدت) أقصد بهذا الآتي : أن السماء هي مسكن، فكما أن الأقداس تحجب المسكن، هكذا الجسد يحجب الألوهية، والسماء أيضا هي خيمة، لأن هناك في الداخل يوجد الكاهن.
وأما المسيح وقد جاء رئيس كهنة”. لم يقل صار ، بل قال “جاء” بمعنى جاء في هذه (الرتبة) ذاتها، لم يأخذها أحد آخر. فهو لم يأت ثم صار فيما بعد رئيس كهنة، بل جاء كرئيس كهنة في نفس الوقت الذي آتي فيه ولم يقل “جاء كرئيس كهنة للذبائح”، بل “للخيرات العتيدة”، لأن الكلام قاصر علي أن يعرض كل شيء. يقول:
“وليس بدم تيوس وعجل..” (عب 9: 12)
فكل شيء أصبح متغيرًا. بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس”. ها هو يدعو السماء “بالأقداس”. يقول دخل” مرة واحدة إلى الأقداس، فوجد فداء أبديًا” وكلمة “وجد” كانت من الأمور المستحيلة للغاية وبعيدة عن كل رجاء، إلا أن بدخوله مرة واحدة، وجد فداء أبديًا”. ثم أشار بعد ذلك إلى الأمر القاطع والمقنع قائلاً:
“لأنه إن كان دم ثيران وتيوس ورماد عجلة مرشوش على المنجسين يقدس إلى طهارة الجسد. فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي” (عب 9: 13-14).
هكذا يقول إنه إذا كان دم ثيران يمكن أن يطهر الجسد ، فكم بالأحرى دم المسيح القادر على أن يطهر نجاسة النفس. ولكي لا تعتقد وأنت تسمع أن (دم تيوس وثيران) يقدس” ، وأن هذا الدم هو شيء مهم، فإنه يشير ويُظهر الفرق بين كل من التطهيرين، وكيف أن التطهير بدم المسيح هو أسمى وأعلى بكثير، بينما التطهير (بدم الحيوانات) هو محدود وبسيط. ويقول أن هذا الدم هو دم طبيعي جدا، بينما ذلك الدم كان لتيوس، لكن هذا الدم فهو دم المسيح. ولم يكتف بالاسم فقط، بل يذكر طريقة التقدمة، لأنه يقول: “الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب”. بمعنى أن الذبيح كان بلا عيب ونقياً من الخطايا. وعبارة “بروح أزلي”، تعلن أنه لم يُقدم (نفسه) بنار ولا بأشياء أخرى. يقول يطهر ضمائركم من أعمال ميتة”. وبالصواب قال “من أعمال ميتة “، لأنه إن لمس أحد آنذاك مينا كان يتنجس، وهنا لو حدث أن شخصاً مارس أعمال ميتة يتنجس ضميره. ثم يقول “لتخدموا الله الحي” هنا يظهر أن ذاك الذي يُمارس أعمالا ميتة، لا يمكنه أن يخدم ا الله الحي. وبالصواب قال الله (الحقيقي) الحي”، مُظهرًا بهذا أن التقدمات التي تقدم له ينبغي أن تكون هكذا (حية). وبناء على ذلك فكل ما هو لنا (في المسيح) هي أمور حية وحقيقية، أما تلك التي كانت لليهود هي أعمال ميتة وكاذبة، وهي بالحق هكذا.
3- إذا لا يأتي أحد إلى هنا وهو يمارس أعمالا ميتة. لأنه إن كان ذاك الذي يلمس جسد ميت لا ينبغي له أن يدخل (إلى الأقداس)، فبالأكثر جدا لا ينبغي لذاك الذي يمارس أعمالا ميتة أن يدخل (إلى السماء)، لأنه نجس بشكل مخيف. والأعمال الميتة هي تلك التي ليست فيها حياة، والتي تنبعث منها عفونة. أي أنه كما أن الجسد الميت لا يتأثر بأي مشاعر، بل ويثير الحزن لمن يقترب منه، هكذا الخطية فهي تُصيب الفكر بشكل مباشر، ولا تتركه للهدوء، بل وتجعله يضطرب ويهتز يُقال أن شدة الوباء تحطم الجسد . هكذا الخطية، إنها لا تختلف قط عن الوباء، فهي لا تُفسد الهواء أولاً ثم بعد ذلك الأجساد، ولكنها تتجه نحو النفس مباشرة.
ألا ترى أولئك المصابين بمرض الطاعون كيف يلتهبون (بسبب إرتفاع درجة الحرارة)، كيف يُصابون بالدوار، ويمتلئون بالعفونة، كيف تصير وجوههم مقززة، وكيف أن جميعهم مليء بالقروح ؟ هكذا يكون حال الذين يخطئون، حتى وإن كان (الآخرون ) لا يرونهم. أخبرني، أليس الأسير لشهوة المال، أو محبة الأجساد هو أسوأ من الذي يعاني من إرتفاع في درجة الحرارة؟ أليس هو أكثر قذارة من كل هؤلاء، ومرتكباً لكل الأمور المخجلة، ويعاني منها؟ وهل يوجد مَنْ هو أكثر قبحا من رجل يحب المال بشكل مبالغ فيه؟ وبقدر ما أن النساء العاهرات لا يتوقفن عما يفعلن، هكذا هو أيضاً، أو بالأحرى نقول أن هؤلاء النساء من الممكن أن يتوقفن، أما هذا فلا يتوقف. ماذا أقول هل لا يتوقف؟ إنه يجرؤ علي إرتكاب أمور خسيسة، وينافق أولئك الذين لا يجب أن ينافقهم، وأيضا يظهر وقاحة حيث لا يجب أن يظهرها، ويخرج عن المألوف في كل موقف. يجلس مرات عديدة مع أناس أشرار وسحرة ،وفاسدين وأكثر فقراً وأكثر تفاهة، وبينما هناك آخرون صالحون ويحيون بالفضيلة في كل شيء، نجده يُهينهم ويتصرف تجاههم بوقاحة.
أرأيت (مدى القبح الذي فيه)، بسبب الرداءة والبذاءة؟ أنه وضيع ومتباهي بشكل يتجاوز كل مقياس إن العاهرات يقيمن بالطبع في مسكن، ومن حيث إنهن يبعن أجسادهن مقابل المال، فهذا أمر يستحق الإدانة، وإن كان لهن مبررهن وهو أن الفقر والجوع يجبرهن على ممارسة الزنا، وإن كان هذا بالطبع لا يُعتبر مبرر لأنه من الممكن أن يعملن ويدبرن معيشتهن إلا أن الإنسان الجشع لا يقيم في مسكن بل في وسط المدينة، مقدماً للشيطان ليس الجسد فقط، بل نفسه أيضا ، حتى أنه يأتي ويقيم معه، كما مع عاهرة حقا، وبعدما يتمم كل شهوته، يخرج وتراه كل المدينة وليس فقط اثنين وثلاث من البشر. وهذه هي سمات تصرفات العاهرات، أن يأتي أحد ويعطي لهن مالاً، سواء كان هذا عبداً أو حراً أو مصارعاً أو أي أحد آخر، ويقدم مكافأة فيقبلون، بينما أولئك الذين لا يقدمون شيئاً، وإن كانوا أكثر تهذيبا من الجميع، فإنهم لا يستطيعون أن يقتربوا منهن دون مقابل مادي. هذا ما يصنعه هؤلاء هنا، فالأفكار المستقيمة (لا تمثل لديهم شيئاً)، عندما لا يكون لدى أصحابها أموالا فإنهن يبغضونهم، بينما النجسون والذين هم بالحقيقة محاربوا وحوش يعاشرونهم بسبب المال، ويمارسون معهم الرذيلة، ويفقدن جمال أنفسهن أي تماماً مثل هؤلاء اللاتي من حيث هيئتهن هن منفرات، مملؤات بالخبث، متوحشات بدينات قبيحات سيئات، وفي كل شيء هن مقززات هكذا أنفسهن أيضاً، ولا يستطعن أن يخفين بشاعتهن عن طريق مساحيق التجميل أو الزينة الخارجية. لأنه حين تكون البشاعة هي ا الأسوأ من كل شيء ، فمهما حاولن ابتداع حيل شتي ، فلن يستطعن أن ينافقن أنفسهن. ومن حيث أن الفجور يصنع عاهرات، فأسمع النبي الذي يقول : ” نجست الأرض بزنــاك وبشرك “
وهذا يمكننا أن نقوله أيضًا عن الجشعين أنك سلكت بعدم حياء تجاه الجميع، وليس تجاه هؤلاء وأولئك، بل تجاه الجميع. كيف؟ لأن مثل هذا الإنسان، لا يحترم أباه، ولا إبنه ولا زوجته ولا صديقاً ، ولا أخاً ولا محسن (إليه)، ولا أي أحد آخر بشكل عام. ولماذا أقول صديقاً وأخاً وأباً؟ فهو لا يحترم الله ذاته، بل إنه يعتبر كل ما يتعلق بالله إسطورة، ويضحك ثملا بسبب الشهوة الكبيرة (التي تسود عليه)، ولا يريد أن يسمع شيئًا من تلك الأمور التي يمكن أن تفيده. لكن يا للعجب لهذا الهذيان، فما هو الكلام الذي يتكلمون به الويل لك أيها المزيف و المخادع، ولذاك الذي ليس له (الحكمة) ! هنا يتملكني لهيب الغضب الويل لأولئك الذين يقولون هذه الأمور، حتى وإن كانوا بعد يقولونها مستهزئين أخبرني ألم يعلن الله هذا التهديد، قائلاً “لا يقدر أحد أن يخدم سيدين؟”. فهل تبطل هذا الوعيد ، متجراً أن تتكلم بهذا الكلام الذي يؤدي بك إلى خسارة نفسك؟ ألم يقل الرسول بولس أن هذه الشراهة للمال) هي عبادة أوثان، ودعى الجشع عابد أوثان؟ ولكن هل تقف أنت وتضحك أو تسخر مثل النساء الدنيويات، فتُثير الضحكات مثل نساء المسرح؟
4- أنقض كل هذه الأوثان (محبة المال) وحطمها، فقد آلت كل أمورنا وما نفتخر به إلي أن تكون موضع سخرية، لا شيئاً ثابتاً، لاشيء متماسكاً. لا أقول هذا الكلام عن الرجال الدنيويين فقط، بل أنني أعرف إلي من أشير، لقد امتلأت الكنيسة من المجون، فلو أن شخصًا قال فكاهة، فعلى الفور يضج الحاضرون بالضحك والمثير للدهشة هو أن الكثيرين لا يتوقفون عن الضحك حتى وقت الصلاة. إن الشيطان يرقص في كل موضع ، لقد لبس الجميع، وساد على الجميع. لقد أُهين المسيح وإزدرى به، وأصبحت الكنيسة كأنها ليست موجودة علي الإطلاق.
ألم تسمعوا الرسول بولس الذي يقول “لا يسم بينكم.. لا القباحة ولا كلام السفاهة والهزل؟ فهو يشير إلى الهزل في ذكره للقباحة، ثم تضحك أنت؟ وما الهزل؟ هو ذلك الكلام الذي لا يحمل شيئاً نافعاً. إذا أنت أيها الناسك أتضحك بصفة دائمة وينشرح وجهك ، أتسخر ، أخبرني أنت يا مَنْ تتألم، أنت يا مَنْ تحزن؟ أين سمعت المسيح يفعل هذا؟ لم يحدث هذا قط، بل مرات عديدة كان حزيناً. حقاً لقد دمعت عيناه عندما رأى أورشليم، وانزعج عندما فكر في الخائن، وعندما ذهب ليقيم لعازر بكى، وهل (بعد ذلك تضحك في ابتذال) ؟ فإذا كان مَنْ لا يتألم لخطايا الآخرين يكون مستحقاً للإدانة ، فأي صفح يكون مستحقا له ذاك الذي يسلك بعدم إحساس تجاه خطاياه؟ إن الوقت الحاضر للأسف هو وقت للحزن ولتحمل الآلام، للتذلل للجهاد، والعرق، فهل تضحك بعد؟ ألم ترى كيف وبخت سارة؟ ألم تسمع المسيح يقول ” ويل لكم أيها الضاحكون الآن لأنكم ستحزنون وتبكون؟ ” يبدو أنك لم تسمع هذا قط، لكن ماذا؟ يقول المرنم تعبت في تنهدي .. ربما البعض من العاجزين والمتراخين إلى حد أنهم يضحكون لأجل هذا التأنيب، كما لو كنا نقول هذا الكلام لكي نثير الضحك بالحقيقة أن مثل هذه الأمور هي الخبل والجنون بعينه، لأن مثل هؤلاء لا يشعرون ولا حتى بالتأنيب.
إن كاهن الله يقف ليصلي لأجل الجميع، فهل تضحك دون أن تخاف شيئا؟ و بالطبع فإن هذا الكاهن يصلي مرتعدًا من أجلك، أفأنت تحتقره؟ ألم تسمع الكتاب الذي يقول “ويل” للمستهزئين ألا ترتعب؟ ألا تخجل؟ وبالطبع حين تأتي إلى قصر تحرص علي أن تكون وقورًا في مظهرك، في نظرتك، في خطواتك، وفي كل الأمور الأخرى، بينما تضحك هنا في الكنيسة”، والتي هي في الحقيقة قصر وتشبه تماماً الأمور السمائية، أعرف أنك لا ترى، ولكن عليك أن تعرف أن في كل موضع يوجد ملائكة إلى جوارنا ، وداخل بيت الله يقفون بجوار الملك، وكل شيء مملوء بتلك القوات غير الجسدانية. كلامي هذا موجه أيضا إلى النساء اللواتي بالطبع لا يجرؤن علي أن يفعلن هذا بسهولة أمام أزواجهن، وأن فعلنه لا يفعلنه دائماً ، بل في وقت الراحة، بينما هنا فبصفة دائمة. أخبريني أيتها المرأة، هل تُخفين رأسك وتضحكين وأنت داخل الكنيسة ؟ هل تأتين لكي تعترفين بخطاياك وتنطرحين أمام الله، لكي تترجينه وتتضرعين إليه عن الشرور التي إرتكبتيها والمخالفات التي اقترفتيها ، وتفعلين هذا ضاحكة؟ كيف إذا ستستطيعين أن تنال رضي الله؟
والسؤال هنا هل الضحك شر؟ الضحك ليس شراً، غير أنه يكون شراً عندما يتجاوز الحد ويكون في غير وقته. الضحك في تكويننا، عندما نرى أصدقاء لم نراهم منذ زمن بعيد ، نبتسم (أي نفرح)، وعندما نرى البعض مرتعبين وخائفين نشجعهم بابتسامة، لا أن نقهقه ونستمر في الضحك. الضحك موجود داخل نفوسنا ، لكي تستريح به النفس أحيانًا ، لا لكي يؤدي بها إلى التشتت. كذلك فإن الشهوة توجد في أجسادنا، وهذا لا يعني علي أي حال إننا يجب علينا أن نستخدمها ، لكونها موجودة أو أن نستخدمها بشكل يتجاوز الحد، بل علينا أن نضبطها ، فلتصلي لله بدموع، لكي تتنقى من خطاياك. أعرف أن الكثيرين سيتهمونني بقولهم أنه يطالبنا بذرف الدموع. ولذلك فإني أقول أن هذا الوقت هو وقت دموع فأنا أعرف كل أولئك الذين يقولون لنأكل ونشرب لأننا غدا نموت” لكن لتفكر في أنه “باطل الأباطيل الكل باطل”. هذا لا أقوله أنا ، بل يقوله الذي عرف كل الأمور على حقيقتها ، يقول : ” بنيت لنفسي بيوتا غرست لنفسي كروما .. عملت لنفسي برك مياه.. إتخذت لنفسي مغنيين ومغنيات”. وماذا قال بعد كل هذا؟ قال باطل الأباطيل الكل باطل”.
لنحزن إذا أيها الأحباء، لنحزن، لكي نضحك بالحقيقة، لكي نشعر حقا بالإبتهاج عندما يحين وقت الفرح الحقيقي. لأن هذا الفرح هو على كل حال ممزوج بالحزن، ومن غير الممكن أن نجده صاف أبدا ( عندما لا يمتزج بالحزن)، بينما هذا الفرح (المشار إليه)، هو خالص و صاف تلقائي نابع من نية حسنه وخالياً من النفاق واللوم، وغير مختلط بشيء. فلنشعر بالسعادة مع هذا الفرح، ولنسعى في إثره. ومن غير الممكن أن نحقق هذا الفرح بطريقة أخرى، إلا بأن نرفض أمور هذه الحياة الحاضرة ولا نفضلها ، بل تفضل تلك التي تنفع، وأن نحزن قليلاً بإرادتنا ونتألم بشكر لكل ما يحدث لنا. لأنه هكذا سننال ملكوت السموات بالنعمة ومحبة البشر اللواتي لربنا يسوع المسيح الذي يليق به مع الآب والروح القدس المجد والكرامة الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين.
العظة السادسة عشر (عب9: 15-23)
” ولأجل هذا هو وسيط عهد جديد لكي يكون المدعوون إذ صار موت لفداء التعديات التي في العهد الأول ينالون وعد الميراث الأبدي. لأنه حيث توجد وصية يلزم بيان موت الموصي. لأن الوصية ثابتة على الموتى إذ لا قوة لها البتة ما دام الموصي حيا . فمن ثم الأول أيضا لم يكرس بلا دم” (عب 9: 15-18)
1- كان طبيعيا أن يتشكك كثيرين ممن كانوا ضعفاء في الإيمان، بسبب موت المسيح، وبالأكثر من جهة تتميم وعوده إذا لكي يقضي على هذا الشك، يسوق هذا المثال مما معتاد بين البشر. إذا ما هو هذا (المثال)؟ يقول لأجل هذا يجب أن تتشجعوا . لماذا؟ لأن الوصايا كانت قانونية آنذاك وكانت لها قوة، ليس حين كان الموصيون على قيد الحياة، بل بعد موتهم. ولذلك يبدأ حديثه هكذا ومن أجل هذا يقول: “وسيط عهد جديد “. الوصية تسري عند نهاية الحياة والوصية هي هكذا، حتى أنها تجعل البعض ،وارثين، والبعض الأخر يُحرم من الميراث. هكذا يتكلم هنا أيضًا عن المسيح بالنسبة للوارثين” أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي ” ، وأيضًا إسمع ماذا يقول لأولئك الذين يستبعدهم من الميراث (السماوي) ” ولستُ أسأل من أجل هؤلاء فقط بل أيضا من أجل الذين يؤمنون بي بكلامهم.
تحتوي الوصية أيضًا على رغبات الموصي والتزامات الورثة، وبناء على ذلك فالوصية تشير إلى ما سيأخذه الورثة، وإلى تلك الإلتزامات التي يجب أن تقع عليهم. هكذا هنا أيضًا، فبعد كم من الوعود التي يعطيها ، يطلب من هؤلاء أن يتمموا إلتزاماتهم، قائلاً:
” وصية جديدة أنا أعطيكم . أيضًا يجب أن يكون للوصية شهوداً، وإسمع ماذا يقول المسيح في هذه الحالة “أنا هو الشاهد لنفسي ويشهد لي الآب الذي أرسلني ” ، وأيضاً يقول:” فهو يشهد لي ) متحدثا عن الروح القدس المعزي وهو قد أرسل الرسل الأثنى عشر للكرازة، قائلاً تكونون شهودا لي أمام الله، ولهذا يقول: “هو وسيط عهد جديد”.
ماذا تعني كلمة “وسيط”؟ الوسيط ليس هو بعد سيد لأمر ما، وهذا الأمر شيء، والوسيط هو شيء آخر، على سبيل المثال وسيط العرس ليس هو ذاك يحرر عقد الزواج، بل هو الذي يساعد من يحرر هذا العقد . هكذا هنا أيضًا الإبن صار وسيطاً بين الآب وبيننا لم يُرد الآب أن يترك لنا هذا الميراث، وغضب علينا وعاملنا بسخط، كما لو كنا محرومين من الميراث. إذا فقد صار المسيح وسيطا بيننا وبين الله الآب ، وتمم مشيئته. ولاحظ كيف صار وسيطاً، لقد صلى إلى الله الآب لأجلنا، وحمل لنا كلام الآب، وفي النهاية مات لأجلنا، لقد حدث صدام بيننا وبين الله، ولهذا كان يجب أن نموت، لكن (الإبن) مات عنا، وجعلنـا مستحقين للوصية. إذا بهذه الطريقة صارت الوصية صحيحة وشرعية، وهكذا لم تؤول لغير المستحقين.
لقد جعل وصيته منذ البداية كما من أب تجاه أبنائه، ونظراً لأننا ظهرنا غير مستحقين، فقد كنا مهيأين لعقوبة، وليس لوصية. إذا لماذا تفتخر بالناموس؟ فهو قادنا إلى هذا القدر الكبير من الخطايا، حتى أنه لم يكن لنا أن نخلص أبداً ، إن لم يمت إلهنا لأجلنا، ولم يكن للناموس القدرة علي إنقاذنا، لأنه كان ضعيفاً. وهذا الأمر قد أكده، ليس فقط من خلال ما يحدث عادة بين البشر، بل من خلال ما كان يحدث في العهد القديم، الأمر الذي أقنعهم بشدة. لكن لم يمت أحد هناك، هكذا يقول. إذا كيف كانت تلك الوصية شرعية ؟ يقول بنفس الطريقة. كيف؟ كان هناك سفك دم في العهد القديم، تماماً كما هنا (في العهد الجديد). لكن وإن لم يكن هو دم المسيح، فهذا لا يجعلك تتحير، لأن ذلك الدم)، كان مثالا لدم المسيح، ولهذا يقول: ” فمن ثم الأول أيضًا لم يكرس بلا دم”. ماذا يعني “كرّس؟ ” يعني تأكد ، صار شرعيًا. إذا من أجل هذا السبب إحتاج الأمر لوجود رمز للعهد وللموت.
2- أخبرني لماذا كان كتاب العهد يُرش بالدم؟ لأنه يقول:
” لأن موسى بعدما كلم جميع الشعب بكل وصية بحسب الناموس أخذ دم العجل والتيوس مع ماء وصوفا قرمزيًا وزوفا ورش الكتاب نفسه وجميع الشعب. قائلا هذا هو دم العهد الذي أوصاكم الله به ” (عب 9: 19-20).
إذا فلتخبرني لماذا كان كتاب العهد والشعب يُرش بالدم؟ لأن ذلك الدم والماء، كانا مثال لدم المسيح الكريم الذي أُعطي من السماء. ولماذا كان الرش يتم بزوفا ؟ لأن الزوفا كانت كثيفة وليّنة، وتستطيع أن تحفظ الدم. ولماذا كان هناك إحتياجاً للماء؟ لأن الماء كان يُستخدم للإعلان عن الطهارة التي تتم بالماء. وماذا كانت الحاجة إلى الصوف؟ وهذا قد استخدم لكي يحتفظ بالدم. إنه يُظهر هنا أن الدم والماء هما نفس الشيء، لأن المعمودية ترمز إلى نفس الألم.
” والمسكن أيضا وجميع آنية الخدمة رشها كذلك بالدم. وكل شيء تقريبا يتطهر حسب الناموس بالدم وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة” (عب 9: 21-22).
لماذا قال “تقريبا؟” ولماذا حدّده هكذا؟ لأن كل هذه الأشياء التي تطهرت لم تكن علي طهارة كاملة، بل كانت شبه كاملة، بينما هنا يقول: ” هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا” ٣٧. إذا أين الكتاب الذي طهر أفكار هؤلاء ؟ هؤلاء كانوا بمثابة كتب العهد الجديد. أين هي أيضاً آنية الخدمة؟ هؤلاء أنفسهم هم الآنية أين هي الخيمة؟ هؤلاء أيضا هم الخيمة، لأنه يقول ” سأسكن فيهم وأسير بينهم .
ولكن هنا الرش لم يحدث بصوف قرمزي ولا بزوفا . لماذا يا ترى؟ لأن الطهارة لم تكن جسدية، بل روحية، والدم كان روحيًا. كيف؟ لأنه لم يُسفك من دم عجول، بل من جسد كوّنه الروح القدس. ليس موسى هو الذي رشنا بهذا الدم، بل المسيح، بكلامه الذي قاله هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك.. لمغفرة الخطايا”. هذا الكلام مصبوغ بالدم، بدلاً من الزوفا ، وقد طهر الجميع إلى التمام. وكان الجسد يتطهر خارجيًا. لأن التطهير كان جسديًا، بينما هنا (في العهد الجديد)، ونظراً لأن التطهير هو روحيًا، فإنه يدخل إلى داخل النفس، ولا يرشها خارجيًا فقط، بل يطهرها، كما من ينبوع ينبع داخل نفوسنا. ويعرف ما أقوله أولئك المعاينون للأسرار السمائية. في حالة الوضع القديم كان الدم يُرش بالطبع على السطح فقط، وأيضًا كان المرشوش يتنظف، لأنه ليس من المقبول أن يتجول دوماً مرشوش بالدم، لكن في حالة النفس (المرشوشة)، لا يحدث نفس الأمر، بل أن الدم يمتزج بجوهر النفس ذاتها، يجعلها قوية ونقية ويقودها إلى هذا الجمال غير المدرك ذاته. إذا هو يقدم الموت، ليس فقط كسبب شرعي للعهد أو للوصية، بل وللطهارة أيضًا. لأن الموت كان يُعتبر أمراً نجساً، وبالأخص موت الصليب، يقول – أنه طهرنا من الخطية، وطهّرنا إلى التمام من أمور أكثر شرا ، ومن أجل هذا سبقت تلك الذبائح (أي ذبائح العهد القديم)، دم المسيح، ولهذا كانت الحملان تذبح، ولهذا أيضاً حدثت كل هذه الأمور الأخرى.
” فكان يلزم أن أمثلة الأشياء التي في السموات تطهر بهذه وأما السمويات عينها فبذبائح أفضل من هذه” (عب 9: 23).
وكيف تكون أمثلة للأشياء التي في السموات؟ وما هي هذه الأشياء التي يدعوها هنا سمائية؟ هل هو يقصد السماء ؟ أم قصد الملائكة؟ لا شيء من هذا كله، بل قصد الأمور المختصة بنا. وبناء على ذلك فإن الأمور الخاصة بنا، هي كائنة في السموات، وهي أمور سمائية، حتى وإن كانت تتحقق على الأرض. لأن الملائكة أيضًا يوجدون على الأرض ويدعون سمائيين، والشاروبيم ظهروا على الأرض، لكنهم سمائيون. ولماذا أقول ظهروا ؟ أنهم يحيون حقيقة على الأرض، تماما مثلما في الفردوس. ولا يُعوقهم شيء عن هذا ، لأن هذه (الأرض). هي سمائية هكذا كما هي. ونظام حكمنا وقيادتنا هو في السماويات، وإن كنا نعيش على الأرض. “أما السمويات عينها”، أى كل طريقة حياتنا الفاضلة، كل هؤلاء الذين دعيوا للسماء، يجب أن يتطهروا “بذبائح أفضل من هذه. إن الشيء الأفضل هو أسمى مما هو فاضل، وبناء على ذلك هو أمر حسن إستخدام الذبائح (في القديم) كأمثلة للسمويات. وبالحق لم يكن ممكنا أن تكون الأمثلة سيئة أو شريرة، لأنه حينئذ ستكون الذبائح التي هي القاعدة التي يقوم عليها المثال سيئة أيضا.
3- إذا إن كنا نحن سمائيين وأستحققنا مثل هذا الميراث، فلنرتعد ، ولا نبقى بعد في الأرض، وقد أصبح ذلك الآن في استطاعة من يريد أن يسمو بأفكاره للسماء، كذلك فإن تمسك أحد بالأرضيات أو عدم تمسكه، هذا يعتمد على طريقة الحياة، وعلى الرغبة أو الإرادة، أقصد بما أقوله الآتي: يُقال عن الله أنه في السماء، لماذا؟ لا لأنه ينحصر في مكان ، لأن هذا غير ممكن، ولا لأنه قد ترك الأرض خالية من حضوره، بل بسبب العلاقة والدالة أو الألفة التي له نحو الملائكة. إِذًا إن إقتربنا نحن من الله، سنكون في السماء. ماذا تعني السماء بالنسبة لي؟ حين أرى رب السماء، وعندما يصير لي هو نفسه سماء لأنه يقول : ” إليه نأتي وعنده نصنع منزلاً “. إذًا لنجعل أنفسنا سماء السماء بهية ومشرقة بطبيعتها ، فليس بها الآن من قتام، فهذا بسبب تجمع السحب والتي تحجب لون السماء المشرق. والسماء لها الشمس، ونحن لنا شمس البر. قلت أنه من الممكن أن نصير كالسماء، وأرى أنه من الممكن لنا أن نصير أيضًا أفضل من السماء. كيف؟ ما يبدو عندما يملك علينا رب الشمس.
إن السماء نظيفة ونقية من كل ناحية، لا يؤثر فيها شتاء، ولا ليلاً، ونحن أيضاً يجب ألا تغيرنا لا الضيقات ولا حيل الشيطان، بل لنبقى أنقياء وطاهرين السماء عالية وتبتعد كثيرًا عن الأرض، هذا ما يجب أن نفعله نحن أيضا ولنرتفع نحو هذا السمو . وكيف سنبتعد عن الأرض؟ بأن نفكر في السمويات السماء فوق الأمطار وأيام الشتاء، ولا تُهزم من أحد . ونحن أيضًا يمكننا أن نكون هكذا ، إن أردنا. السماء تبدو فقط أنها تعاني، لكنها في الحقيقة لا تتأثر بشيء. إذا يجب ألا نتأثر نحن أيضا ، حتى وإن كان يبدو أننا نعاني مثلما يحدث خلال فترة الشتاء، كثير من الناس لا يُميزون جمال السماء، بل ويعتقدون أنها تغيّرت، بينما أولئك الذين يتناولون الأمور بحكمة يعرفون أنها لم تُصب بشيء، هكذا نحن أيضا خلال فترة الضيقات، يعتقد الكثيرون أننا تغيرنا مع هذه الضيقات، وأن الضيقة لمست قلوبنا ، أما أولئك الذين يتناولون الأمور بحكمة، يعرفون أن الضيقة لا تُقلقنا. ينبغي إذا أن نصير سماء، لنسمو نحو هذا الإرتفاع، وحينئذ سنرى أن الناس لا يختلفون أبدا عن النمل أو عش النمل، لا أقصد الفقراء فقط، ولا الأغنياء، بل حتى قائد الجيش أو الملك، فلن تميز هناك في ملكوت السموات الملك عن الفرد العادي، ولن نهتم لما هو مصنوع من الذهب أو من الفضة ولا بالملابس المصنوعة من الحرير أو من الأرجوان، سنري كل شيء مثل أشياء صغيرة جدا، إن صعدنا إلى هذا الإرتفاع، هناك حيث لا ضجيج، ولا قلق، أو صراخ.
وكيف يكون الوصول إلى هذا العلو ممكنا، طالما أننا لا نزال نعيش في الأرض؟ أنني لن أكتفي بالكلام، بل إن أردت سأوضح لك عمليا أولئك الذين وصلوا إلى هذا السمو. إذا مَن هم هؤلاء؟ أنه بولس وكل من كان حوله، هؤلاء بالرغم من أنهم كانوا على الأرض إلا أنهم عاشوا في السماء. ولماذا أقول عاشوا في السماء؟ لقد كانوا أعلى بكثير من السماء، بل وأعلى بكثير من السماء الثانية، وصعدوا حتى إلى الله ذاته. لأنه يقول ” من سيفصلنا عن محبة المسيح أشدة أم ضيق أم إضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف؟ ” ، وأيضا ” ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي تُرى بل إلى التي لا تُرى”. أرأيت كيف أنه لم يعط أي إهتمام للأمور الأرضية؟ ولكي أُبيّن لك أنه كان أعلى بكثير من السموات، إسمع ذاك الذي يقول: “فإني متيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا.
4 – أرأيت كيف أنه بعدما يتجاوز بالفكر كل شيء، يصعد عاليًا، ليس فقط فوق هذا الكون، ولا فوق هذه السموات بل وفوق أسمي الكائنات؟ أرأيت مقدار السمو الذهني؟ أرأيت كيف تحول صانع الخيام هذا، لأنه أراد هذا السمو)، وهو الذي قضى كل حياته في السوق الذي كان يعج بمختلف أنواع الثقافات؟ بالحقيقة لا يوجد أي عائق، إذ يمكننا جميعا أن نعبر كل العوائق، إن كنا نريد ذلك بالطبع. لأنه إن كان في الفنون التي تتجاوز قدرات الكثيرين، نستطيع أن ننجزها بهذا القدر، فبالأكثر جدا سنحقق هذا السمو والذي لا يحتاج هذا المقدار من الجهد والتعب. أخبرني هل هناك أصعب من أن يمشي أحد فوق حبل مشدود ، كما لو كان فوق سطح مستو، وبينما هو يمشي فوق هذا الحبل يضع حذائه ويخلعه، كما لو كان يجلس على فراشه؟ ألا . لنا هذا العمل مخيف جدا ، حتى أننا لا تريد ولا حتى أن ننظر إليه، بل إننا نخاف ونرتعب حتى عندما ننظر إليه؟ وما هو الأمر الأكثر رعبًا من أن يضع أحد عمودًا خشبيا فوق جبهته، ثم يضع فوقه طفلا، ويُقدم ألعاب أخرى كثيرة حتى يُبهج المشاهدين هكذا؟ أيضًا ما هو الأمر الأكثر خطورة من أن يلعب أحد بالسيوف وأن يقفز فوقها؟ وأخبرني ما هو الأمر الأكثر أما من أن يغوص أحد في أعماق البحر؟ وفنون أخرى كثيرة يمكن للمرء أن يذكرها ، لكننا إن أردنا ، فإن الأسهل من كل هذه الأمور، هي الفضيلة وأن نسمو بأفكارنا إلى السماء، لأن هنا الأمر لا يتطلب سوي الإرادة فقط، وكل شئ سيأتي بعد ذلك كنتائج طبيعية بالحقيقة لا يمكن للمرء أن يقول لا أستطيع، فإن هذا القول يُمثل إدانة للخالق، لأنه إذا كان قد خلقنا ضعفاء، ثم يأمرنا بعد ذلك أن ننجز المستحيل، فهذا يعتبر إدانة له.
إذا ، لماذا لا يستطيع الكثيرون تحقيق الفضيلة؟ يحدث هذا لأنهم لا يُريدون ولماذا لا يُريدون؟ بسبب خمولهم. حتى أنهم إذا أرادوا ، فإنهم سيستطيعون في كل الأحوال. ولهذا فإن الرسول بولس يقول أريد أن يكون جميع الناس كم لأنه كان يعرف أن الجميع يستطيعون أن يكونوا مثله، لأنه ما كان له أن يقول هذا الكلام، إن كان تحقيقه مستحيل. أتريد أن تكون إنساناً يحيا بالفضيلة؟ إبدأ فقط. أخبرني حقاً في حالة كل الفنون حين نريد أن ننشغل بها هل يجب علينا أن نكتفي بالإرادة فقط، أم نسلم أنفسنا للأعمال بنشاط كبير؟ وأقصد بما أقوله الآتي: حين يريد شخص أن يصير حاكما ، لا يقول أريد”، ويكتفي بهذا ، بل يسلم نفسه للعمل بكل نشاط. أيريد أحد أن يصير تاجر، لا يقول فقط “أريد”، بل يسلم نفسه للعمل. أيريد أحد أن يسافر أيضًا، لا يقول “أريد”، بل إنه يشرع في هذا العمل. ثم بعد ذلك، في كل الحالات لا يكفي فقط بأن تريد ، بل يجب أن يُضاف إلى هذه الإرادة العمل أيضًا، بينما هنا في المجال الروحي) أتريد أن تصعد إلى السماء، وتقول “أريد” فقط؟ كيف إذا تقول يكفي أن يريد المرء؟ الإرادة يجب أن ترتبط بالأعمال يجب أن يُبدأ بالإرادة، ثم يعقب هذا جهاد الإنسان. بالتأكيد يكون الله معاوناً ومساعداً لنا في العمل، فقط يجب أن نشرع في العمل، أن نبدأ فيه وأن نهتم (به)، وأن نضعه في تفكيرنا، وسيتبع هذا كل الأمور الأخرى. أما إذا إستسلمنا للنوم العميق، وأنتظرنا لكي ندخل السماء، فلن نستطيع أبدا أن نرث ملكوت السموات فلتكن لدينا الإرادة. لماذا نفعل كل شيء من أجل هذه الحياة الحاضرة، التي سنتركها غدًا؟ إذا فلنفضل حياة الفضيلة، التي ستدوم في الحياة الأبدية التي سنعيش فيها إلى الأبد، وسنتمتع بالخيرات الأبدية والتي نرجوا أن ننالها جميعًا بالنعمة ومحبة البشر اللواتي لربنا يسوع المسيح الذي يليق به مع الآب والروح القدس المجد والكرامة إلى الأبد أمين.
العظة السابعة عشر (عب9: 24-28)
“لأن المسيح لم يدخل إلى أقداس مصنوعة بيد أشباه الحقيقة بل إلى السماء عينها ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا” (عب 9: 24).
1. كان اليهود يشعرون بفخر كبير بالهيكل وبالخيمة ، ولهذا قالوا : “هيكل الرب. هيكل الرب”. لأنه لم يُشيد شيء مثله في أي مكان علي الأرض، لا من حيث الفخامة، ولا من حيث الجمال ولا من أي جهة أخرى، خاصةً وأن الله هو الذي أوصى بتشييده، أمر أن يُشيّد بحماس كبير، وبسخاء، لأنهم، كانوا ينجذبون بالأكثر ويبتهجون بتلك الأشياء التي يرونها بأعينهم الجسدية. الحوائط كانت مغطاة بالذهب، ومن الممكن لمن يريد أن يتأكد أو يتحقق من سفر الملوك الثاني، ومن حزقيال النبي من كميات الذهب التي استخدمت فيه آنذاك. والهيكل الثاني الذي شيد فيما بعد كان أكثر إشراقاً ولمعانا، ولم يكن موقرا لهذا فقط، بل لأنه كان واحدا ومتفرداً ، وقد جذب الجميع بجماله، وكان (أناس) من كل أرجاء الأرض يأتون إليه من بابل ومن أثيوبيا. وهذا ما أوضحه لوقا في سفر الأعمال قائلاً : كان هناك ” فرتيون وماديون وعيلاميون والساكنون ما بين النهرين واليهودية وكبدوكية وبنتس وآسيا وفرجية ومصر ونواحي ليبية التي نحو القيروان. إذا فاليهود الذين كانوا ساكنين في كل أرجاء المسكونة تجمعوا هناك، وكان إسم الهيكل يتردد دائماً وكان معروفاً جداً.
إذا ماذا فعل بولس؟ كما فعل في موضوع الذبائح، هكذا يفعل هنا. لأنه كما وضع موت المسيح بدلاً من الذبائح، هكذا هنا أيضًا يُقارن بين السماء كلها ، وبين الهيكل وليس فقط أن الفارق قد أظهر من جهة هذا الأمر، بل بأنه أضاف أن الكاهن (أي يسوع) وجد بالقرب من الله، لأنه يقول ليظهر الآن أمام وجه الله”. لقد عرض الأمر بصورة أكثر وقارًا، ليس فقط بواسطة السماء، بل بالدخول والمثول أمام الله بواسطة هذا الكاهن. وبالتأكيد ليس فقط، كما يحدث هنا علي الأرض بواسطة الرموز ، بل أنه هناك يرى الله ذاته. أرأيت كيف أن الكلام المتواضع قد قيل في كل موضع بسبب التسامح؟ إذا لماذا تتحير في المرسل . الله بينما يقدمه الرسول بولس كرئيس كهنة؟ كذلك يقول “ولا ليقدم نفسه مرارًا كثيرة كما يدخل رئيس الكهنة إلى الأقداس كل سنة بدم آخر”. لأنه يقول: “لأن المسيح لم يدخل إلى أقداس مصنوعة بيد أشباه الحقيقة. إذا فالأقداس السمائية هي حقيقية، بينما هذه الأقداس الأرضية) هي رموز، حقا لقد شيّد الهيكل هكذا تماماً مثل سماء السموات. ماذا تقول؟ تقول إن لم يدخل إلي السماء ما كان أن يظهر أمام وجه الله، وهو الحاضر في كل مكان، والذي يملئ الكل بحضوره أرأيت أن كل هذا يعد تعبير بشري.
يقول: ” ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا “. ماذا يعني بكلمة “لأجلنا؟ ” يعني أنه صعد إلى السماء بذبيحة (نفسه) التي إستطاعت أن تجلب مراحم الله. أخبرني لماذا ؟ هل لأن ذاك (أي الابن) قد ظهر مرة واحدة أمام الآب. إن الملائكة (يقصد الذين سقطوا)، كانوا أعداء و مقاومين أما الإبن فلم يكن مقاومـاً. ومن حيث أن الملائكة كانوا مقاومين، إسمع ماذا يقول : ” وأن يصالح به الكل … سواء كان ما على الأرض أم ما في السموات”. هكذا بالصواب قال أن المسيح قد دخل “إلى السماء عينها ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا”. الآن يظهر، لكن لينوب عنا.
” ولا ليقدم نفسه مرارًا كثيرة كما يدخل رئيس الكهنة إلى الأقداس كل سنة بدم آخر” (عب 9: 25).
أرأيت مقدار الفروق؟ فبدلاً من أن يدخل مرات كثيرة، دخل مرة واحدة، وبدلاً من أن يدخل بدم آخر دخل بدم نفسه. إذا فالفروق بينهما كبيرة جدا. فالإبن إذا هو الذبيحة والكاهن ثم يقول:
” فإذ ذاك كان يجب أن يتألم مرارًا كثيرة منذ تأسيس العالم..” (عب 9: 26).
أنه يكشف هنا عن عقيدة ما، ويقول إذا كان قد تحتم عليه أن يقدم ذبائح مرات عديدة، فكان يجب عليه أيضاً أن يُصلب مرات عديدة. ولكنه الآن قد أظهر مرة عند إنقضاء الدهور”. ولماذا “عند إنقضاء الدهور؟ ” لأن هذا قد تم بعد إرتكاب الخطايا الكثيرة. بمعنى أنه إذا كان هذا قد تم منذ البداية، ثم بعد ذلك لم يؤمن أحد ، لكان التدبير الإلهي بلا فائدة، لأنه كان من غير الممكن، أن يتألم المسيح مرة ثانيةً، لكي يُحقق أو يتمم خطته، لكن ولأن الخطايا ازدادت جدا فيما بعد، فيكون أمرًا مبررًا أن يُظهر هذا الموضوع بقوله في موضع آخر حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة ” . يقول :
” ولكنه الآن قد أظهر مرة عند إنقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه. وكما وضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة ” (عب 9: 27).
2ـ وبعدما أظهر أنه ما كان ينبغي أن يموت مرات عديدة، يظهر الآن لماذا مات مرة واحدة، فهو مات مرة واحدة لكي يخلّصنا. يقول “وكما وضع للناس أن يموتوا مرة. هذا إذا مات مرة”، وقد صار هذا من أجل كل البشر. ماذا إذا؟ ألا نموت بعد ذلك موتاً؟ بالطبع نموت، لكننا لا نبقى في هذا الموت، الأمر الذي لا يعتبر موت. لأن طغيان الموت والموت الحقيقي هو ذلك الموت الذي لا يسمح ل للمائت أن يعود إلى الحياة مرة أخري، لكن إذا كان يحيا بعد الموت، ولأجل حياة أفضل فهذا ليس موتاً ، بل رقاد إذا ولأن الموت سيسود على الجميع، لهذا مات الرب، لكي يخلصنا من الموت. وهكذا مات المسيح مرةً من الذي قاده إلى الموت؟ بالطبع هو نفسه. هنا لا يقدمه الرسول بولس ككاهن فقط ، بل كذبيحة. وبعد ذلك يُضيف السبب الذي لأجله “ذبح”. يقول:
” هكذا المسيح أيضا بعد ما قدم مرة لكي يحمل خطايا كثيرين” (عب 9: 28).
لكن لماذا قال “كثيرين”، ولم يقل “الجميع؟ لأن الجميع لم يؤمنوا . أي أنه مات لأجل الجميع، لكي يخلّص كل أولئك الذين آمنوا به، لأن ذلك الموت كان بمثابة إزالة للهلاك الذي أصاب الجميع، لكنه حمل خطايا كثيرين فقط إذ لم يؤمن به الجميع.
ماذا يعني بقوله “يحمل خطايا؟”. تماما مثلما نقول بالتقدمة التي تقدمها من جهة الخطايا “إغفر لنا خطايانا التي صنعناها بإرادتنا والتي صنعناها بغير إرادتنا” أي أننا نتذكر أولا الخطايا، ثم بعد ذلك نطلب الغفران، هذا ما قد حدث هنا. أين صنع المسيح هذا؟ إسمعه هو نفسه وهو يقول : ” ولأجلهم أقدس أنا ذاتي . ها قد حمل الخطايا، أخذها من الناس، وقدمها للآب، لا لكي يقرر شيئًا ضدهم، بل فعل هذا من أجل غفران الخطايا. يقول : سيظهر” ثانية ” بلا خطية للخلاص للذين ينتظرونه” ماذا يعني بقوله “بلا” خطية ؟ يعني أنه في ظهوره الثاني لن يحمل خطايا، ولا سيأتي للمرة الثانية لأجل الخطايا، ولا يموت مرة أخرى، لأنه حتى عندما مات مرة واحدة، لم يمت لأنه كان محكوماً عليه بالموت. لماذا سيظهر؟ لكي يُدين. لكنه لم يقل هذا، بل قال الأمر المفرح سيظهر ثانية بلا خطية للخلاص للذين ينتظرونه”، إذ لن يكون هناك إحتياجا لذبيحة من أجل خلاصهم لكنه سيصنع هذا حسب أعمالهم.
تفسير رسالة العبرانيين 8 | رسالة العبرانيين 9 | تفسير رسالة العبرانيين | تفسير العهد الجديد | تفسير رسالة العبرانيين 10 |
القديس يوحنا ذهبي الفم | ||||
تفاسير عبرانيين 9 | تفاسير رسالة العبرانيين | تفاسير العهد الجديد |